لم يعد من الممكن لحكومات العالم العربي أن تتمسك بالسياسة التي اتبعتها خلال الأسبوع الماضي، ولا ان تستمر في إقناع العالم بالتدخل لوقف إطلاق النار. لا يؤكد مثل هذا الموقف استقالة العالم العربي تجاه القضية الفلسطينية، وتصرفه تجاهها من قبيل سقط العتب فحسب، ولكنه يقوض أكثر مما هي عليه اليوم أي صدقية سياسية للدول العربية.
من المضحك والمثير للسخرية ان يكون هدف العرب اليوم وقف إطلاق النار، في الوقت الذي يرفض فيه قادة المقاومة في غزة هذا الهدف، ويعبرون عن إرادتهم القوية ومقدرتهم على المقاومة، ورفض العودة، مهما كان الثمن، إلى الوضع الذي كان قائما من قبل، أي إلى تكريس حالة الحصار، ومن ورائها حالة الاحتلال، التي اعترف بها الرئيس المصري كما لو كانت أمرا قانونيا لا حول لنا ولا قوة لنا به. هذا يعني بالفعل، كما أشار إلى ذلك عن حق الأمير القطري، قبول العرب بالعمل على مساعدة إسرائيل على قطف ثمار العدوان.
المطلوب من العالم العربي حتى يسترجع الحد الأدنى من الاعتبار، ليس في نظر الجمهور العربي، الذي عبر عن غضبه بالنزول إلى شوارع المدن العربية والعالمية كما لم يحصل منذ سنوات طويلة، وإنما في نظر المنظومة الدولية التي كادت تنسى وجودها على الخريطة السياسية، هو أن يستثمر العرب صمود الشعب الفلسطيني واستبساله في غزة، واستعداده الواضح للتضحية، لإعادة طرح قضية الاحتلال بأكملها وإجبار الاسرائيليين على العودة إلى طريق المفاوضات السلمية الجدية. وهذا ليس في صالح اهل غزة والفلسطينيين وإنما العرب بأجمعهم، وفي مقدمهم الدول التي وقعت اتفاقات سلام مع إسرائيل.
يستدعي هذا، قبل أي شيء آخر، أن تكف الدول العربية عن مناشدة الآخرين الضغط على إسرائيل، وتدخل هي نفسها في الصراع، باعتبارها معنية به، ولا تتصرف كدول محايدة او خائفة او مهزومة. وليس من الصحيح أن هذه الدول لا تملك وسائل ضغط كافية لإجبار إسرائيل على مراجعة حساباتها، والكف عن الاستهانة بها، والدوس على الحقوق العربية، والتصرف في فلسطين ولبنان وسورية والعراق وغيرها من البلدان، بحرية، كما لو كانت هي وحدها التي تقرر معنى الحق والقانون أو لو كان عملها هو نفسه القانون في هذه المنطقة المركزية من العالم.
ولا أقصد بالضغط هنا إصدار بيانات الإدانة أو الشجب. فهذا هو رد الفعل الأول، او في الدقيقة الأولى للهجوم، بانتظار إجراءات عملية جدية ينبغي اتخاذها. ما ينبغي عمله اليوم هو إجراءات يكون لها آثار عملية مباشرة، إقتصادية وسياسية واستراتيجية على إسرائيل. وأقل ما ينبغي عمله الآن لتعديل كفة الميزان، وتجاوز الخسارة السياسية الكبيرة التي تكبدتها الحكومات العربية نتيجة خوفها، وترددها، وانعدام روح المبادرة السياسية فيها، او حساباتها الجزئية، هو قطع الحكومات العربية جميع علاقاتها مع إسرائيل، ووقف كل أشكال التبادل معها، والتهديد، في حالة عدم استجابة إسرائيل للمطالب العربية، بإلغاء كل الاتفاقيات الموقعة سابقا.
وليس المقصود من ذلك إنقاذ شعب غزة من المصير المأساوي الذي رهنته له إسرائيل، منذ سنوات عديدة، نتيجة إدراكها العميق بعدم إمكانية توسيع دائرة الاستيطان في غزة بانتظار ضمها في المستقبل للدولة الاسرائيلية، وإنما لوضع حد لمراوغة الاسرائيليين، واستهزائهم بالعرب جميعا، واستمرارهم في الرهان على القوة والحرب لتحقيق أهدافهم التوسعية. إن المقصود هو إنقاذ سياسة السلام العربية، وحصول العرب على سلام دفعوا ثمنه سلفا، ولم يقطفوا أي ثمرة من ثمراته، لا في تحرير الأرض، ولا في استرجاع الحق الفلسطيني، ولا في إنهاء كابوس الحروب والاستعمار الاستيطاني والتمادي في سياسة الاحتقار والإذلال وزرع الفوضى والدمار في المنطقة.
لقد أصبح من الواضح أنه من دون رد فعل قوي من هذا النوع، يظهر استعداد العرب وقف مهزلة السلام، الذي تحول إلى مناورة إسرائيلية للتغطية على الحرب المستمرة، بثمن بخس، والعودة إلى خيار المقاطعة الشاملة لاسرائيل حتى تقر نهائيا بمتطلبات السلام العادل الذي اقترحه العرب منذ عقدين، فسيفقد مفهوم السلام العربي معناه، وتتحول سياساتهم في هذا المجال إلى خدعة تنقلب عليهم أكثر مما تفتح لهم سبل الخروج من أزمة القصور والعجز التي دفعتهم إليها.
هكذا، تضع الحرب في غزة العرب أمام تحد كبير، هو اتخاذ مبادرة مؤثرة وقادرة على وقف العدوان. فما لم يظهر العرب مقدرتهم على الرد بفعالية على الأزمة التي فجرتها في وجههم إسرائيل، فسوف يجدون أنفسهم واقعين في فخها، وسيتحملون نتيجة ذلك خسائر مضاعفة. وأول ما ينتظر من العرب أن يتخذوه في إطار الجامعة لإنقاذ سياتهم الاسرائيلية المفلسة هو الإعلان الصريح والمباشر عن دعمهم الكامل لشعب غزة ومقاومتها، وتهديدهم بتزويدهما بالمعدات والسلاح. وسيكون هذا أول إشارة إلى استعداد العرب لمعاقبة اسرائيل لسخريتها من مئات ملايين العرب، ومن جميع حكوماتهم، خلال أكثر من عقدين من مفاوضات السلام الفارغة، ولرفضها الانصياع إلى نداء وقف العمليات العسكرية في غزة من دون شروط، وإنهاء الحصار اللاإنساني الذي فرضته على شعبها، انتهاكا لكل القوانين الدولية والإرادة العربية.
قد يبدو مثل هذا الموقف جرئيا أكثر مما يمكن أن تحتمله حكومات استسلمت منذ عقود لحلم السلام الذي تحول حقيقة إلى استسلام أمام إرادة إسرائيل وغطرستها، كما يدل على ذلك استهتار هذه الأخيرة بكل مبادرات السلام العربية والدولية على حد سواء، ومثابرتها على سياسة الحصار والحرب وتوسيع الاستيطان. لكن مخاطره ستكون أقل على الحكومات العربية من مخاطر ترك إسرائيل تقود المنطقة نحو الفوضى والدمار، والاضطرار في امد قصير إلى تحمل نتائج سياستها العصابية المريضة. فلن يقود مثل هذا العمل إسرائيل إلى شن الحرب على الدول العربية، ولا على أي دولة منها. فلو لم يكن لديها مصلحة في تحييد هذه الدول لما وقعت معها أي اتفاقية، وفضلت الإبقاء على حالة الحرب معها. ما سيحصل هو أن إسرائيل ستجد نفسها في مواجهة خطر حرمانها من جميع ما أنجزته من مكاسب سياسية واستراتيجية هائلة، إقليمية ودولية، نتيجة اختيار العرب طريق التسوية ومفاوضات السلام.
والقصد، إذا لم يشعر الاسرائيليون بأن اغتيال عملية السلام، وهذا هو مضمون سياستهم الفعلية، يمكن أن يكلفهم غاليا، لن يكون هناك ما يردعهم عن الإمعان في سياستهم الاستعمارية التقليدية التي درجوا عليها، والتعامل مع السلام كوسيلة لتخدير العرب والضحك عليهم.
أما بالنسبة لبعض الحكومات العربية التي تخشى من أن يشكل صمود غزة ومقاومتها انتصارا لمحاور إقليمية منافسة، فليس لديها سياسة أفضل مما ذكرت في سبيل قطع الطريق على مثل هذا الاحتمال، واستعادة مواقعها التي فقدتها في قيادة المجتمعات لصالح الاحزاب والمنظمات الأهلية، الاسلامية وغير الإسلامية، وكسب ثقة الجمهور العربي الواسع من جديد. وربما ساعد ذلك على إنهاء حرب المحاور، التي تقوض حياة المنطقة السياسية، لصالحهم، وأهم من ذلك، استرجاع صدقيتهم كقيادات سياسية، تمثل شعوبا، وتحكم دولا، لا مجرد شبكات مصالح خاصة تستخدم الدول والشعوب وسائل لتحقيق ازدهارها وإندراجها في النظام العالمي.
لا يليق بدول تحترم نفسها أن تتسول مواقف ضغط من دول أجنبية، ولا حتى من مجالس دولية. حتى تستحق اسم الدولة ومفهومها، ينبغي أن تكون قادرة على القيام هي نفسها بالضغط، أي بالدفاع عن مصالحها العليا. ومن الخطأ الاعتقاد يأن هناك دولا او منظمات دولية مستعدة للتضحية بمصالحها لخدمة نظم عربية ترفض هي ذاتها مثل هذه التضحية لخدمة هذه المصالح نقسها. لا يمنع هذا من وضع الدول الغربية الداعمة لاسرائيل، والمنظمات الدولية، أمام مسؤولياتها، وتذكيرها بتعهداتها المتعلقة بحقوق الإنسان، وفي كل مناسبة، إنما لا ينبغي المراهنة على تحريك الضمير الأخلاقي والقانوني، مهما كان نبله، لتحقيق أهداف سياسية، ولا بالأحرى استراتيجية، ومن باب أولى استخدامه كأداة للعمل السياسي. الدولة أو الدول التي ليس لديها وسائل للضغط خاصة بها، أي وسائل للعمل السياسي، ليست دولا ولا مكان لها في العالم، ولا تستفيد، مهما فعلت، أي شيء من استدرار عطف المجتمع الدولي والمنظمات الدولية.
تطرح معركة غزة اليوم كل سياسة السلام العريية واستراتيجيتها على الطاولة، وتقوض الأسس التي قامت عليها، ولا تخص غزة او شعبها خاصة. وتهدد بتقويض أسس استقرار الدول والمجتمعات العربية. فإما أن ينجح القادة العرب في إعادة بث الصدقية في خياراتهم السياسية الاستراتيجية، وتحويلها إلى خيارات جدية ومقنعة وفعالة، أو يدينوا أنفسهم بالاستسلام لسياسات إسرائيلية مرضية ولا مسؤولة تدفع بهم، بالرغم منهم، ومن مناشدات الرأي العام العالمي وإداناته وشجبه اللامتناهي، وغير الفعال، إلى الانهيار، وتدفع البلاد لتي يحكمونها إلى مزرعة للفوضى والدمار السياسي، وتسلمها، عاجلا او آجلا للميليشيات الأهلية المتنافسة.
أن هزيمة إسرائيل في غزة ممكنة، تماما كما كانت هزيمتها في لبنان. وهي لن تكون انتصارا لحماس، ولا للفلسطينيين وحدهم، وإنما للعرب جميعا
من المضحك والمثير للسخرية ان يكون هدف العرب اليوم وقف إطلاق النار، في الوقت الذي يرفض فيه قادة المقاومة في غزة هذا الهدف، ويعبرون عن إرادتهم القوية ومقدرتهم على المقاومة، ورفض العودة، مهما كان الثمن، إلى الوضع الذي كان قائما من قبل، أي إلى تكريس حالة الحصار، ومن ورائها حالة الاحتلال، التي اعترف بها الرئيس المصري كما لو كانت أمرا قانونيا لا حول لنا ولا قوة لنا به. هذا يعني بالفعل، كما أشار إلى ذلك عن حق الأمير القطري، قبول العرب بالعمل على مساعدة إسرائيل على قطف ثمار العدوان.
المطلوب من العالم العربي حتى يسترجع الحد الأدنى من الاعتبار، ليس في نظر الجمهور العربي، الذي عبر عن غضبه بالنزول إلى شوارع المدن العربية والعالمية كما لم يحصل منذ سنوات طويلة، وإنما في نظر المنظومة الدولية التي كادت تنسى وجودها على الخريطة السياسية، هو أن يستثمر العرب صمود الشعب الفلسطيني واستبساله في غزة، واستعداده الواضح للتضحية، لإعادة طرح قضية الاحتلال بأكملها وإجبار الاسرائيليين على العودة إلى طريق المفاوضات السلمية الجدية. وهذا ليس في صالح اهل غزة والفلسطينيين وإنما العرب بأجمعهم، وفي مقدمهم الدول التي وقعت اتفاقات سلام مع إسرائيل.
يستدعي هذا، قبل أي شيء آخر، أن تكف الدول العربية عن مناشدة الآخرين الضغط على إسرائيل، وتدخل هي نفسها في الصراع، باعتبارها معنية به، ولا تتصرف كدول محايدة او خائفة او مهزومة. وليس من الصحيح أن هذه الدول لا تملك وسائل ضغط كافية لإجبار إسرائيل على مراجعة حساباتها، والكف عن الاستهانة بها، والدوس على الحقوق العربية، والتصرف في فلسطين ولبنان وسورية والعراق وغيرها من البلدان، بحرية، كما لو كانت هي وحدها التي تقرر معنى الحق والقانون أو لو كان عملها هو نفسه القانون في هذه المنطقة المركزية من العالم.
ولا أقصد بالضغط هنا إصدار بيانات الإدانة أو الشجب. فهذا هو رد الفعل الأول، او في الدقيقة الأولى للهجوم، بانتظار إجراءات عملية جدية ينبغي اتخاذها. ما ينبغي عمله اليوم هو إجراءات يكون لها آثار عملية مباشرة، إقتصادية وسياسية واستراتيجية على إسرائيل. وأقل ما ينبغي عمله الآن لتعديل كفة الميزان، وتجاوز الخسارة السياسية الكبيرة التي تكبدتها الحكومات العربية نتيجة خوفها، وترددها، وانعدام روح المبادرة السياسية فيها، او حساباتها الجزئية، هو قطع الحكومات العربية جميع علاقاتها مع إسرائيل، ووقف كل أشكال التبادل معها، والتهديد، في حالة عدم استجابة إسرائيل للمطالب العربية، بإلغاء كل الاتفاقيات الموقعة سابقا.
وليس المقصود من ذلك إنقاذ شعب غزة من المصير المأساوي الذي رهنته له إسرائيل، منذ سنوات عديدة، نتيجة إدراكها العميق بعدم إمكانية توسيع دائرة الاستيطان في غزة بانتظار ضمها في المستقبل للدولة الاسرائيلية، وإنما لوضع حد لمراوغة الاسرائيليين، واستهزائهم بالعرب جميعا، واستمرارهم في الرهان على القوة والحرب لتحقيق أهدافهم التوسعية. إن المقصود هو إنقاذ سياسة السلام العربية، وحصول العرب على سلام دفعوا ثمنه سلفا، ولم يقطفوا أي ثمرة من ثمراته، لا في تحرير الأرض، ولا في استرجاع الحق الفلسطيني، ولا في إنهاء كابوس الحروب والاستعمار الاستيطاني والتمادي في سياسة الاحتقار والإذلال وزرع الفوضى والدمار في المنطقة.
لقد أصبح من الواضح أنه من دون رد فعل قوي من هذا النوع، يظهر استعداد العرب وقف مهزلة السلام، الذي تحول إلى مناورة إسرائيلية للتغطية على الحرب المستمرة، بثمن بخس، والعودة إلى خيار المقاطعة الشاملة لاسرائيل حتى تقر نهائيا بمتطلبات السلام العادل الذي اقترحه العرب منذ عقدين، فسيفقد مفهوم السلام العربي معناه، وتتحول سياساتهم في هذا المجال إلى خدعة تنقلب عليهم أكثر مما تفتح لهم سبل الخروج من أزمة القصور والعجز التي دفعتهم إليها.
هكذا، تضع الحرب في غزة العرب أمام تحد كبير، هو اتخاذ مبادرة مؤثرة وقادرة على وقف العدوان. فما لم يظهر العرب مقدرتهم على الرد بفعالية على الأزمة التي فجرتها في وجههم إسرائيل، فسوف يجدون أنفسهم واقعين في فخها، وسيتحملون نتيجة ذلك خسائر مضاعفة. وأول ما ينتظر من العرب أن يتخذوه في إطار الجامعة لإنقاذ سياتهم الاسرائيلية المفلسة هو الإعلان الصريح والمباشر عن دعمهم الكامل لشعب غزة ومقاومتها، وتهديدهم بتزويدهما بالمعدات والسلاح. وسيكون هذا أول إشارة إلى استعداد العرب لمعاقبة اسرائيل لسخريتها من مئات ملايين العرب، ومن جميع حكوماتهم، خلال أكثر من عقدين من مفاوضات السلام الفارغة، ولرفضها الانصياع إلى نداء وقف العمليات العسكرية في غزة من دون شروط، وإنهاء الحصار اللاإنساني الذي فرضته على شعبها، انتهاكا لكل القوانين الدولية والإرادة العربية.
قد يبدو مثل هذا الموقف جرئيا أكثر مما يمكن أن تحتمله حكومات استسلمت منذ عقود لحلم السلام الذي تحول حقيقة إلى استسلام أمام إرادة إسرائيل وغطرستها، كما يدل على ذلك استهتار هذه الأخيرة بكل مبادرات السلام العربية والدولية على حد سواء، ومثابرتها على سياسة الحصار والحرب وتوسيع الاستيطان. لكن مخاطره ستكون أقل على الحكومات العربية من مخاطر ترك إسرائيل تقود المنطقة نحو الفوضى والدمار، والاضطرار في امد قصير إلى تحمل نتائج سياستها العصابية المريضة. فلن يقود مثل هذا العمل إسرائيل إلى شن الحرب على الدول العربية، ولا على أي دولة منها. فلو لم يكن لديها مصلحة في تحييد هذه الدول لما وقعت معها أي اتفاقية، وفضلت الإبقاء على حالة الحرب معها. ما سيحصل هو أن إسرائيل ستجد نفسها في مواجهة خطر حرمانها من جميع ما أنجزته من مكاسب سياسية واستراتيجية هائلة، إقليمية ودولية، نتيجة اختيار العرب طريق التسوية ومفاوضات السلام.
والقصد، إذا لم يشعر الاسرائيليون بأن اغتيال عملية السلام، وهذا هو مضمون سياستهم الفعلية، يمكن أن يكلفهم غاليا، لن يكون هناك ما يردعهم عن الإمعان في سياستهم الاستعمارية التقليدية التي درجوا عليها، والتعامل مع السلام كوسيلة لتخدير العرب والضحك عليهم.
أما بالنسبة لبعض الحكومات العربية التي تخشى من أن يشكل صمود غزة ومقاومتها انتصارا لمحاور إقليمية منافسة، فليس لديها سياسة أفضل مما ذكرت في سبيل قطع الطريق على مثل هذا الاحتمال، واستعادة مواقعها التي فقدتها في قيادة المجتمعات لصالح الاحزاب والمنظمات الأهلية، الاسلامية وغير الإسلامية، وكسب ثقة الجمهور العربي الواسع من جديد. وربما ساعد ذلك على إنهاء حرب المحاور، التي تقوض حياة المنطقة السياسية، لصالحهم، وأهم من ذلك، استرجاع صدقيتهم كقيادات سياسية، تمثل شعوبا، وتحكم دولا، لا مجرد شبكات مصالح خاصة تستخدم الدول والشعوب وسائل لتحقيق ازدهارها وإندراجها في النظام العالمي.
لا يليق بدول تحترم نفسها أن تتسول مواقف ضغط من دول أجنبية، ولا حتى من مجالس دولية. حتى تستحق اسم الدولة ومفهومها، ينبغي أن تكون قادرة على القيام هي نفسها بالضغط، أي بالدفاع عن مصالحها العليا. ومن الخطأ الاعتقاد يأن هناك دولا او منظمات دولية مستعدة للتضحية بمصالحها لخدمة نظم عربية ترفض هي ذاتها مثل هذه التضحية لخدمة هذه المصالح نقسها. لا يمنع هذا من وضع الدول الغربية الداعمة لاسرائيل، والمنظمات الدولية، أمام مسؤولياتها، وتذكيرها بتعهداتها المتعلقة بحقوق الإنسان، وفي كل مناسبة، إنما لا ينبغي المراهنة على تحريك الضمير الأخلاقي والقانوني، مهما كان نبله، لتحقيق أهداف سياسية، ولا بالأحرى استراتيجية، ومن باب أولى استخدامه كأداة للعمل السياسي. الدولة أو الدول التي ليس لديها وسائل للضغط خاصة بها، أي وسائل للعمل السياسي، ليست دولا ولا مكان لها في العالم، ولا تستفيد، مهما فعلت، أي شيء من استدرار عطف المجتمع الدولي والمنظمات الدولية.
تطرح معركة غزة اليوم كل سياسة السلام العريية واستراتيجيتها على الطاولة، وتقوض الأسس التي قامت عليها، ولا تخص غزة او شعبها خاصة. وتهدد بتقويض أسس استقرار الدول والمجتمعات العربية. فإما أن ينجح القادة العرب في إعادة بث الصدقية في خياراتهم السياسية الاستراتيجية، وتحويلها إلى خيارات جدية ومقنعة وفعالة، أو يدينوا أنفسهم بالاستسلام لسياسات إسرائيلية مرضية ولا مسؤولة تدفع بهم، بالرغم منهم، ومن مناشدات الرأي العام العالمي وإداناته وشجبه اللامتناهي، وغير الفعال، إلى الانهيار، وتدفع البلاد لتي يحكمونها إلى مزرعة للفوضى والدمار السياسي، وتسلمها، عاجلا او آجلا للميليشيات الأهلية المتنافسة.
أن هزيمة إسرائيل في غزة ممكنة، تماما كما كانت هزيمتها في لبنان. وهي لن تكون انتصارا لحماس، ولا للفلسطينيين وحدهم، وإنما للعرب جميعا