نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


ثورة حقيقية.. بالرغم من المجتمع الدولي






«صحيح لا نستطيع أكل الحرية واستخدام الديمقراطية لتشحيم الآلات، ولكن صحيح أيضا أن السجناء السياسيين لا يستطيعون إنارة زنزانات الأنظمة الديكتاتورية».

(كورازن آكينو)


 
من دون الانتقاص من قيمة ما عداها من ثورات «الربيع العربي».. مكتوب على الثورة السورية أن تكون أشرف هذه الثورات وأنقاها وأروعها.
إنها ثورة لا شك في أنها نابعة من الشعب، ترويها دماء الشعب، وتضطرم من أجل مستقبل الشعب.
لا منة من أحد عليها. لا جهة وصاية. لا صفقات خفية تحت الطاولة، بل إن كانت ثمة صفقات فهي - كما يظهر - تعقد ضدها لا معها.
في بعض عواصم القرار السياسي هناك اقتناع بأن هذه الثورة «مؤامرة» مباشرة على نفوذها الإقليمي. وفي عواصم أخرى يتحدث عنها بعض أدعياء الموضوعية والحكمة الزائفة وكأنها جاءت «نوبة إزعاج» حبذا لو تتبدد وتتلاشى. أما في عواصم القوى الإقليمية ذات الصلة المباشرة مع ملفات الشرق الأوسط الشائكة فإنها تأتي تهديدا لـ«تعايش» تآمري مثمر.. ظاهره عدائي حاد.. لكن باطنه تفاهم عريض على الأولويات والمصالح الاستراتيجية.
هذه العوامل مجتمعة كلها تصب في الاتجاه المضاد لثورة الشعب السوري، وأصحابها لا يعدمون فرصة للتخفي وراء الأعذار الواهية لمنح نظام فاشي ودموي ومنافق الفرصة تلو الفرصة لإخماد جذوة الثورة.
بالأمس، خرج أحد أدعياء الموضوعية في الصحافة الأميركية ليشرح بإسهاب الفوارق والقواسم المشتركة بين حالتي العراق وسوريا، لينتهي - وهنا بيت القصيد - بالتمنيات. وقبله استفاض آخرون في المقارنة بين حالتي سوريا وليبيا.. أيضا لتبرير «اللافعل» من منطلق عقلاني مزعوم. وفي معظم الحالات الأخرى تطوع مسؤولون عالميون رفيعو المستوى، على شاكلة آندريه فوغ راسموسن، أمين عام حلف شمال الأطلسي (ناتو)، للجزم تكرارا بأن لا نية لتدخل أجنبي في سوريا.
كل هذه إشارات كانت حتى الآن أكثر من كافية لتشجيع النظام السوري على ارتكاب مزيد من المجازر، وطمأنة موسكو وبكين وطهران إلى أن أيديها طليقة تماما لقمع الثورة.
ماذا بعد؟
حقيقة واحدة لا بد أن حتى موسكو وبكين تقران بها، هي أنه ما عاد بمقدور نظام بشار الأسد حكم سوريا.
سوريا اليوم هي غير سوريا ما قبل مارس (آذار) 2011، والنظام الذي يقتل شعبه يفقد المبرر الشرعي والأخلاقي لحكم هذا الشعب مهما كذب على نفسه والآخرين. وبناء عليه، على الرغم من تآمر الأعداء المعلنين وتواطؤ الأصدقاء المزعومين، ما عاد للنظام القدرة على الاحتفاظ بالسيطرة الميدانية على أرض سوريا كاملة حتى لو دمر هنا واحتل هناك لفترة زمنية طالت أو قصرت. فالدول لا تحكم إلى ما لا نهاية بقوى «الاحتلال».
حقيقة ثانية، أيضا يقر بها داعمو نظام دمشق أيضا هي أن أهم ما حمله «الربيع العربي» هو سقوط حاجز الخوف. وفي سوريا التي حكمت عن طريق الخوف منذ أكثر من نصف قرن، نحن الآن أمام شعب اكتشف أولا أنه ما عاد خائفا، وثانيا أنه يواجه طغمة لا تتورع عن شيء. وبالتالي، لا طائل من التفكير بإعادة التحاور معها. إنها طغمة لا تفهم لغة الحوار ولا تؤمن به ولا تقيم وزنا لمتحاورين.
ونصل هنا إلى الحقيقة الثالثة، وهي أن الأطراف الخارجية التي تآمرت وتواصل التآمر على الثورة بشتى الأشكال، ستجد نفسها في وقت قريب مرغمة على التعامل مع تداعيات هذه الثورة. لقد أثبتت بالدليل المحسوس أنها لا تكترث بمعاناة الشعب السوري ولا تهتم بأمانيه، غير أنها، في المقابل، مضطرة للدفاع عن مصالحها الحيوية عندما تصبح هذه المصالح في خطر.
وكما قال بعض المحللين الجادين خلال الأيام القليلة الماضية، يتوقع أن يولد الوضع السوري - بصرف النظر عما يحدث في حلب - اختلالا لن يستطيع اللاعبون الإقليميون، ومن خلفهم اللاعبون العالميون الأكبر منهم، مواصلة تجاهل مضاره.
إن رهان النظام على الابتزاز بأوراق الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية رهان خطير قد يكتشف بسرعة أنه أكبر منه. ولقد كان إعراب القيادات الأمنية الإسرائيلية خلال الأسبوعين الأخيرين عن «قلقها» من مصير الأسلحة الكيماوية السورية، ولا سيما لجهة احتمال نقلها إلى حزب الله، أسوأ إدانة ممكنة لنظام يزعم «الممانعة» و«مقاومة» إسرائيل.
لماذا؟ لأن إسرائيل لم تقلق يوما من تكديس هذا النظام - الذي تعرفه جيدا - الأسلحة الكيماوية، وذلك لثقتها بأن لا نية لديه في استخدامها.. لا في الماضي ولا في المستقبل. وكل شعارات «الممانعة» و«المقاومة» جعجعة فارغة، تماما، مثل اختيار دمشق «التوقيت المناسب»، الذي لم يحن أبدا، للرد على الغارات الإسرائيلية على معسكر عين الصاحب وموقع الكبر والاستعراضات الجوية فوق اللاذقية.
بل لقد كان من المفارقات أنه بينما كان بعض الساسة الإسرائيليين يبدون القلق من احتمال حصول حزب الله على الأسلحة الكيماوية من سوريا، كان النظام يقصف بلدة جباتا الخشب في الجولان. نعم.. في هضبة الجولان على مسافة قصيرة من خط الاحتلال المنتظر عبثا وعود التحرير. ولمن يهمه الأمر، فإن جباتا الخشب.. البلدة التي قصفها النظام هي البلدة المناضلة الصامدة التي أعطت سوريا المجاهد الشهيد أحمد مريود (1886 - 1926)، قائد «ثورة الجولان» وأحد أبطال الثورة السورية الكبرى.
هذا في جنوب سوريا، أما في شمالها فإن الرهان غدا أكثر تعقيدا. فهنا تلعب ورقة المكون الوطني الكردي، بعدما مورست أعمال القمع الدامي ضد المكونين العربي والتركماني، وبعدما تعمد النظام مستعينا بقيادات دينية أجيرة وضعيفة الوطنية والإرادة تخويف الأقليات المسيحية والإسلامية على السواء. وهنا لا بد من الإقرار بأن بعض الشعارات الطائفية رفعت أحيانا في معسكر الثورة بصورة عفوية، غير أن التوريط - عبر التخويف الممنهج والمخطط له - كان يطبخ حقا في مطابخ النظام وداعميه في طهران وموسكو، واستطرادا عبر الأبواق الطائفية الصغيرة والرخيصة في لبنان أيضا.
وإذا صح أن النظام استدرج حزب العمال الكردستاني لفرض هيمنته على القامشلي ومدن حدودية أخرى في الشمال السوري، فإن هذه الضربة لن تكون موجهة إلى الثورة الشعبية بقدر ما هي موجهة إلى تركيا نفسها، وهي عمليا تشكل استدعاء لها لاحتلال أراضي سوريا.. وتفجير تناقضات كردية - كردية بين العراق وسوريا وتركيا.
الورقتان الشيعية والمسيحية أيضا أكبر من النظام وتلاعبه، وهما إذا خرجتا من طوق الأمان، من شأنهما تغيير حال «السكوت الاستنسابي» الذي ارتضى به طويلا اللاعبون الإقليميون والدوليون.
نحن الآن أمام عد عكسي لنظام اعتمد منذ البداية الخيار الخطأ الذي انتهى به إلى الحصيلة الخطأ. غير أن ما فات البعض إدراكه، أن نظاما من هذا النوع لا يستطيع إلا أن يكون كما هو حقا.
هذه هي تركيبته.. هذه هي كيمياؤه.
-------------------------------
الشرق الاوسط

اياد ابو شقرا
الاثنين 30 يوليوز 2012