نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

إيران وتجرّع كأس السم

30/10/2024 - هدى الحسيني

كيف صارت إيران الحلقة الأضعف؟

23/10/2024 - مروان قبلان

الأسد والقفز بين القوارب

20/10/2024 - صبا مدور

هل ستطول الحرب الإسرائيلية نظام الأسد؟

20/10/2024 - العقيد عبد الجبار عكيدي


ما الذي ينقص المجلس الوطني ؟





وأنا أتفحّص نفسي، وأمعن النظر في الوجوه، وبعض الدوشات والدردشات والنقاشات، وعرض عروض القوة التي لا أعرف مدى حقيقتها، ونسبة التمثيل للحراك الثوري وغيره.. كنت متيقّناً أن الأغلبية الساحقة، بمن فيهم أعضاء الأمانة العامة، والمكتب التنفيذي غير راضين عن واقع وأداء المجلس الوطني، والكل يرمي بالأسباب على الكل، والكل ـ تقريباً ـ يتكلم عن النواقص والثغرات، ويطرح البعض الأمنيات علّ وعسى، فينفتح الأفق على علات وعساوات كثيرات، وهناك من يحاول ترتيب الثغرات ومحاولة إيجاد سدادات لها، وهناك اليائس، وهناك غير المصدّق أنه بات عضواً في مجلس يفترض أن يكون الممثل السياسي الأكبر، والأهم للثورة السورية


تساءلت : هل يأتي النقص من الجدّة؟، أم من الإمكانات الذاتية؟، وما يعرف ب"الكاريزما" القيادية للأشخاص، أم من ضعف الخبرة السياسية والتنظيمية؟، أم من ضعف وجود تقاليد في العمل المشترك بين مروحة واسعة من الأطياف والاتجاهات والذاتيات فرضت وجودها مع بعضها ضغوط الثورة بولادة ممثل سياسي لها ولو تلحيقة وعلى عجل، وكيفما كان ؟ . من الظروف الملتبسة؟، أم من أصل تركيبة المجلس بدءاً من استانبول وما عرفه من توسيع أقرب للتوريم.. حيث صار " مجلس استانبول" حقيقة مفروضة بسلبه وإيجابه، وبالتالي فإن التوسعات التالية.. أمام تزاحم السوريين غير المعقول، وأمام ضغوط ثقيلة من كثير الأنواع التي تصطف للمشاركة وتعرض (قواها) بطريقة أقرب للتهديد والوعيد ؟...أم من فقدان المأسسة؟.. وكيف؟، ولماذا ؟.. أم مقر الإقامة والإمكانات المالية، والاعتراف الرسمي الذي لم يأت حتى الآن خلافاً للتوقعات السابقة ؟...
وبالتالي : فأسئلة كثيرة طرحت نفسها لدى معظم الحريصين على بقاء المجلس وتطوير أدواته وأدائه ليكون بحق بمستوى الأماني المعلقة عليه، ولو بالحد الأدنى، وكان هناك ما يشبه الاستغراب لعدم تحضير الوثائق قبل أيام من انعقاد المؤتمر، أو جدول الأعمال، ناهيك عن أهمية توزيعها على الأعضاء بوقت يسمح لهم بإبداء ملاحظاتهم وتقديم بدائلهم ولو عن طريق الإيميلات بحيث كان لمثل تلك الخطوة أن توفر الكثير من الوقت والجهد، وأن تدفع الأمور باتجاه الإنضاج، وتفعيل الأداء، وتنظيمه، والبحث المعمّق في واقع البلد ومستقبل الثورة، والاحتمالات المطروحة.. بل كان يمكن القيام بعملية استبيان مسبق للأعضاء يجيبون فيه على أسئلة مركزة محددة حول نظرتهم لأداء المجلس، وسلبياته، وإيجابياته، وعوامل تقويته وتطويره ومأسسته.. الأمر الذي بدا مستحيلاً في العجالة التي وسمت كل شيء، وفي سلق، وتمرير معظم الأمور خوفاً من الأسوأ ..
******
نعرف من واقع تجاربنا وتجارب غيرنا أن الظروف التي وُلد فيها المجلس، وتوسّع فيها لم تكن طبيعية، وأن مفروضات كثيرة ألقت بثقلها على كل شيء فيه، فأناخته تأسيساً، وحين جاء التوسيع بالكيفيات التي جرت لم يستفد المجلس من إضافات جديدة بقدر ما صارت عبئاً آخر(على الأقل في الوقت الراهن) خاصة وأن المؤسسات المعنية بالاستيعاب، والدمج والتطوير لم يُقدّر لها أن تعمل بفعالية، وأن تتشارك مجتمعة كفريق لتحويل (هذا الزخم) إلى قوة دفع للأمام ..
ولو عدنا للبداية، وما يعرف ب"التوافق" الذي بنيت على أساسه الأمانة العامة والمكتب التنفيذي لأمسكنا بجزء من الإشكالية التي ظهرت فجواتها في الممارسة . فالتوافق عملية فرض للقوى التي اعتبرت نفسها رئيسة في تكوين المجلس، والفرض هنا يهمّش ـ آلياً ـ الهيئة العامة ويحوّلها إلى منفّد وحالة عائمة في فراغ العطالة والشعور بالتهميش ـ رغم محاولات الالتفاف على ذلك بالإكثار من المكاتب المختصة، والنيّة في تفعيلها(وهو رهان كبير ستمتحنه الأيام القادمة) . هذا التوافق ألغى مبدءاً أساسياً في اختيار الهيئات القائدة : الانتخاب، الذي يُفترض أن يكون عنوان التجسيد للدولة المدنية الديمقراطية التي نتحدث عنها صباح مساء، ناهيك عن آثاره على تركيبة الهيئات، وعلى ما يخلقه من آثار في المعنيين ولدى الآخرين، وعمليات التكتيك وغيرها..
وعلى هذه القاعدة هناك من يتمتّرس وراء فلسفة تبدو منطقية : طالما أن المجلس مبني على التوافق، وطالما أنه معيّن ولم يجرِ انتخابه، وطالما أن المرحلة انتقالية.. فإن إجراء انتخابات فيه عملية مناقضة لتلك الأسس، وعلى الجميع القبول بالأمر الواقع : التوافق .
التوافق هذا سيدعو كل قوة، أو إطار، أو مكوّن قديم أو جديد، متولّد بالأمس أو قبل أشهر أن يطالب بحصته، وطالما أن القضية قضية أعداد فستجد الكثير يلملم ما شاء، أو يدعي التمثيل للتزاحم بحثاً عن أكبر حصة في الأمانة العامة، ولمَ لا في المكتب التنفيذي !!!....
والتوافق جاء باتجاهات سياسية وفكرية من منابت مختلفة، وليس سهلاً انسجامها وعملها بروحية الفريق والمؤسسة خلال زمن قصير، وعبر تسابق البعض ليكون في موقع الرئاسة التي حددت دورية بأشهر ثلاث قابلة للتجديد مرة واحدة(ترك أمر التجديد مفتوحاً وسط الغموض)، وهو أمر مربك فعلاً إذ أن أشهراً ثلاث بسيفها المسلط على الرئيس، وما قد تفرضه من ترضيات وتكتيكات هنا وهناك يصعب أن تحقق الاستقرار والتراكم والثقة داخل هيئات المجلس وفي التعامل مع الأطراف العربية والدولية، وكان يمكن لتكريس مبدأ المحاسبة ونزع الثقة عبر تجسيد النقد والنقد الذاتي أن يكونا بديلاً .
ـ والتوافق قاد إلى صياغة(النظام الأساسي) على هذا الأساس فبرز التناقض والإرباك فيه واضحين بين محاولة إعطاء الهيئة العامة بعض الصلاحيات فيما يخصّ دورها في الرقابة والمحاسبة للهيئات العليا، وبين الأمر الواقع الذي يسحبها منها عملياً، وقس على ذلك كافة البنود التي تصبّ في تلك الروح الترقيعية المفروضة كأمر واقع . وكان يمكن صياغة نظام أساسي(طبيعي) قائم على الانتخابات روحا، وعلى دور الهيئة العامة في المحاسبة ونزع الثقة وغير ذلك، والاتفاق ـ مثلاً ـ على تعطيل مبدأ الانتخابات لمدة ستة أشهر تمارس بعدها الهيئة العامة صلاحياتها كاملة، وهذا لا يتناقض، ولا يتعارض مع مبدأ التوافقات الذي يمكن أن يأتي عبر قوائم مشتركة للقوى المعنية، أو في الكواليس الخلفية التي هي معتادة، وقوية في جميع هذه الأوضاع عندنا وعند غيرنا .
ـ وكنت أتساءل : ما الذي كان يمنع الأمانة العامة قبل شهر أو أكثر من صياغة رؤية سياسية وبرنامج سياسي من مستوى يليق بمكانة المجلس الوطني، ويعبّران بوضوح عن هوية الثورة وآفاقها، ومهمات العمل للمرحلتين : الحالية والانتقالية ؟؟.. تلافياً لذلك الاضطراب الذي حدث في تقديم أوراق فاقدة للشمولية، والروح، والمبعثرة بين عدة أوراق تاهت في زحام الصخب وكثرة التدخلات ؟..
ـ وللمناسبة، ورغم احتجاج البعض على إطالة الوقت في قراءة الرسالة الموجهة من الأمانة العامة لإعلان دمشق، والتي لم تكن مدرجة في جدول الأعمال على ذلك النحو، فإنها وعبر الاستماع إليها تمثل مشروعاً متكاملاً كان يمكن اعتمادها كوثيقة من أهم الوثائق التي يدرسها المؤتمر، لكن الجميع مرّ عليها مرور الكرام، ولم يبق منها سوى صداها في رؤوس البعض .
**********
لنكن صريحين، لأن الثورة السورية تقتضي ذلك.. أن المجلس بصورته التي قدّمها، وبأدائه الهزيل الذي ظهر به، وبكومة التناقضات والتباينات فيه مهدد بكل العواقب ما لم يقم بعملية جراحية سريعة لإنقاذ نفسه مما هو فيه، وأساسها :
1 ـ الالتزام أولاً وأساساً بروح الثورة السورية وتضحياتها الجسام، وتبني وتجسيد مطالبها في الموقف والحركة والتجسيد، والابتعاد عن الانشغالات الذاتية، والحزبوية، والعصبوية، والتكتيكات بين الفرقاء لتثبيت المواقع، وتحصيل(المغانم) الخاصة بهذا الفريق أو ذاك، وبهذا الشخص أو غيره، وهذا يقتضي التفرغ الكامل لشؤون الثورة ومتطلباتها ووضعها نصب الأعين : هدفاً ومساراً وتجسيداً .
2 ـ مأسسة الأمانة العامة والمكتب التنفيذي بتحديد الصلاحيات والمهام والتكليفات، وضبط الفوضى والتسيب، ومنع التصرفات الفردية، والعمل بروحية الفريق الواحد الذي يضع الأهداف على جدول التحقيق، بغض النظر هنا عن مساحة التباين، أو الاختلاف في المناقشات والآراء.. والتي هي ظواهر وإفرازات طبيعية .
3 ـ تأمين مقر ثابت للمجلس الوطني، ولمؤسساته(الأمانة العامة والمكتب التنفيذي) وحشد عديد المؤهلات والاختصاصات التي يمكن أن تعينهما في أداء المهام اليومية وغيرها .
4 ـ القيام بعملية سبر جدّية لمؤهلات وإمكانات جميع الأعضاء لتوظيفها في الأمكنة المناسبة كفرق عمل تساعد المؤسستين في إنجاز المهام .
5 ـ إنجاز رؤية سياسية وبرنامج سياسي متكاملين، يتعرضان لتفصيح هوية الثورة السورية وموقع الديمقراطية والمساواة في حقوق المواطنة، والوحدة الوطنية فيها، والاحتمالات المطروحة للتغيير، ورسم التكتيكات المناسبة، والمتحركة فيها .
6 ـ إعادة صياغة النظام الأساسي بروحية أخرى قائمة على انتخاب جميع الهيئات من قبل الهيئة العامة، وتفعيل الحياة الديمقراطية داخل المجلس وفي علاقاته مع القوى والأطراف الأخرى .
7 ـ إنجاز الخطة الإعلامية في أقرب وقت لتكون إطار وحدة المواقف والتصريحات، وضبط حركة الأعضاء في هذا المجال، وتحديد المتخصصين بالتصريح على وسائل الإعلام .
8 ـ إن تفعيل وتشغيل المكاتب المختصة هو أهم الرهانات اليوم لإعطاء دفع نوعي لعمل المجلس من خلال انخراط معظم أعضاء الهيئة العامة في العمل المبرمج، وبما يقتضي أن تمنح تلك المكاتي الإمكانات المتوفرة لتجسيد برامجها وقراراتها على الأرض .
9 ـ إن اعتماد التوحيد مع الأطراف المعارضة والفعاليات والشخصيات التي لم تشارك في المجلس الوطني ـ لأسباب مختلفة ـ هو النهج المسؤول إزاء بلدنا ومستقبله، والآخرين، بغض النظر عن كمّ، وطبيعة التباينات مع الآخر، أو مواقفه، وآرائه بالمجلس، وأقله : العمل على إيجاد صيغ للتعاون والتنسيق بحيث تصبّ كل الروافد في نهر الثورة العظيمة، بعيداً عن منطق الاحتراب والاتهام والتخوين والمكاسب الذاتوية الضيقة .
أكيد أن المهام ثقيلة ومتشعبة، والظرف شديد التعقيد، والإمكانات محدودة، خاصة المالية والمادية، والاعتراف بالمجلس، وكذا التوزع الجغرافي وآثاره.. لكن يمكن للمجلس الوطني بما يتوفر له من طاقات كبيرة، كثيرة أن ينهض بهذه الأعباء جميعها، وبأداء يليق بعظمة الثورة الثورية ليكون ممثلها الحقيقي فعلاً ..
الجزائر 22-122011/

عقاب يحيى
الخميس 22 ديسمبر 2011