وقد جاءت ردود الفعل، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، سياسية في الدرجة الأولى لتعكس مواقف هذه الأطراف ضد أو مع النظام السوري الذي استغل التفجيرات على الفور، ليتهم كل الدول التي تقف ضد قمعه للانتفاضة الشعبية بدعم الإرهاب، بدءا من تركيا وليبيا إلى الدول الغربية، بينما قالت روسيا التي تدعم النظام أمس على لسان نائب وزير خارجيتها: إن هذه التفجيرات وراءها «القاعدة» ومجموعات متحالفة معها، محذرا من نزاع طويل ودموي لن ينتصر فيه أحد، كما كان موقف نصر الله أمين حزب الله اللبناني مشابها ليحذر السوريين من أن أمامهما خيارين هما: إما منهج جدي في الإصلاح تقوده السلطات السورية أو عقل تدميري، والكلام واضح هنا، فالعقل التدميري هو المعارضة، والإصلاح هو النظام.
ومنطق نصر الله قلب للحقائق، فهل الذي يقود الإصلاح هو الذي يقوم بقصف عشوائي على الرستن كما حدث أمس، ويدمر أحياء كاملة في حمص كما حدث سابقا، ويؤدي إلى نزوح عشرات الآلاف من السوريين خارج بلادهم، وهل صاحب العقل التدميري هو الذي يطالب بالحرية والعدالة. التفجيرات لا أحد يستطيع أن يبررها، فهي مدانة من الجميع، بما في ذلك المعارضة السورية التي اتهمت النظام بأنه وراءها، لكن السؤال هو لماذا الآن؟ وما هو الهدف من محاولة إبراز «القاعدة» في المشهد السوري، سواء أكان صحيحا أن المنفذين من جماعة تتبنى أفكار «القاعدة» أم لا؟
الإجابة تكمن في تحليل المواقف منذ بداية الانتفاضة السورية حتى الآن، فقد بدأت بمطالب بسيطة للحرية والعدالة بعد قمع وحشي لأطفال في درعا كتبوا شعارات مناوئة للنظام على الجدران، ولشهور طويلة ظل السوريون الذين اندفعوا في فورة ما حدث في تونس ومصر ثم ليبيا ينزلون إلى الشوارع ويتظاهرون سلميا ويرد عليهم بالرصاص فتتصاعد مطالبهم حسب حجم الرد بالآلة الأمنية عليهم لتصل إلى إسقاط النظام، ثم تطور الأمر بعد شهور طويلة بانشقاقات الجيش، التي تشكل منها تشكيلات الجيش الحر.
ومنذ الأسابيع الأولى والنظام يحاول ترويج صورة أن هؤلاء المتظاهرين عصابات مسلحة أو متطرفون ولم يقتنع العالم بعدما رأى لقطات الصور والفيديوهات التي تظهر أن من يتصرف كعصابات مسلحة هو القوات التابعة للنظام، سواء كانوا من القوات النظامية أو الشبيحة الذين يروعون الناس، ولعب النظام - ونجح جزئيا في هذا على ما يبدو - في تخويف الأقليات من أن هذه انتفاضة سنية، وباعتبار أن السنة هم الأغلبية في سوريا فلو وصلوا إلى الحكم سينكلون بالآخرين، وهو ما نفته المعارضة مرارا وتكرارا.
وبالتالي لن يستفيد أحد من دخول تنظيمات أو جماعات متطرفة على المشهد سوى النظام نفسه ليبرر استمرار عملياته المسلحة وتواجد الدبابات داخل المدن خلافا لخطة أنان التي قبلها، وحتى لو لم يكن وراء هذه الجماعات مباشرة فإنه مسؤول بشكل غير مباشر عنها، فلو عدنا بالذاكرة إلى القصص الطويلة عن حملة التفجيرات الدموية في العراق، ودخول المقاتلين التابعين لـ«القاعدة» إلى العراق من كل أنحاء الدنيا، كان الطريق دائما يمر عبر دمشق، وفي معسكرات تجميع على الحدود مع العراق، وليس معقولا أن يكون كل ذلك كان يتم من دون علم السلطات في نظام معروف بقبضته الأمنية الشديدة، فهذه الجماعات وأسلوب التفجيرات هي بضاعة هذا النظام التي كان يصدرها إلى المنطقة
---------------------
الشرق الاوسط