إعادة النظر في تجنيد المسلمين
بدأت الولايات المتحدة في الاعتماد بصورة متزايدة على المجندين المسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق، وبالرغم من أنه لا يتم عادة سؤال المجندين الأمريكيين عن معتقداتهم الدينية، فإن وزارة الدفاع (البنتاجون) قد أكدت وجود حوالي 3572 مسلمًا في الخدمة العاملة بالجيش البالغ عدد أفرادها 1.4 مليون فرد. وفي الواقع لا يمكن الاعتداد بهذا العدد التقديري للدلالة على حجم مشاركة المسلمين في عمليات الجيش الأمريكي لوجود مصادر غير رسمية تشير إلى أن إجمالي عدد من يعتنقون الديانة الإسلامية في صفوف الجيش الأمريكي قد وصل إلى حوالي 20 ألف جندي تقريبًا. وفي هذا الإطار أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية والقائد بقوات الاحتياط الأمريكية ناتان بانكس Nathan Banks على أن المسلمين يؤدون مهام حيوية للجيش الأمريكي لاسيما تسهيل التواصل مع السكان المسلمين المحليين في كل من العراق وأفغانستان .
لكن حادث إطلاق النار في قاعدة فورت هود أسفر عن عدة تداعيات من أهمها مدى اختلاف هوية المسلمين في الجيش الأمريكي عن أقرانهم من الأقليات الأخرى وهو ما يمكن اعتباره أحد دوافع قيام السيناتور اليهودي المستقل عن ولاية "كونيكتيكيت"، جوزيف ليبرمان، رئيس لجنة الأمن الداخلي والشئون الحكومية، بطلب عقد هذه الجلسة، لسماع وجهات نظر المسئولين العسكريين، حول قيام الرائد من أصل عربي، نضال مالك حسن، بقتل 13 شخصًا وإصابة 30 آخرين في القاعدة العسكرية. وأضاف ليبرمان، في تصريحات لقناة "فوكس نيوز" أنه يعتزم الدعوة لإجراء تحقيق مبدئي ضمن لجنة الأمن الداخلي"، مشيرًا إلى أنه إذا ما كان حسن قد أظهر أن لديه نزعة "إسلامية متشددة"، فكان على الجيش أن يتخذ إجراء ما إزاء ذلك.
و في السياق ذاته دعا بعض الصحفيين المنتمين لليمين لتغيير سياسة التجنيد وإجراءات الأمن في الجيش الأمريكي بما زاد من الضغوط التي يتعرض لها مسلمو الجيش الأمريكي حيث وصف المحرر اليميني رالف بيترز Ralph Peters في مقاله بصحيفة نيويورك بوست، هجوم تكساس بأنه "هجوم إرهابي"، واتهم قيادات الجيش بالفشل في تحديد الخطر الذي يمثله "المتطرفون" داخل الجيش على حد قوله معتبرًا أن الحادث تم التخطيط له ليبدو احتجاجًا على الحرب الأمريكية على الإرهاب مطالبًا باتخاذ إجراءات احترازية كي لا يتكرر الحادث. في حين أكد جيرالد ريفيرا Girard Rivera المراسل العسكري لشبكة فوكس نيوز الإخبارية الأمريكية أن الحادث سيلقي بمزيد من الشكوك على تركيبة الجيش الأمريكي الذي كان لا يصنف الجنود وفق انتماءاتهم الدينية. فعلى الرغم من أن منفذ الهجوم فرد، إلا أنه قطعًا سيؤثر على وضع مسلمي الجيش ومسلمي أمريكا عمومًا مشيرًا إلى أن تعدد المطالبات بإعادة النظر في تجنيد المسلمين وإخضاعهم لعملية اختيار دقيقة للتأكد من توجهاتهم .
أما البعد الآخر لتلك التداعيات فيتمثل في احتمالات وجود عنصرية ضد المسلمين في الجيش الأمريكي. فوفقًا لأقارب مرتكب الحادث، لم يكن نضال مالك حسن ميالاً للعنف بطبعه وإنما كان هادئ الطباع ولكنه كان ينوي الاستقالة من الجيش الأمريكي لعنصرية أقرانه في التعامل معه بالنظر إلى كونه مسلمًا وعربيًّا، فضلاً عن معارضته الصريحة للحرب في العراق وأفغانستان. وهو ما أثار ردود فعل مناوئة ضده من جانب زملائه. ومن المرجح أن تتصاعد موجة العداء ضد المسلمين في الجيش الأمريكي على إثر الحادث بما لذلك من تداعيات سلبية على العمليات العسكرية الأمريكية في العراق وأفغانستان.
كير ونظرية المؤامرة اليمينية
يرى بعض المحللين الأمريكيين أن تزايد عدد المسلمين في الجيش الأمريكي يعد خطرًا على الجيش الأمريكي بالنظر إلى الازدواجية في الولاء من وجهة نظرهم، وتواصل بعض مسلمي الجيش مع متطرفين دينيًا. ومن هذا المنطلق بدأت بعض الصحف الأمريكية تبحث حول وجود علاقة محتملة بين نضال والشيخ أنور العولقي، وهو الإمام السابق لمسجد دار الهجرة في فيرجينيا الذي اعتاد أن يصلي فيه نضال، وأحد الذين وردت أسماؤهم في تحقيقات أحداث 11 من سبتمبر، مستدلين على تلك العلاقة بما ورد في رسالة إلكترونية للعولقي مدح فيها الحادثة، واصفًا نضال بأنه "بطل لم يتحمل ضميره أن يكون ضابطًا في جيش يحارب أهله"،" داعيًا المسلمين الذين يعملون في الجيش الأمريكي أن يحذوا حذو نضال".
و على الرغم من إدانة غالبية المنظمات الإسلامية للحادث بصورة فورية وتضامن بعضها لإنشاء صندوق تبرعات لصالح أهالي الضحايا فإنها لم تخرج من دائرة الاتهامات من جانب عدد من الساسة اليمينيين الأمريكيين، حيث اتهم أربعة أعضاء بالكونجرس الأمريكي مجلس العلاقات الأمريكية ـ الإسلامية " كير" بالتخطيط لوضع متدربين في لجان القضاء والاستخبارات والأمن الداخلي بهدف التأثير على سياسات الولايات المتحدة وطالب النواب الأربعة ـ وهم: جون شاديج John Shadegg، وترينت فرانكس Trent Franks، النائبان عن ولاية أريزونا، وباول براون Paul Broun عن ولاية جورجيا، وسيو ميريك Sue Myrick عن ولاية كارولينا الشمالية - مراقب الكونجرس لشئون التسلح رسميًا ببدء تحقيق كامل بشأن ما زعموا أنه "محاولة اختراق" من جانب "كير" للكونجرس بما يعني بداية عملية لموجة جديدة من الاستبعاد المجتمعي لمسلمي الولايات المتحدة تسير في الاتجاه المضاد لجهود الرئيس أوباما لدمجهم في المجتمع الأمريكي .
و في السياق ذاته كشفت مؤسسة "راسموسن ريبورتس" الأمريكية rasmussen reports عن نتائج استطلاع للرأي أجرته ونشرت نتائجه في 11 من نوفمبر الجاري أكد خلاله حوالي 65 % من المبحوثين أن نضال ينبغي أن يتلقى عقوبة الإعدام في حال إدانته، وحول إمكانية أن يعاني المسلمون في أمريكا من رد فعل عنيف على هذا الحادث، أعرب 57% ممن استطلعت آراؤهم من الأمريكيين عن قلقهم من أن يؤدي الحادث إلى رد فعل عنيف ضد المسلمين الأمريكيين، بينما قال 40% إنهم ليسوا قلقين جدا، أو ليسوا قلقين على الإطلاق من أن يؤدي الحادث إلى رد فعل عنيف ضد مسلمي أمريكا، كما دعا 76% من الأمريكيين إلى استبعاد الجنود الموجودين بالخدمة أمثال نضال الذين يحاولون الاتصال بجماعات إرهابية مثل القاعدة.
نضال وظاهرة انتحار العسكريين
إن الأوضاع العسكرية المتردية في العراق وأفغانستان كانت أحد أركان حادث فورت هود، فوفقًا للمقربين من مرتكب الحادث فإن وجود أوامر لنقله للخدمة في العراق وقيامه بإعادة التأهيل النفسي للجنود العائدين من العراق وأفغانستان، حيث أكدت أنطوانيت زيس antonette zeiss نائبة رئيس الخدمات النفسية لشئون المحاربين في تصريحات لمجلة التايم الأمريكية: إن حسن قد تأثر بتعامله مع مرضاه ممن يعانون من إضرابات نفسيه . ويرتبط ذلك من جانب آخر بتصاعد الخسائر البشرية الأمريكية في أفغانستان حتى وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ بدء الحرب في أفغانستان قبل ثماني سنوات إذ قتل 54 جنديًا خلال شهر أكتوبر ليصل إجمالي الخسائر البشرية في صفوف القوات الأمريكية منذ بداية عام 2009 حوالي 277 جنديًا وهو ما يفسر رفض نضال لأوامر نقله إلى ساحة القتال في العراق. .
وتواكب ذلك مع تصاعد معدلات الانتحار بين الجنود العائدين من أفغانستان والعراق، وفق إحصاءات الجيش الأمريكي التي أكدت وقوع 133 حالة انتحار خلال عام 2008، إلى جانب 15 حالة قيد التحقيق، وذلك من بين عناصر القوات المسلحة ممن لا يزالون في الخدمة، أو العاملين في الحرس الوطني أو عناصر الاحتياط وغالبيتهم ممن شاركوا في العمليات القتالية في العراق وأفغانستان، بينما وصلت حالات الانتحار في عام 2007 إلى حوالي 115 حالة وهو المعدل الأعلى الذي تم تسجيله منذ عام 1980 ويرتبط ذلك بالحالة النفسية السيئة للجنود المشاركين في عمليات القتال في العراق وأفغانستان. وقد أشارت إحدى الدراسات التي أجريت على حالات الانتحار بين جنود الجيش إلى أن معدل الانتحار بين الجنود الذين تقل أعمارهم عن 24 عامًا يبلغ نحو ضعفين إلى ثلاثة أضعاف معدل الانتحار بين المدنيين من العمر نفسه.
ويمكن القول إن الجيش الأمريكي لا يزال في حاجة ماسة لجهود المجندين المسلمين بالنظر إلى إجادتهم اللغة العربية والإلمام بالثقافة العربية والإسلامية ومعلوماتهم عن الشرق الأوسط واستمرار التواجد العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان. إلا أنه من المرجح أن تشهد أوضاع المسلمين في القوات الأمريكية ترديًا ملحوظًا وتصاعدًا للممارسات التمييزية ضدهم لاسيما على المستوى غير الرسمي، مما سيعزز الصراع النفسي بين الولاء للوطن وبين الولاء للدين لدى مسلمي الجيش الأمريكي، وسيؤدي لتفاقم أزمات العلاقة بين الجنود المسلمين وغير المسلمين في الجيش الأمريكي، كما يظل عدم الاتزان النفسي الذي يعاني منه الجنود العائدون من العراق وأفغانستان إشكالية معقدة تجعل تكرار الحادث غير مستبعد بما يرتبط بالجدل الدائر حاليًا حول جدوى استمرار العمليات العسكرية الأمريكية في الدولتين كلتيهما .
--------------------
تقرير واشنطن