دوائر الحماس للبرادعي تصل إلى ذروتها عند شباب 'الفيس بوك'، وفي مواقع إلكترونية نشأت بالذات لدعم وتأييد البرادعي، وفي ظاهرة توكيلات قانونية يتدافع إليها مواطنون لتفويض البرادعي في تغيير الدستور، فيما بدا فزع أجهزة الدولة ظاهرا من مظاهر التأييد النامي للرجل، وهي تحاول إيقافها أو لجمها، بنشر التخويف والتعقيدات الإدارية، وبحملة تشويه عبثية لرجل يجمع أوراقه لمغادرة فيينا، ويستعد للعودة إلى القاهرة وسط مهرجان حفاوة متوقع.
ورغم أن البرادعي حديث العهد بالانضمام لمعنى المعارضة المصرية، إلا أن شخصيته بدت ملبية لتطلعات كثيرين، فعمره المتقدم نسبيا يوحي بمكانة الأب لشعب يتيم، واسمه الذائع دوليا يختصر الطرق، وحصانة منصبه الدولي ـ السابق ـ قد تغري بالاحتماء به، وأراؤه في الأوضاع الداخلية بدت على درجة عالية من النضج والحرفية، وطرقاته السريعة على أبواب قلوب المصريين بدت مما يستثير استجابات كامنة، خاصة أن طلة الرجل فيها مزيج من التواضع الحكيم والبسمة الموحية بالأمل.
في البدء كان البرادعي مجرد اسم تقترحه صحف مستقلة في مصر، وأذكر أنني نشرت صفحة كاملة ترشح البرادعي رئيسا لمصر وقت أن كنت رئيسا لتحرير صحيفة 'صوت الأمة'، وكان الأمر وقتها أشبه بمباريات ذهنية، ولم تكن تصدر عن الرجل إشارة أو لمحة توحي برغبته، ومع تقدم العام الفائت ـ 2009 ـ إلى نهاياته الملتبسة، كان الموقف يتغير، صدرت عن الرجل إشارات توحي باستعداده للتفكير في الموضوع، ثم كانت القفزة الكبرى في حواره الشهير مع محطة تليفزيون C.N.N الأمريكية، وقد أعرب فيه عن استعداده للترشح بشروط وضمانات لم يفصلها، ومع تداعي موعد نهاية ولايته في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أصدر البرادعي من فيينا بيانا يفصل شروط ترشحه، وبدت الشروط كأنها نسخة ضوئية من شروط المعارضة المصرية، وهو ما زاد الحماس للبرادعي، وصدرت عن بعض أحزاب المعارضة الرسمية ايماءات وتصريحات برغبة في ترشيح البرادعي باسمها، لكن الرجل ثبت على حد النضج، وشكر الذين أعربوا عن رغبات في ترشيحه، وأعلن في وضوح أنه لن يرشح نفسه باسم أي حزب، فهو يدرك أن القصة كلها عبث وفخاخ منصوبة، وأن ترشيحه بشروطها لايتيح له غير لعب دور 'كومبارس' لايليق، فالعلة لاتزال على حالها، الانتخابات تحولت إلى فيلم كارتون، والدستور يقنن ـ بالنص والفص ـ وضع 'الديكتاتورية العائلية'، وهنا قفز البرادعي إلى تلة تطور راديكالي مثير، وقال بالنص : أنه مستعد للتحرك مع الشعب لتغيير الدستور، وعند هذه النقطة بالذات، بدت واو الوصل ظاهرة بين رؤية كفاية ورؤية البرادعي.
وفي البدء كان لأغلب قادة كفاية تحفظاتهم على شخص البرادعي، فقد بدا الرجل ـ في منصبه الدولي ـ متراخيا بدوره في تطورات ما قبل غزو العراق، ثم أن رؤيته لإسرائيل بدت غامضة، ولا تقترب من موقف كفاية الرافض لقيود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ومضاعفاتها، فوق التوجس الوطني المصري عموما من ذوي الصلات الحسنة أو المنسابة مع الإدارة الأمريكية، وفي المقابل بدا البرادعي كتوما متحفظا، وبدا ـ عبر حواراته الأخيرة ـ حذرا من التورط في تصريحات قد تحسب عليه، وامتنع عن مسايرة التطبيع المجاني مع إسرائيل، وأبدى ـ رغم سمته الليبرالي ـ تعاطفا مدروسا مع التزامات القضية الاجتماعية، وقال أنه سيعقد أول مؤتمر صحافي له في منطقة عشوائية فقيرة، وهنا ذابت بعض التحفظات، وإن لم تختف بالجملة، وبدت كفاية أكثر ترحيبا بالتحول الراديكالي في موقف البرادعي، وإن لم تصدر بيانا رسميا في الموضوع إلى الآن، وفي مظاهرة كفاية في 12/12/2009، بدا سؤال البرادعي الأكثر إلحاحا، وصدرت تصريحات عن قادة كفاية ترحب بالتطور الراديكالي في موقف البرادعي الديمقراطي، وتدعوه لدور ' سعد زغلول الجديد' في حملة ضغط شعبي لإزاحة مبارك وتغيير الدستور.
والمعروف أن 'كفاية ' تتبنى وتدعو لخطة تغيير سلمي في مصر، عنوانها : مرحلة انتقالية لمدة سنتين تعقب الإنهاء السلمي لحكم مبارك، يدير البلاد خلالها رئيس محايد وحكومة ائتلاف وطني، وتنفذ جملة إجراءات وطنية واجتماعية وديمقراطية تنتهي باتفاق على دستور جديد لمصر عبر جمعية تأسيسية منتخبة، وهو مطلب اقترب منه البرادعي على طريقته، وطالب بلجنة تأسيسية تصوغ دستورا جديدا، وإن وجه الطلب لمبارك، وتلك نقطة تختلف كفاية في تقديرها، فنظام مبارك انتهى إلى وضع 'تخشب رممي' بلغة الأطباء، ولا يتوقع أحد عاقل أن يتبنى الحكم العائلي قضية الدستور الديمقراطي، وقد أعلن النظام بالفعل عن رفضه لإجراء أي تغيير في الدستور قبل انتخابات ايلول/سبتمبر 2011، وهنا لاتجد كفاية حرجا في الأخذ والرد مع موقف البرادعي، وتدرك أن البرادعي ـ بعد عودته المنتظرة لمصر ـ سوف يرى الأمور بصورة أكثر دقة،'وربما تكون الفرصة متاحة لتطوير موقفه، وبصورة تقترب من سيناريو تقترحه كفاية لإنهاء الحكم العائلي، بتشكيل جمعية وطنية تختار بديلا رئاسيا، وفي صورة 'رئيس بديل' أو 'مجلس رئاسي بديل'، وخوض حملة مقاومة مدنية لتنصيب البديل الشعبي، وفتح الباب للمرحلة الانتقالية، وبوسائل عديدة بينها حملة توكيلات شعبية للبديل المختار، وقد تبدو شخصية البرادعي مناسبة لدور جوهري في السيناريو الذي تقترحه كفاية،'وإن لم يكن الأمر مقصورا على شخصه، فثمة شخصيات مصرية أخرى تصلح لدور مع البرادعي أو بدونه، وهذه نقطة بالغة الأهمية، فليس المطلوب أن نكرر أخطاء وخطايا سبقت، والمطلوب : أن نقاطع السيناريو الرسمي بعامة، وأن نفتح الطريق لسيناريو شعبي قد يكون عنوانه 'تنحية مبارك' أو 'تغيير الدستور'، لافرق، المهم أن ننتقل إلى معنى المنازعة لامجرد المعارضة، وفي أجواء بيئة ساخنة تقترب فيها لحظة الحسم وتقرير المصائر.
ويبقى الأمر مرهونا بشخص البرادعي، ومدى صلابته الشخصية، ومدى مقدرته على التفاعل مع تمرد سياسي شعبي ضد الطغيان الأمني، ومدى رغبته في الخروج من الغرف المغلقة إلى فضاء احتجاجات الشارع، ففي مصر شخصيات كثيرة في وزن البرادعي، وقد تفوقه أثرا، لكنها ـ على جانب المعارضة ـ تكتفي بإبداء الآراء على ناصية المقالات، وتخشى النزول إلى نواصي الشوارع، وهو ما نعتقد أن البرادعي يعرفه جيدا، ويعرف أن كلامه قد تذوب حرارته في برودة الصالونات والندوات، ويعرف أن الأمل فيه قد يتلاشى إن قال كلمته ومضى إلى بيته، وهذا هو التحدي الذي ينتظر الرجل، وتنتظر كفاية ـ وأخواتها ـ جوابه عليه.
---------------------------------
المنسق العام لحركة كفاية
ورغم أن البرادعي حديث العهد بالانضمام لمعنى المعارضة المصرية، إلا أن شخصيته بدت ملبية لتطلعات كثيرين، فعمره المتقدم نسبيا يوحي بمكانة الأب لشعب يتيم، واسمه الذائع دوليا يختصر الطرق، وحصانة منصبه الدولي ـ السابق ـ قد تغري بالاحتماء به، وأراؤه في الأوضاع الداخلية بدت على درجة عالية من النضج والحرفية، وطرقاته السريعة على أبواب قلوب المصريين بدت مما يستثير استجابات كامنة، خاصة أن طلة الرجل فيها مزيج من التواضع الحكيم والبسمة الموحية بالأمل.
في البدء كان البرادعي مجرد اسم تقترحه صحف مستقلة في مصر، وأذكر أنني نشرت صفحة كاملة ترشح البرادعي رئيسا لمصر وقت أن كنت رئيسا لتحرير صحيفة 'صوت الأمة'، وكان الأمر وقتها أشبه بمباريات ذهنية، ولم تكن تصدر عن الرجل إشارة أو لمحة توحي برغبته، ومع تقدم العام الفائت ـ 2009 ـ إلى نهاياته الملتبسة، كان الموقف يتغير، صدرت عن الرجل إشارات توحي باستعداده للتفكير في الموضوع، ثم كانت القفزة الكبرى في حواره الشهير مع محطة تليفزيون C.N.N الأمريكية، وقد أعرب فيه عن استعداده للترشح بشروط وضمانات لم يفصلها، ومع تداعي موعد نهاية ولايته في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أصدر البرادعي من فيينا بيانا يفصل شروط ترشحه، وبدت الشروط كأنها نسخة ضوئية من شروط المعارضة المصرية، وهو ما زاد الحماس للبرادعي، وصدرت عن بعض أحزاب المعارضة الرسمية ايماءات وتصريحات برغبة في ترشيح البرادعي باسمها، لكن الرجل ثبت على حد النضج، وشكر الذين أعربوا عن رغبات في ترشيحه، وأعلن في وضوح أنه لن يرشح نفسه باسم أي حزب، فهو يدرك أن القصة كلها عبث وفخاخ منصوبة، وأن ترشيحه بشروطها لايتيح له غير لعب دور 'كومبارس' لايليق، فالعلة لاتزال على حالها، الانتخابات تحولت إلى فيلم كارتون، والدستور يقنن ـ بالنص والفص ـ وضع 'الديكتاتورية العائلية'، وهنا قفز البرادعي إلى تلة تطور راديكالي مثير، وقال بالنص : أنه مستعد للتحرك مع الشعب لتغيير الدستور، وعند هذه النقطة بالذات، بدت واو الوصل ظاهرة بين رؤية كفاية ورؤية البرادعي.
وفي البدء كان لأغلب قادة كفاية تحفظاتهم على شخص البرادعي، فقد بدا الرجل ـ في منصبه الدولي ـ متراخيا بدوره في تطورات ما قبل غزو العراق، ثم أن رؤيته لإسرائيل بدت غامضة، ولا تقترب من موقف كفاية الرافض لقيود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ومضاعفاتها، فوق التوجس الوطني المصري عموما من ذوي الصلات الحسنة أو المنسابة مع الإدارة الأمريكية، وفي المقابل بدا البرادعي كتوما متحفظا، وبدا ـ عبر حواراته الأخيرة ـ حذرا من التورط في تصريحات قد تحسب عليه، وامتنع عن مسايرة التطبيع المجاني مع إسرائيل، وأبدى ـ رغم سمته الليبرالي ـ تعاطفا مدروسا مع التزامات القضية الاجتماعية، وقال أنه سيعقد أول مؤتمر صحافي له في منطقة عشوائية فقيرة، وهنا ذابت بعض التحفظات، وإن لم تختف بالجملة، وبدت كفاية أكثر ترحيبا بالتحول الراديكالي في موقف البرادعي، وإن لم تصدر بيانا رسميا في الموضوع إلى الآن، وفي مظاهرة كفاية في 12/12/2009، بدا سؤال البرادعي الأكثر إلحاحا، وصدرت تصريحات عن قادة كفاية ترحب بالتطور الراديكالي في موقف البرادعي الديمقراطي، وتدعوه لدور ' سعد زغلول الجديد' في حملة ضغط شعبي لإزاحة مبارك وتغيير الدستور.
والمعروف أن 'كفاية ' تتبنى وتدعو لخطة تغيير سلمي في مصر، عنوانها : مرحلة انتقالية لمدة سنتين تعقب الإنهاء السلمي لحكم مبارك، يدير البلاد خلالها رئيس محايد وحكومة ائتلاف وطني، وتنفذ جملة إجراءات وطنية واجتماعية وديمقراطية تنتهي باتفاق على دستور جديد لمصر عبر جمعية تأسيسية منتخبة، وهو مطلب اقترب منه البرادعي على طريقته، وطالب بلجنة تأسيسية تصوغ دستورا جديدا، وإن وجه الطلب لمبارك، وتلك نقطة تختلف كفاية في تقديرها، فنظام مبارك انتهى إلى وضع 'تخشب رممي' بلغة الأطباء، ولا يتوقع أحد عاقل أن يتبنى الحكم العائلي قضية الدستور الديمقراطي، وقد أعلن النظام بالفعل عن رفضه لإجراء أي تغيير في الدستور قبل انتخابات ايلول/سبتمبر 2011، وهنا لاتجد كفاية حرجا في الأخذ والرد مع موقف البرادعي، وتدرك أن البرادعي ـ بعد عودته المنتظرة لمصر ـ سوف يرى الأمور بصورة أكثر دقة،'وربما تكون الفرصة متاحة لتطوير موقفه، وبصورة تقترب من سيناريو تقترحه كفاية لإنهاء الحكم العائلي، بتشكيل جمعية وطنية تختار بديلا رئاسيا، وفي صورة 'رئيس بديل' أو 'مجلس رئاسي بديل'، وخوض حملة مقاومة مدنية لتنصيب البديل الشعبي، وفتح الباب للمرحلة الانتقالية، وبوسائل عديدة بينها حملة توكيلات شعبية للبديل المختار، وقد تبدو شخصية البرادعي مناسبة لدور جوهري في السيناريو الذي تقترحه كفاية،'وإن لم يكن الأمر مقصورا على شخصه، فثمة شخصيات مصرية أخرى تصلح لدور مع البرادعي أو بدونه، وهذه نقطة بالغة الأهمية، فليس المطلوب أن نكرر أخطاء وخطايا سبقت، والمطلوب : أن نقاطع السيناريو الرسمي بعامة، وأن نفتح الطريق لسيناريو شعبي قد يكون عنوانه 'تنحية مبارك' أو 'تغيير الدستور'، لافرق، المهم أن ننتقل إلى معنى المنازعة لامجرد المعارضة، وفي أجواء بيئة ساخنة تقترب فيها لحظة الحسم وتقرير المصائر.
ويبقى الأمر مرهونا بشخص البرادعي، ومدى صلابته الشخصية، ومدى مقدرته على التفاعل مع تمرد سياسي شعبي ضد الطغيان الأمني، ومدى رغبته في الخروج من الغرف المغلقة إلى فضاء احتجاجات الشارع، ففي مصر شخصيات كثيرة في وزن البرادعي، وقد تفوقه أثرا، لكنها ـ على جانب المعارضة ـ تكتفي بإبداء الآراء على ناصية المقالات، وتخشى النزول إلى نواصي الشوارع، وهو ما نعتقد أن البرادعي يعرفه جيدا، ويعرف أن كلامه قد تذوب حرارته في برودة الصالونات والندوات، ويعرف أن الأمل فيه قد يتلاشى إن قال كلمته ومضى إلى بيته، وهذا هو التحدي الذي ينتظر الرجل، وتنتظر كفاية ـ وأخواتها ـ جوابه عليه.
---------------------------------
المنسق العام لحركة كفاية