نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


قنبلة موقوتة.. وديعة أميركية في أفغانستان





ما تزال أصداء إخفاق انسحاب الجيش الأميركي من أفغانستان تتردد، بانعكاسات سياسية وعسكرية واستخباراتية، تكاد تطيح بأسماء لامعة في الإدارة الأميركية، وقد بدأ الحديث عن مدى الخسارات المتوقعة للحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفية القادمة في الكونغرس، بعد أن أصبح من شبه المؤكد أن لا ولاية أخرى للرئيس الحالي “بايدن”.

الإخفاق الأميركي الذي يأتي بعد عشرين عامًا من الوجود الأميركي في أفغانستان ستكون نتائج دراساته وتحليلاته مادةً تُدرّس في المدارس والأكاديميات العسكرية والسياسية، وكذلك في مؤسسات العلاقات الدولية والأمنية، والانسحاب الأميركي بنتائجه الكارثية يعكس بصورة واضحة مدى الاستخفاف وحالة عدم وضوح الرؤية وسوء التوقع والتقدير، لدى ضباط الاستخبارات المركزية الأميركية وتقاريرهم التي توقعت صمود الجيش الأفغاني ثلاثة أشهر، على الأقلّ، على حين كانت ثقة حلف “الناتو” أكبر، عندما أكد جنرالاته، عبر توصيات وتوقعات، أن العاصمة “كابول” والجيش الأفغاني قادرون على الصمود، على الأقلّ لبداية عام 2022، لكن اللافت أنّ كلا الطرفين متفقان على حقيقة نصر حركة “طالبان”، وكان غياب التنسيق بين الاستخبارات الأميركية والبنتاغون واضحًا.


وبناء على ذلك؛ لم يكن مفاجئًا انتصار طالبان وسيطرتها على البلاد والقواعد العسكرية والمطارات، ومن ثم الحدود والعاصمة كابول، بل كانت المفاجأة في سرعة ما حدث، وفي سرعة انهيار الجيش الأفغاني الذي درّبته ودفعت رواتبه وزارة الدفاع الأميركية، بعد أن سبقه انهيار كامل المؤسسات الأمنية والسلطة السياسية التي كان رئيسها “أشرف غني” أوّل الهاربين نحو مطار كابول، للفرار خارج البلاد بما حصل عليه من صناديق الدولارات عبر الفساد المستشري بالبلاد. المؤكد الآن أن هناك مراجعات، لدى القيادات الأميركية السياسية والعسكرية والاستخباراتية، لكلّ تقارير جنرالات وزارة الدفاع والاستخبارات والساسة التي كانت تُرفع من أفغانستان، وتتحدث عن قوة الجيش الأفغاني وعن النتائج الطيبة (وفقًا للتقارير المرفوعة) للمشاريع العسكرية التدريبية التي أجراها الجيش الأفغاني، وكانت أثمانها انهيارًا أفغانيًا وخيبة أمل أميركية، بعد مشاهد وأحداث أظهرتها ساحات أفغانستان، وأبرزت خسارة معارك للجيش الأفغاني أمام حركة “طالبان”، وكذلك تسليم الجيش دون قتال لمعظم الثكنات والمواقع التي كان يفترض به الدفاع عنها. وفقًا لتقرير المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان (جون سوبكو)، كان الجيش الأفغاني يشغل 167 طائرة قابلة للاستخدام داخل البلاد، منها 33 طائرة من طراز “بلاك هوك”، وثلاث طائرات من طراز سي 130 هيركوليس، و23 طائرة من طراز (إ م دي 530)، و43 مروحية من طراز (آ سي 208)، و33 طائرة مطورة لإسقاط القنابل الموجهة بالليزر، وطلبت القوات الجوية الأفغانية، عبر وزارة دفاعها، من الأميركيين أكثر من مئة طائرة بدون طيار، وتقول تقارير الحسابات الأميركية عن مصروفها في أفغانستان إن مجموع ما صرفته واشنطن على عملياتها القتالية في أفغانستان يزيد عن 820 مليار دولار أميركي، والأخطر من ذلك تقارير تقول إن سلاحًا تسلّمته أو اغتنمته حركة “طالبان” تُقدّر قيمته بأكثر من 85 مليار دولار، فيه معدات خطرة جدًا تشمل: 600 ألف قطعة سلاح مشاة، أهمها بنادق هجومية أميركية طراز “إم 4” و “إم 16″، وأسلحة قنص طراز إم 24، و162.643 جهاز اتصال عسكري، 16 ألف جهاز رؤية ليلية للمعارك، و167 ألف مركبة عسكرية، أبرزها مركبات مدرعة أميركية طراز “هيمفي”، ومركبات مضادة للألغام، 7035 مدفع رشاش، 25 ألف قنبلة يدوية، 1394 قاذف قنابل، 16191 قطعة من الأجهزة الخاصة بالاستطلاع والاستخبارات والتجسس، 208 طائرات وحوّامات (شينوك وبلاك هوك)، وقد أكدت تقارير أميركية أن عدد حوامات (بلاك هوك) التي تركتها في أفغانستان يعادل 85% من عدد تلك الحوامات من هذا الطراز الموجودة خارج أميركا، أما الطائرات فهي طائرات هجومية خفيفة طراز (سوبر توكانو)، لكن من الناحية العملية لا يمكن استخدام الطائرات المتطورة دون تدريب، و211 طائرة إمداد عسكرية أميركية (46 منها هرب بها عناصر وضباط أفغان إلى أوزبكستان المجاورة)، والتقارير التي أظهرتها بعض الفيديوهات عن تدمير بعض تلك الطائرات والحوامات لم تُقنع أحدًا، خاصة ما قاله قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال “كينيث ماكنزى” بأن القوات الأميركية نزعت سلاح 73 طائرة، و 70 عربة تكتيكية من طراز (مراب)، و27 عربة (هيمفي) كانت موجودة في مطار كابول قبل إنهاء عملية الانسحاب، وأضاف: إنه إجراء معقد ويستغرق وقتًا طويلًا لتحطيم وتخريب تلك الأنظمة، واعتبر ماكنزي أن تجريد هذه الأنظمة من السلاح لن يسمح باستخدامها مرة أخرى، وأن الدافع لأمر التخريب مرده أن حماية القوات الأميركية كان أهمّ من إعادة تلك الأنظمة لأراضي الولايات المتحدة الأميركية. وبناءً على ما سبق، أصبح اليوم أمرًا اعتياديًا مشاهدة مقاتلي حركة “طالبان” وهم يرتدون الزي العسكري الأميركي، وقد تم تجهيزهم بدروع واقية من الرصاص ونظارات للرؤية الليلية وبنادق أميركية متطورة، ويتجولون في عربات (همفي) الأميركية الشهيرة. إن طريقة انهيار الجيش، ومشاهد هروب السلطة الرئيسية، وخاصة الرئيس الذي بدا وكأنه يرتب لتسليم السلطة وكل تلك المقدرات لطالبان! كانت تشبه إلى حد بعيد طريقةَ تسليم القيادة العراقية لمدينة “الموصل” في العراق، إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، لأن واقع الحال يقول: إن عملية تسليم الموصل، مع المقدرات العسكرية واللوجستية لأربع فرق عسكرية عراقية مدربة على يد الأميركان، والانسحاب دون قتال تاركة سلاحها لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، هي سيناريو مشابه لما يحصل الآن في أفغانستان، فهل نعدّ أن ما حصل بالعراق هو ترتيب أميركي آخر؟؟ وهل ما حصل في أفغانستان وعلاقة السلطة والقيادة العسكرية الجديدة يتعلق بمجموعة اتفاق البريكس؟ هل تلك القوة العسكرية المتروكة التي أودعتها وتركتها الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان لدى حركة “طالبان” ستكون مهمتها المستقبلية مواجهة قدرات دول البريكس أو التشويش عليها وإشغالها على أقل تقدير؟؟ ما يعزز هذا التوجه والتحليل أن هناك بعض التقارير الأميركية التي لاحظت أن هناك عمليات ضخ لكميات كبيرة من السلاح تفوق حاجة الجيش الأفغاني والقوى الأمنية (هناك تقرير أميركي يؤكد أن قوات الجيش والشرطة تلقت 112 ألف قطعة سلاح زائدة عما طلبته أفغانستان أساسًا)، وتلك التقارير زادت من غموض المغزى الأميركي مما حصل ويحصل. وهناك تقرير يؤكد مبررًا أنّ من الأسباب الأخرى للفائض، في بعض أنواع الأسلحة الأميركية التي شُحنت وسلمت للجيش الأفغاني وزادت عن الحد المطلوب، رغبة قوات الأمن الوطنية الأفغانية في الحصول على أسلحة جديدة، بدلًا من إصلاح الأسلحة القديمة أو المعطلة، فهل غفلت عيون واشنطن وقيادتها العسكرية والاستخباراتية في أفغانستان عن هذا الأمر؟! التقرير الذي أعده خبراء أميركيون حول السلاح المسلّم إلى أفغانستان أكد أنه كان على جنرالات البنتاغون مساعدة السلطات الأفغانية في القيام بجردة حساب كاملة لكلّ الأسلحة المسلمة إلى سلطات كابول وتدقيق لوائح التسليم ومحتويات المستودعات وضبط عمليات التسليم وتدقيق وجهات تسليم السلاح، ومع ذلك، فكل المؤشرات والدلائل تؤكد غياب سجلات الجرد والتدقيق والتفتيش والمحاسبة بالجيش الأفغاني قبل رحيل الأميركان، فما بالك اليوم؟ العبث والفوضى لم يكونا حصيلة الجهود العسكرية الفوضوية والفاشلة فحسب، بل شملا حتى أموال إعادة الإعمار، فقد كشف المفتّش العام المكلف إعادة اعمار أفغانستان “جون سوبكو” أن هناك مساعدات بقيمة 103 مليارات دولار لإعادة إعمار أفغانستان أُهدر جزءٌ منها على خطط مساعدة غير مدروسة وغير مجدية، وقال: “أنفقنا من المال أكثر مما ينبغي، وأسرع مما ينبغي، في بلد صغير جدًا، وبقدر ضئيل جدًا من المراقبة، إضافة إلى فقدان أثر مئات آلاف قطع السلاح التي سلّمت إلى أفغانستان خلال الأعوام السابقة”، والعارف بطريقة عمل الجيش الأميركي يدرك أنه من أكثر الجيوش تدريبًا ومحاسبة وتدقيقًا وملاحقة، فلماذا كان هذا الإهمال لأموال دافع الضرائب الأميركي؟؟ أم أن كل ما تم كان مدروسًا ومعدًّا لتنفيذ مهام سرية لاحقة، لم تكشفها بنود التوافقات والتفاهمات التي جرت بين وفد التفاوض الأميركي ووفد حركة “طالبان”، في العاصمة القطرية الدوحة؟؟ كميّة السلاح التي تمتلكها اليوم حركة “طالبان” تجعل منها رقمًا صعبًا في حسم الوضع الداخلي في أفغانستان، وتجعل منها قوة لا يستهان بها، ويجب أخذها بعين الاعتبار لدول أخرى كانت خططها الإستراتيجية تضع السيطرة على أفغانستان من ضمن اعتباراتها، واليوم، غابت تلك الاعتبارات من خطط موسكو وبكين وإيران وغيرها، نظرًا للمخزون الاستراتيجي العسكري الذي باتت تحتويه مستودعات حركة “طالبان”، وبات على تلك العواصم التوجس من قدرات “طالبان” بتغيير الوضع الجيوسياسي، بعد أن برزت كقوة عسكرية وسياسية شريكة في رسم مستقبل كامل المنطقة. إن الوديعة الأميركية، من سلاح ومعدات ومقدرات متروكة في أفغانستان، هي “قنبلة موقوته” متفجرة وحارقة وخارقة ومدمرة، فتيل إشعالها ظاهريًا ممسوك بيد حركة “طالبان”، لكن قد يكون لواشنطن رأي آخر وتفاهمات سرية، ستتوضح لنا في المستقبل القريب. وعلى العواصم المحيطة، عدم إغلاق أعينها عن كابول؛ فقد بات المشهد خطيرًا ويستوجب المتابعة. -------- مركز حرمون

أحمد رحال
الخميس 9 سبتمبر 2021