إلا أن هناك اتجاها يتأسّس منذ عدة أعوام، تقوده روسيا وأطراف إقليمية ودولية، ويستند إلى أرضية وصول مشروع الثورة ضد النظام إلى طريق مسدود، وفشل التشكيلات التي تحسِب نفسها المعارضة، في تكوين حالةٍ مقنعةٍ للأطراف العربية والدولية، من أجل الضغط على النظام ليدخل في تسويةٍ سياسية على أساس قرارات الأمم المتحدة الخاصة باعتماد إصلاحات منظومة الحكم والمشاركة السياسية، وتوفير ضمانات جدّية لعودة طوعية لملايين اللاجئين من دول الجوار، وتمهيد الطريق أمام المحاسبة والمساءلة عن الجرائم. ومع تزايد تدفق أعداد اللاجئين السوريين نحو أوروبا، بدأت بعض الدول الأوروبية حملات داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي لصالح رئيس النظام بشار الأسد، ومنها اليونان، قبرص، إيطاليا، بلغاريا، مالطا، النمسا، والمجر. والسبب المعلن قوارب المهاجرين التي تصل إلى شواطئ الدول المتوسطية محمّلة بلاجئين سوريين. وتضغط هذه الدول لتغيير سياسات الاتحاد الأوروبي وخطابه تجاه النظام، والتوقف عن الحديث عن جرائمه وتحريم الانفتاح عليه، ورفع العقوبات عنه ومساعدته اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، وعدم اشتراط العودة الطوعية للاجئين. وتدعو عدة دول إلى اعتماد خطابٍ يحرص على استكشاف تحسين العلاقات مع النظام، وتشجيع الخطوات التي تتم بشكل فردي.
ومن بين ما يجرى ترويجه أن رئيس النظام السوري انتصر، وبات يسيطر على القسم الأكبر من الجغرافية السورية أو ما يعرف بـ"سورية النافعة" من جهة، ومن جهة ثانية أنه الوحيد القادر على تحقيق الاستقرار. ولذلك يجب التعامل معه ومساعدته وتشجيعه. والملاحظ أن هذه الدول تعمل ككتلة داخل المؤسسات الأوروبية، وفي الوقت نفسه، تتواصل مع النظام بصورة انفرادية، تنسّق معه في الشؤون الأمنية واللاجئين، وتستقبل مسؤوليه الأمنيين، وبعضها أعاد نشاطه الدبلوماسي داخل دمشق مثل اليونان والمجر وبلغاريا. ومن المؤسف أن الوضع على الضفة الأخرى يوفر مبرّرات لإعادة تسويق النظام، ومن بين الأوراق القوية التي تشهرها الدول التي تعمل على إعادة تأهيل النظام فشل المعارضة في إيجاد جسم فاعل، وتشرذم الفصائل العسكرية وفساد قادتها والاقتتال بينها، وتبعيّتها للخارج، وتنامي سيطرة هيئة تحرير الشام المحسوبة على تنظيم القاعدة على مساحاتٍ واسعة من الأراضي الخارجة عن سيطرة النظام، وإقامة سلطة دينية متطرّفة. ولولا هذا الوضع الذي يزداد تعفّنا، لكانت حجّة هذه الأطراف ضعيفة، ولما تجرّأت على الحديث عن انتصارات النظام الذي يعتمد على روسيا ومليشيات إيران، وفشل فشلا ذريعا في إعادة السيطرة على محافظ درعا، ولم يدخلها كاملة، رغم أنها دخلت في اتفاق تسويات مع روسيا في أغسطس/ آب 2018. وإذا استمرّ التردّي في الجبهة المواجهة للنظام، فقد تسقط المبرّرات الأخلاقية للحصار عليه، وسوف تتحوّل الخطوات الفردية إلى حالة جماعية، وبذلك يخسر الشعب السوري فرصة مهمة لوضع حد للقمع والإفراج عن المعتقلين والمخطوفين والمحاسبة على الجرائم.
--------
العربي الجديد