نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


لمواجهة التهديد بـ«الكيماوي».. الأردن يستعد للمواجهة العسكرية!!




حسب المفاهيم والنظريات العسكرية فعندما «تنقطع» وحدة عسكرية صغيرة وتصبح محاصرة وتنعدم إمكانية إيصال الدعم إليها، فإنه، تحاشيا لوقوع أفرادها في الأسر وفي أيدي «الأعداء»، يبادر قائدها إلى إصدار أوامر بوضع ما تملكه من مدافع مورتر (هاون) في زوايا قائمة بحيث ترتد قذائفها المتفجرة إلى المكان نفسه الذي أطلقت منه، فتكون النتيجة بمثابة انتحار جماعي لهذه الوحدة بكل ضباطها وجنودها والعاملين فيها.


وهذا ربما لا ينطبق على الوضعية التي اتخذها بشار الأسد في الأيام الأخيرة، فهو أولا لا تاريخ ولا حاضر عسكريا له، وهو جرى تحميله رتبا لا يستحقها ولا هو جدير بها، وهو قلد أوسمة جرت العادة أن تزين بها صدور كبار الجنرالات المحاربين في الجيش العربي السوري وفي أي جيش فعلي وحقيقي من جيوش دول الكرة الأرضية، وهو ثانيا لا يمكن أن يقدم على الانتحار؛ لأن الانتحار في مثل هذه الحالة يعني منتهى الشجاعة؛ فقبطان «تايتانيك» الشهيرة فضل الانتحار قبل غرق سفينته بكل ما كان فيها من ركاب ومسافرين من قبيل الإفراط في الجرأة في تحمل المسؤولية.
الآن وقد أصبح القتال بين الجيش السوري الحر وجيش النظام يدور في دمشق نفسها، وبات الحصار يقترب من القصر الجمهوري ومن معاقل المجموعة الحاكمة؛ فقد أخذ رموز هذا النظام، الذي اختار هذا الطريق الوعر، والذي أخذته العزة بالإثم وواجه اعتراضات شعبه السلمية منذ اللحظة الأولى بالحديد والنار وبما كان فعله حافظ الأسد في عام 1982 بمدينة حماه، يتقافزون فرارا بأرواحهم من السفينة التي أصبحت في طريقها إلى الغرق، بل إنها في حقيقة الأمر أصبحت غارقة.
لم ينفع هذا النظام الذي بنى أركانه على أساسات من الجماجم، والذي بقي من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970 وحتى نوفمبر عام 2012، أي إلى قبل نحو شهر من الأيام، يحكم بأبشع ما فعلته أنظمة الاستبداد التي عرفها التاريخ البعيد والقريب من دموية وارتكاب جرائم.. كل ما تلقاه من دعم إيراني لا يزال مستمرا ومتدفقا عبر سماء العراق بمعرفة رئيس الوزراء نوري المالكي، وكل ما تلقاه من مساندة عسكرية وسياسية من نظام فلاديمير بوتين الذي يبدو أنه بات يراجع حساباته السابقة بعد أن أصبحت مياه الغرق تصل إلى أذني بشار الأسد.
عندما تضطر الأمم المتحدة إلى إيقاف وتجميد عملياتها في سوريا، وعندما تقوم بترحيل غالبية موظفيها عن الأراضي السورية، فإن هذا يعني حسب تجارب التاريخ القريب والبعيد نهاية هذا النظام، ويؤكد هذا ما جرى في كل الدول التي غشاها مثل هذا الذي يجري في هذه الدولة العربية، التي لأسباب كثيرة من بينها دورها وموقعها الجغرافي، قد ابتليت بأن أصبحت ميدانا لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وابتليت بسلسلة انقلابات عسكرية، آخرها انقلاب حافظ الأسد على «رفاقه» في حزب البعث في عام 1970، لم تعط لشعبها الخلاق والعظيم أي فرصة لالتقاط أنفاسه، وبناء الدولة الديمقراطية العصرية التي يستحقها هذا الشعب.
وعندما يلجأ هذا النظام، الذي هو من اختار هذه النهاية المعيبة والمأساوية، إلى التلويح بإمكانية اضطراره إلى استخدام ترسانته الكيماوية، وعندما تتردد معلومات تجعل الرئيس الأميركي باراك أوباما يوجه ذلك التحذير الشديد اللهجة الذي كان وجهه إلى بشار الأسد عن احتمال لجوء الرئيس السوري إلى استخدام غاز «السارين» الشديد الفتك والخطورة، والذي كان استخدمه ضرير معتوه وأحمق في أحد أنفاق القطارات (underground) في طوكيو في اليابان، فأدى إلى خسائر بشرية كبيرة، فإن هذا يعني إما أن الذين ما زالوا يحكمون في دمشق مصممون على الانتحار و«عليّ وعلى أعدائي»، وهذا مستبعد جدا، أو أنهم أرادوا من خلال استعراضهم «الكيماوي» هذا فتح أبواب المساومات مجددا والبحث عن ضمانات دولية تجنب رئيسهم المصير المروع المعروف الذي انتهى إليه معمر القذافي.
إن الوقائع على الأرض، وإن كل التقديرات لا تشير، بل تؤكد أن انهيار هذا النظام إن لم يكن قد بات مسألة ساعات فإنه بالتأكيد قد بات مسألة أسابيع فقط، وهذا هو ما جعل بشار الأسد يلجأ إلى التلويح باستخدام «ترسانته» الكيماوية وباستخدام غاز السارين الشديد الفتك والخطورة، إنْ لم يكن من أجل التفاوض على رحيل مضمون يجنبه نهاية كنهاية معمر القذافي، فمن أجل استخدام غطاء رادع للهروب من دمشق إلى القرداحة واستخدام هذا الجيب المسلح، الذي كان أنشأه أبوه حافظ الأسد في سنوات ثمانينات القرن الماضي، لبقاء أطول، ولإقامة الدولة الطائفية التي بقي يفكر فيها منذ انفجار هذه الأحداث كخيار أخير عندما تتلاشى وتفشل كل خياراته.
إن هذا الذي لوّح به بشار الأسد بعدما وصلت مياه الغرق إلى أذنيه، وبعد أن وصلت طلائع الجيش الحر إلى مشارف قصره، وبعد أن توقف مطار دمشق الدولي عن العمل وأعلنت الأمم المتحدة عن تجميد عملياتها في سوريا، قد التقطته الدول الكبرى المعنية والدول المجاورة: الأردن وتركيا تحديدا، بمنتهى الجدية؛ فتركيز بطاريات صواريخ «باتريوت» على الحدود التركية - السورية يأتي في هذا الإطار، وكذلك الأمر بالنسبة للتحذيرات والتهديدات التي أطلقها باراك أوباما وأطلقتها وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون.
وأكثر من هذا أنه قد حان وقت كشف النقاب عن أن هناك استعدادات عسكرية حدودية جدية كان الأردن قد بدأها، منذ أكثر من أربعة أشهر مضت عندما أثير موضوع احتمال استخدام بشار الأسد لأسلحة الدمار الشامل من كيماوية وغازية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، ومع عدد من الدول العربية المعنية، والمعروف في هذا المجال أن خبراء أميركيين قيل إن عددهم وصل إلى نحو مائة وخمسين خبيرا قد وصلوا إلى عمان قبل بضعة أسابيع لتدريب مجموعات قادرة على التعاطي مع الأوضاع في حال لجوء النظام السوري إلى مثل هذا الخيار المرعب والخطير.
وأيضا فإن ما يجب كشف النقاب عنه الآن هو أن الأردن الذي هو الأكثر ملاصقة للعمق السوري والأكثر تأثرا، إن عسكريا وإن سياسيا وأمنيا واقتصاديا، بكل هذا الذي يجري في سوريا، قد لجأ مبكرا، تحاشيا للمفاجآت، إلى المباشرة بتطبيق خطة ما يسمى «الدفاع الإيجابي»، حيث أصبحت وحدات «الخيرة» في قواته المسلحة تأخذ مواقع متقدمة على الحدود السورية - الأردنية، وبحيث إن هذه القوات باتت، بعد تزايد المعلومات عن أن النظام السوري قد يبادر إلى ارتكاب حماقة استخدام أسلحة كيماوية، جاهزة للتحرك وبسرعة إلى مناطق تخزين هذه الأسلحة في العمق السوري نفسه.
إنه من غير الممكن أن يبقى الأردن يضع يديه فوق عينيه وأذنيه حتى لا يرى حقيقة ما يفكر فيه نظام طفولي مغامر كنظام بشار الأسد، وحتى لا يسمع كل هذه التهديدات التي يسربها هذا النظام، والتي تزايدت في الفترة الأخيرة بعدما أصبح القتال يدور في دمشق نفسها؛ فالعاصمة الأردنية لا تبعد عن العاصمة السورية سوى نحو مائة وخمسين كيلومترا، وكل هذا يجعل الأردنيين يتعاطون مع هذه الأمور بمنتهى الجدية، ويجعلهم يضعون وحدات «الخيرة» في قواتهم المسلحة على أهبة الاستعداد، فأي مفاجأة في مسألة كمسألة استخدام الغازات السامة والأسلحة الكيماوية ستكون كارثة الكوارث، وبخاصة أن الحدود بين الدولتين الشقيقتين المتجاورتين متقاربة، وأن المناطق السكانية والقرى المأهولة على هذه الحدود متداخلة.

صالح القلاب
الخميس 6 ديسمبر 2012