فباتت هوية دمشق، كما حجارتها التاريخية، تتراكم عليها كتابات ورسومات عشوائية للمارة، وتخفيها كثافة أسلاك الكهرباء العشوائية، ويخنقها سواد عوادم السيارات والباصات، وتشوهها لوحات الاعلانات وأسهم الدلالة الى المطاعم وتقيدها المؤسسات المركزية بطوابير من التململ والفساد، وترتفع فيها حدة الانغلاق عن أصولها الممتدة لعموم أراضي سوريا، وتتضاءل تدريجياً مياه نهرها وخصوبة ترابها وحيوية أشجارها، فانكفأ التنوع الى ما بقي من مكامن الندرة القادرة على حفظ الاستمرارية وإعادة احياء الهوية التعددية الضامنة لاستمرار سوريا يوماً.
وكأن هذا الدمار لم يكن كافياً، لنرى اجتياح دمشق بمحاور صراع إقليمية بين دول الخليج وإيران وحمولاتهم الثقافية والأيديولوجية المُتنازعة لتصب في دمشق وعليها على مدى عقد من الزمن عبر القصف وانتشار التشدد واستجلاب المرتزقة في استمرارية لعقود خلت من استخدام دمشق كمخازن للسلاح وبؤر لتوليد التطرف عبر إطلاق يد معممين، من كافة الأديان والطوائف، ليعلموا الكراهية ويزرعوا الفتنة ويهدموا المنظومة القيمية أينما وُجدت.
واليوم، وسوريا تمر بإحدى أشد الكوارث الإنسانية في تاريخها والسوريون يتنازعون ويجتاحهم التشرذم والتفرقة ويعم الصراع والمجازر والاستقطابات ويهددها الانقسام دون هوادة، تزداد الضرورة الحيوية لحصن التنوع فما سبق ليس توصيفاً جمالياً لدمشق بل هو توصيف وظيفي له دور لا يمكن تجاوزه في استمرارية وجود سوريا وفي احياء هويتها التعددية.
هذه الأهمية التي نرى الاستهانة بها من قبل أعضاء ما يُعرف بالمُعارضة السورية، استهانة لا تقل عن ما ارتُكب من جرائم بحق المدينة وأهلها من قبل كلا من النظام والمعارضة خلال العقد المنصرم تواطؤهما المُتعمد على الحاق الضرر بمناطق المدنيين وتهجيرهم، حيث لم يتوانى السيد هادي البحرة، عضو الائتلاف والهيئة التفاوضية، في تهنئة قدمها من على منبر المركز الأوروبي للدراسات الكردية، المركز بتاريخ ٢٤ آذار ٢٠٢٢ بمناسبة عيد النيروز من أن يستخدم صياغة الملكية في توصيفه لدمشق بقوله (قريباً نحتفل به عنّا في دمشق وعندكم في الحسكة). في حين تشكل دمشق صورة ومنعكس لبلاد الشام لا تقبل الحصرية ولا الملكية الجهوية مهما كانت مرتكزاتها ثقافية أم مناطقية ام طبقية أم غيرها، فما تُمثله اكبر من الاحتكار فهي بيت كل سوري بحجارتها أبوابها وفي مكانتها بالزمان والمكان.
هذه التصريحات المُناقضة لأي مفهوم للتنوع السوري لم تقتصر على دمشق، ففي التهنئة ذاتها يردف السيد البحرة ملكية الحسكة للجمهور الذي يخاطبه في حين ان الحسكة بدورها نموذج مصغر عن تنوع الشمال السوري بكافة اطيافه الثقافية الدينية منها والقومية.
رغم أن عيد النيروز هو عيد سوري تاريخي بامتياز يُفترض به أن يكون مناسبة لتأكيد التنوع وأهميته على عكس هذا المنظور الذي يقسم المدن السورية لملكيات خاصة، والمُطابق لمنظور الأسد للشعب السوري وللمناطق المُتجانسة، فهو ليس الا تدميراً للبلاد. فهذا التقسيم هو ايذان باستمرار الصراعات الى عقود طويلة قادمة ستمنع وتعيق أي نهوض بالمنطقة وشعوبها وهو ايذان باستمرارية توليد التشدد على أسس مناطقية، ثقافية قومية أو دينية، طبقية أو سواها وتفاقم التطرف الناجم عن هذه المسارات المنحرفة والتي تعمل على ابعاد وتهجير أبناء التنوع السوري، وتقييد أصواتهم لكونهم غير قابلين للخضوع والانضواء تحت كتلة اصغر من الانتماء السوري وأضيق بكثير من انفتاح الحضارة السورية الإنساني.
لا بد أن يقودنا ذلك للتساؤل عن مصير العقد الاجتماعي الجديد، والذي سيترجم منظور النظام والمعارضة الضيّق والتقسيمي بعيداً عن منظور الغالبية العظمى من أبناء سوريا والقائمة على البناء على التواجد المُشترك وتأسيس سوريا الحديثة على هذا الانفتاح الفعلي وليس على الحدود المُغلقة، يدفع ذلك فعلياً للتساؤل عن أهلية أعضاء هذه اللجنة المُشكلة من المعارضة والنظام عن تأسيس حكم غير جهوي كما تشير قرارات مجلس الأمن، قادر على حماية وضمان أمن واستقرار السوريين، جميعهم دون استثناء ويبدو ذلك أمر غير محقق بالمطلق كما تدفع للتساؤل عن مصداقية دعم الجهات، التي تروّج لمثل هذا الخطاب التقسيمي، لبناء وطن لجميع السوريين.
ختاماً، لا بد للإشارة أن رجم تنوع دمشق ورجم تنوع الحسكة لا يخص دمشق فقط ولا يخص الحسكة فقط وحتى أنه لا يخص سوريا فقط فهو نبذ لمفهوم مجتمعي هو الاقدر اليوم على مواجهة التحديات التي تحيط بالمنطقة، وهو جر متزايد للسوريين لمستنقع الخلاف بين الخليج وإيران والذي لن يؤدي الى الا مزيد من الخراب في معيشتهم وفي بلادهم. فالاجدى بنا حماية حصن التنوع وتحييد الراجمين، بتحييد سوريا عن هذا التدمير فهي نواة التنوع في المنطقة وركيزة استقرارها الوحيدة الممكنة، ولتحل دول الخليج وإيران خلافاتهم الأيديولوجية على أراضيهم ويحترموا سيادة السوريين في شؤونهم السياسية والمجتمعية والاقتصادية، فبلادنا على حافة الانهيار في حين تنعم بلادهم بالازدهار وشعوبهم بالاستقرار على حساب سوريا وأهلها، اختيار بيد السوريين فلا عاقل ولا وجدان سوري يرتضي للمستقبل بهذا المصير.
----------
نواة سوريا
وكأن هذا الدمار لم يكن كافياً، لنرى اجتياح دمشق بمحاور صراع إقليمية بين دول الخليج وإيران وحمولاتهم الثقافية والأيديولوجية المُتنازعة لتصب في دمشق وعليها على مدى عقد من الزمن عبر القصف وانتشار التشدد واستجلاب المرتزقة في استمرارية لعقود خلت من استخدام دمشق كمخازن للسلاح وبؤر لتوليد التطرف عبر إطلاق يد معممين، من كافة الأديان والطوائف، ليعلموا الكراهية ويزرعوا الفتنة ويهدموا المنظومة القيمية أينما وُجدت.
واليوم، وسوريا تمر بإحدى أشد الكوارث الإنسانية في تاريخها والسوريون يتنازعون ويجتاحهم التشرذم والتفرقة ويعم الصراع والمجازر والاستقطابات ويهددها الانقسام دون هوادة، تزداد الضرورة الحيوية لحصن التنوع فما سبق ليس توصيفاً جمالياً لدمشق بل هو توصيف وظيفي له دور لا يمكن تجاوزه في استمرارية وجود سوريا وفي احياء هويتها التعددية.
هذه الأهمية التي نرى الاستهانة بها من قبل أعضاء ما يُعرف بالمُعارضة السورية، استهانة لا تقل عن ما ارتُكب من جرائم بحق المدينة وأهلها من قبل كلا من النظام والمعارضة خلال العقد المنصرم تواطؤهما المُتعمد على الحاق الضرر بمناطق المدنيين وتهجيرهم، حيث لم يتوانى السيد هادي البحرة، عضو الائتلاف والهيئة التفاوضية، في تهنئة قدمها من على منبر المركز الأوروبي للدراسات الكردية، المركز بتاريخ ٢٤ آذار ٢٠٢٢ بمناسبة عيد النيروز من أن يستخدم صياغة الملكية في توصيفه لدمشق بقوله (قريباً نحتفل به عنّا في دمشق وعندكم في الحسكة). في حين تشكل دمشق صورة ومنعكس لبلاد الشام لا تقبل الحصرية ولا الملكية الجهوية مهما كانت مرتكزاتها ثقافية أم مناطقية ام طبقية أم غيرها، فما تُمثله اكبر من الاحتكار فهي بيت كل سوري بحجارتها أبوابها وفي مكانتها بالزمان والمكان.
هذه التصريحات المُناقضة لأي مفهوم للتنوع السوري لم تقتصر على دمشق، ففي التهنئة ذاتها يردف السيد البحرة ملكية الحسكة للجمهور الذي يخاطبه في حين ان الحسكة بدورها نموذج مصغر عن تنوع الشمال السوري بكافة اطيافه الثقافية الدينية منها والقومية.
رغم أن عيد النيروز هو عيد سوري تاريخي بامتياز يُفترض به أن يكون مناسبة لتأكيد التنوع وأهميته على عكس هذا المنظور الذي يقسم المدن السورية لملكيات خاصة، والمُطابق لمنظور الأسد للشعب السوري وللمناطق المُتجانسة، فهو ليس الا تدميراً للبلاد. فهذا التقسيم هو ايذان باستمرار الصراعات الى عقود طويلة قادمة ستمنع وتعيق أي نهوض بالمنطقة وشعوبها وهو ايذان باستمرارية توليد التشدد على أسس مناطقية، ثقافية قومية أو دينية، طبقية أو سواها وتفاقم التطرف الناجم عن هذه المسارات المنحرفة والتي تعمل على ابعاد وتهجير أبناء التنوع السوري، وتقييد أصواتهم لكونهم غير قابلين للخضوع والانضواء تحت كتلة اصغر من الانتماء السوري وأضيق بكثير من انفتاح الحضارة السورية الإنساني.
لا بد أن يقودنا ذلك للتساؤل عن مصير العقد الاجتماعي الجديد، والذي سيترجم منظور النظام والمعارضة الضيّق والتقسيمي بعيداً عن منظور الغالبية العظمى من أبناء سوريا والقائمة على البناء على التواجد المُشترك وتأسيس سوريا الحديثة على هذا الانفتاح الفعلي وليس على الحدود المُغلقة، يدفع ذلك فعلياً للتساؤل عن أهلية أعضاء هذه اللجنة المُشكلة من المعارضة والنظام عن تأسيس حكم غير جهوي كما تشير قرارات مجلس الأمن، قادر على حماية وضمان أمن واستقرار السوريين، جميعهم دون استثناء ويبدو ذلك أمر غير محقق بالمطلق كما تدفع للتساؤل عن مصداقية دعم الجهات، التي تروّج لمثل هذا الخطاب التقسيمي، لبناء وطن لجميع السوريين.
ختاماً، لا بد للإشارة أن رجم تنوع دمشق ورجم تنوع الحسكة لا يخص دمشق فقط ولا يخص الحسكة فقط وحتى أنه لا يخص سوريا فقط فهو نبذ لمفهوم مجتمعي هو الاقدر اليوم على مواجهة التحديات التي تحيط بالمنطقة، وهو جر متزايد للسوريين لمستنقع الخلاف بين الخليج وإيران والذي لن يؤدي الى الا مزيد من الخراب في معيشتهم وفي بلادهم. فالاجدى بنا حماية حصن التنوع وتحييد الراجمين، بتحييد سوريا عن هذا التدمير فهي نواة التنوع في المنطقة وركيزة استقرارها الوحيدة الممكنة، ولتحل دول الخليج وإيران خلافاتهم الأيديولوجية على أراضيهم ويحترموا سيادة السوريين في شؤونهم السياسية والمجتمعية والاقتصادية، فبلادنا على حافة الانهيار في حين تنعم بلادهم بالازدهار وشعوبهم بالاستقرار على حساب سوريا وأهلها، اختيار بيد السوريين فلا عاقل ولا وجدان سوري يرتضي للمستقبل بهذا المصير.
----------
نواة سوريا