بدأ الصراع السعودي الايراني محليا متعلقا بالهيمنة ومناطق النفوذ منذ خروج العراق من الدائرة العربية بعد الاحتلال الامريكي وامتداد النفوذ الايراني من طهران الى بغداد وقد سبقه العلاقات المتميزة بين طهران ودمشق وصولا الى بيروت فارتجفت السعودية ومعها بقية الدول الخليجية مما سمي بالهلال الشيعي واعتقدت هذه الدول ان ضربة خاطفة لايران ومفاعلاتها النووية ستريحهم من هذا التمدد وتقلص النفوذ الايراني او تعجل بتغيير سياسي في العمق الايراني نفسه يريحهم من المعضلة التي تعايشوا معها منذ الثورة الايرانية وتصدوا لها بتمويل حرب استعرت بين العراق وايران في الثمانينات اما اليوم فالمواجهة بين ايران من جهة ودول الخليج من جهة اخرى خاصة ان كانت مباشرة هي ابعد ما يكون عن واقع السياسة في المنطقة الخليجية خاصة في دهاليز السلطة في الدول الصغيرة او حتى السعودية ذاتها. فلا احد مستعدا لان تنفتح جبهة في الخليج خاصة وان التداعيات على هذه المجتمعات ستكون قاسية وفاتكة للامن الداخلي. ورغم حملات التجييش على ايران في الخطاب الرسمي الخليجي والسعودي الا ان مثل هذه التهويلات لا تعكس الا رغبة السلطات في استمرارية الشحن ضد عدو خارجي خاصة في فترة تجد هذه القيادات نفسها كواحات استقرار ورفاهية في منطقة المشرق العربي المشتعلة.
وتظل العلاقات الفردية لهذه الدول مع النظام الايراني قوية تقوم على تبادل الزيارات كما يحدث في الكويت بينما تنأى سلطنة عمان بنفسها عن الانجرار وراء الخطاب المستفز اما الامارات فيستمر فيها خطاب التجييش الذي يستحضر الجزر المحتلة بينما تظل موانئها وبنوكها ملتزمة من الاستفادة من الحصار الاقتصادي على ايران فتتسع الهوة بين الخطاب الرسمي الذي يتصدر الصحافة وبين الواقع الاقتصادي على الارض. وتعرف جميع دول الخليج ان اي مواجهة مع ايران ستضر بالامن والاقتصاد المحلي وستجر المنطقة الى حرب اكبر من الصراع على النفوذ بين ايران والسعودية. اما السعودية حاليا نجدها تمر بمرحلة تقهقر استراتيجي حيث هي مشغولة بترتيب الصفوف القيادية تمهيدا لتوزيع المناصب القيادية على طيف طويل وعريض من الامراء المنتظرين دورهم في قيادة البلد ولكن يظل التجييش ضد ايران استراتيجية تمتص اهتمام المجتمع وتصرفه عن التفكير بالشأن المحلي خاصة وانه يظل مشدودا متشنجا بانتظار ساعة الفرج. اما من جهة ايران المحاصرة اقتصاديا والقادمة على انتخابات قد تكون من اهم الانتخابات في الجمهورية الاسلامية فالتشنج خاصة ذلك المتعلق بخطاب استهدافها من الغرب والقوى الاقليمية التي تتربص بها يساعد على تجاوز معضلات الوضع المحلي وتمرير السياسة الداخلية دون نقاش او جدل.
جاءت الثورة السورية والتي بدأت كغيرها من الثورات العربية سلمية تطالب بمطالب لا تختلف عن مطالب الشعوب العربية الاخرى في تونس ومصر وغيرها لتوفر لهذه القوى المحلية ساحة حرب بالوكالة خاصة بعد تعنت النظام السوري وعسكرة الثورة مما فتح المجال للقوى الاقليمية المتصارعة على محور الرياض ـ طهران ان تستعرض قوتها وتحارب بالوكالة على الارض السورية. وطالما ظل الصراع في سورية محصورا داخل حدودها طالما ظلت القوى الاقليمية مطمئنة من عدم انتقال الصراع الى حدودها مهددا بذلك امنها القومي المحلي. ودخل حزب الله اللبناني على الخط السوري حيث تجلت مرحلة جديدة فبعد عدم تمكن هزيمته في لبنان خلال الاعوام السابقة جرت تحولات تتطلب زجه في الثورة السورية كحليف للنظام السوري ومحاصرته كطرف مهم مما ادى الى توسيع تداعيات الثورة السورية الى لبنان. وتأجج الصراع على محور طائفي سني شيعي او هكذا ارادت القوى الاقليمية المتصارعة ان ينتهي لتفرغ الثورة السورية من مطالبها الوطنية وتتحول الى صراع سني شيعي يتخندق حوله مجموعات تروج للخطاب الطائفي وتمهد لتغيير خارطة سورية نحو كانتونات طائفية او دويلات دينية ليس لها اي فرصة ان تصبح مساحات سياسية مستقلة اقتصاديا او سياسيا. ودخلت تركيا على الخط اولا كناصح له علاقات اقتصادية مهمة مع دمشق واستراتيجية مع الشمال السوري خاصة في موضوع الاكراد وامتدادهم في العمق التركي والسوري معا ناهيك عن العراق. فآخر ما تريده تركيا دولة كردية على حدودها مع سورية والعراق. فترنحت اولا ومن ثم سنجدها تعارض تقسيم سورية ان كان هذا سينتج عنه دويلة كردية مستقلة على حدودها. اما اسرائيل تظل في مرحلة تأهب غير قادرة على ان تحسم امرها وتقرر ان امنها القومي مرتبط بنتيجة الصراع في سورية فتعايشت مع النظام السوري لمدة 4 عقود وهي الآن غير واثقة ان حسم الثورة لصالح الثوار سيكون ايجابيا الا اذا تخلى هؤلاء عن المطالب باستعادة الارض السورية المحتلة او قيام كانتون درزي في الجولان يكون تحت سيطرتها عسكريا او سياسيا وبذلك تضمن حدودها وموقعها الاستراتيجي العسكري الذي يكشف لها الساحة السورية من شمالها الى جنوبها.
اما عالميا فالغرب بولاياته المتحدة واوروبا ايضا يقف عاجزا عن تخيل سيناريو سقوط النظام السوري واستبداله بنظام يكون حسب الطلب أي منفتحا على الغرب ومستعدا لتحويل سورية الى ساحة موالية اقتصاديا وسياسيا وبسبب قرب سورية الى اوروبا والبحر المتوسط خاصة بعد ان كثرت التقريرات التي تشير الى النفط والغاز على هذه الشواطئ مما يسيل لعاب الشركات المستثمرة المحتاجة الى الامن لتفعيل مصالحها. يجد الغرب نفسه محتارا حيث من الصعوبة التنبؤ بنتيجة الثورة السورية فخرجت خطابات تحذر من الارهاب والامارات الاسلامية المتوقعة في سورية بعد الثورة مما دفع روسيا وقاربها الى الغرب تحت ذريعة العدو المشترك اي ما يسمى بالارهاب الاسلامي، وربما تكون الثورة السورية الاولى من نوعها في العصر الحديث حيث تتكالب القوى العالمية والاقليمية لجعلها ساحة مفتوحة لم تحصل في ثورات عالمية سابقة من الثورة الفرنسية مرورا بالروسية والصينية. حيث ظلت المصالح محصورة في جناحين متصارعين دون ان يدخل على الخط عدد كبير من اللاعبين. خذ الثورة الفرنسية مثلا حيث الصراع البريطاني ـ الفرنسي في امريكا خلال الحرب فيها تحول الى صراع فرنسي ـ فرنسي ضد القوة الملكية التي انهكت شعبها بالضرائب لهزيمة بريطانيا في امريكا. ولم تستطع بريطانيا ان تتدخل بشكل يؤجل سقوط الملكية في فرنسا رغم دعمها للجناح الملكي وتوفير اللجوء والموارد له في حربه مع شعبه. اما سورية اليوم تجد نفسها ضحية عالم متغير حيث لا توجد قوة عالمية واحدة بل هناك عدة قوى تتصارع بعيدا عن حدودها ولا قوة اقليمية مهيمنة بل عدة قوى لها من الموارد النفطية ما يمكنها من استغلال الفائض لتمويل الصراع في سورية وابعاده عن حدودها الداخلية.
يدفع اليوم الشعب السوري من دمه ثمن التغيير في موازين القوى السياسية العالمية والمحلية الاقليمية التي تتفرج على يوميات القتل والدمار والمجازر دون ان يهدد ذلك امنها القومي فالصراعات البعيدة عن الحدود التي تشتعل في دولة مجاورة تظل احسن الخيار لهذه القوى الباحثة عن النفوذ مستغلة ثورة بدأت بحثا عن تغيير سياسي مشروع في بلدها وواجهت اشرس آلية عسكرية مرتبطة بنظام مستبد وتبدو الصورة اكثر دموية يوما بعد يوم ويتضح ان الحسم العسكري بعيد وغير قادر على حسم المعركة. لذلك الحل الوحيد في سورية هو على محورين. محور تتصالح فيه القوى الاقليمية وتتفق على انهاء المواجهة بين محور الرياض وايران وحل مشكلة تقسيم النفوذ بالتفاهم والدبلوماسية ومحور عالمي تتفهم فيه كل من روسيا والولايات المتحدة واوروبا خطورة استمرار المواجهة بالوكالة في سورية. وبدون هذين الحلين ستظل سورية المنكوبة شعبا واقتصادا جبهة مفتوحة لن ينتصر فيها سوى لغة الدم والتشرذم والقتل. وتبقى ثورتها معلقة مستقطبة الى اجل بعيد.
وتظل العلاقات الفردية لهذه الدول مع النظام الايراني قوية تقوم على تبادل الزيارات كما يحدث في الكويت بينما تنأى سلطنة عمان بنفسها عن الانجرار وراء الخطاب المستفز اما الامارات فيستمر فيها خطاب التجييش الذي يستحضر الجزر المحتلة بينما تظل موانئها وبنوكها ملتزمة من الاستفادة من الحصار الاقتصادي على ايران فتتسع الهوة بين الخطاب الرسمي الذي يتصدر الصحافة وبين الواقع الاقتصادي على الارض. وتعرف جميع دول الخليج ان اي مواجهة مع ايران ستضر بالامن والاقتصاد المحلي وستجر المنطقة الى حرب اكبر من الصراع على النفوذ بين ايران والسعودية. اما السعودية حاليا نجدها تمر بمرحلة تقهقر استراتيجي حيث هي مشغولة بترتيب الصفوف القيادية تمهيدا لتوزيع المناصب القيادية على طيف طويل وعريض من الامراء المنتظرين دورهم في قيادة البلد ولكن يظل التجييش ضد ايران استراتيجية تمتص اهتمام المجتمع وتصرفه عن التفكير بالشأن المحلي خاصة وانه يظل مشدودا متشنجا بانتظار ساعة الفرج. اما من جهة ايران المحاصرة اقتصاديا والقادمة على انتخابات قد تكون من اهم الانتخابات في الجمهورية الاسلامية فالتشنج خاصة ذلك المتعلق بخطاب استهدافها من الغرب والقوى الاقليمية التي تتربص بها يساعد على تجاوز معضلات الوضع المحلي وتمرير السياسة الداخلية دون نقاش او جدل.
جاءت الثورة السورية والتي بدأت كغيرها من الثورات العربية سلمية تطالب بمطالب لا تختلف عن مطالب الشعوب العربية الاخرى في تونس ومصر وغيرها لتوفر لهذه القوى المحلية ساحة حرب بالوكالة خاصة بعد تعنت النظام السوري وعسكرة الثورة مما فتح المجال للقوى الاقليمية المتصارعة على محور الرياض ـ طهران ان تستعرض قوتها وتحارب بالوكالة على الارض السورية. وطالما ظل الصراع في سورية محصورا داخل حدودها طالما ظلت القوى الاقليمية مطمئنة من عدم انتقال الصراع الى حدودها مهددا بذلك امنها القومي المحلي. ودخل حزب الله اللبناني على الخط السوري حيث تجلت مرحلة جديدة فبعد عدم تمكن هزيمته في لبنان خلال الاعوام السابقة جرت تحولات تتطلب زجه في الثورة السورية كحليف للنظام السوري ومحاصرته كطرف مهم مما ادى الى توسيع تداعيات الثورة السورية الى لبنان. وتأجج الصراع على محور طائفي سني شيعي او هكذا ارادت القوى الاقليمية المتصارعة ان ينتهي لتفرغ الثورة السورية من مطالبها الوطنية وتتحول الى صراع سني شيعي يتخندق حوله مجموعات تروج للخطاب الطائفي وتمهد لتغيير خارطة سورية نحو كانتونات طائفية او دويلات دينية ليس لها اي فرصة ان تصبح مساحات سياسية مستقلة اقتصاديا او سياسيا. ودخلت تركيا على الخط اولا كناصح له علاقات اقتصادية مهمة مع دمشق واستراتيجية مع الشمال السوري خاصة في موضوع الاكراد وامتدادهم في العمق التركي والسوري معا ناهيك عن العراق. فآخر ما تريده تركيا دولة كردية على حدودها مع سورية والعراق. فترنحت اولا ومن ثم سنجدها تعارض تقسيم سورية ان كان هذا سينتج عنه دويلة كردية مستقلة على حدودها. اما اسرائيل تظل في مرحلة تأهب غير قادرة على ان تحسم امرها وتقرر ان امنها القومي مرتبط بنتيجة الصراع في سورية فتعايشت مع النظام السوري لمدة 4 عقود وهي الآن غير واثقة ان حسم الثورة لصالح الثوار سيكون ايجابيا الا اذا تخلى هؤلاء عن المطالب باستعادة الارض السورية المحتلة او قيام كانتون درزي في الجولان يكون تحت سيطرتها عسكريا او سياسيا وبذلك تضمن حدودها وموقعها الاستراتيجي العسكري الذي يكشف لها الساحة السورية من شمالها الى جنوبها.
اما عالميا فالغرب بولاياته المتحدة واوروبا ايضا يقف عاجزا عن تخيل سيناريو سقوط النظام السوري واستبداله بنظام يكون حسب الطلب أي منفتحا على الغرب ومستعدا لتحويل سورية الى ساحة موالية اقتصاديا وسياسيا وبسبب قرب سورية الى اوروبا والبحر المتوسط خاصة بعد ان كثرت التقريرات التي تشير الى النفط والغاز على هذه الشواطئ مما يسيل لعاب الشركات المستثمرة المحتاجة الى الامن لتفعيل مصالحها. يجد الغرب نفسه محتارا حيث من الصعوبة التنبؤ بنتيجة الثورة السورية فخرجت خطابات تحذر من الارهاب والامارات الاسلامية المتوقعة في سورية بعد الثورة مما دفع روسيا وقاربها الى الغرب تحت ذريعة العدو المشترك اي ما يسمى بالارهاب الاسلامي، وربما تكون الثورة السورية الاولى من نوعها في العصر الحديث حيث تتكالب القوى العالمية والاقليمية لجعلها ساحة مفتوحة لم تحصل في ثورات عالمية سابقة من الثورة الفرنسية مرورا بالروسية والصينية. حيث ظلت المصالح محصورة في جناحين متصارعين دون ان يدخل على الخط عدد كبير من اللاعبين. خذ الثورة الفرنسية مثلا حيث الصراع البريطاني ـ الفرنسي في امريكا خلال الحرب فيها تحول الى صراع فرنسي ـ فرنسي ضد القوة الملكية التي انهكت شعبها بالضرائب لهزيمة بريطانيا في امريكا. ولم تستطع بريطانيا ان تتدخل بشكل يؤجل سقوط الملكية في فرنسا رغم دعمها للجناح الملكي وتوفير اللجوء والموارد له في حربه مع شعبه. اما سورية اليوم تجد نفسها ضحية عالم متغير حيث لا توجد قوة عالمية واحدة بل هناك عدة قوى تتصارع بعيدا عن حدودها ولا قوة اقليمية مهيمنة بل عدة قوى لها من الموارد النفطية ما يمكنها من استغلال الفائض لتمويل الصراع في سورية وابعاده عن حدودها الداخلية.
يدفع اليوم الشعب السوري من دمه ثمن التغيير في موازين القوى السياسية العالمية والمحلية الاقليمية التي تتفرج على يوميات القتل والدمار والمجازر دون ان يهدد ذلك امنها القومي فالصراعات البعيدة عن الحدود التي تشتعل في دولة مجاورة تظل احسن الخيار لهذه القوى الباحثة عن النفوذ مستغلة ثورة بدأت بحثا عن تغيير سياسي مشروع في بلدها وواجهت اشرس آلية عسكرية مرتبطة بنظام مستبد وتبدو الصورة اكثر دموية يوما بعد يوم ويتضح ان الحسم العسكري بعيد وغير قادر على حسم المعركة. لذلك الحل الوحيد في سورية هو على محورين. محور تتصالح فيه القوى الاقليمية وتتفق على انهاء المواجهة بين محور الرياض وايران وحل مشكلة تقسيم النفوذ بالتفاهم والدبلوماسية ومحور عالمي تتفهم فيه كل من روسيا والولايات المتحدة واوروبا خطورة استمرار المواجهة بالوكالة في سورية. وبدون هذين الحلين ستظل سورية المنكوبة شعبا واقتصادا جبهة مفتوحة لن ينتصر فيها سوى لغة الدم والتشرذم والقتل. وتبقى ثورتها معلقة مستقطبة الى اجل بعيد.