دعنا إذن نستعرض في هذا المقال ثلاثة مصطلحات هي النهضة والأصولية والمنهج العلمي والتي ربما تبدو للبعض مألوفة لكنها بالقطع تتسم بشئ من الغموض لدي قطاعات غير قليلة من القراء ، ولا أخشى القول بل ولغير قليل من الكتاب أنفسهم . ومن نافلة القول أن ما يعرضه صاحب المقال لكل مصطلح إنما يمثل الحد الأدنى لمفهوم كل مصطلح ، ولكنه مع ذلك يعبر عن توافق شبه كامل في الأوساط العلمية حول "ما صدق " المفاهيم ، أو بصياغة أقل تخصصا ً : حول المضامين .
يطلق المؤرخون على الفترة ما بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر في أوربا اسم " عصر النهضة " وهو لفظ معناه اللغوي إعادة الولادة "Renaissance" أما المعنى الاصطلاحي فيتعلق ببعث الحضارة التي أفلت كما يأفل القمر في المحاق . والذين يستخدمون هذا المصطلح يرون أن موتاً إكلينيكياً قد حل بأوربا منذ سقطت روما عام 471 في أيدي البرابرة الجرمان، لتنقضي عشرة قرون مظلمة قبل أن يهل على العالم مولود حضاري جديد، ألقى بذرته في رحم أوربا الوصولُ إلى أمريكا عام 1492 واكتشافُ طريق رأس الرجاء الصالح عام 1498 ثم البرهنة ُ عمليا ً على كروية الأرض عام 1522 وما صاحب تلك الاكتشافات من انتعاش التجارة وازدهار الفنون وتغيير مناهج التعليم ... الخ فما لبث الجنين حتى أطل برأسه يطلب الدنيا ويلح في الطلب ، وسرعان ما تلقفته " قابلة ٌ" هي حركة ُ الإصلاح الديني، التي أبطلت – بقوة الفكر والسلاح معا ً– هيمنة َ الكنيسة على حياة وأفكار الناس، لتنفتح لهم بذلك الإصلاح ِ الحاسم ِ فضاءاتُ التفكير المستقل والتعبير الحر. وأما من تعهد ذلك الوليد بالتربية والتثقيف فكانت نزعة ُ الحداثة Modernity" "التي اقترنت بالثورة الصناعية بداية ً من الاكتشاف الثوريّ: طاقة ُ البخار التي حركت - بجانب القطارات والبواخر والعربات – الإمكانات ِ الذهنية َ الكامنة لدى البشر ، وما أن تحررت هذه الإمكانات حتى تألقت في هيئة اختراعات باهرة غير مسبوقة ونشاط تجاري عارم وتوجهات اقتصادية مائزة ، فكان طبيعيا ً أن تنسحب ثقافة اليأس والبلادة والخرافات مفسحة الطريق أمام تسيد العقل وتمجيد الفرد والإيمان بأن التقدم المطرد هو غاية التاريخ.
فأما مذهب الأصولية" Fundamentalism "فأساسه هو الفهم البروتستانتي للعقيدة المسيحية –الذي انتشر في القرن العشرين وبالذات في أمريكا- ومؤداه أن الكتاب المقدس معصوم من الخطأ، ليس في مسائل العقيدة والأخلاق فحسب، بل وفيما يتعلق بالتاريخ البشري أيضاً، مثل قصة الخلق الواردة في سفر التكوين، ومثل خروج بني إسرائيل من مصر بعد أن أغرق الرب ملكها وجيشها في اليم، ومثل ميلاد السيد المسيح من السيدة العذراء كابن (بيولوجي؟!) للإله الأب، ثم صلب هذا الابن الإلهي وقيامته من الموت.
ومن حيث ترفض الأصولية إعمال التأويل لمقاربة العقل والمنطق، فلقد صار على "المؤمنين" أن يتقبلوا هذه "المعارف" حرفياً ودون نقاش .. وبوجه عام فلقد وقفت الأصولية سواء في الغرب أو عندنا – بما هي ركون إلى الجمود المعرفي بيقينه الزائف، وسطحية إجاباته ، في وجه كل مطلب للديمقراطية حيث لا يمكن تحقيق مطالبها دون التزود بالمعرفة العلمية القابلة للنقد ونقد النقد دون توقف. فالديمقراطية في مستواها الفلسفي تعني رفض الجبرية، والإقرار بحرية الإنسان. وتعني على المستوى السياسي: حاكمية الشعب باعتباره مصدر السلطة والتشريع. وأما مظاهرها فتتمحور حول حق التفكير والتعبير، وقيام المؤسسات على مبدأ الانتخاب، بحيث يحكم ممثلو الأغلبية (السياسية وليس الدينية أو العرقية) حكماً قابلاً للتداول. فالأغلبية اصطلاح على شرط تسعى كافة الأحزاب لتحقيقه كي تظفر بالحكم، وحين تفقده تتنازل عن السلطة طواعية لغيرها دون اللجوء إلى القوة.. وكل هذا هو عند الأصولية ضرب من اللغو على أحسن تقدير ، وفي أسوأ التقديرات هو نوع من الزندقة والمروق عن الجادة .
وأما المصطلح الثالث في هذا المقال فهو مصطلح المنهج العلمي Scientific Method" "وهو منهج أو قل طريقة أو أسلوب العلم في التفكير والبحث واستخلاص النتائج