وأخطر من ذلك، سيقول الخبراء، إن سوريا قد يستقر رأيها على نقل الصواريخ الحديثة الى حزب الله أو أن تُسلم نماذج منها لشركائها الايرانيين الشديدي الحماسة لحل ألغاز التقنية الروسية. وسيضغط رجال الاستخبارات وكبار قادة سلاح الجو على الوزراء للمسارعة الى الهجوم من اجل استغلال الفرصة العملياتية. وسيقولون إن المعلومة مؤقتة وسيّالة فاذا لم نبادر ونضرب الآن فلن نعلم أين سيخفي حزب الله الصواريخ في لبنان بعد ذلك. ومن المهم منع تغيير المعادلة العسكرية في الشمال بواسطة سلاح "يكسر التعادل". ليست كل هذه على كل حال تهديدات يمكن الاستخفاف بها. لكن اذا أجاز الوزراء هذا القرار فقد تواجه اسرائيل حربا قريبة جدا لسوريا وحزب الله – برغم أن عدويها ذوا مصلحة أقل منها في دخول مواجهة عسكرية كهذه. ليس سيناريو المستقبل مقطوعا عن الواقع تماما، فعلى حسب وسائل الاعلام الاجنبية كان هذا تقريبا ما حدث في الهجوم الجوي الثاني (من ثلاثة هذه السنة) المنسوب الى اسرائيل في سوريا في نهاية نيسان. فقد دُعي الوزراء الى تباحث ليلي قصف سلاح الجو الاسرائيلي على أثره شحنة مرسلة من صواريخ فاتح 110، وهي قذائف صاروخية مائلة المسار لمدى متوسط بعد ان تم نقلها من ايران الى دمشق متجهة الى حزب الله، بوقت غير طويل. وقُصفت عدة مواقع بالقرب من دمشق. وبعد يومين أجرى سلاح الجو الاسرائيلي طلعة جوية متممة وهاجم أجزاءا اخرى من الشحنة المرسلة. وتم الابلاغ بعد ذلك ان القذائف الصاروخية رُكبت عليها اجهزة جي.بي.اس تُحسن مقدار دقتها بصورة عجيبة.
إن الحرب الأهلية الدامية في سوريا أفضت الى توثيق الحلف بين نظام الاسد وايران وحزب الله. فما سُمي ذات مرة محور الشر خرج من الخزانة منذ زمن. والاسد مدين لمقاتلي حزب الله ذوي التصميم بانتصاره في معركة بلدة القصير الاستراتيجية في الاسبوع الماضي والذي قد يمنحه زخما جديدا في محاولة استعادة السيطرة على أكثر مساحة المدن المركزية في شمال الدولة وفي مقدمتها حلب.
إن عسكريي الظلال السوريين يعملون الآن كتفا الى كتف مع الحرس الثوري الايراني برئاسة قائد جيش القدس في لبنان، الجنرال قاسم سليماني، ومع وحدات الخط الاول من حزب الله. ويُقدرون في الادارة الامريكية ان خمسة آلاف من رجال حزب الله على الأقل يشاركون مشاركة فاعلة في القتال في سوريا؛ وتتحدث اسرائيل عن نحو من ثلاثة آلاف لكنها لا تعد في هذا العدد آلاف المتطوعين الشيعة من لبنان من اعضاء عصابات مسلحة مرتجلة مقربة من حزب الله. وتغطي كل ذلك روح روسيا، فان الرئيس بوتين لم يعد يبذل أي جهد لاخفاء استثماره الاستراتيجي في بقاء نظام الاسد.
كانوا في الجيش الاسرائيلي يقولون منذ سنوات انه يجب ان نُقدر ان كل سلاح يصل الى سوريا سيوجد إن عاجلا أو آجلا عند حزب الله. وقد أصبح هذا فرض البدء الآن بعد أن كبر دين الاسد كثيرا. ويمكن من هنا ان نُخمن بقدر كبير من اليقين أنه تتوقع محاولات تهريب سلاح اخرى الى حزب الله في الاشهر القادمة.
هذا هو سبب السلسلة الطويلة من التحذيرات الاسرائيلية لبنيامين نتنياهو وبوغي يعلون واهود باراك قبله بأن اسرائيل ستعمل على احباط تهريب سلاح نوعي الى لبنان. وقد أصبحت التحذيرات في الآونة الاخيرة أكثر تحديدا فقد قدّر قائد سلاح الجو الاسرائيلي اللواء أمير إيشل أنه يمكن ان تنشب حرب في الشمال بغتة وسريعا جدا. وقال رئيس مجلس الامن القومي اللواء احتياط يعقوب عميدرور لسفراء اوروبيين موجودين في اسرائيل ان الجيش الاسرائيلي سيعمل اذا اقتضى الأمر لمنع صواريخ اس300 (التي لم تنقلها روسيا الى سوريا الى الآن) من ان تصبح عملياتية.
بيد ان اسرائيل كانت لها سياسة طويلة العمر امتنعت في اطارها عن خروج لحرب – أو تعريض نفسها لخطرها – للرغبة في منع دولة معادية من زيادة قوتها العسكرية. وقد ضبطت نفسها ايضا وقتا طويلا في مواجهة زيادة حزب الله لقوته، وبعد حرب لبنان الثانية في 2006 هربت سوريا وايران عشرات آلاف القذائف الصاروخية من طرز مختلفة الى لبنان من الارض السورية. ولم تتدخل اسرائيل في أكثر الحالات.
وتجاوزت اسرائيل سياستها فقط حينما تحول الخطر الى حشد قدرة ذرية، في العراق في 1981 وفي سوريا في 2007 بحسب ما يرى المجتمع الدولي كله (وهو ما سُمي "مبدأ بيغن"). وحينما عملت في سوريا ايضا بقصف المنشأة الذرية في دير الزور واغتيال جنرال سوري ومسؤول حزب الله الكبير عماد مغنية (وكلاهما في 2008 على الارض السورية) كما تقول وسائل الاعلام الاجنبية، تم الحفاظ على "مجال إنكار" بصورة ورعة. فلم تتحمل اسرائيل مسؤولية معلنة عن الهجمات ومكّنت الرئيس السوري بشار الاسد بذلك من تجاهل العمليات والامتناع عن رد عسكري. وبقيت عمليات اغتيال محلية تحت الرادار ولم تُفض الى تطور استراتيجي.
لكن الوضع في هذه المرة مختلف: فبعد الهجوم الثاني في نيسان سربت مصادر في الادارة الامريكية في واشنطن نبأ ان اسرائيل هي التي قصفت بالقرب من دمشق. وفي الهجوم الثالث بعد يومين لم يعد الاسد يستطيع التجاهل – بسبب التقارير الاخبارية في الولايات المتحدة ولأن الأهداف كانت بالقرب من قصره ورؤية التفجيرات بصورة جيدة في جميع أنحاء العاصمة السورية، وقد أصبح الطاغية السوري يهدد منذ ذلك الحين بنغمة عالية بالانتقام من اسرائيل وفتح "جبهة مقاومة" لها في هضبة الجولان وبخاصة اذا تجرأت على الهجوم مرة اخرى. وكانت المرة الاخيرة التي نشر فيها تهديد كهذا اليوم في مقابلة صحفية مع صحيفة لبنانية.
يمكن ان نفترض ان الهجمات الاسرائيلية السابقة اعتمدت على تقدير استخباري وهو ان يضبط الاسد نفسه، وبرغم وضعه المعقد في القتال يصعب الآن بوجه خاص التنبؤ بخطوات الاسد التالية. ألن يرى نفسه ملزما بأن يرد برغم توازن القوى لصالح اسرائيل بصورة واضحة؟ أيمكن ان نراهن على عدم مصير الطرفين الى حرب مع الشك في ان يكون الحاكم السوري نفسه قد قرر كيف سيسلك؟ قد تُجر اسرائيل الى قلب الصراع السوري – لا بين النظام والمتمردين والشيعة والسنيين فقط بل بين روسيا والولايات المتحدة ايضا.
إن وزيرة القضاء تسيبي لفني هي عضو في المجلس الوزاري المصغر لحكومة نتنياهو. وقد كانت لفني في 2006 حينما كانت وزيرة الخارجية عضوا في لجنة السبعة وهي الجسم الذي اتُخذ فيه عدد كبير من القرارات في حكومة اولمرت. واعترفت في مقابلات صحفية بعد ذلك الخلل بأن الوزراء لم يدركوا أنهم وافقوا على خروج لحرب. وقالت آنذاك: "لم يتحدث أحد عن حرب. وافقنا على عملية وعلى عملية اخرى بعدها ثم عملية". وقد تكون هذه هي الحال في سوريا ايضا في 2013 برغم ان دروس لبنان قد تم تعلمها وذُكرت منذ ذلك الحين مرات كثيرة جدا.
---------------
صحيفة "هآرتس"
إن الحرب الأهلية الدامية في سوريا أفضت الى توثيق الحلف بين نظام الاسد وايران وحزب الله. فما سُمي ذات مرة محور الشر خرج من الخزانة منذ زمن. والاسد مدين لمقاتلي حزب الله ذوي التصميم بانتصاره في معركة بلدة القصير الاستراتيجية في الاسبوع الماضي والذي قد يمنحه زخما جديدا في محاولة استعادة السيطرة على أكثر مساحة المدن المركزية في شمال الدولة وفي مقدمتها حلب.
إن عسكريي الظلال السوريين يعملون الآن كتفا الى كتف مع الحرس الثوري الايراني برئاسة قائد جيش القدس في لبنان، الجنرال قاسم سليماني، ومع وحدات الخط الاول من حزب الله. ويُقدرون في الادارة الامريكية ان خمسة آلاف من رجال حزب الله على الأقل يشاركون مشاركة فاعلة في القتال في سوريا؛ وتتحدث اسرائيل عن نحو من ثلاثة آلاف لكنها لا تعد في هذا العدد آلاف المتطوعين الشيعة من لبنان من اعضاء عصابات مسلحة مرتجلة مقربة من حزب الله. وتغطي كل ذلك روح روسيا، فان الرئيس بوتين لم يعد يبذل أي جهد لاخفاء استثماره الاستراتيجي في بقاء نظام الاسد.
كانوا في الجيش الاسرائيلي يقولون منذ سنوات انه يجب ان نُقدر ان كل سلاح يصل الى سوريا سيوجد إن عاجلا أو آجلا عند حزب الله. وقد أصبح هذا فرض البدء الآن بعد أن كبر دين الاسد كثيرا. ويمكن من هنا ان نُخمن بقدر كبير من اليقين أنه تتوقع محاولات تهريب سلاح اخرى الى حزب الله في الاشهر القادمة.
هذا هو سبب السلسلة الطويلة من التحذيرات الاسرائيلية لبنيامين نتنياهو وبوغي يعلون واهود باراك قبله بأن اسرائيل ستعمل على احباط تهريب سلاح نوعي الى لبنان. وقد أصبحت التحذيرات في الآونة الاخيرة أكثر تحديدا فقد قدّر قائد سلاح الجو الاسرائيلي اللواء أمير إيشل أنه يمكن ان تنشب حرب في الشمال بغتة وسريعا جدا. وقال رئيس مجلس الامن القومي اللواء احتياط يعقوب عميدرور لسفراء اوروبيين موجودين في اسرائيل ان الجيش الاسرائيلي سيعمل اذا اقتضى الأمر لمنع صواريخ اس300 (التي لم تنقلها روسيا الى سوريا الى الآن) من ان تصبح عملياتية.
بيد ان اسرائيل كانت لها سياسة طويلة العمر امتنعت في اطارها عن خروج لحرب – أو تعريض نفسها لخطرها – للرغبة في منع دولة معادية من زيادة قوتها العسكرية. وقد ضبطت نفسها ايضا وقتا طويلا في مواجهة زيادة حزب الله لقوته، وبعد حرب لبنان الثانية في 2006 هربت سوريا وايران عشرات آلاف القذائف الصاروخية من طرز مختلفة الى لبنان من الارض السورية. ولم تتدخل اسرائيل في أكثر الحالات.
وتجاوزت اسرائيل سياستها فقط حينما تحول الخطر الى حشد قدرة ذرية، في العراق في 1981 وفي سوريا في 2007 بحسب ما يرى المجتمع الدولي كله (وهو ما سُمي "مبدأ بيغن"). وحينما عملت في سوريا ايضا بقصف المنشأة الذرية في دير الزور واغتيال جنرال سوري ومسؤول حزب الله الكبير عماد مغنية (وكلاهما في 2008 على الارض السورية) كما تقول وسائل الاعلام الاجنبية، تم الحفاظ على "مجال إنكار" بصورة ورعة. فلم تتحمل اسرائيل مسؤولية معلنة عن الهجمات ومكّنت الرئيس السوري بشار الاسد بذلك من تجاهل العمليات والامتناع عن رد عسكري. وبقيت عمليات اغتيال محلية تحت الرادار ولم تُفض الى تطور استراتيجي.
لكن الوضع في هذه المرة مختلف: فبعد الهجوم الثاني في نيسان سربت مصادر في الادارة الامريكية في واشنطن نبأ ان اسرائيل هي التي قصفت بالقرب من دمشق. وفي الهجوم الثالث بعد يومين لم يعد الاسد يستطيع التجاهل – بسبب التقارير الاخبارية في الولايات المتحدة ولأن الأهداف كانت بالقرب من قصره ورؤية التفجيرات بصورة جيدة في جميع أنحاء العاصمة السورية، وقد أصبح الطاغية السوري يهدد منذ ذلك الحين بنغمة عالية بالانتقام من اسرائيل وفتح "جبهة مقاومة" لها في هضبة الجولان وبخاصة اذا تجرأت على الهجوم مرة اخرى. وكانت المرة الاخيرة التي نشر فيها تهديد كهذا اليوم في مقابلة صحفية مع صحيفة لبنانية.
يمكن ان نفترض ان الهجمات الاسرائيلية السابقة اعتمدت على تقدير استخباري وهو ان يضبط الاسد نفسه، وبرغم وضعه المعقد في القتال يصعب الآن بوجه خاص التنبؤ بخطوات الاسد التالية. ألن يرى نفسه ملزما بأن يرد برغم توازن القوى لصالح اسرائيل بصورة واضحة؟ أيمكن ان نراهن على عدم مصير الطرفين الى حرب مع الشك في ان يكون الحاكم السوري نفسه قد قرر كيف سيسلك؟ قد تُجر اسرائيل الى قلب الصراع السوري – لا بين النظام والمتمردين والشيعة والسنيين فقط بل بين روسيا والولايات المتحدة ايضا.
إن وزيرة القضاء تسيبي لفني هي عضو في المجلس الوزاري المصغر لحكومة نتنياهو. وقد كانت لفني في 2006 حينما كانت وزيرة الخارجية عضوا في لجنة السبعة وهي الجسم الذي اتُخذ فيه عدد كبير من القرارات في حكومة اولمرت. واعترفت في مقابلات صحفية بعد ذلك الخلل بأن الوزراء لم يدركوا أنهم وافقوا على خروج لحرب. وقالت آنذاك: "لم يتحدث أحد عن حرب. وافقنا على عملية وعلى عملية اخرى بعدها ثم عملية". وقد تكون هذه هي الحال في سوريا ايضا في 2013 برغم ان دروس لبنان قد تم تعلمها وذُكرت منذ ذلك الحين مرات كثيرة جدا.
---------------
صحيفة "هآرتس"