نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


هل تنقلب آلة القتل على خالقها؟! “شبيحة النظام السوري نموذجاً”




في الفترة الممتدة بين عامي 1992 و1994 كان سلطة “الشبيحة” في منطقة الساحل السوري قد بلغت ذروتها بعد سنوات من استتبابها. كان أداءً شبيهاً بسطوة المافيات الإيطالية:


    أتاوات وترهيب وسرقة وإجرام وممارسات أخلاقية مشينة، ولم تعد أي سلطة قادرة على لجم عقال تلك القوة المسلّحة المتنامية. الأمر الذي جعل النظام السوري، آنذاك، يشعر بأن حكمه تخلخل بوجودهم، فولاء “الشبيحة” أولاً وأخيراً هو لولي نعمتهم، أياً كان ذلك الوليّ. حينذاك بدأت حملة تطهير الساحل والجبال منهم. بدت أشبه بحرب غير معلنة راح ضحيتها الكثير من “الشبيحة” وعناصر الجيش الذين كانوا خصومهم في تلك المعركة.

لكن ومنذ بدء الثورة السورية أضحى “الشبيحة” جزءاً من النظام الأمني، أقرب إلى أدوات فاعلة بين يديه. ولم يعودوا كما السابق محصورين في شريحة معينة، بل امتدت ذيولهم إلى عمال البلديات والموظفين والمحكومين المفرج عنهم والعاطلين عن العمل وحتى الشباب العادي الذي تسيّره رغبات انتقامية أو تعصب طائفي وربما طبقي! مجموعات متزايدة تتقاضى المال مقابل قتل الناس في المناطق الثائرة وضربهم وترهيبهم. وليّ نعمتهم هذه المرة هو النظام السوري! هذا ما جعل الأخير يتكبّد الأموال الطائلة مقابل دفع رواتبهم، وجعل وزارة الداخلية، وأفرع الأمن المختلفة كذلك، تسطو على ميزانيات الوزارات الأخرى في محاولة للاستمرار. ذلك أن دفع مكافآت “الشبيحة” أهم بكثير من دفع رواتب الموظفين، الذين من الممكن أن يبقوا صامتين لشهور بدون رواتبهم، ولكن بدون النقود لن تستمر آلة القتل في ممارسة قتلها!! وربما انقلبت على مستخدمها.. فهل يعيد التاريخ نفسه وتنفلت قوة القتل الوحشية من عقالها لتنقلب على خالقها؟!

في الحقيقة ثمة الكثير من علامات الاستفهام مؤخراً حول ذلك، آخرها حادثة قريبة حصلت إثر صدور بيان وزارة الداخلية يوم الأربعاء 18 نيسان 2012 تدعو فيه المواطنين للعودة إلى حاراتهم وبيوتهم في حمص بعد (استتباب الأمن) هناك. انطلت الحيلة على بعض رجال دير بعلبة وعادوا إلى الحي بعد أن نزحوا بشكل جماعي، وشبه كامل، قبل عشرة أيام من صدور البيان، وذلك إثر الاشتباكات بين قوات النظام والجيش الحر، والقصف الشرس على الحي وأحياء أخرى في حمص.

عاد الشباب في يوم الأحد التالي وهم حوالي مئة شخص، فيما ظلت أسرهم في مخابئ آمنة وبعيدة. وفي مقتبل الحي كانت دوريات الجيش بانتظارهم أو بدت كدوريات للجيش لأنهم يرتدون اللباس العسكري، ففي سوريا اليوم لم يعد أحد يتبيّن حقيقةً إلى أي فصيل يعود كل عنصر فـ”الشبيحة” يرتدون لباس الجيش، والأمن يرتدي لباساً مدنياً وهكذا.. المهم أن عناصر الجيش قالوا لهم وقتذاك: “أنتم في حمايتنا هنا.. ولن يؤذيكم أحد”، ورحّبوا بهم في بيوتهم (الآمنة). وفي تلك الليلة نام شباب دير بعلبة آمنين لأول مرة بعد شهور.

في اليوم التالي تم اختطاف ستة من الشباب عن طريق سيارة/ كمين متوارية بالقرب من المكان، وتم تسليمهم إلى مجموعة من “الشبيحة” تنتظر الفرائس في السيارة على أحرّ من الجمر.

واحد من الشباب المخطوفين هرب منهم، وحين أطلقوا النار عليه أصيب في يده وكتفه. لكن قيّض لهذا الشاب الناجي أن يصل إلى حاجز الجيش، وقال لهم إن شبيحة الحارة المجاورة خطّفوا الشباب ويريدون قتلهم! فأسعفه عناصر الجيش إلى المستشفى ولكنهم لم يحركوا ساكناً تجاه ما حدث!

في اليوم نفسه ذهب شقيق أحد المخطوفين إلى حاجز الجيش ذاته ليلاً ليخبرهم بأن ثمة مجموعة من الشباب خطفهم “الشبيحة” وهم يعذبون في بيت على أطراف دير بعلبة. ذلك أن أصواتهم كانت تضجّ في صمت المنطقة. ولكنه لم يتكهّن بأن أخاه واحد منهم. فقال له عناصر الجيش إنهم لا يجرؤون على الذهاب ليلاً إلى هناك.. فـ”الشبيحة” لا يؤتمنون!! في الصباح كان ثمة خمس جثث متفحمة في ذلك البيت الذي كانت أصوات التعذيب تخرج منه. فقد كان “الشبيحة” قد انتهوا من تعذيب المخطوفين وقتلهم ومن ثم حرقهم.. حينها فقط أتى عناصر الجيش مع المتبقي من شباب دير بعلبة ليرفعوا الجثث.

تفكيك هذه الحادثة قد تصل بنا إلى الجنون. لكنها، كما قلت، ليست الحادثة الوحيدة! فعلى الرغم من الحماية المستمرة للـ”الشبيحة” المنتشرين في كل مكان من قبل عناصر أمن وجيش النظام إلا أن الأخير يحاول دوماً إظهارهم ذوي استقلالية شبه كاملة. من الممكن تفسير الأمر باعتباره لعبة من ألعاب النظام السوري لتنفيذ ما يشاء من القتل والترهيب باستخدام “شبيحته”، ومن ثم لصق هذه الجرائم بـ(مجموعات إرهابية) غير معروفة لا شأن له بها، كما يعيد ويكرر يومياً في إعلامه. ويعمل بالتالي على إقناع الشعب بأن الجيش والأمن هما الحاميان الوحيدان له من بطش تلك (الجماعات المسلحة) التي يحاربها. فيما هو في الحقيقة خالقها ومربيها ومستخدمها. ولكن لا تبدو تلك الإجابة شافية تماماً. فالكثير من الناس على الأرض، خصوصاً في المناطق المشتعلة، حينما منعهم “الشبيحة” من النزوح من مناطقهم المتعرّضة للقصف ساعدهم الجيش في ذلك!! وقد تكررت تلك الحوادث مراراً.

ما الذي يحدث بالضبط؟ فالكم الكبير من الأسلحة التي صارت اليوم بين أيدي آلاف “الشبيحة”، أو بين أيدي عشرات آلاف الشباب الذين تم إعطاؤهم في الأشهر الأخيرة هويات أمنية مرتجلة، وهم في الحقيقة “شبيحة” مقنّعين، أمر ليس بالسهولة إنكاره وتخفيف تبعاته. كما أن حجم الحقد الذي راح يتولّد ضدهم في مناطقهم وحاراتهم، أولاً، وفي المناطق الأخرى، تالياً، أمر أيضاً لا يمكن إشاحة النظر عنه، فهو يتعلق ببنيتهم النفسية وشعورهم بالخطر الدائم والحاجة للدفاع عن وجودهم والتمسك به حتى آخر لحظة..

أن ينقضّ الوحش على مربيه وينهش لحمه الطازج بدل الفرائس التي تعوّد عليها أمر يحصل بالتأكيد، التاريخ هو من يقول ذلك والأمر منوط بالوقت والظرف المناسب، وليس التعويل هنا لا على وفاء الوحش ولا انضباطه ولا على سيطرتنا عليه لأنه تربّى ليكون عكس ذلك!!.
-----------------------
سوريا فوق الجميع


روزا ياسين حسن
الاثنين 14 ماي 2012