نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


حكاية اليوم الأخير.. لم نخرج من حلب “هجّرونا”




يصف الناشط نبيل شيخ عمر، اليوم الأخير للثوار في مدينة حلب 21/ 12 /2016 حيث لم يكن يعلم أن الموعد الساعة الخامسة مساءً، لتبدأ السيارات بالسير بعد انتظار أكثر من 36 ساعة حملت الكثير من التفاصيل والقصص في غرفة صغيرة.
خرجنا من مستشفى القدس باتجاه حي العامرية، لم نكن نتوقع أن ننتظر طويلاً لنغادر حلب، وعندما أخبرونا بتأخير المسير، دخلنا إلى غرفة صغيرة ضمن منزل مهجور كان فيها سجادة قديمة ووجدنا وسادات في منزل آخر كانت رائحة العفونة تنبعث من المكان، ونحن بحوزتنا حرامات فقط، لكن المهم أن نستريح، وعندما حان المساء شعرنا بالجوع، ولم يكن معنا أيّ طعام.


 
قرّرنا (مجموعة شباب) العودة ليلاً إلى المستشفى لنحضر طعاماً وصوبيا وبواري، مشينا الطريق بحذر كبير وبدون أي ضوء، ونحن خائفون من تسلل جيش الأسد، وصادفتنا مجموعة وعند رؤيتهم ظننا أنهم نظام فارتعبنا، وعند سؤالهم من أنتم فأجبناهم بل أنتم من؟ فأجابوا بأنَّهم جيش حر، فأكملنا الطريق مع الحذر والظلام.
وصلنا المستشفى وتركنا شخصاً في الخارج ودخلنا تفقدنا المستشفى لا يوجد أحد، وبعدها بحثنا عن طعام وجمعنا كلّ الموجود من طحين وغيره ووضعناهم في حقيبة سفر، كنت أسحبها من يدها وبساحة حي المشهد انكسرت يد الحقيبة فكان الخيار أن أحملها على ظهري، كنا نضحك لأحاول نسيان وزنها، وصلنا غرفتنا وبيتنا المؤقت، حملتها مسافة طويلة وبوزن 100 كيلو تقريباً، لم أكن أعلم من أين جاءتني القوّة وعندي إصابة قديمة بكتفي عام 2013 والشظية موجودة لكن لم يكن هناك ألماً أكبر من الألم الذي نعيشه.
ويا لسعادة الموقف بعد تركيب الصوبيا على حطب وتدفئة المكان، وآخر الليل كلّ شخص غفي بجهة من التعب، بس أنا لم أستطع النوم لشدة الألم مكان الشظية ولم أشكو فالأطفال أمامي أعياهم المرض ولا يوجد دواء، رغم أنّنا الكادر الطبي في المستشفى (ممرضين وممرضتين) لكن ليس لدينا شيئاً، لذلك اخترت تمّل الوجع بصمت، وبعدها غفيت لأقل من ساعة لنستيقظ ثاني يوم، كان منظرنا جميلاً وأنا أحب ذلك المكان وأحن له، وسنعود إليه يوماً ما.
في اليوم التالي، التقطنا صوراً في حارات العامرية المدمّرة وقبلها في مستشفى القدس (بيت العيلة) وكانت آخر مرة نعود فيها إلى حي صلاح الدين، بعدها دخلنا حي الزبدية ومنه باتجاه حيي الأنصاري والسكري وهو ذات الطريق الذي يؤدي باتجاه معبر الراموسة.
وفي الطريق حاولنا إيجاد مكان لنفتح فيه إنترنت ونطمأن على المهجّرين قبلنا وينتظرون وصولنا، لكن للأسف المحاولة فشلت بسبب ضعف الإنترنت وانتهاء شحن البطاريات وتوقف المولدة عن العمل لعدم توفر “مازوت”، وكتبت حينها عل فيسبوك: “نحن بخير” ليتوقف النت وينطفئ الهاتف المحمول دون أن أعلم بأن الرسالة انتشرت، ثم جلسنا قليلاً لأنَّ البرد شديد، وبعدها سلكنا طريقنا بشوارع السكري وسوق السكري تحت حبات الثلج الخفيفة وكان شعوراً جميلاً بأن ودّعنا الأحياء التي باتت مهجورة من السكان.
وبعد مشوار استغرق خمس ساعات تقريباً وصلنا إلى الغرفة الصغيرة التي كنا فيها وكانت مجموعة أصدقائنا كلها فيها ونتدفأ على صوبيا الحطب والنساء صنعنَ عجينة ويخبزون على الصوبيا، كان الشعور جميلاً رغم الألم ومرض الأطفال بسبب البرد، وكنا نرغب بالبقاء “ما بدنا نطلع مبسوطين وترددت عبارات من الآخر مو طالعين، ما اطلع منك يا حلب لو هالروح تروح”،
لكن الحلم لم يكن طويلاً وبعد ساعات يصل الخبر ببدء مسير السيارات، ولم يكن هناك مجال سوى أن نخرج مرغمين عبر التهجير القسري، استمرت رحلتنا 12 ساعة بين أرتال السيارات بدأت الساعة الخامسة مساءً وانتهت الساعة السادسة صباحاً من يوم الخميس 22/ 12 /2016.
رحلة 12 ساعة بين حلب – العامرية – ريف حلب الغربي – الراشدين، كنّا نمشي بالعتمة وكان الجو بارداً والثلج يحيط بنا وعناصر النظام والروس والمليشيات الإيرانية من كلّ الاتجاهات فكان الخوف والرعب من أيّ حركة حوالينا أو أيّ ضوء بعيد نراه، وكلّ الوقت نحاول المسير بالسيّارات ببطء جنباً لجنب، وبكلّ مرّة نتوقف نتفقد بعضنا إن ابتعد أحدنا عن الرتل، فشعور الخوف كان كبيراً على فقدان أي شخص، مع أجواء الثلج.
وصلنا إلى الحاجز الروسي حينها كنت أرتجف من الخوف والبرد، ولم أمسك نفسي وأسمع صوت انطباق أسناني وأنا في رتل السيارات، الحاجز يقوم بتسيير كلّ ثلاث سيارات سوية، وأنا كنت في أول سيارة بالدفعة الثانية وصلت لعند الضابط الروسي نظر إلينا وكلم الذي بجانبه وسجل الاسم وقال امشوا، لكن لم أكن أعرف الطريق وأفكر هل يكفي بنزين السيارة، كانت السيارة بسرعة 60 و80 كيلو متراً فوق الثلج أريد اللحاق بالدفعة الأولى التي سارت قبلي.
تعترض طريقي سيارة بيكأب سكودا، أخبرني سائقها بأنه مقطوع من البنزين، قلت له وأنا بأي لحظة أنقطع سنعلق البيكأب بسيارتي ونكمل بنفس السرعة، وصلنا لتحويلة وجسر ومحلق.. خائف لم أعرف أين أذهب، وأكملت بطريقي مسرعاً لا أرى أحداً، وأنا أترقب الطريق أرى سيارة بعيدة فأقول نعم الطريق صحيح، فوصلت لمكان أقف فيه وأرى أثر السيارات على الثلج.
في هذه اللحظة قلبي سيتوقف من الخوف وأسمع أصوات بعيدة “صوت عساكر النظام”، نزلت لعند الشباب بالبيكأب وسألتهم معكم سلاح يمكن صرنا عند الجيش؟ أخبرني نموت ولا أسمح لهم بأسرنا، قلت له رح لف ونرجع حاول تلف معي، وعندما صرنا باتجاه معاكس تصل سيارة للصليب الأحمر الدولي، وصلنا لنقطة قال لي سائق البيكأب أكمل بشكل ساوٍ.
هذه المرحلة كلها عبارة عن خمس دقائق لكنّها بشعوري أطول من سنين عمري ومشيت بالطريق في حاجز يلبسون بدلات عسكرية ظننتهم حاجز نظام، لكنهم جيش حر قالو لي: “الحمد لله على السلامة” لم أرد فأعادوا قولها ولم أرد خوفاً، فابتسم أحدهم وأخبرني بأنّ التجمع للمهجّرين بالكازية على اليمين، مباشرة مشيت وصلت الكازية وأخيراً انتهى الكابوس.
وكانت المرحلة بعدها انتظار السيارات المتبقية وبعد وصول الجميع لم أعد أحتمل ذهبت للسيارة أشغلت المكيف ومن شدة البرد بكيت لأني لم أعد أشعر بأصبع إيدي فشباك السيارة كان مكسوراً وكلّ الطريق ثلج وهواء، بعدها غفيت بدون شعور واستيقظت على صوت شخص قال لي “بكري ومحمود.. وينكم ما في حدا ما شفنا حدا” فنزلت وضممتهم.
ومشينا بالطريق باتجاه إدلب برتل واحد والجو مثلج وكانت الرحلة تقريباً ثلاث ساعات وعند وصولنا انتهى الخوف وانتهت قصتنا وتفرقنا بين دول اللجوء والمناطق المحررة وكلّ شخص أصبح بمكان، كنت على أبواب العشرين عاماً، واليوم على أبواب الـ 25 عاماً والسؤال.. ماذا ينتظرنا بعد؟. 
----------
حرية برس

عائشة صبري
الاربعاء 22 ديسمبر 2021