نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


عن الشيخ الدمشقي سعيد الغبرا وحفيده الفلسطيني شفيق الغبرا





يظهر الشيخ سعيد الغبرا في مسرحية سهرة مع أبي خليل القباني للراحل سعد الله ونوس؛ بطلاً سلبياً يجسد بشخصيته العصابية الغاضبة فكرة الجهل والتخلف والظلامية، في مواجهة البطل الإيجابي أحمد أبو خليل القباني الأنموذج المبدع في بيئة رافضة للإبداع، ولافظة للمبدعين، وهي ثنائية ستتكرر في أي عمل فني، أو كتاب تأريخي، أو مقال صحافي يتناول تجربة القباني المسرحية، حيث يظهر الشيخ الغبرا وما يمثله من قيم رجعية، وسطوة، وجبروت؛ منتصراً في نهاية القصة، على القباني المبدع الذي لا يجد أمامه حلاً سوى الهجرة، ومغادرة هذا المكان العقيم المنغلق على نفسه، بأسوار وجدر عصية على التحطيم.
لقد أتاحت لي ظروف البحث أن أتحقق من عناصر هذه القصة التي دغدغت طويلاً مشاعر اليساريين السوريين والعرب، وأن أقف على تفاصيلها، من خلال الوثائق الحية، وأن أطل على المصائر الحقيقية لأبطال هذه الملحمة الدرامية كما جرت على أرض الواقع، فكانت صدمة كبيرة لي، إذ ظهر لي أن المنتصر في الأدلوجة اليسارية السائدة، وهو الشيخ سعيد الغبرا كان قد هزم في حقيقة الأمر، أما المهزوم في الأدلوجة نفسها، فهو الشيخ القباني، فكان هو المنتصر، لكن كيف حدث ذلك؟


الشبخ والمسرح أولاً؛ لابد من التأكيد على أن علاقة الشيخ سعيد الغبرا بإغلاق مسرح القباني في دمشق في شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1883 ثابتة في أكثر من مصدر، منها رسالة للقباني نفسه أرسلها لصديقه يحيى تللو عام 1895 يذكر فيها مسؤولية الشيخ سعيد الغبرا عن تشرده بعبارة صريحة، وكذلك نص لأديب حلبي يدعى خورشيد أفندي كتبه عام 1893 يذكر فيه بالاسم الشيخ الغبرا ويمتدح وقوفه ضد القباني وبدعته. لكن؛ ما حصل تالياً غاب عن الرواية المتداولة، ولا يبدو أن ثمة أحد من دارسي تلك المرحلة اهتم بما حصل في اليوم التالي لإغلاق المسرح ومنع التمثيل في ولاية سورية العثمانية! ما جرى في حقيقة الأمر، وبناء على الوثائق العثمانية المحفوظة في إسطنبول، أن دمشق انتفظت بعد إغلاق مسرح القباني انتفاضة غير مسبوقة، وملأت الكتابات الجدارية المعادية للسلطنة، والمنشورات الورقية الداعية لاستقلال العرب جدران وشوارع المدينة، وهو ما احتاج إلى حملة أمنية تواصلت عدة أيام، وانتهت باعتقال الوجيه الدمشقي عبد الغني بيك القوتلي بتهمة قيادة هذه التحركات، وقد وصلت أصداء هذه الانتفاضة للصحافة العالمية في باريس ولندن وبرلين ونيويورك، لكن بعد أيام قليلة تم إطلاق سراح القوتلي لثبوت براءته، وليتبين لاحقاً أن عملية اعتقاله وأفراد عائلته كانت خطة من الوالي حمدي باشا لتشتيت الأنظار عن السبب الحقيقي لهذه الانتفاضة المسؤول عن تبعاتها الشيخ سعيد الغبرا، كونه كان ضالعاً بالقضية من وراء ظهر السلطان عبد الحميد، الذي أنكر في عام 1901 علمه بالموضوع عندما فاتحه القباني وأحمد عزت باشا العابد بالأمر. أهل المدينة وقد اتضح في ما بعد أن المنتفضين من أبناء دمشق، من المؤيدين للقباني هاجموا بيت الشيخ سعيد الغبرا، كما يذكر ذلك صراحة الشيخ خورشيد الحلبي، وأجبروه على مغادرة دمشق إلى الأبد، وكان لافتاً أن الشيخ عبد الجواد القاياتي المصري وأثناء زيارته لدمشق في عام 1885 التقى بالقباني في أحد بيوتات دمشق الكبرى بين مجموعة من الوجهاء والأدباء، فأزجى له المدائح، وتحدث عنه بوصفه رئيس الروايات التمثيلية في الشام ومصر. وكان القباني يومها في إجازة طويلة في دمشق بعد أن حقق نجاحاً غير مسبوق في الإسكندرية والقاهرة، بعد أن اضطر لمغادرة مدينته الأثيرة بصحبة فريقه المسرحي الضخم المؤلف من حوالي 50 ممثلاً وموسيقياً وراقصاً. أما الشيخ سعيد الغبرا فكان يومها في بيروت لاجئاً في بيت ابنه عطا الله الغبرا التاجر المشهور المقيم فيها، حيث التقاه هناك الشيخ القاياتي نفسه. كان القباني رغم القرار المريب بمنع التمثيل في ولاية سورية، هو الشخصية الفنية والاجتماعية الأهم في مدينة دمشق، بل في ولاية سورية كلها، وقد حدثنا مساعده الممثل والمخرج المصري عمر وصفي في مذكراته عن رؤيته احتشاد الناس في شوارع دمشق عند وصول القباني إليها قادماً من مصر في صيف عام 1897 وعن الحشود المودعة له حين غادر مرة أخرى. أما الشيخ سعيد الغبرا فقد مات في الحمام في مدينة عكا الفلسطينية، كما يخبرنا الشيخ عبد الرزاق البيطار، وحيداً مقهوراً في عام 1886 في بيت ابنه عطا الله الغبرا، تلاحقه أينما حل لعنه إغلاق مسرح القباني. جذور العائلة بعد سنوات من الإقامة في عكا، سيتوجه التاجر المرموق عطا الله وأبناؤه الثلاثة شفيق ورشاد وعبد الوهاب إلى مدينة حيفا الناهضة في ذلك الزمن، وليكون واحداً من مؤسسي سوق الشوام الشهير، وسوف ينجب شفيق ابن عطا الله الغبرا في عام 1923 ابنه ناظم الغبرا خريج الجامعة الأمريكية في بيروت، وطبيب القلب الشهير وطبيب الملوك والأمراء، الذي لجأ من فلسطين إلى لبنان ثم إلى الكويت ليحصل على جنسيتها في عام 1952 بفضل صديقه الحميم الشيخ صباح السالم، وهناك بعد عام سينجب نجله الأول شفيق الغبرا، الأكاديمي المعروف، وصاحب التجربة اللافتة، والتي سكبها في عدد من الكتب المرجعية. وربما أشد ما يلفت النظر في علاقة عائلة الغبرا الفلسطينية مع منبتها الدمشقي هو حالة التجاوز أو التناسي والإنكار لهذا الأصل، وهو ما لا يمكن فهمه إلا بوصفه غضبا متوارثا من هذه المدينة التي لم تكن وفية لمؤسس العائلة الشيخ سعيد الغبرا، لا في حياته ولا بعد مماته، ويمكن تلمس هذا الغضب والإنكار في لقاء مع الدكتور ناظم الغبرا في تلفزيون الكويت عندما سأله المذيع صالح الشايجي عن دمشق، فقال إن أصل العائلة الأقدم هو من غزة من آل العلمي، محاولاً التقليل من موضوع الأصل الدمشقي، وكأنه أراد أن يقول للمذيع: أنا فلسطيني لا شك في فلسطينيتي حتى لو سألتني عن أصل عائلتي القديم. وهو أمر سنجده جلياً في خطاب الحفيد الدكتور شفيق ناظم الغبرا، وكتبه، وهمومه، وانشغالاته بفلسطين، وعن فلسطين ونكباتها المتوالية. -------- القدس العربي

تيسير خلف
السبت 18 سبتمبر 2021