نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


فناء العلويّين كامن في... دولتهم




بينما تفتح الثورات العربية الباب أمام مقصّ الجغرافيا لإعادة النظر بـ «صيغ الخرائط» الموروثة عن الحقبة الاستعمارية، لا تبدو سورية استثناءً من هذا الاحتمال، غير أن الحديث في هذا المجال عن دولة علويّة تنفصل عن الكيان الحالي وتقوم في الساحل السوري، تجاوز، في التركيز عليه، حدود التاريخ والجغرافيا. فموانع عديدة تقف في وجه قيامها، أو استمرارها، إذا ما قامت بقوّة البطش والسّلاح والمُروق.


ولقد حاول النظام السوري إرسال إشارات إلى العلويين توحي بوجود نيّة لإقامة هذه الدولة، كانت آخرها المجازر التي جرت في البيضا ورأس النبع في بانياس الساحلية. ذلك أن الطبيعة المذهبيّة لهذه المجازر، والمشاركة الأهليّة الواسعة فيها، إضافة إلى تصدّر الجيش البديل (الدفاع الوطني) الأعمال القتالية الوحشية هناك بالاشتراك مع ميليشيات المرتزقة من علويّي أنطاكية الأتراك، قد أسهمت في تعزيز الشعور بكيانيّة ما، أو امتياز حربي وسلطوي تتمتّع به المنطقة الساحليّة، وهو ما قد يكون أحد أسباب ارتكاب تلك المجازر، فضلاً عن كونها أرادت شدّ العصب الطائفي بعد ما بدأت تشهده الطائفة من حالة من التململ. لكن الإيحاء بقيام دولة علويّة، على ما يحتويه من جرعات تهديديّة للخارج وتطمينيّة للطائفة، يختلف عن تطبيق الفكرة. فليس من المسلّم به أن يوافق سكّان سورية الداخلية، والدمشقيّون منهم خصوصاً، على قيام مثل هذه الدولة، التي ستسلبهم المنفذ البحري الوحيد للبلاد، وهو سيناريو لم يفارق أذهان أسلافهم الذين قاسوا مرارة وعُقَد فقدان الأقضية الأربعة لصالح لبنان الكبير عشيّة الانتداب، فضلاً عن لواء الاسكندرون في ما بعد. وأغلب الظنّ أن عوامل فناء هذه الدولة ستُخلق معها بطبيعة الحال. فأن تُنسب إلى طائفة معيّنة تختصّ بشؤونها، هو أوّل المستحيلات، ذاك أنّ الصفاء المذهبي المطلوب لتحقيق هذه الغاية غير متوافر في المنطقة الساحليّة من سورية، حيث يشكّل العلويون غالبيّة لكن غير مطلقة فيها، زاد عليها تضاعف أعداد السكّان فيها نتيجة الهجرة واللجوء الداخليّين، والّلذان يشكّل السنّة غالبيّتهما الساحقة، ما يجعل العامل الديموغرافي غير مُجدٍ هنا.
إن الطابع المذهبي لهذه الدولة المتخيّلة، والذي ستتأسّس عليه، وإن لم يعلَن عن ذلك صراحة، سيكون مَقتلها. ذاك أن إيران ستبرز بشكل أكثر وضوحاً ومباشرة كحامي إقليمي لها، ما يعني أن سلوكها المذهبي في المشرق سيأخذ أبعاداً جديدة، وهو ما سينعكس على حال العلويين، كمجتمع وطائفة. فأن يتمّ إلحاقهم بالتشيّع الإيراني وبولاية الفقيه سيشكّل انتحاراً لطائفتهم وتراثها وتاريخها. والعداوة المذهبيّة والفقهيّة ما بين الطائفتين، لا يمكن أن تسمح باندماج أضعفها عدداً وقوّة بالأخرى فتذوب بذلك الأقليّة بخصوصيّتها في أكثريّة بعيدة، لا سيّما وأنّ الاختلاف بينهما يتعدّى العقيدي الصّلب إلى الاجتماعي والحياتيّ، فهل يمكن، مثلاً، أن يقبل شيعة إيران بالقول بالتقمّص والعلوم الباطنيّة وتقاطعها مع الاجتهادات الفلسفيّة غير الإسلاميّة من جهة، وكيف سيتقبّل العلويون القيود المفروضة إيرانياً على الملبس وحريّة المرأة وعلاقتها بالمجتمع؟
إلى ذلك، ستتهدّد الدولة الموعودة بتعقيدات تنشأ عن طائفيّتها، فالطابع التجميعي المؤسِّس لفكرتها، الذي يفترض تجميع العلويين السوريين من شتاتهم السوري، سيفرض تحدّيات مصيريّة، لعلّ أقلّها خطورة استيعاب فائض الكتلة البشريّة التي كانت تتوزّع على مساحة الكيان، والتي تستحوذ اليوم على النسبة الأكبر من الوظائف الرسمية في مختلف المجالات، وبالتالي، التكلفة الهائلة لحجم رواتب ومصاريف هذه الكتلة البشريّة، التي ستخسر عوائدها في دولتها الجديدة وتشكّل إحدى قنابلها الموقوتة.
إلا أنّ الخطر الأكبر سيأتي من واقع الطائفة نفسها، التي وقع كثير ممّن كتبوا عن فكرة دولتها في خطأ تاريخي يعتبرها طائفة متراصّة ومتلاحمة. ذاك أنّ العلويّين منقسمون إلى عشائر متعدّدة، سبق لها أن عرفت عهوداً من التنازع والاختلافات كانت الولاءات خلالها متوزّعة على زعماء هذه العشائر، إلى أن نجح حافظ الأسد في القضاء على هذه الزعامات، بشكليها الإقطاعي والديني، وإحالة أمور العشائر إلى نخبة من الضبّاط المقربّين منه، ليتشكّل نظام أشبه بالمحاصصة داخل الطائفة نفسها. وهذا يعني أن شكلاً من أشكال الولاءات والهويّات الصغرى سينبعث ويهيمن على الوعي الجمعي لجمهور الطائفة في دولتها، وربّما قاد ذلك إلى سيناريو احتراب أهليّ يُفنيها. إضافة إلى أن الجيش الذي سيكون خسر «الدولة» لصالح «الدويلة»، وتحوّل اليوم إلى ما يشبه الميليشيا، وبات ضبّاطه أمراء حرب، سيزيد من مشاعر النقمة الجماهيريّة ضدّ دولة ضيّقة ومنبوذة في محيطها، خاصة وأنّه لا يمكن الحديث عن وجود مزاج انفصالي عند العلويّين حتى اليوم.
فهل من الممكن التخيّل بعد هذا بأنّ الأسد سيُستقبل غداً في هذه الدولة بالأرز والورود..

حسن سليمان
الخميس 4 يوليوز 2013