كانت هذه رسالة العامل الأميركي أوغست سبايز، الذي ألقي القبض عليه بعد أحداث الأول من مايو/ أيار 1886 في شيكاغو، حيث نصبت له محاكمة جائرة فحكم عليه بالإعدام مع 3 آخرين من زملائه.
حادثة هايمارك
في ذلك اليوم طاف العمال بشوارع شيكاغو في تظاهرة سلمية تطالب بحقوق العمال المهدورة. كان من أبرز مطالبهم تحديد ساعات العمل بـ8 ساعات وزيادة الأجور. برزت أحداث شيكاغو كشرارة سرعان ما اشتعلت في مدن أخرى مثل تورينتو وغيرها من المدن الأميركية، كما انطلقت خارج الولايات المتحدة في بلدان أخرى.
قاومت الحكومة تلك التظاهرات السلمية المشروعة بالقوة المفرطة، فوقعت خسائر كبيرة في الأرواح. دست السلطة بدعم من أصحاب المصالح بعض جواسيسها في صفوف العمال بهدف الإخلال بالأمن العام لتجد مبرراً لاستخدام القوة، ألقى أحد الجواسيس قنبلة أثناء المظاهرات في ميدان هايمارك فمات على إثرها 11 شخصًا، من بينهم أفراد شرطة.
أعملت الشرطة سلاحها في العمال العزل المسالمين، وألقي القبض على عدد كبير منهم، وحكم عليهم بالإعدام. ثم اتضحت تفاصيل تلك المؤامرة بعد عدة سنوات بعد أن فُتح التحقيق وثبتت براءة العمال الذين سجنوا وأعدموا ظلماً.
لقد كانت آخر كلمات أوغست سبايز في يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 1887 قبيل تنفيذ حكم الإعدام: “سيكون هناك وقت يكون فيه صمتنا أقوى من الأصوات التي تخنقها”. بعد ذلك اتفق العمال الأميركيون على الانقطاع عن العمل في أول مايو/ أيار والتظاهر في ذلك اليوم علامة على تضامنهم مع من بذل روحه وحريته من أجل حقوق العمال.
يوم عالمي
في عام 1889 اتخذ العمال في أوروبا ذلك اليوم عيداً، معلنين تضامنهم في الكفاح من أجل تحقيق أهدافهم المشتركة والعادلة. حاولت الحكومة الفاشية في إيطالية والحكومة النازية في ألمانيا إلغاء هذا العيد، لموقفهما المناهض للحركات العمالية والنقابات، لكنهما فشلتا في ذلك وأكرهتا على الاعتراف به.
وفي الوطن العربي كانت مصر أول من انضم إلى ذلك التحالف العالمي، ففي نهايات الحرب العالمية الأولى احتفل به عمال المحلة الكبرى، بعدها انضم عمال بورسعيد ثم عمال البحر الأحمر، إلى أن اعترفت به الحكومة المصرية عيداً رسمياً. وعلى المستوى العربي تحتفل به معظم البلدان العربية وتجعله عيداً وعطلة رسمية باستثناء السعودية وعمان.
النضال العربي
تعود جذور الحركة العمالية المصرية إلى القرن التاسع عشر مع تشكل طبقة عمالية جديدة داخل المصانع التي أنشأها محمد علي. ويقول الدكتور عماد أبو غازي إنه منذ بداية القرن العشرين وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية اشتد عود الحركة العمالية حيث ارتبط بعضها بالأحزاب السياسية الرئيسية، بينما ارتبط البعض الآخر بالتنظيمات والأحزاب الشيوعية.
شارك العمال في كل الأحداث السياسية الكبرى التي شهدتها تلك الحقبة. وبعد انتهاء الحرب العالمية ازداد وعي الطبقة العمالية نقابيا وسياسيا، والتحمت بالحركات السياسية للمطالبة بجلاء قوات الاحتلال الإنكليزي، فامتزجت المطالب السياسية بالمطالب الطبقية.
في الخمسينيات سعى نظام ضباط يوليو إلى السيطرة على الحركة العمالية ومقاومة الإضرابات والاحتجاجات بعنف، ثم حاولت الدولة إحكام قبضتها عبر تأسيس الاتحاد العام لنقابات العمال. وبالرغم من ذلك حدثت اضطرابات واحتجاجات متفاوتة كان أبرزها احتجاجات 1965 على زيادة أسعار الأرز، والاحتجاجات العمالية الطلابية في فبراير/ شباط 1968.
وفي السبعينيات توالت الاحتجاجات العمالية وظهر قادة نقابيون حققوا استقلالاً عن هيمنة الدولة، وقادوا احتجاجات عمالية كبيرة في مصانع حلوان وشبرا الخيمة والإسكندرية والمحلة الكبرى ومدن القناة ونجع حمادي. وشهدت حقبة السبعينيات انتفاضة عمالية كبرى في أول يناير/كانون الثاني 1975، إذ تظاهر العمال فيها بميدان التحرير، وصولاً إلى انتفاضة الخبز في 18 و19 يناير/كانون الثاني 1977، والتي اشتعلت عقب صدور قرارات إلغاء الدعم وزيادة الأسعار تنفيذاً لوصية صندوق النقد الدولي.
وفي عصر مبارك استمر النضال، فشاهدنا إضراب عمال السكة الحديد 1986، وإضراب مصانع الحديد والصلب 1989، وإضراب مصانع شركة غزل كفر الدوار 1994، وفي الألفية الجديدة تطور الأداء العمالي كثيراً وظهرت احتجاجات كبرى كان من بينها إضراب 6 إبريل/نيسان 2008 الذي كان له دور كبير في نجاح ثورة 25 يناير 2011.
---------
الرافد