كان الشاب ذو النزعة الجهادية يحوز على حد معين من الثقافة الدينية، وإن كانت منحصرة في كتيبات محددة وبضعة أشرطة، يميل إلى دوائر مغلقة من المتماهين معه، وله تحركات مريبة لافتة للأهل.
اليوم تبدلت الصورة، إذ تجد شاباً متفلتاً نحو الحياة الصاخبة، كثير العلاقات، نجماً في الحفلات، منشغلاً باهتمامات دنيوية لا تترك له مجالاً حتى لارتياد المسجد أو أداء أي من الصلوات، ثم - فجأة - يجده أصدقاء الأمس مغرداً من أرض الشام، متسلحاً برشاش وخلفه علم «داعش».
كانت الجماعات الجهادية تستثمر الحس الديني والتربية الصحوية لأجل استقطاب الشباب وإغرائهم، وتبذل جهداً في إقناعهم بصحة معتقدها وسلامته، وأن ما يقومون به جهاد لا مراء فيه. الآن تكفي تغريدة واحدة من أحد المجايلين أو زملاء الدراسة لأن يبدل الشاب حياته، فلا يمسي ليله إلا بين الصحب.
كان الملتحي إذا أراد السفر خارجاً إلى أية دولة ينشط فيها الإرهاب لاحقته كل الأجهزة الأمنية من محطة المغادرة إلى محطة الوصول، وتابعت خطواته أولاً بأول، أما شاب اليوم فهو قد يخرج من حفلة «راب» ليتجه إلى المطار مباشرة، ما يجعل مجرد محاولة الفرز عبثاً لا حد له.
كان الملتحي يشعر بالرقابة حوله، فلا يستطيع السفر إلا عبر دروب معقدة ومحاولات متعددة قد لا تنجح، بينما الإرهابي الجديد يمضي آمناً مطمئناً حتى يصل إلى أقرب نقطة تصله بجماعته.
لاحظ كثيرون حس المغامرة في الالتحاق بـ«داعش»، الذي فارق الجماعات الأخرى في اتكائه على حملات دعائية جاذبة عن النصر والامتيازات والإمكانات وخيارات اللهو الدموي لكل شاب مغامر يبحث عن دور أو يفيض حماسة وطاقة، حتى انه اجتذب شباباً من كل الجنسيات (نحو 83 جنسية) كأنهم فريق كشافة عالمي في رحلة تتضمن كل المغامرات المرعبة.
كانت خاصية «التبليغ والدعوة» استهدافها لبسطاء الناس وكسر الحاجز المعرفي بين الجميع، وهو ما يتحقق مع «داعش» الذي لا يتطلب سوى بعض النقمة الشبابية، أياً كان سببها، وبعض التذمر من سوء الحال، ثم يقدم هذا الشكل الانتحاري في إطار الشجاعة والتحدي.
مغردو «داعش» السعوديون يتابعون المباريات ويتبادلون الدعابات مع متابعيهم ويستخدمون المصطلحات الشبابية، ويبعثون بصور لهم تظهرهم يطفحون بالسعادة والسرور، ويعيشون في منازل آمنة ويقومون بالتفحيط ويتمتعون بكل أنواع السيارات، فلا يشعر الشاب أن انضمامه إليهم خطر، كما هي الحال مع «القاعدة»، بل هو نزهة برية وجلسة ممتعة مع الأصحاب، ثم إنها تجري ببساطة، إذ تكفي دعوة من صديق أو زميل كي يستقبل الشاب كأنه حامل لواء النصر. هو منطقة تجمع كل المغامرين من أي مكان، ما يرفع احتمال أن سبب الانتماء هو النقمة والغضب أكثر منه الأيديولوجيا التي تجئ لاحقاً، إذ لا يكون أمام الإرهابي الجديد سوى مصدر وحيد لاستقاء العلم الديني.
جماهير «داعش» يتناسلون من النوادي والملاعب، ومن اتخاذ الإنترنت بوابة متعة وتواصل، وتغريهم جماليات العرض الإعلامي للتنظيم وكثافة حضوره، لذلك فإن معالجة المشكلة ليست دينية فقط، ولا يكفي التحريم فيها، بل لا بد من فتح بوابات التأهيل الأخرى بدءاً من كل نشاط يمارسه الشاب منذ اللحظة الأولى لجلوسه على كرسي المدرسة.
الشاب لا يفرق، أحياناً كثيرة، بين المغامرة والجريمة، وحين يغيب الوعي بهذا الفارق يتشابه الأمران.
------------
الحياة
اليوم تبدلت الصورة، إذ تجد شاباً متفلتاً نحو الحياة الصاخبة، كثير العلاقات، نجماً في الحفلات، منشغلاً باهتمامات دنيوية لا تترك له مجالاً حتى لارتياد المسجد أو أداء أي من الصلوات، ثم - فجأة - يجده أصدقاء الأمس مغرداً من أرض الشام، متسلحاً برشاش وخلفه علم «داعش».
كانت الجماعات الجهادية تستثمر الحس الديني والتربية الصحوية لأجل استقطاب الشباب وإغرائهم، وتبذل جهداً في إقناعهم بصحة معتقدها وسلامته، وأن ما يقومون به جهاد لا مراء فيه. الآن تكفي تغريدة واحدة من أحد المجايلين أو زملاء الدراسة لأن يبدل الشاب حياته، فلا يمسي ليله إلا بين الصحب.
كان الملتحي إذا أراد السفر خارجاً إلى أية دولة ينشط فيها الإرهاب لاحقته كل الأجهزة الأمنية من محطة المغادرة إلى محطة الوصول، وتابعت خطواته أولاً بأول، أما شاب اليوم فهو قد يخرج من حفلة «راب» ليتجه إلى المطار مباشرة، ما يجعل مجرد محاولة الفرز عبثاً لا حد له.
كان الملتحي يشعر بالرقابة حوله، فلا يستطيع السفر إلا عبر دروب معقدة ومحاولات متعددة قد لا تنجح، بينما الإرهابي الجديد يمضي آمناً مطمئناً حتى يصل إلى أقرب نقطة تصله بجماعته.
لاحظ كثيرون حس المغامرة في الالتحاق بـ«داعش»، الذي فارق الجماعات الأخرى في اتكائه على حملات دعائية جاذبة عن النصر والامتيازات والإمكانات وخيارات اللهو الدموي لكل شاب مغامر يبحث عن دور أو يفيض حماسة وطاقة، حتى انه اجتذب شباباً من كل الجنسيات (نحو 83 جنسية) كأنهم فريق كشافة عالمي في رحلة تتضمن كل المغامرات المرعبة.
كانت خاصية «التبليغ والدعوة» استهدافها لبسطاء الناس وكسر الحاجز المعرفي بين الجميع، وهو ما يتحقق مع «داعش» الذي لا يتطلب سوى بعض النقمة الشبابية، أياً كان سببها، وبعض التذمر من سوء الحال، ثم يقدم هذا الشكل الانتحاري في إطار الشجاعة والتحدي.
مغردو «داعش» السعوديون يتابعون المباريات ويتبادلون الدعابات مع متابعيهم ويستخدمون المصطلحات الشبابية، ويبعثون بصور لهم تظهرهم يطفحون بالسعادة والسرور، ويعيشون في منازل آمنة ويقومون بالتفحيط ويتمتعون بكل أنواع السيارات، فلا يشعر الشاب أن انضمامه إليهم خطر، كما هي الحال مع «القاعدة»، بل هو نزهة برية وجلسة ممتعة مع الأصحاب، ثم إنها تجري ببساطة، إذ تكفي دعوة من صديق أو زميل كي يستقبل الشاب كأنه حامل لواء النصر. هو منطقة تجمع كل المغامرين من أي مكان، ما يرفع احتمال أن سبب الانتماء هو النقمة والغضب أكثر منه الأيديولوجيا التي تجئ لاحقاً، إذ لا يكون أمام الإرهابي الجديد سوى مصدر وحيد لاستقاء العلم الديني.
جماهير «داعش» يتناسلون من النوادي والملاعب، ومن اتخاذ الإنترنت بوابة متعة وتواصل، وتغريهم جماليات العرض الإعلامي للتنظيم وكثافة حضوره، لذلك فإن معالجة المشكلة ليست دينية فقط، ولا يكفي التحريم فيها، بل لا بد من فتح بوابات التأهيل الأخرى بدءاً من كل نشاط يمارسه الشاب منذ اللحظة الأولى لجلوسه على كرسي المدرسة.
الشاب لا يفرق، أحياناً كثيرة، بين المغامرة والجريمة، وحين يغيب الوعي بهذا الفارق يتشابه الأمران.
------------
الحياة