نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


كتاب ميسون صقر عن مقهى ريش




سمعت اسم مقهى ريش لأول مرة فى نهايات ستينيات القرن الماضي. عندما رغبت فى الذهاب لنجيب محفوظ. حصلتُ على رقم تليفون بيته من دليل التليفونات. أضيفت له أرقام جديدة بفعل التطور. رد عليَّ ورحَّب بي. شرحت له السبب فى رغبتى للذهاب إليه. كنا أنا وصديق العمر ورفيق الروح جمال الغيطانى قد أصدرنا عملينا الأولين. مجموعة جمال القصصية: أوراق شاب عاش منذ ألف عام. وروايتي: الحداد، التى كان عنوانها: الحِداد يمتد عاما آخر. وعندما ذهبت بمخطوطها للرقابة لتوافق عليها. اعترضت على العنوان. فاقترحت عليهم: الحِداد يليق بأهل مصر. ورُفِضَ أيضاً بشدة أكثر من العنوان الأول. وهكذا بقيت كلمة الحِداد فقط. ولأنها طُبِعت غير مشكولة فقد قُرِأت الحَدَّاد. رحَّب بى نجيب محفوظ بطريقته المعهودة وحدد لى موعدا يوم الجمعة التالى من الساعة الخامسة والنصف حتى الثامنة والنصف فى كافيه ريش. وأنهى مكالمته بعبارته التقليدية: أهلا بك يا عزيز».


 
بعد انتهاء المكالمة. اكتشفنا أنا وجمال أننا لا نعرف أين يقع «كافيه ريش». وبالسؤال والتحرى عرفنا مكانه. وفى يوم الجمعة التالى كنا هناك. وبيد كل منا كتابه. كأنه جواز سفره وقدمنا له العملين. ولدهشتنا البالغة أننا فى الأسبوع التالى اكتشفنا أنه قرأ العملين. كان إعجابه بمجموعة جمال يفوق الوصف. لكنه قال عن روايتى إن الأحداث تتطور فى الفصل الأول والثاني. لكن التطور يتوقف بعد هذا. وكانت للعلم رواية: أصوات. يحكيها كل بطل من أبطالها مرة أخري. كتبتها هكذا بدافع التجديد. وروح المغامرة التى لا أجيدها كثيرا.
عموما لا أريد الاستطراد فى حكايتى لأن هدفى من الكتابة هو كتاب الشاعرة والروائية والكاتبة والمثقفة ميسون صقر عن المقهي. وهى ليست غريبة. بل أصبحت جزءا من المشهد الثقافى المصرى والعربى تقابل كل أعمالها بحفاوة غير عادية. وقد وصلت ذروة التفاعل مع ما تكتبه فى مجلدها المهم عن مقهى ريش، الذى يقع فى 650 صفحة من القطع الكبير. أى أنه مجلد أو موسوعة ليس لريش فقط. ولكن للقاهرة فى القرن العشرين. لها رواية: ريحانة التى نشرتها فى سلسلة روايات الهلال. ورواية: فى فمى لؤلؤة. التى تحكى عن اللؤلؤ وصيده فى الخليج.
وكتبت أيضا الشعر سواء بالفصحى أو العامية. كما أن لها ديوانا شعريا للأطفال. وحصلت على جائزة كفافيس للشعر عام 2014، وباعتبارها فنانة شاملة تُمارس الرسم. وقد أقامت عدة معارض تشكيلية. وأخرجت فيلما تجريبيا: خيط وراء خيط. أيضا فقد جمعت وحققت الأعمال الكاملة سواء شعر الفصحي، أو الشعر النبطى لوالدها الشيخ الشاعر صقر بن سلطان القاسمى فى أربعة مجلدات. تُثبت أنه من الشعراء العرب البارزين فى القرن العشرين. وحقيقة الأمر فأنها كانت أمينة عند اختيار عنوان الكتاب. فعلى غلافه الأمامى عنوان رئيسي: مقهى ريش. يليه عنوان: عين على مصر. وقد شعرت خلال القراءة أنهما كتابان فى كتاب واحد. فقد رصدت فى الفصول الأولى من الكتاب تطور القاهرة فى قرننا العشرين. وتحديثها مع التركيز على الجانب الثقافى منها. إلى أن وصلت حتى مقهى ريش.
ومن المؤكد أن هناك جهدا غير عادى بذلته الكاتبة فى تدوين نصها ومجلدها المهم. سواء ما يخص القاهرة وتطورها. أو الحياة الثقافية فيها ومآلها. إنه ليس كتابا عن مقهى ريش فقط. بل كما عشته فى أثناء القراءة يدور حول التطور الروحى لمصر والوطن العربى من حولها فى قرننا العشرين. وبالتأكيد أن تحضير مادة هذا الكتاب الثرية والمتشعبة والمتنوعة وتدوينها فى عمل أدبى تشعر كأنك تقرأ نصا فنيا عن قاهرتنا، ثم التركيز بعد ذلك على مقهى ريش إن هذه القراءة توفر متعة لا نجدها إلا فى أعمالها الفنية التى سبق أن أصدرتها.
ما من مثقف مصرى أو عربى ذهب إلى مقهى ريش ولو لمرة واحدة فى حياته إلا وله ذكرٌ فى الكتاب. وهذا معناه أن المؤلفة أجهدت نفسها كثيرا فى البحث لسبع سنوات. وأعطت كل ذى حقٍ حقه. ففى الفصل الأخير من الكتاب قبل الخاتمة وعنوانه: علاقات وصداقات المثقفين من مقهى ريش. فيه رصد يومى ودقيق للغاية للصداقات التى نشأت بين مثقفى ذلك الزمان القريب البعيد التى بدأت فى المقهي. وأيضا ثمة شهادات سعت إليها من المثقفين الذين مازالوا على قيد الحياة عن ريش ووجودها فى إبداعاتهم الأدبية ودورها المهم. بل إنها تحاول رصد قصص الحب التى وُلِدت على المقهي. وبسبب الوجود فيه باعتباره نقطة انطلاق فنية وثقافية. وهى حكايات كثيرة. لعل أشهرها: فاطمة اليوسف، ومحمد عبد القدوس، وصافيناز كاظم، وأحمد فؤاد نجم، وأمل دنقل، وعبلة الرويني، والشاعر عبد الرحمن الأبنودي، والمخرجة التسجيلية عطيات الأبنودي، وأيضا صباح، وأنور منسي. ومن أجمل ما فى هذا الكتاب أنه مُهدى إلى العقيد طيار: مجدى عبد الملاك. الذى آل إليه المقهي. وأسرته الممتدة فى ابنى أخيه: ميشيل عبد الملاك ووالدتهما. ولعلها المرة الأولى أن يتضمن الكتاب بعض الآراء لمن قرأوه من المثقفين. تبدأ بالكاتب نبيل عبد الفتاح، وطه زيادة، وصبحى موسي، وجمال القصاص، وقد شكرتهم ميسون بكرمها البالغ لأنهم اطَّلعوا على الكتاب وأبدوا بعض الملاحظات قبل نشره. وهذا معناه أنها كانت تعتبر الكتاب رسالة من رسائل العمر أكثر من كونه مجرد كتاب عن مقهي. ولولا مساعدة صديقى الدكتور أحمد العزبى ما تمكنت من الحصول على نسخة من الكتاب. كما أنه اقتنى نسخة منه. إنه سردٌ حى لتاريخ الثقافة المصرية والعربية بالقرن العشرين.
--------
الاهرام

يوسف القعيد
الثلاثاء 29 مارس 2022