نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


حرب الشائعات الجنسية على الشعب السوري!






لا يحتاج الإعلام السوري لأي شهادة جديدة في مسألة الكذب والتزوير وسياسات التضليل، التي تشكل جزءاً عضوياً أصيلاً من هويته، وشكلاً أساسياً من أشكال حضوره منذ قرر حزب البعث في انقلابه العسكري في الثامن من آذار، بقرار علني بطلجي واضح وصريح أن يغلق كل الصحف الخاصة في سورية، وأن يستولي على وسائل الطباعة والنشر، ليقضي بذلك على صناعة عريقة ومزدهرة كانت جزءا من تشكيل الرأي العام، مازال السوريون يدفعون ضريبة وأدها بصمت، وغيابها عن نقل صوتهم... لكن هذا الإعلام المثقل بالنكسات والهزائم الإعلامية والعسكرية في زمن الثورة... وجد نمطاً جديداً من الحرب التي تشنها أجهزته على أمال وطموحات الشعب السوري في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية... ليس من خلال ثوارهم بأنهم (إرهابيون) ولا الافتراء على دماء شهدائهم وحسب، ولا تصوير تدمير وقصف مدنهم وهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها على أنه (نصر) و(حرب تطهير) وحسب؛ بل أيضاً من خلال حرب الشائعات الجنسية التي تستهدف اعتزاز المواطن السوري بمفهوم الشرف الاجتماعي، والطهر الإنساني الذي يأبى أن يحول الجسد إلى سلعة، أو عنصر متعة، تحت أي ظرف وحاجة.


 

فبعد حملة اتهام سكان مخيم الزعتري بالدعارة، عبر قنوات استخبارية سورية، سربت أكاذيب لمراسل وكالة إعلامية، ليتم تلقفها مرة أخرى وقد عادت إلى المصدر بعد أن تم إعادة إنتاجها في مختبر (الحيادية) التي يعتقد أن وسائل الإعلام العالمية لا تتنازل عنها، تعود إلى الواجهة حرب (جهاد المناكحة) التي سبق لقناة (الميادين) أن أطلقتها، مع قنوات تشبيحية أخرى... ولكن هذه المرة على شاشة الفضائية السورية، وبشكل مختلف في المعالجة والأسلوب. فهذه الشائعة التي استهلكت وفقدت حرارتها، وتظاهر تونسيون ضد مواطنهم غسان بن جدو متهمين إياه بالإساءة إلى فتيات بلده، على اعتبار أنه أشار إلى تونسيات مزعومات سافرن إلى سورية حباً في امتهان أنفسهن... لم تعد خبراً ولا حدثاً جديداً.. فكيف يمكن بعثها من مرقدها إذن؟!

تفتقت ذهنية الإعلام السوري الغارقة في امتهان كرامة البشر، على استخدام شكل الاعترافات المصورة... مع نساء محجبات لا لبس في انتماءهم السني، يظهرن بوجههن، وهو أمر مناف للتقاليد الإعلامية التي تقضي بإخفاء وجوه الضحايا، حين يتعلق الأمر بمسألة الشرف أو الاعترافات التي تمس الحياة الخاصة... لكن الفضائية السورية لم تتعامل مع هؤلاء باعتبارهم ضحايا أو مغرر بهم... بل وصفتهم في التعريف بأنهم (إرهابيات) وأمعنت في صناعة عناصر الفضيحة حين ذكرت أسماءهم وأسماء عائلاتهم كاملة دون أي ترميز.

من بين اللواتي ظهرن، وجميهعن محجبات بشكل متقن، برز اسم الطفلة (سارة علاو) ابنة مدينة البوكمال. الطفلة ذات الثلاثة عشر ربيعاً سميت: (أميرة في جبهة النصرة) وأجبرت في اعترافاتها المزعومة على ذكر تفاصيل العملية الجنسية بشكل إيروتيكي مثير وفاضح.

كان أقسى ما أثار تعاطف السوريين مع هذه الطفلة حجم البراءة التي تنضح به العينان، الصوت الرقيق المرتجف كان محملا بشحنة من الخوف والإكراه على قول روايات بذيئة في حالة تدمير نفسي متعمد لطفولتها قبل سمعتها... لانتمائها السني قبل جرمها السياسي أو الجنائي كـ (إرهابية) مفترضة... هذه التفاصيل الجنسية تكررت على ألسن الأخريات... حتى أن إحداهن وقالت إنها متزوجة ولديها ثلاثة أطفال، تقول إنها بعد أن اكتشفت ما هو هذا (الجهاد) لم تستطع أن تنظر في عيون أولادها!

لم يكتف إعلام النظام السوري بتجسيد هذه الحالة البصرية الفضحائية الموجهة للمكون السني في صميم اعتزازه بمفهوم الشرف الاجتماعي... بل استضافت في الأستوديو د. نهلة عيسى الأستاذ في كلية الإعلام، والتي تنتمي للطائفة العلوية، والتي سبق أن أعلنت رغبتها في أن تقبل حذاء (السيد الرئيس) كي يسرع في استخدام الكيماوي، لتعلق بنوع من التشفي الفضحائي المعلن، والذي حاولت تغليفه دون جدوى بشكل الحديث عن (ضحية)... لكن عيناها ونبرة صوتها وابتسامتها فضحتها. انحطت هذه الأستاذة الجامعية إلى المستوى الذي تحب أن تكون فيه: مستوى الجلاد الذي يتفرج على فضيحة نساء كن يدعين الشرف فإذا هن باسم (الجهاد) تحولن إلى عاهرات. الأستاذة العلمانية الحاسرة الرأس، ذات الشعر الأشقر والصدر الناهد، والجسد الضخم المكتنز شحماً فيمن شحمه ورم من الأحقاد، ظهرت لتحاضر في العفة.. صارت عنواناً للدفاع عن (عار) تريد أن تلصقه بالضحايا وبالأكثرية السنية، كي تقول أمام الملأ: انظروا هذه صورتكم وأنا من موقعي الأخلاقي المترفع عن هذا النوع من (الجهاد) والرافض لثورتكم الإرهابية: أقيمه وأدينه، وأشفق عليه، وأتشفى به!

عبر العديد من السوريين عن هذا النمط من الحرب الجنسية الشائنة على الأكثرية السنية... فياللمصادفة كيف أن كل المعترفات هن من مناطق لا اختلاط طائفي فيها، ولا أي تشابه في اللهجة مع لهجات طوائف أخرى. حكى لي صديق في الغربة، أن والدته بكت وهي تشاهد الطفلة سارة علاو على الشاشة، شعرت بالخجل والعار وهي تسمع هذه التفاصيل، التي لم يعتد السوريون على تحويلها إلى مادة للفضيحة الإعلامية العلنية حتى لو كان الجميع يعرفون أنها ملفقة. اعتاد السوريون ألا ينظروا في عيني أم أو أب مست ابنتهما فضيحة اجتماعية خوفاً على مشاعرها. يذكر الأردني محمد سليم حماد في كتابه (تدمر شاهد ومشهود) الذي نشره عام 1991 ليروي فيه حصيلة عذابات خمسة عشر عاما في سجن تدمر... أن العساكر المناوبين على حراسة أحد المهاجع أجبروا أخاً على أن يمارس الشذوذ الجنسي مع أخيه أمام أبيهما السجين... فكانت معاناة نزلاء السجن في اليوم التالي هي أن يتحاشوا النظر في عيني الأب خجلاً من رؤية حجم القهر والانكسار في عينيه... فكيف يبدو الأمر اليوم بالنسبة لأسر كاملة تسمع هذا الكم من التفاصيل الجنسية الفاضحة على ألسنة نسوة محجبات يظهرن بأسمائهن ووجوههن الحقيقية؟!

لا أكتب كي أكرس الإحساس بالفضيحة التي صنعها النظام، ولا لأضحضها.. فهي مكشوفة واضحة بكل رسائلها الطائفية وإساءاتها، وأعتقد أن حجم التعاطف الذي ظهر على وسائل التواصل الاجتماعي مع الطفلة سارة علاو، يظهر مدى رقي السوريين، وقوتهم، وقدرتهم على التمسك ببراءة عيني سارة، وتحويل كل هذا الاتهام الوحشي الرخيص إلى عامل لإذكاء قيم الشرف في سيرتها وفي انتمائها. لكنني أكتب كي لا ننسى أي حرب كان السوريون يواجههون، وأي إعلام كان محسوباً عليهم، وأي دور قذر لعبه... وأي جرائم حقوقية وجنائية وإعلامية يقترفها ويجب أن يحاسب عليها طال الوقت أم قصر.

سارة: ابنتنا... أختنا... ليست أميرة في جبهة النصرة بل أميرة الشرف السوري الشخصي والوطني، وهو يخوض أقسى وأشرس معاركه على مر التاريخ.
سارة: لن ننسى... ولن نغفر... ولن نسامح... وسنظل نستمد من براءة عينيك معنى الشرف الرفيع الذي لا يسلم من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم!
-----------------------------
* مدير عام تلفزيون الأورينت


محمد منصور * - أورينت نت
الاربعاء 14 غشت 2013