قد يكون لهذا السبب استبق بلخادم صراعات الأجنحة المتناحرة داخل جبهة التحرير للإعلان عن دعمه ترشح بوتفليقة لولاية رابعة، مع أنه يدرك أن قانون الطبيعة أكبر من قدرات البشر. لولا أن توقعاته بأن الحزب الذي يعبد الطريق أمام هكذا طموح، عاكسه تيار جارف أجهز على مشروعه في منتصف الطريق. والأكيد أنه لم يحتكم إلى منطق صناديق الاقتراع لولا اعتقاده بأنها ستلغي رهان سحب الثقة من تحت قدميه.
جبهة التحرير الجزائرية التي انكفأت في تسعينات القرن الماضي، على خلفية أول استحقاقات تعددية عرفتها الجزائر، وهي تشق طريقها نحو الانفتاح، نبتت لها أذرع ونفوذ بعد هدوء العاصفة، فهي التنظيم الوحيد الذي ارتبط بمرحلة هيمنة الحزب الوحيد، واستمر وجوده مؤثرا في ظل خيار التعددية، وزاد استقطابا، على رغم ظهور أحزاب رضعت من ثدي السلطة. ما يعني في أبسط تقدير أن إطاحة بلخادم ستترتب عليها معطيات تنسحب على مسافات أكبر في ترتيب البيت الداخلي.
كما يصعب ترسيم مسافات بين حدود الحزب والدولة في الاستثناء الجزائري الذي يتسم بكثير من الصلابة والعناد، فإن تداعيات الإطاحة برجل شغل مناصب قيادية مؤثرة على رأس الدبلوماسية، وأصبح ممثلا لرئيس الجمهورية، حافظ على ارتباطاته بالتيارات المتصارعة، لا بد أن تفضي إلى مضاعفات، أقلها اختبار قدرات التنظيم في اجتياز التوقعات، وتحديدا على صعيد علاقته بالدولة وعلاقة الأخير بالمرجعية الحزبية. وإن كان الراجح أن سابقة إطاحة أحمد أويحيى من زعامة «التجمع الوطني الديموقراطي» عبر استقالته، تعكس الجانب الخفي من صراعات تدور على جبهات عدة.
بيد أن ما يتفاعل داخل وحول جبهة التحرير الجزائرية، يكون له أثر بالغ في توجيه الأحداث في الجزائر. كونه الوعاء الذي يستقطب التناقضات، فقد كان مسؤولا عن المسار الذي قطعته البلاد منذ استقلالها، يوم كانت تلوح بخيارات اقتصادية وإيديولوجية، تدور في فلك هيمنة الحزب الوحيد. لكنه سرعان ما تنكر لكل الهفوات والأخطاء، ولبس رداء الحزب الذي يتعايش وخيار التعددية والانفتاح على اقتصاد السوق، وهو في طريقه لأن يبدو تنظيميا يرغب في الإفادة من التحولات الإقليمية الراهنة، وإن حافظ بعض متشدديه على نزعة محافظة إزاء التيارات الإسلامية.
وسنحت الاشتراعيات الأخيرة لدعاة انفتاح الحزب، من دون تنازل عن السلطة لفائدة القوى الإسلامية التي لم تفلح في استنساخ تجارب مماثلة، كما في تونس والمغرب ومصر، أن يظهروا أنهم أكثر حرصا على التغيير الهادئ الذي يبدأ من داخل الحزب، ثم يتمدد أفقيا وعموديا في اتجاهات أخرى. والحال أن عبد العزيز بلخادم الذي كان يبدو وفاقيا، لا يقطع شعرة معاوية، ظل مطمئنا إلى حيازة ثقة جزء كبير من مكونات اللجنة المركزية، قبل أن تفاجئه صناديق الاقتراع.
قد لا يكون هناك أي رباط بين التحديات التي واجهتها الجزائر في الآونة الأخيرة في حربها على الإرهاب، بعد حادث اختطاف رهائن أميناس الأجانب والمحليين، وبين الصراع الدائر داخل جبهة التحرير. لكن التوقيت الذي لا يمكن إسقاطه من معادلة رصد التطورات أفاد مناهضي الانفتاح على التيارات الإسلامية في قطع حبل أي وصال. فقد عادت الجزائر إلى المربع الأول، مع فارق أنها تحظى بدعم دولي أكبر، وأن أكثر العواصم الغربية قلقا حيال استشراء الظاهرة الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء أبدت تفهمها للأسلوب الذي نهجته الجزائر، بل إن رئيس الوزراء البريطاني دفيد كاميرون الذي لم تطأ قدماه أرض المليون شهيد منذ استقلالها، جاء يحمل الدعم والمساندة ويفتح صفحة جديدة في علاقات شراكة أمنية واقتصادية.
تصريف المواقف الدولية الداعمة للحرب على الإرهاب، لا يقتصر على الحكومة الجزائرية المنتشية بتعاطف واسع النطاق، ولكنه انطلق من قلعة جبهة التحرير التي لا تريد الإعلان عن وجودها كرقم محوري لا يمكن إسقاطه أو إغفاله في ترتيبات المرحلة. وقد يكون عبد العزيز بلخادم دفع فاتورة هذا التوجه الذي جاء على غير توقعاته.
ترغب جبهة التحرير في استباق الأحداث، ولا يهم إن كانت الحركة التقويمية تدرجت من همس الكواليس إلى المطالب برحيل الممثل الشخصي السابق للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. فالأهم أنها لا تريد إعطاء المثل إزاء إمكان تقويم أداء الحزب وتنقية صفوفه والعودة إلى النبع القديم في اختيار قيادات قابلة للتعايش والتحولات الراهنة. والسؤال الآن: هل سيستسلم بلخادم للأمر الواقع، أم أن لديه أوراقا قد يخرجها في لحظة أكثر حرجا وحسما؟ وخاصة وأن ما يتصوره البعض نهاية قد يصبح مؤشرا لبدايات أخرى تتفاعل في المهد واللحد معا.
كما يصعب ترسيم مسافات بين حدود الحزب والدولة في الاستثناء الجزائري الذي يتسم بكثير من الصلابة والعناد، فإن تداعيات الإطاحة برجل شغل مناصب قيادية مؤثرة على رأس الدبلوماسية، وأصبح ممثلا لرئيس الجمهورية، حافظ على ارتباطاته بالتيارات المتصارعة، لا بد أن تفضي إلى مضاعفات، أقلها اختبار قدرات التنظيم في اجتياز التوقعات، وتحديدا على صعيد علاقته بالدولة وعلاقة الأخير بالمرجعية الحزبية. وإن كان الراجح أن سابقة إطاحة أحمد أويحيى من زعامة «التجمع الوطني الديموقراطي» عبر استقالته، تعكس الجانب الخفي من صراعات تدور على جبهات عدة.
بيد أن ما يتفاعل داخل وحول جبهة التحرير الجزائرية، يكون له أثر بالغ في توجيه الأحداث في الجزائر. كونه الوعاء الذي يستقطب التناقضات، فقد كان مسؤولا عن المسار الذي قطعته البلاد منذ استقلالها، يوم كانت تلوح بخيارات اقتصادية وإيديولوجية، تدور في فلك هيمنة الحزب الوحيد. لكنه سرعان ما تنكر لكل الهفوات والأخطاء، ولبس رداء الحزب الذي يتعايش وخيار التعددية والانفتاح على اقتصاد السوق، وهو في طريقه لأن يبدو تنظيميا يرغب في الإفادة من التحولات الإقليمية الراهنة، وإن حافظ بعض متشدديه على نزعة محافظة إزاء التيارات الإسلامية.
وسنحت الاشتراعيات الأخيرة لدعاة انفتاح الحزب، من دون تنازل عن السلطة لفائدة القوى الإسلامية التي لم تفلح في استنساخ تجارب مماثلة، كما في تونس والمغرب ومصر، أن يظهروا أنهم أكثر حرصا على التغيير الهادئ الذي يبدأ من داخل الحزب، ثم يتمدد أفقيا وعموديا في اتجاهات أخرى. والحال أن عبد العزيز بلخادم الذي كان يبدو وفاقيا، لا يقطع شعرة معاوية، ظل مطمئنا إلى حيازة ثقة جزء كبير من مكونات اللجنة المركزية، قبل أن تفاجئه صناديق الاقتراع.
قد لا يكون هناك أي رباط بين التحديات التي واجهتها الجزائر في الآونة الأخيرة في حربها على الإرهاب، بعد حادث اختطاف رهائن أميناس الأجانب والمحليين، وبين الصراع الدائر داخل جبهة التحرير. لكن التوقيت الذي لا يمكن إسقاطه من معادلة رصد التطورات أفاد مناهضي الانفتاح على التيارات الإسلامية في قطع حبل أي وصال. فقد عادت الجزائر إلى المربع الأول، مع فارق أنها تحظى بدعم دولي أكبر، وأن أكثر العواصم الغربية قلقا حيال استشراء الظاهرة الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء أبدت تفهمها للأسلوب الذي نهجته الجزائر، بل إن رئيس الوزراء البريطاني دفيد كاميرون الذي لم تطأ قدماه أرض المليون شهيد منذ استقلالها، جاء يحمل الدعم والمساندة ويفتح صفحة جديدة في علاقات شراكة أمنية واقتصادية.
تصريف المواقف الدولية الداعمة للحرب على الإرهاب، لا يقتصر على الحكومة الجزائرية المنتشية بتعاطف واسع النطاق، ولكنه انطلق من قلعة جبهة التحرير التي لا تريد الإعلان عن وجودها كرقم محوري لا يمكن إسقاطه أو إغفاله في ترتيبات المرحلة. وقد يكون عبد العزيز بلخادم دفع فاتورة هذا التوجه الذي جاء على غير توقعاته.
ترغب جبهة التحرير في استباق الأحداث، ولا يهم إن كانت الحركة التقويمية تدرجت من همس الكواليس إلى المطالب برحيل الممثل الشخصي السابق للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. فالأهم أنها لا تريد إعطاء المثل إزاء إمكان تقويم أداء الحزب وتنقية صفوفه والعودة إلى النبع القديم في اختيار قيادات قابلة للتعايش والتحولات الراهنة. والسؤال الآن: هل سيستسلم بلخادم للأمر الواقع، أم أن لديه أوراقا قد يخرجها في لحظة أكثر حرجا وحسما؟ وخاصة وأن ما يتصوره البعض نهاية قد يصبح مؤشرا لبدايات أخرى تتفاعل في المهد واللحد معا.