لكن نهاد قلعي أخطأ عندما شارك غوّار. كان من الأفضل ألا يربط اسمه باسم غوّار الطوشة مباشرة، فمن هنا يأتي الخطر. والخطر الذي يأتي من الشركاء الأنانيين قد لا يضاهيه خطر. وبالفعل غوّار لم يكذِّب خبراً لدى السلطات، فالسلطة التي قمعت وقتلت واعتقلت الشعب في ما سمّي بأحداث الثمانينات (مجزرة حماة)، وجدت من يقف بجانبها من الفنانين والكتّاب والنجوم، وكان غوّار هو زعيم كتلة النّفاق والرياء، وكان الشعب يتأسف لموهبته الضائعة بالـ”كولكة” كما كانوا يقولون. “غوّار موهوب بس مكولِك”، هكذا وصفه الشعب.
أما الأستاذ نهاد فهو حبيب الملايين الذي لم “يكولِك” للنظام، لم يكن النفاق من ضمن صفاته، كان صادقاً وحقيقياً على قدر صدق وحقيقة إبداعه. لم يكن منفصلاً عن إنتاجه، كان يعني ما يقول ويدافع عنه أيضاً، عكس غوّار الذي صار ”يضجّ” بكتابات الماغوط بعد أن تم القضاء على نهاد قلعي بواسطة ضابط من سرايا الدفاع قال الأسد له ولبقية أشباهه إنهم ملوك البلد، وإنهم يستطيعون أن يفعلوا ما يشاؤون. فكان أن هجم ذلك الضابط على نهاد قلعي من الخلف وهوى عليه بكرسي ثقيل أصابه بالشلل. كان على الوطن كله أن يكون كذلك، لم يكن وطن نهاد قلعي الذي رفض أن يذهب إلى بلاط الأسد لممارسة النفاق ومباركة القتل. كان وطن غوّار الذي صار رجل البلاط التي يهتف على المسارح باسم الوطن وكأس الوطن، لكن أي وطن يا صاح، الوطن مشلول الآن، الوطن يعيش ليأخذ الدواء فحسب.
كذلك قال نهاد قلعي في وصف حياته: “عايش مشان آخد دوا”، كانت القصة كذلك ببساطة، فقد انكشف الأمر الآن، كما كان مكشوفاً من قبل، لكن الجميع آثر الصمت، بلع الموسى، وقبل بغوّار كواقع من وقائع وطرق التعايش مع الوطن. حتى أن غوار نفسه كاد أن ينال المغفرة من الناس، لكن للأسف.. تابع غوّار المشوار، وتابع معه عشرات الغوّارين والغوّارات، وصاروا يتحدثون باسم الوطن، ذلك الوطن الذي أصيب بالشلل منذ أن هجم ضابط السرايا على نهاد قلعي بكرسي ثقيل وضربه على ظهره، وكان ظهر نهاد قلعي مكشوفاً، كما كان ظهر الوطن، وأصيب نهاد قلعي بالشلل، عن سابق إصرار وترصّد.
لم تكن حادثة، كان كل شيء مدروساً، كان مرتباً، كان مطلوباً لنهاد قلعي الشلل، ولغوّار المجد والأضواء، كما كان مدروساً ومرتباً ومطلوباً للوطن.. وطن نهاد قلعي.. الشلل.-----------
المدن