نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


من ورّط عباس النوري في التهجم على حافظ الأسد ورفعت؟ ومن أجبره على التراجع؟






لم تكن التصريحات الأخيرة التي أطلقها الممثل الشهير عباس النوري خلال لقائه مع إذاعة المدينة التي تبث من دمشق عادية ..كانت صادمة بمقاييس الموالين للنظام، لذلك أثارت جدلاً واسعاً على الفور.


 
صحيح أن النوري تراجع عن تصريحاته واعتذر بسرعة البرق، لكن هذا التراجع والاعتذار لا يمحو مضمون التصريحات اللافت، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول السبب الذي دفعه لإطلاقها، والجرأة الكبيرة التي تحلى بها هو والراديو الذي أذاعها، خاصة وأنه تطرّق إلى ملف شديد الحساسية بالنسبة للنظام، وهو أموال البنك المركزي التي سلمها حافظ أسد لشقيقه رفعت منتصف ثمانينيات القرن الماضي  مقابل خروج الأخير من سوريا.

التهجم على حزب البعث وانقلابه عام ١٩٦٣، وتحميل مسؤولية تدمير البلاد للعسكر والأمن بهذه الصراحة، تفصيلان مهمان عندما يصدران عن شخصية وإذاعة مواليتين ومن دمشق، لكن الحديث عن نهب البنك المركزي أمر لم يجرؤ على التطرق إليه قبل ذلك من قلب دمشق سوى ميشيل كيلو.


للوهلة الأولى يبدو أن الأمر مرتبط بعودة رفعت أسد إلى سوريا العام الماضي، وما أحدثته هذه العودة من تراشق بين أولاد الأخير ومسؤولين في النظام يتنافسون معهم على نهب اقتصاد البلاد، أو يخشون من أن يستعيدوا أي دور في الحكم والسلطة، ولذلك يجب التوقف عند بعض النقاط الهامة هنا:
 

أولاً

: بحكم انتمائه للطائفة الشيعية  فإن عباس النوري يرتبط بعلاقة وثيقة مع مالك إذاعة المدينة "ميرزا نظام الدين" والأخير من العائلات الشيعية الدمشقية التي أثرت بشكل فاحش خلال العقود الأربعة الماضية، بعد تبنيها مشروع الولي الفقيه الإيراني ونشره بين الشيعة السوريين، لتحظى بدعم غير محدود من طهران، جعل من العائلة ما يقوض زعامة آل الأمين التاريخية للشيعة في سوريا.

تضاعف نفوذ وثراء العائلة بعد عام ٢٠١١ مع الاحتلال الإيراني للبلاد، وأصبحت عائلة "نظام الدين" صاحبة كلمة قوية، لكنها بقيت مع ذلك شديدة التحفظ في اقتحام الفضاء السياسي أو المنافسة به، على الأقل علنياً، مع ملاحظة أن إذاعة المدينة بدأت ببث محتوى يلفت الانتباه على هذا الصعيد، إلا أنها لم تكن الوحيدة بين وسائل الإعلام الموالية التي رفعت سقف الانتقاد الذي كان واضحاً أنه جزء من سياسة التنفيس التي يتبعها النظام.

ثانياً

: يرتبط عباس النوري بعلاقة قوية جداً مع علي مملوك الذي كان مسؤول مكتب الأمن القومي حتى الأمس القريب، ثم عين لاحقاً بمنصب معاون رئيس الجمهورية، وذلك بحكم نشأتهما في حي واحد وصداقتهما القديمة، حتى أن النوري يُعرف على نطاق واسع بأنه أحد أزلام مملوك، ولذلك كان طبيعياً أن تتجه أنظار الكثيرين إليه، والاعتقاد بأنه هو من دفع النوري لإطلاق التصريحات الأخيرة من أجل تحقيق أهداف خاصة.

لكن هذه الرواية على قوتها يعوزها التوقف عند نقطتين: الأولى أن علي مملوك ورغم قوة نفوذه ودوره المفصلي في النظام، إلا أنه لم يكن في أي يوم صاحب طموح يتجاوز حدود خدمة عائلة الأسد وتقويتها.
والثانية أن مملوك ومنذ شهور يعيش ما يشبه العزلة، بسبب تفاقم حالته الصحية وتدهورها، واضطراره إلى قضاء معظم وقته في المشفى، وبالتالي فمن المرجح أن لا علاقة له بالحدث رغم أن مصادر موثوقة تؤكد وجود هذه العلاقة.
 

ثالثاً

: ارتباط أبناء بهجت سليمان ضابط الأمن المعروف والسفير السابق في الأردن، وخاصة ابنه مجد بعلاقة شراكة وصداقة متينة مع أسرة "نظام الدين"، وهذه العلاقة حاملها الأقوى حالياً ارتباط الطرفين بشكل كامل مع المشروع الإيراني في سوريا، ناهيك طبعاً عن خشية الأسرتين من أي منافسة اقتصادية قد يتطلع إليها أولاد رفعت.

وعليه سيعدّ تحريض عباس النوري من قبلهما منطقياً، ودعكم هنا من تهديد حيدرة ابن بهجت سليمان الفارغ برفع دعوى قضائية ضد النوري، بتهمة الإساءة لحزب البعث، لكن هذا لا يعني التسليم بهذه الرواية التي يعوزها هي الأخرى سد ثغرة هامة أيضاً هي الجرأة على المساس بمقدسات النظام وأصنامه المحرمة.

في الواقع قد يتسامح النظام وآل أسد مع التهجم على البعث وانقلابه، وعلى حكم العسكر والقبضة الأمنية المتوحشة (رغم صعوبة ذلك) لكن ما لا يمكن التسامح به هو الحديث من قبل إعلامهم عن نهب البنك المركزي، لأن الحديث عن هذا الملف لا يمثل إدانة لرفعت فقط، بل لحافظ أسد نفسه الذي سلم أموال البلاد لشقيقه بكل تآمر وبساطة.

لذلك فإن السيناريو الأكثر منطقية فيما حدث أن هناك من حرّض عباس النوري أو طلب منه بالفعل انتقاد النظام، لكن في إطار ما يجري مؤخراً من السماح لوسائل الإعلام الموالية ببثه، إلا أن النوري وكعادته أفرط في الشراب قبل التوجه إلى الاستديو، ولعله أفرط كثيراً هذه المرة لعلمه بخطورة ما هو مقدم عليه، وتحت الهواء انطلق لسانه دون وعي ليفصح عما يعرفه ويعرفه كل السوريين لكنه لم يكن ليجرؤ على البوح به وهو واعٍ.
----------------
أورينت نت-
 

عقيل حسين
الثلاثاء 1 فبراير 2022