سيشفي الحسم العسكري للثورة السورية قلوب قوم مؤمنين، وسيوفر مادة مثيرة لكل العرب وهم يتابعون على فضائياتهم منظر شباب الثورة وهم يقتحمون
بقدر ما سيفرح الشعب بخبر القبض على بشار أو قتله، سيخرجون في ساحات مدنهم يحتفلون بحرية طالما حرموا منها، فإن الساسة السوريين وزعماء البلاد المجاورة سينتابهم القلق، فوحدة سورية هي التي على المحك الآن.
الذين دخلوا دمشق فصيل من فصائل الثورة السورية، وهناك مثلهم في حلب، ويعرف السوريون كيف أن دمشق وحلب محوران متوازيان، ولكل منهما عقله ومصالحه المستقلة عن الآخر، حتى «الإخوان المسلمون» منقسمون بين المدينتين، إخوان دمشق وإخوان حلب. انهيار الدولة سيؤدي إلى ظهور تيار دمشق وتيار حلب في صنع الدولة الجديدة، لو قسم السيدان سايكس بيكو المنطقة كما ينبغي، لكان هناك محور الموصل، أختهما المختطفة بعيداً عنهما.
سنرى احتفالات النصر وأهازيج الفرح في دمشق وحلب وحماة وحمص وإدلب ودير الزور ودرعا، ولكن لن نراها في القرداحة وطرطوس، فهما ستبقيان في يد النظام في حال الحسم العسكري، تصحيح – في يد الطائفة – اللاذقية ومدن عدة حول منطقة العلويين «المقترحة» تستعر فيها معارك، بل مذابح وتطهير عرقي، ربما تمتد حتى حمص فحلم الدولة العلوية الأحمق يمتد حتى حمص، تحديداً غرب العاصي من حمص، والتي ستكون حدود الدولة العلوية التي لا ينبغي أن تكون.
احتمالات بقاء هذه الدولة التي ستسمي نفسها «الجمهورية العربية السورية» الشرعية ضئيلة جداً، ولكن لا ينبغي الوثوق في مكر التاريخ، بخاصة عندما يكون بعض من لاعبيه «إسرائيليين» طارئين على المنطقة، كما أن إسقاط هذا المشروع المشبوه سيكون مكلفاً.
وطالما أن للعلويين حظاً في الدولة، سيقول الكردي، وتحديداً الحزب الديموقراطي الكردستاني، نحن أيضاً لنا حق في دولة كردية، هذا أعلى السقف، أما في الحقيقة فهم يطمحون إلى كردستان سورية على غرار جارتهم العراقية، على رغم اختلاف القياس، إذ لا توجد منطقة كردية خالصة في سورية، فمناطقهم مختلطة مع العشائر العربية، كما أن الأكراد منقسمون إلى 15 تنظيماً، غالبها لا يشارك الحزب الديموقراطي أهواءه وغلوّه، فهو قريب بأفكاره من حزب العمال الذي تعاديه الجارة الكبرى تركيا، وثمة شبهات أنه ممول من النظام أو من صناعته، ولكن حال الفوضى تشجع المغامرين، والمغامرات فتن، إن لم تنجح في مقاصدها فهي تكلف الكثير لوأدها، وتترك آثاراً مؤلمة من بعدها.
المشروع الثالث البغيض، هو دولة درزية مطلة على الجولان المحتل، هذه ستكون منطقة حاجزة بين إسرائيل القلقة وسورية السنية الديموقراطية، والحرية التي ستستعيد اكتشاف جذورها «الصلاحية» و«الزنكية» (نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي).
ما الحل إذن؟ كيف يمكن ضمان سلامة وتماسك الدولة السورية مع انتصار الثورة، وتحقيق رغبة الشعب في الحرية والخلاص من نظام بشار الأسد ودولته؟
إنه في الحل السياسي الذي أخرج نائب الرئيس السوري فاروق الشرع عن صمته الطويل، ووصفه بالتسوية التاريخية. حسناً، لا أحد يريد أن يستمع لفاروق الشرع، كما أن أي حل بتشكيل «حكومة وحدة وطنية بصلاحيات واسعة لإنهاء الصراع» كما اقترح الشرع، ولا يتضمن خروج بشار الأسد، لن يقبله أحد، إلا إذا كان من ضمن الصلاحيات الواسعة إعفاء بشار ثم اعتقاله ثم تقديمه للمحاكمة، وهو ما سيقضي على مشروع تسوية تاريخية.
من دون انقلاب عسكري يقصي بشار، لا يمكن توقع أن الأطراف السورية قادرة على التوصل لتسوية تاريخية، فالمسافة بين الطرفين هائلة، وتزداد اتساعاً ودماً، كما أن تقدم الثوار السريع لا يضعهم في مزاج تسويات تاريخية مع فاروق الشرع.
الحل السياسي الممكن سينزل على الثوار من أعلى، من اتفاق روسي أميركي، بمشاركة إقليمية، ويتضمن خروجاً آمناً لبشار وعائلته، ومن يختار الهرب ويسمح له بذلك من أركان نظامه، يتبع ذلك تشكيل «حكومة سورية ذات قاعدة عريضة» بين الائتلاف الوطني السوري، وما يتركه بشار خلفه من رجال الدولة السورية، وعلى الائتلاف والثوار بعدها الاتفاق أو الاختلاف حولها.
هذه المبادرة ستفجر «الوضع» داخل المعارضة السورية، هناك الحكيم الذي سيقول «إن حقن قطرة دم سورية أغلى من بشار وأسرته وبلايينه، ليخرج إلى حيث ألقت…، ولنحتوي جميعاً سورية موحدة بعلوييها وسنتها وأكرادها ودمشقها وحلبها. إنه ثمن رخيص ندفعه في مقابل وحدة سورية، ووقف الدم والدمار «ليرد عليه ثائر غاضب»: «لا والله.. رأس الكفر بشار.. لا نجوت إن نجا»، وهناك قائد الكتيبة الميداني الذي سيعتبر أن خروج بشار تخلخل للنظام، فيتقدم نحو دمشق معلناً تحريرها، بينما يتواصل معه أحد أعضاء المجلس الوطني أو الائتلاف من الدوحة أو إسطنبول ليرجوه ألا يفعل، لأن دمشق سقطت بيد الثورة»، وبالطبع لن يستمع له.
سمعت جدلاً، كهذا بين «بيشاور» و «الطائف» و«كابل»، وشهدت أحداثاً مشابهة، بدأت بنهاية 1988، بعدما وقّع الاتحاد السوفياتي اتفاق جنيف مع حكومة باكستان لتغطية هزيمتهم في أفغانستان، بقرار أممي يخرجهم من ذلك المستنقع الذي أدماهم لعقد كامل، ثم بدأ الحديث حول حكومة أفغانية انتقالية. قال الروس «حرفياً» إنها لم تعد شيوعية، «أتوقع أن يقول أحدهم إن ما سيترك بشار في دمشق ليس بالحكومة البعثية أو الطائفية»، وأن تشكيل حكومة «ذات قاعدة عريضة» سيوقف نزيف الدم، وأن غير ذلك سيؤدي إلى حرب أهلية إلى ما لا نهاية – يستطيع المتحدث باسم الحكومة السوفياتية ديناري غرايتموف إن كان لا يزال حياً أن يقول هذه نبوءتي وقد تحققت –. أرسل الروس بعدها وفداً رفيع المستوى إلى مدينة الطائف السعودية للتفاوض مع المجاهدين الأفغان، وكان ذلك أول اتصال ديبلوماسي بين الرياض وموسكو بعد قطيعة نصف قرن. زايد الأفغان على بعضهم البعض، ورفضوا فكرة الحكومة العريضة، وأصروا على الفتح المبين، وقد تحقق لهم ذلك بعد 3 أعوام صعبة، فدخلوا كابل في أبريل 1992 مكبرين براياتهم المختلفة، ثم اختصموا بعدها حتى يومنا هذا.
أتوقع أن سورياً ما، سيعقب على مقالتي بضيق فيقول: «سورية ليست أفغانستان».
بقدر ما سيفرح الشعب بخبر القبض على بشار أو قتله، سيخرجون في ساحات مدنهم يحتفلون بحرية طالما حرموا منها، فإن الساسة السوريين وزعماء البلاد المجاورة سينتابهم القلق، فوحدة سورية هي التي على المحك الآن.
الذين دخلوا دمشق فصيل من فصائل الثورة السورية، وهناك مثلهم في حلب، ويعرف السوريون كيف أن دمشق وحلب محوران متوازيان، ولكل منهما عقله ومصالحه المستقلة عن الآخر، حتى «الإخوان المسلمون» منقسمون بين المدينتين، إخوان دمشق وإخوان حلب. انهيار الدولة سيؤدي إلى ظهور تيار دمشق وتيار حلب في صنع الدولة الجديدة، لو قسم السيدان سايكس بيكو المنطقة كما ينبغي، لكان هناك محور الموصل، أختهما المختطفة بعيداً عنهما.
سنرى احتفالات النصر وأهازيج الفرح في دمشق وحلب وحماة وحمص وإدلب ودير الزور ودرعا، ولكن لن نراها في القرداحة وطرطوس، فهما ستبقيان في يد النظام في حال الحسم العسكري، تصحيح – في يد الطائفة – اللاذقية ومدن عدة حول منطقة العلويين «المقترحة» تستعر فيها معارك، بل مذابح وتطهير عرقي، ربما تمتد حتى حمص فحلم الدولة العلوية الأحمق يمتد حتى حمص، تحديداً غرب العاصي من حمص، والتي ستكون حدود الدولة العلوية التي لا ينبغي أن تكون.
احتمالات بقاء هذه الدولة التي ستسمي نفسها «الجمهورية العربية السورية» الشرعية ضئيلة جداً، ولكن لا ينبغي الوثوق في مكر التاريخ، بخاصة عندما يكون بعض من لاعبيه «إسرائيليين» طارئين على المنطقة، كما أن إسقاط هذا المشروع المشبوه سيكون مكلفاً.
وطالما أن للعلويين حظاً في الدولة، سيقول الكردي، وتحديداً الحزب الديموقراطي الكردستاني، نحن أيضاً لنا حق في دولة كردية، هذا أعلى السقف، أما في الحقيقة فهم يطمحون إلى كردستان سورية على غرار جارتهم العراقية، على رغم اختلاف القياس، إذ لا توجد منطقة كردية خالصة في سورية، فمناطقهم مختلطة مع العشائر العربية، كما أن الأكراد منقسمون إلى 15 تنظيماً، غالبها لا يشارك الحزب الديموقراطي أهواءه وغلوّه، فهو قريب بأفكاره من حزب العمال الذي تعاديه الجارة الكبرى تركيا، وثمة شبهات أنه ممول من النظام أو من صناعته، ولكن حال الفوضى تشجع المغامرين، والمغامرات فتن، إن لم تنجح في مقاصدها فهي تكلف الكثير لوأدها، وتترك آثاراً مؤلمة من بعدها.
المشروع الثالث البغيض، هو دولة درزية مطلة على الجولان المحتل، هذه ستكون منطقة حاجزة بين إسرائيل القلقة وسورية السنية الديموقراطية، والحرية التي ستستعيد اكتشاف جذورها «الصلاحية» و«الزنكية» (نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي).
ما الحل إذن؟ كيف يمكن ضمان سلامة وتماسك الدولة السورية مع انتصار الثورة، وتحقيق رغبة الشعب في الحرية والخلاص من نظام بشار الأسد ودولته؟
إنه في الحل السياسي الذي أخرج نائب الرئيس السوري فاروق الشرع عن صمته الطويل، ووصفه بالتسوية التاريخية. حسناً، لا أحد يريد أن يستمع لفاروق الشرع، كما أن أي حل بتشكيل «حكومة وحدة وطنية بصلاحيات واسعة لإنهاء الصراع» كما اقترح الشرع، ولا يتضمن خروج بشار الأسد، لن يقبله أحد، إلا إذا كان من ضمن الصلاحيات الواسعة إعفاء بشار ثم اعتقاله ثم تقديمه للمحاكمة، وهو ما سيقضي على مشروع تسوية تاريخية.
من دون انقلاب عسكري يقصي بشار، لا يمكن توقع أن الأطراف السورية قادرة على التوصل لتسوية تاريخية، فالمسافة بين الطرفين هائلة، وتزداد اتساعاً ودماً، كما أن تقدم الثوار السريع لا يضعهم في مزاج تسويات تاريخية مع فاروق الشرع.
الحل السياسي الممكن سينزل على الثوار من أعلى، من اتفاق روسي أميركي، بمشاركة إقليمية، ويتضمن خروجاً آمناً لبشار وعائلته، ومن يختار الهرب ويسمح له بذلك من أركان نظامه، يتبع ذلك تشكيل «حكومة سورية ذات قاعدة عريضة» بين الائتلاف الوطني السوري، وما يتركه بشار خلفه من رجال الدولة السورية، وعلى الائتلاف والثوار بعدها الاتفاق أو الاختلاف حولها.
هذه المبادرة ستفجر «الوضع» داخل المعارضة السورية، هناك الحكيم الذي سيقول «إن حقن قطرة دم سورية أغلى من بشار وأسرته وبلايينه، ليخرج إلى حيث ألقت…، ولنحتوي جميعاً سورية موحدة بعلوييها وسنتها وأكرادها ودمشقها وحلبها. إنه ثمن رخيص ندفعه في مقابل وحدة سورية، ووقف الدم والدمار «ليرد عليه ثائر غاضب»: «لا والله.. رأس الكفر بشار.. لا نجوت إن نجا»، وهناك قائد الكتيبة الميداني الذي سيعتبر أن خروج بشار تخلخل للنظام، فيتقدم نحو دمشق معلناً تحريرها، بينما يتواصل معه أحد أعضاء المجلس الوطني أو الائتلاف من الدوحة أو إسطنبول ليرجوه ألا يفعل، لأن دمشق سقطت بيد الثورة»، وبالطبع لن يستمع له.
سمعت جدلاً، كهذا بين «بيشاور» و «الطائف» و«كابل»، وشهدت أحداثاً مشابهة، بدأت بنهاية 1988، بعدما وقّع الاتحاد السوفياتي اتفاق جنيف مع حكومة باكستان لتغطية هزيمتهم في أفغانستان، بقرار أممي يخرجهم من ذلك المستنقع الذي أدماهم لعقد كامل، ثم بدأ الحديث حول حكومة أفغانية انتقالية. قال الروس «حرفياً» إنها لم تعد شيوعية، «أتوقع أن يقول أحدهم إن ما سيترك بشار في دمشق ليس بالحكومة البعثية أو الطائفية»، وأن تشكيل حكومة «ذات قاعدة عريضة» سيوقف نزيف الدم، وأن غير ذلك سيؤدي إلى حرب أهلية إلى ما لا نهاية – يستطيع المتحدث باسم الحكومة السوفياتية ديناري غرايتموف إن كان لا يزال حياً أن يقول هذه نبوءتي وقد تحققت –. أرسل الروس بعدها وفداً رفيع المستوى إلى مدينة الطائف السعودية للتفاوض مع المجاهدين الأفغان، وكان ذلك أول اتصال ديبلوماسي بين الرياض وموسكو بعد قطيعة نصف قرن. زايد الأفغان على بعضهم البعض، ورفضوا فكرة الحكومة العريضة، وأصروا على الفتح المبين، وقد تحقق لهم ذلك بعد 3 أعوام صعبة، فدخلوا كابل في أبريل 1992 مكبرين براياتهم المختلفة، ثم اختصموا بعدها حتى يومنا هذا.
أتوقع أن سورياً ما، سيعقب على مقالتي بضيق فيقول: «سورية ليست أفغانستان».