في السياق الفلسطيني، وفي المواجهة المستمرّة مع الاحتلال الإسرائيلي وممارساته الاجرامية، قد تُعدّ عمليتا الخضيرة وبئر السبع مقاومةً للاحتلال وعقاباً للمستوطنين على وحشيتهم. وطالما أنها مقاومة فإنها تحظى باستحسان وتأييد من جانب رأي عام عربي أو إسلامي، لكن نسبتها الى "داعش" لا بدّ أن تثير تساؤلات وهواجس، خصوصاً أن التنظيم، منذ ظهوره، تميّز بأمرين: لم يتعرّض لإسرائيل، ولم يتعرّض لإيران. ثم أن "ارهابيته" المعترف بها دولياً لا تشرّف أي مقاومة وطنية، ولا تحقّق أي مكسب يمكن الشعب الفلسطيني أو أي شعب آخر أن يبني عليه. في 2001 استغلّت سلطة الاحتلال الإسرائيلي هجمات 11 سبتمبر كذريعة لاعتبار كل التنظيمات الفلسطينية "إرهابية" وفقاً للتصنيف العالمي الذي ساد حينها، واستندت الى ذلك لتغطية كل الجرائم التي ارتكبتها وهي تعلم وكل العالم يعلم أن ما يحصل في الأراضي المحتلة هو ردّ على القتل والعنف المفرط الى تنتهجه ولا علاقة له بتنظيم "القاعدة" أو سواه.
تجنّب "حزب إيران/ حزب الله" الإشارة الى "داعش" في المباركة التي وجّهها الى "الشعب الفلسطيني المجاهد وفصائله المقاومة ومجاهديه الشرفاء بالعملية الاستشهادية النوعية"، منوّهاً بـ "مواجهة الاحتلال بكل الإمكانات والأدوات المتاحة"، أي حتى لو كان "داعش" من هذه الأدوات. وكان بعض مصادر "الحزب" وصف منفّذي العمليتين بـ "الذئاب المنفردة" التي ظهرت هنا وهناك في العواصم الأوروبية وتبنّاها "داعش". الواقع أن "الحزب" أراد إبلاغ من يلزم، اسرائيلياً واميركياً وعربياً، أنه ليس غريباً ولا بعيداً، وبالتالي أن إيران ليست غريبة ولا بعيدة، عن الخضيرة وبئر السبع، وأنها أرادت توجيه "رسالة" الى "قمة النقب".
هذا إذاً هو "داعش - الجناح الإيراني" الذي يظهر أخيراً (ورسمياً!) في فلسطين، مكلّفاً مهمة "تشويه المقاومة" ومنح إسرائيل أي مسوّغ - لا تحتاج إليه أصلاً - لمضاعفة قمعها وعنفها واجرامها ضد الشعب الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر، مدعومةً من مجتمع دولي لا يريد سماع أن هذا التنظيم الإرهابي لا يزال فاعلاً. كان معلوماً لدى الأجهزة الدولية، منذ 2014، أن نظام طهران هو من هندس مع نظام دمشق ونظام بغداد آنذاك عملية تصنيع "داعش" وما لبثت تلك الأجهزة أن انخرطت في محاربته واختراقه واستخدامه في آنٍ، بدلاً من أن تكشف حقيقته.
---------
النهار
---------
النهار