لا تنضب الخواطر التي يختلط فيها الخيالي بالواقعي حول ما كان يمكن أن يفعله في هذه اللحظة السياسية الكثيفة الأحداث في لبنان وحوله، بدءاً من توقع حركته التي لا تهدأ في التفاعل مع تطورات الربيع العربي، وانتهاء بما كان سيقوم به لحفظ لبنان والإفادة من فرص الحراك الشعبي العربي من أجل حفظ الاستقرار فيه واحتضان النازحين من سورية، ورؤوس الأموال الهاربة من بعض الدول لرفع درجة الاستثمارات العربية على السواء، أو من إفادة المستثمرين اللبنانيين في بعض الدول في مرحلة جديدة من إعادة البناء...
لكان اختلج في ذهن الحريري هذا المزيج الفريد، بين توقه الضمني والعميق الى التقدم في الأنظمة السياسية العربية الذي باتت الحاجة الى المزيد من النمو الاقتصادي والاجتماعي، خصوصاً التعليمي (كان هاجسه) تفرضه، ليلتحق العرب بمصاف الدول المتقدمة في بناهم السياسية، وبين انتمائه الى النظام العربي التقليدي كصاحب نفوذ. فالرجل ابن جيل تأسس على القومية العربية عقيدة لسلوك النهضة، وكان ليفرحه انتفاض الشعوب. وهو في الوقت نفسه عضو في نادي الكبار ويخضع لقوانين التعامل بينهم. إلا أن انتماءه اللبناني القائم على تراث من التعددية والديموقراطية (على علاتها) كان معيناً له على اكتساب مشروعية الجمع بين النقيضين... وهذا الجمع بذكاء هو الذي كان يميزه.
... ومن البداية كان رفيق الحريري زار سورية ونصح بشار الأسد، بأن يستجيب للإصلاح في سرعة ويتجنب العنف حقناً للدماء لأن النظام الذي اختبر هو مدى قهره اللبنانيين وحكامهم، وهو في الطليعة منهم، لن يتمكن من إعادة السوريين الذين كان امتهان كراماتهم مضاعفاً، الى بيوتهم بعدما كسروا حاجز الخوف ونزلوا الى الشارع، وهو كان يدرك أن ما عاناه هو من قهر قبل وبعد أن هدده الأسد بتدمير لبنان فوق رأسه إذا لم يمدد لإميل لحود في الرئاسة، عاشه الشعب السوري كل يوم قبله.
لم يكن ممكناً للحريري إلا أن يحاول قبل أن يفقد الأمل من نظام يعرفه جيداً، أن يساعد على ألاّ تقع سورية بما سبق للبنان أن وقع فيه من دمار، وقبل أن ينتقل الصراع في سورية الى صراع دولي – إقليمي عليها، فتتعقد الأزمة وتتشابك فيها المصالح الكبرى مع دموية المواجهات، ولكان تنبه بموازاة تلك المحاولة الى أن أولى أولوياته حماية لبنان من انتقال الأزمة إليه، ولربما كان التقط فكرة النأي بالنفس باكراً ومارسها بكفاءة عالية ليركب الطائرة ويجول في العالم، يجمع المعطيات ويعرف حقيقة المواقف ويعلم ماذا يحيك الكبار ليفتش عن حلول لسورية تجنباً لمزيد من القتل والدمار فيها، وكان ليتنقل بين فلاديمير بوتين وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وبين فرنسوا هولاند وباراك أوباما ورجب طيب أردوغان وبان كي مون وأمير قطر حمد بن خليفة وأنغيلا مركل وديفيد كامرون ومحمد مرسي، وكان ليبقى على اتصال مع الأخضر الإبراهيمي الذي ما من شك أنه يفتقده رفيقاً له كما كان في الطائف... ولربما كان زار طهران أيضاً... من أجل ابتكار أفكار مميزة واستثنائية وفبركة اقتراحات سواء جزئية لتخفيف وطأة الأزمة أم شاملة لحلها.
ولما كان، وهو يساهم في توحيد المعارضة السورية للتعجيل في إنهاء الأزمة، انقطع عن إرسال الرسائل الى النظام، ولكان دعا وسام الحسن الى أن يفتعل موعداً للصيد البري مع سليمان فرنجية ليطلب منه نقل فكرة الى الأسد، أو أن يجد طريقة ليبعث برسالة الى فاروق الشرع أو يطلب من وسيط نقلها الى السيد حسن نصرالله ليمررها بدوره الى طهران ودمشق، أو أن يدعو زعيم «حزب الله» الى التهدئة. كان ليزور البطريرك الماروني ليبلغه: سيدنا من حقكم أن تخافوا على المسيحيين في المنطقة من صعود الإسلاميين، نتيجة ما حصل في العراق، لكن ألا ترون أن القوى الليبرالية والمعتدلة في الدول العربية ما زالت نشطة وتقف في وجه التشدد والتطرف؟ وكان ليرسل بيار أمين الجميل وأنطوان غانم أو جبران تويني إليه ليقول له إن تعاطف المسلمين اللبنانيين المعتدلين والمسيحيين الديموقراطيين مع الثوار في سورية رصيد في مصلحة لبنان كي لا يكرر حكام دمشق الجدد الممارسة الفوقية التي اتبعها النظام الزائل معهم لاحقاً...
ولكان رفيق الحريري تيقظ باكراً الى مشكلة النازحين السوريين ونصب لهم الخيم على الحدود وطلب اتخاذ التدابير الأمنية المشددة لحصر أماكن إقامتهم وضبط الحدود وجمع في جولاته الخارجية المال من الدول المانحة لمساعدتهم... بالتوازي مع سعيه بالتعاون مع أقرانه من كبار المتمولين السوريين الى عقد مؤتمر أصدقاء سورية تحضيراً لإعادة إعمار ما تهدم فيها...
... تقطع الواقعية حبل الخواطر المتدافعة فجأة ليتيقن المرء أنه لو كان الحريري حياً لما كان حصل ما حصل في لبنان وربما ما كان ليحصل بعض مما تشهده المنطقة، لا سيما سورية. كان النظام فيها ليكون مختلفاً. أما وهو على ما هو عليه، فقد كانوا كرهوه أكثر...
... ومن البداية كان رفيق الحريري زار سورية ونصح بشار الأسد، بأن يستجيب للإصلاح في سرعة ويتجنب العنف حقناً للدماء لأن النظام الذي اختبر هو مدى قهره اللبنانيين وحكامهم، وهو في الطليعة منهم، لن يتمكن من إعادة السوريين الذين كان امتهان كراماتهم مضاعفاً، الى بيوتهم بعدما كسروا حاجز الخوف ونزلوا الى الشارع، وهو كان يدرك أن ما عاناه هو من قهر قبل وبعد أن هدده الأسد بتدمير لبنان فوق رأسه إذا لم يمدد لإميل لحود في الرئاسة، عاشه الشعب السوري كل يوم قبله.
لم يكن ممكناً للحريري إلا أن يحاول قبل أن يفقد الأمل من نظام يعرفه جيداً، أن يساعد على ألاّ تقع سورية بما سبق للبنان أن وقع فيه من دمار، وقبل أن ينتقل الصراع في سورية الى صراع دولي – إقليمي عليها، فتتعقد الأزمة وتتشابك فيها المصالح الكبرى مع دموية المواجهات، ولكان تنبه بموازاة تلك المحاولة الى أن أولى أولوياته حماية لبنان من انتقال الأزمة إليه، ولربما كان التقط فكرة النأي بالنفس باكراً ومارسها بكفاءة عالية ليركب الطائرة ويجول في العالم، يجمع المعطيات ويعرف حقيقة المواقف ويعلم ماذا يحيك الكبار ليفتش عن حلول لسورية تجنباً لمزيد من القتل والدمار فيها، وكان ليتنقل بين فلاديمير بوتين وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وبين فرنسوا هولاند وباراك أوباما ورجب طيب أردوغان وبان كي مون وأمير قطر حمد بن خليفة وأنغيلا مركل وديفيد كامرون ومحمد مرسي، وكان ليبقى على اتصال مع الأخضر الإبراهيمي الذي ما من شك أنه يفتقده رفيقاً له كما كان في الطائف... ولربما كان زار طهران أيضاً... من أجل ابتكار أفكار مميزة واستثنائية وفبركة اقتراحات سواء جزئية لتخفيف وطأة الأزمة أم شاملة لحلها.
ولما كان، وهو يساهم في توحيد المعارضة السورية للتعجيل في إنهاء الأزمة، انقطع عن إرسال الرسائل الى النظام، ولكان دعا وسام الحسن الى أن يفتعل موعداً للصيد البري مع سليمان فرنجية ليطلب منه نقل فكرة الى الأسد، أو أن يجد طريقة ليبعث برسالة الى فاروق الشرع أو يطلب من وسيط نقلها الى السيد حسن نصرالله ليمررها بدوره الى طهران ودمشق، أو أن يدعو زعيم «حزب الله» الى التهدئة. كان ليزور البطريرك الماروني ليبلغه: سيدنا من حقكم أن تخافوا على المسيحيين في المنطقة من صعود الإسلاميين، نتيجة ما حصل في العراق، لكن ألا ترون أن القوى الليبرالية والمعتدلة في الدول العربية ما زالت نشطة وتقف في وجه التشدد والتطرف؟ وكان ليرسل بيار أمين الجميل وأنطوان غانم أو جبران تويني إليه ليقول له إن تعاطف المسلمين اللبنانيين المعتدلين والمسيحيين الديموقراطيين مع الثوار في سورية رصيد في مصلحة لبنان كي لا يكرر حكام دمشق الجدد الممارسة الفوقية التي اتبعها النظام الزائل معهم لاحقاً...
ولكان رفيق الحريري تيقظ باكراً الى مشكلة النازحين السوريين ونصب لهم الخيم على الحدود وطلب اتخاذ التدابير الأمنية المشددة لحصر أماكن إقامتهم وضبط الحدود وجمع في جولاته الخارجية المال من الدول المانحة لمساعدتهم... بالتوازي مع سعيه بالتعاون مع أقرانه من كبار المتمولين السوريين الى عقد مؤتمر أصدقاء سورية تحضيراً لإعادة إعمار ما تهدم فيها...
... تقطع الواقعية حبل الخواطر المتدافعة فجأة ليتيقن المرء أنه لو كان الحريري حياً لما كان حصل ما حصل في لبنان وربما ما كان ليحصل بعض مما تشهده المنطقة، لا سيما سورية. كان النظام فيها ليكون مختلفاً. أما وهو على ما هو عليه، فقد كانوا كرهوه أكثر...