نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


شبيحة من تركيا!




تتواتر أنباء كثيرة عن أحداث تشبيحية وخارجة على أي قانون أو عرف، تتم على أيدي مواطنين أتراك يفترض أنهم يخضعون لقوانين بلادهم، ويلتزمون بالصحيح من سياسات دولتهم تجاه الأزمة في سوريا: البلد المجاور لوطنهم، الذي تمتلك مشكلاته حساسية خاصة بالنسبة إليهم، لتشابهها مع مشكلاته، ولأن ما يجري اليوم فيه يمكن أن يجري غدا عندهم وبين مكونات مجتمعهم.


لا أتحدث هنا عن مظاهرات الأتراك السوريين التي أيدت النظام السوري، فهي حق من حقوق المواطن في دولة ديمقراطية كتركيا. ولا أقصد عمليات حزب العمال الكردستاني المسلحة، التي تصاعدت بصورة يومية منذ بدأت أحداث سوريا واكتسبت بعدا إقليميا عاما وتركيا خاصا، رغم ما سببته من إرباك في موقف تركيا الرسمي حيال الأحداث السورية. ولا أقصد أخيرا ما يقال حول الفوضى على حدود البلدين، حيث يختلط الحابل بالنابل ويسود صراع عسكري عاصف بين الجيش الحر ووحدات من بقايا جيش النظام، لم يتم بعد طردها منها. إنني أتحدث بالتحديد عن ضغوط مارسها مواطنون أتراك من أصل سوري، يؤيدون نظام دمشق لاعتبارات غير سياسية، ضد اللاجئين السوريين في مناطقهم، وما ترتب على ذلك من طلب تركي رسمي قدم إلى هؤلاء اللاجئين بمغادرة الأماكن التي كانوا فيها والانتقال إلى أخرى، لا يقطنها مواطنون أتراك موالون لنظام الأسد.
هذا الحدث المزدوج، بجانبيه الشعبي والرسمي، يبين كم هو هش وضع اللاجئين في بعض مناطق تركيا، وكم يمكن لضغط الموالين لنظام دمشق أن يكون مؤثرا وفاعلا على حكومة إسطنبول، المناوئة له، التي تجبرها هشاشة أحوالها الوطنية على العمل لعزل الحدث السوري المخيف عن أوضاعها الخاصة، خشية أن يتفاعل بصورة خطيرة مع نقاط الضعف القائمة فيها، التي تعبر عن نفسها في مشكلات إثنية ومذهبية متنوعة تتصل ببنية الدولة واندماج مجتمعها الوطني وتهدد بتقويضه، وإلا لواجهت الحكومة من أخذوا السلامة العامة بأيديهم وفرضوا مواقفهم العدائية على أشخاص يحميهم القانون، أعلن أكثر من مسؤول رسمي كبير ترحيبه بهم وتوفير الأمن والاستضافة لهم، وضمن تلبية حاجاتهم الإنسانية، لكن السلطات وقفت مكتوفة اليدين أمام الخارجين على قوانينها وسلطاتها، الذين عملوا على طرد اللاجئين السوريين من مناطق يفترض أنها تتبع الدولة وليست ملكا لهم، وبدل أن تلاحقهم قضائيا طلبت من اللاجئين السوريين الابتعاد عن أماكن سكنهم، والذهاب إلى محافظات لا يعيش فيها أمثالهم، علما بأن السوريين الذين كانوا في مدنهم وقراهم واجهوا مصاعب لا يستهان بها في كل ما يتعلق بالعثور على منزل أو بالتعامل مع من واجهوهم بعدائية متصاعدة لم يخفوها، يبدو أن الهروب من نتائجها هو الذي أجبر الحكومة التركية على طلب خروج السوريين من مواقعهم القريبة من الحدود السورية.
هل كبح سلوك الحكومة شبيحة تركيا وحال بينهم وبين سلوكهم العدائي حيال لاجئي سوريا؟ كلا، إنه لم يحُل دون ذلك، وربما كانت له نتائج عكسية تشجع الشبيحة على الإيمان بأنهم يسهمون بفاعلية في معركة نظام دمشق، الذي يوالونه، وأن عليهم القيام بالمزيد من الضغط على خصومه وأعدائه القادمين إلى بلدهم، بدل أن يتوقفوا عن إزعاجهم أو التهجم عليهم وحتى إيذائهم ماديا ومعنويا، علما بأن الشبيحة ليسوا أغلبية في الأماكن التي قصدها الهاربون من القتل في وطنهم، فهم لم يفرضوا إذن موقفهم على السوريين والحكومة التركية فقط، وإنما على أغلبية مواطنيهم الأتراك كذلك، الذين لا يتخذون موقفا عدائيا من الذين تسميهم حكومة إسطنبول «ضيوفها من الإخوة السوريين».
لا أريد بكلامي انتقاد تركيا، فهي توفر قدرا مقبولا من شروط اللجوء الإنساني للوافدين السوريين إليها. أريد فقط التأكيد على ما للحدث السوري من تفاعلات إقليمية وداخلية خطيرة بالنسبة للأوضاع الداخلية في مختلف بلدان المنطقة، وعلى ضرورة أن يكون هناك قدر مقبول من السياسات والتدابير الوقائية المشتركة حيال نتائجه على أوضاع بلدان الجوار، بما في ذلك ضد شبيحة النظام الأسدي عندهم، الذين يمثلون، على قلتهم، خطرا يهدد استقرار بلادهم ويمكن أن يزرع بذور الحقد والكراهية بين كتل كبيرة من السوريين، الذين يفرون من الموت طلبا للسلامة والأمان، وبين جيرانهم، الذين قد تشوه هذه القلة سمعتهم وتسيء إلى مكانتهم الودية، ليس فقط لدى اللاجئين، وإنما كذلك عند إخوانهم وجيرانهم بوجه عام.
تتخطى أنشطة الشبيحة في دلالتها مواقفهم المباشرة والآنية، رغم أنها لم تثِر انتباه الكثيرين. وتتداخل مع مشكلات تركية داخلية وخارجية، وطنية وإقليمية ودولية، شديدة الخطورة والتعقيد، تتصل قبل كل شيء بسيادة الدولة التركية على أراضيها ومواطنيها، وبعلاقات مكوناتها، لتصل أخيرا إلى علاقات شعوب ودول المنطقة، التي تتعرض اليوم لاختبار ستكون له نتائج وانعكاسات بعيدة الأمد، من الحتمي أن تؤثر سلبا أو إيجابا على المنطقة بجميع دولها ومجتمعاتها، فلا يصح التساهل في المواقف منها، مهما كان عدد من يمدون أيديهم إليها من الشبيحة محدودا، وحضورهم فيها متقطعا.
ترك آلاف السوريين مناطق بعينها في تركيا، بعد أن طرح سلوك الشبيحة أسئلة محرجة على الطرفين التركي والسوري، وفي حين تجاوز اللاجئون المواقف المزعجة والعدائية، تبقى تركيا في مواجهة داخلها المتنوع المليء بمشكلات تتطلب حلولا حقيقية، يتمنى محبوها والمعجبون بقيادتها أن يكون سلوك الشبيحة قد أقنعها بأن تجاهل هذه المشكلات أو تحاشيها ليس أفضل سبيل للتخلص منها!

ميشيل كيلو
الاحد 23 ديسمبر 2012