كان الخطاب خروجاً عن الواقع، وليس خروجاً على النص، فالكلام هو الكلام نفسه، والإعادة لا تعني أي فائدة، والتصفيق هو التصفيق، والهتافات المأجورة هي الهتافات نفسها، لكن الخطاب الأخير يختلف عن الخطاب الأول مع بداية الأزمة السورية، حينما خطب في مجلس الشعب الذي كان أعضاؤه أشبه بشعراء القبائل أو سوق عكاظ، حيث قرض الجميع الشعر إما استعارة، وإما نحلاً، وإما ارتجالاً في المدح والتبجيل والتعظيم، والكذب العلني المبالغ فيه، حينما أنبرى ممثل الشعب، وقال قولته المشهورة: أنت تصلح لتحكم العالم، لا سوريا فقط.
الشاهد أن خطابات الزعماء العرب تتشابه في السراء والضراء، وحين البأس، وكأنهم يؤكدون لشعوبهم أنهم يعيشون واقعاً غير واقع الشعب والبلد، بدءاً بخطاب بن علي “الآن فهمتكم”، وخطاب القذافي “الجرذان، وزنقة.. زنقة” وخطابات صالح التي يؤكد فيها أنه سيضرب بيد من حديد الخونة والمتآمرين، وخطاب مبارك عن المشاريع التنموية في المرحلة النهائية، والقضاء على الفساد بعدما استشرى في العباد، كذلك تنحو خطاباتهم “الانفصالية” عن الواقع المعاش، وتطمينات المستشارين والمسؤولين، تأسياً بقول ماري انطوانيت، وإن لم يثبت تاريخياً قولها تلك الجملة المشهورة، حينما أخبروها أن الشعب جائع لا يلقى خبز يومه، فردت مندهشة، ولما لا يأكل البسكويت!أي خطط يمكنها أن تنقذ البلد يا زعيم؟ وأي خطط يمكن لمجلس الوزراء السوري أن يقترحها، لحل الأزمة المتفجرة منذ عامين، والمتراكمة منذ أكثر من ثلاثين عاماً؟ لقد ورث الرئيس بشار عن أبيه التطويل في الحديث، والذي كان يجلّس وزير الخارجية الأميركي والفرنسي وغيرهم حتى الساعات الطوال، وحتى تمتليء مثانة الوزراء من الجلوس والانصات والتركيز، ومحاولة فك الشفرات السياسية التي يرسلها الأسد الأب، وهو جالس صامد وغير صامت، ولا يلبي نداء الطبيعة، رغم أنه كان يعاني من السكري، حتى يضجر الضيف، ويشعر بالثقل، فيستأذن للذهاب إلى الحمام، وحين يعود، يبدأ الحديث من السطر الأول، وهكذا الأسد الابن كان يريد أن يمارس على الزعماء العرب في قممهم تلك “الأستذة” فمنعوا الخطابات بشكل عام، وعلى الجميع!