هناك دليل حاسم على فشلنا في حكم أنفسنا من خلال هذه الأزمة في إقرار قانون انتخاب يعتبر أساساً لتشكيل السلطة وتداولها بطريقة سلمية وديموقراطية. بل نكاد نعجز عن تشكيل حكومة من البداهة أن أول وظائفها إدارة شؤوننا اليومية المشتركة أو العامة التي لا سبيل إلى إدارتها إلا من هيئة سياسية وطنية.
نريد من الحكومة أموراً متعاكسة ونريد تحميلها مواقف وسلوكيات لن تكون مجدية بالنسبة للقضايا الكبرى في المنطقة. لكن التصميم الأكبر هو دائماً على استنزاف هذه الدولة واقتطاع وارداتها تحت شعارات وعناوين يعرف الناس أنها مجرد تغطية لرسملة مواقع السلطة والنفوذ والأنصار والمحاسيب.
لكن المفارقة هي في كون الناس على معرفة تامة بالمسلكيات السياسية وفي شيء من الممالأة والخضوع لأحكامها، ما دام أن القوى السياسية نفسها تستجلب مصادر الدعم الخارجي وتعزز سلطتها عبر النخبة الضاربة من الأتباع وأصحاب المنافع والأنصار وتتصارع ثم تتوافق على قانون الانتخاب الذي يعيد إنتاج سلطتها مجتمعة.
ففي هذه اللحظة السياسية من الانكشاف السياسي ومن التوترات الأمنية ومن الاحتباس الاجتماعي والضيق النفسي والقلق، لا تتورّع هذه الطبقة السياسية على الذهاب في التجاذب إلى الحدود التي تهدّد بانهيار الهيكل الدستوري للدولة وما بقي لها من شرعية في الداخل والخارج. ويتصرف أقطاب الطوائف كأن لا شيء أهم من اختطاف مكسب سياسي هنا ومكسب هناك، بينما تتداعى هيبة الدولة وأمنها وأمن المواطنين في ما صار مألوفاً من خطف وخطف مضاد وفدية ومبادلة، تتعامل معها «الدولة» كطرف وسيط ومحايد. لكن الأخطر أننا نغض الطرف عن تقصير الدولة وعجزها أمام السلطات الشرسة لأحزاب الطوائف ومسلحيها وأمنها الحزبي، الذي صار المرجع والملاذ في سائر المناطق من دون استثناء. وأدهى من ذلك أن تتكرّس صورة المسؤولين الرسميين عن الأمن الوطني والسياسي والاجتماعي وكأنهم زعماء مجموعات مسلحة لا يخجلون من عرض صورهم والتباهي بلافتات التأييد لهم والعراضات المسلحة في استقبالهم. ونعجب من أنفسنا فوق ذلك حين نعتقد أو نظن أن للحرية مكاناً بعدُ ولكرامة الإنسان ولأي من حقوقه في هذا البلد.
بل نحن نشترط أو نخمّن أو نتفنن في دفاتر الشروط التي يجب أن تلتزمها الحكومة العتيدة، وليس من بينها كيف تستعيد الثقة بالدولة ومؤسساتها ودستورها وقانونها، وأن تعالج الأمن حتى لا نقول تفرضه فرضاً. فلا نحتاج أن نشترط على الحكومة إقرار قانون انتخاب وإجراء انتخابات حرة نزيهة وذلك من لزوم ما لا يلزم إذا كنا عن حق مع وحدة الدولة والقواعد الأساسية لها لا مع الانحلال المتسارع لمقوماتها وكيانها أمام هجمة المقاطعجية الطائفية المتصاعدة. ولعلنا تجاوزنا آخر حدود الخجل الطائفي في استعراض مشاريع التقطيع والفرز والضم وهندسة الكتل الناخبة تحقيقاً للهدف الأسمى: تجديد المحاصصة الطائفية سواء بالقديم من رموزها وأدواتها أو بالجديد من الوجوه الموعودة بالوظائف والأدوار ذاتها. فإذا كنا فعلاً لسنا أمام صدمة إيجابية بمثابة استيقاظ من هذا الكابوس السياسي الأمني الاجتماعي، عبثاً نتوقع جرعة ديموقراطية أو إصلاحية أو حتى دفاعية أمام زحف الأزمات وانفجارها.
فهل تتشكل عصبية وطنية أم نعلن إفلاسها النهائي؟
نريد من الحكومة أموراً متعاكسة ونريد تحميلها مواقف وسلوكيات لن تكون مجدية بالنسبة للقضايا الكبرى في المنطقة. لكن التصميم الأكبر هو دائماً على استنزاف هذه الدولة واقتطاع وارداتها تحت شعارات وعناوين يعرف الناس أنها مجرد تغطية لرسملة مواقع السلطة والنفوذ والأنصار والمحاسيب.
لكن المفارقة هي في كون الناس على معرفة تامة بالمسلكيات السياسية وفي شيء من الممالأة والخضوع لأحكامها، ما دام أن القوى السياسية نفسها تستجلب مصادر الدعم الخارجي وتعزز سلطتها عبر النخبة الضاربة من الأتباع وأصحاب المنافع والأنصار وتتصارع ثم تتوافق على قانون الانتخاب الذي يعيد إنتاج سلطتها مجتمعة.
ففي هذه اللحظة السياسية من الانكشاف السياسي ومن التوترات الأمنية ومن الاحتباس الاجتماعي والضيق النفسي والقلق، لا تتورّع هذه الطبقة السياسية على الذهاب في التجاذب إلى الحدود التي تهدّد بانهيار الهيكل الدستوري للدولة وما بقي لها من شرعية في الداخل والخارج. ويتصرف أقطاب الطوائف كأن لا شيء أهم من اختطاف مكسب سياسي هنا ومكسب هناك، بينما تتداعى هيبة الدولة وأمنها وأمن المواطنين في ما صار مألوفاً من خطف وخطف مضاد وفدية ومبادلة، تتعامل معها «الدولة» كطرف وسيط ومحايد. لكن الأخطر أننا نغض الطرف عن تقصير الدولة وعجزها أمام السلطات الشرسة لأحزاب الطوائف ومسلحيها وأمنها الحزبي، الذي صار المرجع والملاذ في سائر المناطق من دون استثناء. وأدهى من ذلك أن تتكرّس صورة المسؤولين الرسميين عن الأمن الوطني والسياسي والاجتماعي وكأنهم زعماء مجموعات مسلحة لا يخجلون من عرض صورهم والتباهي بلافتات التأييد لهم والعراضات المسلحة في استقبالهم. ونعجب من أنفسنا فوق ذلك حين نعتقد أو نظن أن للحرية مكاناً بعدُ ولكرامة الإنسان ولأي من حقوقه في هذا البلد.
بل نحن نشترط أو نخمّن أو نتفنن في دفاتر الشروط التي يجب أن تلتزمها الحكومة العتيدة، وليس من بينها كيف تستعيد الثقة بالدولة ومؤسساتها ودستورها وقانونها، وأن تعالج الأمن حتى لا نقول تفرضه فرضاً. فلا نحتاج أن نشترط على الحكومة إقرار قانون انتخاب وإجراء انتخابات حرة نزيهة وذلك من لزوم ما لا يلزم إذا كنا عن حق مع وحدة الدولة والقواعد الأساسية لها لا مع الانحلال المتسارع لمقوماتها وكيانها أمام هجمة المقاطعجية الطائفية المتصاعدة. ولعلنا تجاوزنا آخر حدود الخجل الطائفي في استعراض مشاريع التقطيع والفرز والضم وهندسة الكتل الناخبة تحقيقاً للهدف الأسمى: تجديد المحاصصة الطائفية سواء بالقديم من رموزها وأدواتها أو بالجديد من الوجوه الموعودة بالوظائف والأدوار ذاتها. فإذا كنا فعلاً لسنا أمام صدمة إيجابية بمثابة استيقاظ من هذا الكابوس السياسي الأمني الاجتماعي، عبثاً نتوقع جرعة ديموقراطية أو إصلاحية أو حتى دفاعية أمام زحف الأزمات وانفجارها.
فهل تتشكل عصبية وطنية أم نعلن إفلاسها النهائي؟