لكن من طرفٍ آخر يجب أن تظهر المعارضة السياسية والعسكرية سواء ممثلة في الجيش الحر أو الائتلاف حساً بالمسؤولية تجاه الشعب السوري المهجر والمشرد، إذ لا يعقل أننا لا نستطيع أن نقدم أجوبة لملايين السوريين حول انتهاء الأزمة وأمل عودتهم إلى بيوتهم، حول مصير أبنائهم وبناتهم المعتقلين في سجون نظام الأسد، والخوف يزداد يوما بعد يوم حول وفاتهم تحت التعذيب في ممارسة اعتادت سجون الاحتلال الأسدي على ممارستها بحق كل المعتقلين دون تمييز بين سنهم أو جنسهم.
يجب أن نملك أجوبة للمدن المحاصرة والتي تتضور ويموت أطفالها جوعاً كالمعضمية وداريا والغوطة الشرقية ومخيم اليرموك وحمص، دون أن نستطيع الوصول إليها أو فك الحصار عنها، يجب أن تظهر المعارضة نوعاً من الإحساس بالمسؤولية تجاه كل ذلك، وأن النصر العسكري عبر الجيش الحر لا يمكن تحقيقه بدون تدخل عسكري خارجي يبدو بعيداً الآن بعد أن لاحت بوادره مع استخدام الأسد وعصاباته للسلاح الكيماوي في الغوطة في ٢١ أب الماضي، أدرك الأسد حينها أن الضربة العسكرية كانت قادمة فقدّم صفقة لا مثيل لها عبر التاريخ ولم تكن الولايات المتحدة لتحلم أبدا بتحقيقها، كل ذلك ليتجنب ضربة عسكرية ويتفرغ لقتل الشعب السوري بكل أنواع الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، ولذلك يجب أن يكون تركيز المعارضة السورية على الآليات التي يمكن أن تُلزم المجتمع الدولي من خلال مؤتمر جنيف بالإجابة على كل هذه الأسئلة.
لقد نسي العالم كله السوريين، وتركهم لمصيرهم وحدهم، ولابد لنا من خلال البوابة السياسية إقناع المجتمع الدولي بآليات تنفيذية تلزم الأسد بتحقيقها، أقول لن يلتزم الاسد بكل تأكيد وأنا واثق من ذلك، لكن اللغة الوحيدة التي يستمع لها الأسد هي القوة، وهو ما يبدو مستبعداً الآن أو عندما يتحدث المجتمع الدولي إليه بلغة موحدة كما جرى بالنسبة للسلاح الكيماوي، ولذلك يجب أن تكون أولويات المعارضة السورية في التحضير لمؤتمر جنيف كالتالي:
- تجنب أي معارك جانبية تزيد من خسارة المعارضة لقيمتها وسمعتها في الشارع السوري حول من سيحضر اللقاء؟ ومن هو الوفد الذي سيمثل السوريين؟، وتركيز النقاش والحوار حول لماذا سنحضر الى جنيف؟ وماذا يمكن أن نحققه من حضور المؤتمر؟.
- ينص اتفاق جنيف الاول على ما يسمى "جسم انتقالي كامل الصلاحيات"، وباللغة الإنكليزية كما هو النص الأصلي "Transitional Body with full authorities" ولا أعرف لماذا يتداول الإعلام العربي بدون ملل ما يسميه "حكومة انتقالية"، ما جعل البعض يعتقد أن هدف المعارضة هو تقاسم مقاعد وزارية مع الأسد على حساب دماء الشعب السوري، المسألة ليس كذلك أبدا، وإنما لابد للمعارضة من الإصرار على تشكيل مجلس انتقالي لا دور للأسد فيه، يمتلك الصلاحيات الكاملة بما فيها الجيش والاستخبارات ويشرف على المرحلة الانتقالية، إلى حين إجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة، تسبقها إجراءات شاملة تشمل عودة المهجرين والنازحين.
- يجب أن تصر المعارضة على تشكيل إجراءات ثقة ومسارات متابعة تشرف عليها الأمم المتحدة، وهي: مسار المعتقلين السياسيين بحيث يجري تسليم كل اللوائح إلى الأمم المتحدة لإجبار نظام الاسد على إطلاقهم بدون أي شروط، ومتابعة شؤونهم بحيث تستطيع المعارضة أن تكسب ثقة الآلاف المؤلفة من العائلات السورية التي لديها معتقلين في سجون الاسد، والمسار الثاني يتعلق بفك الحصار عن المناطق المحاصرة وعلى رأسها الغوطة الشرقية والمعضمية وحمص ومخيم اليرموك، وتكون من مسؤولية الأمم المتحدة مراقبة وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل إلى هذه المناطق، أما المسار الثالث فهو التزام دولي ومن كل الدول الداعمة لمؤتمر جنيف بإعادة إعمار المناطق المتضررة والمنكوبة وإعطائها وأهلها تعويضات خاصة وسخية، فكل مناطق المعارضة أصابها الأسد بالدمار، وعلى المعارضة السياسية أن تعي ضرورة فتح كل الفرص لإعادة ملايين اللاجئين إلى بيوتهم بأمان وكرامة، فلم يذل السوري في عمره كما يخضع للإذلال اليوم في مخيمات اللجوء.
تلك إذن هي النقاط التي يجب أن يدور النقاش حولها بين المعارضة اليوم، ويجب عدم تحويل النقاش إلى نقاش حول الوطنية والخيانة، يجب أن تتصرف المعارضة بمسؤولية تجاه الملايين من السوريين وبحنكة بحيث تتخلص من الأسد عبر مسار دولي يلتزم به المجتمع الدولي حول المرحلة الانتقالية.
لا أرى الآن أي خيار آخر سوى هذا الخيار، أو يمكن أن نكمل معاركنا العسكرية التي يقوم بها الجيش الحر لكن دون أن توصلنا إلى هدفنا الوحيد وهو سوريا الحرة الديمقراطية، وللأسف فإن خيار التدخل العسكري يبدو مستبعدا الآن، فأمريكا لديها من مشاكلها الداخلية وصراعاتها السياسية ما يكفيها الآن، خاصة الانقسام العميق بين الجمهوريين والديمقراطيين حول الدين الحكومي والموازنة والتأمين الصحي وغيرها، ولذلك ليس أمامنا سوى توريط المجتمع الدولي من خلال جنيف بمسار سياسي، دون أن نتخلى عن شبر واحد أو قطعة عسكرية واحدة امتلكها الجيش الحر، الذي سيبقى يدافع ويحرر وسيبقى التزامنا السياسي نحوه هو الالتزام الوحيد والحقيقي، لكن علينا فتح جبهة سياسية تمكننا من رؤية لضوء في آخر هذا النفق السوري الطويل.