..عبارة يمكن إستذكارها تماما بمناسبة الحديث عن ثورة بيضاء في الأردن ضد البيروقراطية فقد طرحت سؤالا على النحو التالي: كيف سيساند بيروقراطيون لا قيمة لهم خارج سياق البيروقراطية ثورة ضدها؟
عبر تقليب مسارات هذا السؤال يمكن فهم سر أزمة المشهد والنظام السياسي في الأردن حتى باتت الحاجة ملحة فعلا لتشكيل هيئة لتشخيص مصلحة النظام على الطريقة الإيرانية. مبادرة القصر الملكي بخصوص ثورة بيضاء على البيروقراطية والأداء المترهل خلاقة ومبتكرة ولا يمكن إلا تأييدها بل إيجابية ومنتجة لو تحولت بأي طريقة لآليات عمل في الميدان وعلى الطريق. الملك وضع بين الناس أوراق عمل للنقاش وأزعم أنه قد يكون الزعيم الوحيد في العالم الثالث الذي يطالب بنقاش عام قابل للإعتراض على أفكار محددة. مشكلة هذه الأوراق أن الإعلام الرسمي تجاهلها تماما وأنها لم تحظ داخل الجهاز البيروقراطي بالإهتمام الذي يليق بها ليس بفعل وجود إتجاهات معاكسة لخطط ومشاريع القصر الملكي والإصلاح في المساحة البيروقراطية فقط. ولكن لان هذه المساحة لا تؤمن بالإصلاح أصلا ولا بالنقاش ولا بالرأي الأخر ولا يمكنها أن تتأهل لحماية مبادرة نقاشية حتى عندما يطرحها القصر. بإختصار القصر الملكي الأردني المبادر والديناميكي والعصري محاط أو أحاط نفسه بغابة بشرية من{الموظفين} الذين لا ذنب لهم لانهم ببساطة لا يعرفون كيف يمكن للمسؤول أن يبدو إصلاحيا. لذلك تجد الخيار الأول لرجل الأمن هو {قمع التظاهرة} بدلا من حراستها وحمايتها أو إعتقال المشاغب والمناكف بدلا من محاورته.
وتجد أن الجهاز الحكومي لا يقوم بالخدمة كما ينبغي لان أحدا في الماضي لم يطالبه بذلك ومن غير المنصف أن يطالب فجأة واليوم فغالبية الموظفين في الجهاز البيروقراطي حصلوا على الوظائف في نطاق مفهوم الدولة الرعوية وفي إطار المحاصصة العشائرية والجغرافية وبدون مسابقات وعلى أساس توزيع {مسكنات} على الشعب المتألم هي عبارة عن وظائف.
لا يلام البيروقراطيون فقد نشأوا وترعرعوا طوال عقود في ظل تربية نظامية مضادة للرأي الأخر ولفكرة النقاش فمن يفقد قيمة لا يمكنه منحها لأحد. لذلك تبدو مهمة الثورة البيضاء معقدة وصعبة جدا ولابد أولا من تغيير البنية البيروقراطية وتشكيل ثقافة كاملة مضادة لتراث الماضي الإداري قبل تنفيذ ثورات بيضاء أو خضراء. ولعل القصر الملكي أراد ذلك مباشرة وبصورة تفصيلية لكن أذرع الجهاز لا تسانده فوسط النخبة السياسية الأردنية لا زال هناك من يعتقد بأن الملك عبدلله الثاني قائد ماهر جدا وعصري لكنه يقود حافلة {مهترئة} تسقط مكوناتها عند أول مطب.
عبد الهادي المجالي وهو بيروقراطي من الوزن الثقيل أخبرني مرة بما يلي: حلقات الحكم الوسطى التي يفوضها النظام صلاحياته الدستورية وتتصرف مع الشعب بإسمه ليست إصلاحية فهي إما غير مؤمنة بالإصلاح أصلا أو لا تعرف كيف يكون الإنسان إصلاحيا.
من يقول ذلك هو بيروقراطي ثقيل الوزن فكيف يقود ثورة مضادة للبيروقراطية جنود أوفياء ومخلصون تقتصر عوالمهم على ما إختبروه داخل المؤسسة البيروقراطية التي يخيل إلي أحيانا أنها أقوى من النظام نفسه في الكثير من الحالات فالعشرات من المبادرات الإقتصادية والإجتماعية لمؤسسة القصر الملكي تلاشت وإنتهت وماتت أو قمعت لان الحلقات البيروقراطية الوسيطة لم تهضمها أو لم تتحمس لها. لذلك تبدو المسألة في ظل الوضع الحالي أقرب للمهمة المستحيلة وتتطلب توم كروز على الأقل فالمطلوب اليوم من مفرزات البيروقراطية أن يثوروا عليها ..كيف يمكن أن يحصل ذلك في أي مكان في العالم؟.
الاستعانة بالبيروقراطيين ورموز التيار المحافظ بين الحين والآخر في مواقع القرار لا يمكنه ان ينتهي بقفزات منطقية نحو الاصلاح والثورة البيضاء فهؤلاء قدموا عشرات الأدلة على نضالهم الصلب في الاتجاه المعاكس لمفردة الاصلاح الملكية وبرهنوا دوما على وفائهم وإخلاصهم بالفطرة للجهاز البيروقراطي. وهذه المفارقة تكاد تكرس حالة الفصام التي تغرق بها الخارطة السياسية الأردنية فالخطابات والشعارات والتوجيهات والمبادرات في واد وما يحصل على أرض الواقع في واد آخر تماما، وهو الفصام الذي لم يعد سرا أنه يسحب يوميا من رصيد النظام ويظهر المشاريع والمبادرات التي تولد نبيلة وهدفها نقل البلاد الى المستقبل فعلا سرعان ما تصبح ذخيرة بيد الحراك والمعارضة بمجرد تكليف موظفين تكنوقراط وبيروقراط بائسين بانفاذها.
ولم يعد سرا في عمان بان بيروقراطيين خارج الحكم وأقرانا لهم داخل الحكم هم النواة الصلبة في حركة إعتراض باطنية تشكل خطرا على مؤسسة النظام يفوق بالواقع في آثاره وتأثيره تلك التنازلات التي يطالب بها حراك الشارع او الخطابات التي تتبناها المعارضة السياسية وعلى رأسها الاخوان المسلمون.
شاهد الجميع قرائن ووقائع تثبت ذلك عدة مرات فالاتجاهات المعاكسة جذريا لطموحات وآمال النظام وخطاب الإصلاح الملكي لا تتجسد اطلاقا في تلك التعبيرات المنفلتة الجارحة التي تمارس في الشارع غيظا وقهرا الدبكات والأهازيج أو في تلك الهتافات التي نادت يوما من باب الانفعال ليس أكثر باسقاط النظام بل تستقر الاتجاهات المعاكسة مسرورة وهي تستثمر نفوذها داخل ماكينة النظام لاعاقة اي مبادرات خلاقة وبصرف النظر عن أصحابها.
الثورة البيضاء تعبير استخدمه الملك الراحل الحسين بن طلال وقفز آنذاك بعبد الكريم الكباريتي السياسي المهم والمحنك الى واجهة الاحداث. لكن الكباريتي خارج السكة اليوم وبعيد عن كل مواقع القرار والمساحة لا تحتمل وجوده مثله مثل نخبة كبيرة من رجال الدولة والحكم والنظام الاقوياء والمبادرين الذين أخليت مواقعهم القيادية لصالح نوعين من الموظفين اما ليبرالي لا يقنع الناس ولا يتصرف بطريقة ليبرالية اومحافظ جدا شخصيته الادارية مركبة على أساس التناقض مع أي إصلاح او تغيير مهما كان نوعه.
وعلى هذا الاساس وتفاعلا مع دعوات القصر الملكي للحوار والنقاش لا بد من القول مرة اخرى وأخيرة بان هزيمة التفكير البيروقراطي في أروقة الدولة تطلب دوما وجود شخصيات غير بيروقراطية واصلاحية او بالحد الادنى يمكنها فهم الاصلاح في مواقع القرار فالثورة على النمط البيروقراطي في التفكير والتصرف الاداري لا يمكن إسنادها بنخبة بيروقراطية لا توجد لها اصلا فرصة للحياة والبقاء إلا في ظل نظام اداري بيروقراطي خامل وكسول.
الاصلاح الحقيقي ببساطة شديدة يعني في الحالة الاردنية ان لا نشاهد نفس الوجوه التي نشاهدها الآن في مشهد القرار والحكم، وأن نتوقف عن الاستماع لنفس الاسطوانات المشروخة التي تحترف تخويف الشعب والنظام من سقوط الدولة بيد الاسلاميين او الفلسطينيين لو تطورت الحياة السياسية وفقا للحد الادنى من إعتبارات النزاهة والديمقراطية. والاصلاح الحقيقي يبدأ من قاعدة بسيطة تؤمن بأن التغيير غير ممكن عبر أدوات متهالكة مراهقة استخدمت عشرات المرات وبتعسف ضمن اطار الاحكام العرفية وثقافة الطوارىء والاستبداد الأمني.
والحل الجذري يبدأ من عند {طمأنة} المركز البيروقراطي على مصالحه ودوره على أساس أن الثورة البيضاء لن تستهدفه وكل ما ستفعله أوينبغي أن تفعله فقط تخفيف شره وتعديل بعض مساراته.
عبر تقليب مسارات هذا السؤال يمكن فهم سر أزمة المشهد والنظام السياسي في الأردن حتى باتت الحاجة ملحة فعلا لتشكيل هيئة لتشخيص مصلحة النظام على الطريقة الإيرانية. مبادرة القصر الملكي بخصوص ثورة بيضاء على البيروقراطية والأداء المترهل خلاقة ومبتكرة ولا يمكن إلا تأييدها بل إيجابية ومنتجة لو تحولت بأي طريقة لآليات عمل في الميدان وعلى الطريق. الملك وضع بين الناس أوراق عمل للنقاش وأزعم أنه قد يكون الزعيم الوحيد في العالم الثالث الذي يطالب بنقاش عام قابل للإعتراض على أفكار محددة. مشكلة هذه الأوراق أن الإعلام الرسمي تجاهلها تماما وأنها لم تحظ داخل الجهاز البيروقراطي بالإهتمام الذي يليق بها ليس بفعل وجود إتجاهات معاكسة لخطط ومشاريع القصر الملكي والإصلاح في المساحة البيروقراطية فقط. ولكن لان هذه المساحة لا تؤمن بالإصلاح أصلا ولا بالنقاش ولا بالرأي الأخر ولا يمكنها أن تتأهل لحماية مبادرة نقاشية حتى عندما يطرحها القصر. بإختصار القصر الملكي الأردني المبادر والديناميكي والعصري محاط أو أحاط نفسه بغابة بشرية من{الموظفين} الذين لا ذنب لهم لانهم ببساطة لا يعرفون كيف يمكن للمسؤول أن يبدو إصلاحيا. لذلك تجد الخيار الأول لرجل الأمن هو {قمع التظاهرة} بدلا من حراستها وحمايتها أو إعتقال المشاغب والمناكف بدلا من محاورته.
وتجد أن الجهاز الحكومي لا يقوم بالخدمة كما ينبغي لان أحدا في الماضي لم يطالبه بذلك ومن غير المنصف أن يطالب فجأة واليوم فغالبية الموظفين في الجهاز البيروقراطي حصلوا على الوظائف في نطاق مفهوم الدولة الرعوية وفي إطار المحاصصة العشائرية والجغرافية وبدون مسابقات وعلى أساس توزيع {مسكنات} على الشعب المتألم هي عبارة عن وظائف.
لا يلام البيروقراطيون فقد نشأوا وترعرعوا طوال عقود في ظل تربية نظامية مضادة للرأي الأخر ولفكرة النقاش فمن يفقد قيمة لا يمكنه منحها لأحد. لذلك تبدو مهمة الثورة البيضاء معقدة وصعبة جدا ولابد أولا من تغيير البنية البيروقراطية وتشكيل ثقافة كاملة مضادة لتراث الماضي الإداري قبل تنفيذ ثورات بيضاء أو خضراء. ولعل القصر الملكي أراد ذلك مباشرة وبصورة تفصيلية لكن أذرع الجهاز لا تسانده فوسط النخبة السياسية الأردنية لا زال هناك من يعتقد بأن الملك عبدلله الثاني قائد ماهر جدا وعصري لكنه يقود حافلة {مهترئة} تسقط مكوناتها عند أول مطب.
عبد الهادي المجالي وهو بيروقراطي من الوزن الثقيل أخبرني مرة بما يلي: حلقات الحكم الوسطى التي يفوضها النظام صلاحياته الدستورية وتتصرف مع الشعب بإسمه ليست إصلاحية فهي إما غير مؤمنة بالإصلاح أصلا أو لا تعرف كيف يكون الإنسان إصلاحيا.
من يقول ذلك هو بيروقراطي ثقيل الوزن فكيف يقود ثورة مضادة للبيروقراطية جنود أوفياء ومخلصون تقتصر عوالمهم على ما إختبروه داخل المؤسسة البيروقراطية التي يخيل إلي أحيانا أنها أقوى من النظام نفسه في الكثير من الحالات فالعشرات من المبادرات الإقتصادية والإجتماعية لمؤسسة القصر الملكي تلاشت وإنتهت وماتت أو قمعت لان الحلقات البيروقراطية الوسيطة لم تهضمها أو لم تتحمس لها. لذلك تبدو المسألة في ظل الوضع الحالي أقرب للمهمة المستحيلة وتتطلب توم كروز على الأقل فالمطلوب اليوم من مفرزات البيروقراطية أن يثوروا عليها ..كيف يمكن أن يحصل ذلك في أي مكان في العالم؟.
الاستعانة بالبيروقراطيين ورموز التيار المحافظ بين الحين والآخر في مواقع القرار لا يمكنه ان ينتهي بقفزات منطقية نحو الاصلاح والثورة البيضاء فهؤلاء قدموا عشرات الأدلة على نضالهم الصلب في الاتجاه المعاكس لمفردة الاصلاح الملكية وبرهنوا دوما على وفائهم وإخلاصهم بالفطرة للجهاز البيروقراطي. وهذه المفارقة تكاد تكرس حالة الفصام التي تغرق بها الخارطة السياسية الأردنية فالخطابات والشعارات والتوجيهات والمبادرات في واد وما يحصل على أرض الواقع في واد آخر تماما، وهو الفصام الذي لم يعد سرا أنه يسحب يوميا من رصيد النظام ويظهر المشاريع والمبادرات التي تولد نبيلة وهدفها نقل البلاد الى المستقبل فعلا سرعان ما تصبح ذخيرة بيد الحراك والمعارضة بمجرد تكليف موظفين تكنوقراط وبيروقراط بائسين بانفاذها.
ولم يعد سرا في عمان بان بيروقراطيين خارج الحكم وأقرانا لهم داخل الحكم هم النواة الصلبة في حركة إعتراض باطنية تشكل خطرا على مؤسسة النظام يفوق بالواقع في آثاره وتأثيره تلك التنازلات التي يطالب بها حراك الشارع او الخطابات التي تتبناها المعارضة السياسية وعلى رأسها الاخوان المسلمون.
شاهد الجميع قرائن ووقائع تثبت ذلك عدة مرات فالاتجاهات المعاكسة جذريا لطموحات وآمال النظام وخطاب الإصلاح الملكي لا تتجسد اطلاقا في تلك التعبيرات المنفلتة الجارحة التي تمارس في الشارع غيظا وقهرا الدبكات والأهازيج أو في تلك الهتافات التي نادت يوما من باب الانفعال ليس أكثر باسقاط النظام بل تستقر الاتجاهات المعاكسة مسرورة وهي تستثمر نفوذها داخل ماكينة النظام لاعاقة اي مبادرات خلاقة وبصرف النظر عن أصحابها.
الثورة البيضاء تعبير استخدمه الملك الراحل الحسين بن طلال وقفز آنذاك بعبد الكريم الكباريتي السياسي المهم والمحنك الى واجهة الاحداث. لكن الكباريتي خارج السكة اليوم وبعيد عن كل مواقع القرار والمساحة لا تحتمل وجوده مثله مثل نخبة كبيرة من رجال الدولة والحكم والنظام الاقوياء والمبادرين الذين أخليت مواقعهم القيادية لصالح نوعين من الموظفين اما ليبرالي لا يقنع الناس ولا يتصرف بطريقة ليبرالية اومحافظ جدا شخصيته الادارية مركبة على أساس التناقض مع أي إصلاح او تغيير مهما كان نوعه.
وعلى هذا الاساس وتفاعلا مع دعوات القصر الملكي للحوار والنقاش لا بد من القول مرة اخرى وأخيرة بان هزيمة التفكير البيروقراطي في أروقة الدولة تطلب دوما وجود شخصيات غير بيروقراطية واصلاحية او بالحد الادنى يمكنها فهم الاصلاح في مواقع القرار فالثورة على النمط البيروقراطي في التفكير والتصرف الاداري لا يمكن إسنادها بنخبة بيروقراطية لا توجد لها اصلا فرصة للحياة والبقاء إلا في ظل نظام اداري بيروقراطي خامل وكسول.
الاصلاح الحقيقي ببساطة شديدة يعني في الحالة الاردنية ان لا نشاهد نفس الوجوه التي نشاهدها الآن في مشهد القرار والحكم، وأن نتوقف عن الاستماع لنفس الاسطوانات المشروخة التي تحترف تخويف الشعب والنظام من سقوط الدولة بيد الاسلاميين او الفلسطينيين لو تطورت الحياة السياسية وفقا للحد الادنى من إعتبارات النزاهة والديمقراطية. والاصلاح الحقيقي يبدأ من قاعدة بسيطة تؤمن بأن التغيير غير ممكن عبر أدوات متهالكة مراهقة استخدمت عشرات المرات وبتعسف ضمن اطار الاحكام العرفية وثقافة الطوارىء والاستبداد الأمني.
والحل الجذري يبدأ من عند {طمأنة} المركز البيروقراطي على مصالحه ودوره على أساس أن الثورة البيضاء لن تستهدفه وكل ما ستفعله أوينبغي أن تفعله فقط تخفيف شره وتعديل بعض مساراته.