لقد عيّن بايدن ماكغورك بمنصب منسقٍ للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع العلم، أن الأخير كان متابعاً ومعاصراً لسقوط الموصل العراقية بيد ما يسمى "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وكان من أشد المناصرين لتسليح ميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي، والذي يقول كثير من المراقبين، إن هذا الحزب هو ذراع كردية سورية لحزب العمال الكردستاني "التركي المنشأ".
السياسة التي يدفع بها ماكغورك في الشرق الأوسط عموماً، وفي ساحة الصراع في سوريا، هي سياسة مبنية على تفعيلٍ لحظي يعبث بترتيبات المنطقة سياسياً، خدمة كما يعتقد لاستراتيجيات مهمة لبلاده الولايات المتحدة الأمريكية.
حماس ماكغورك للجناح الكردي السوري المتطرف، لم يُبن على وهم أو خطأ سياسي يرتكبه الرجل، بل هو يعتمد سياسة المخالب الصغرى لإزعاج الحلفاء الأقوى، وهذا يضرّ على المدى الاستراتيجي بالمصالح الحيوية للولايات المتحدة، هذه المصالح يكفلها التعاون المستمر بين الأخيرة ودول الخليج العربي وتركيا.
بحسبة صغيرة، وهو ما يجب أن يعرفه المواطن الأمريكي (دافع الضرائب)، عن كيفية إدارة حكومته لعلاقاتها الاستراتيجية، وتعميق هذه العلاقات وتوطيدها، وهو أن بريت ماكغورك المتحمّس لتسليح ال YPK وال PKKإنما يُسيء لتحالفات بلاده مع دولة ذات شأن كبير في الشرق الأوسط هي تركيا، إذ قال فيه وزير الخارجية التركية مولود جاووش أوغلو: "إن ماكغورك يدعم بوضوح الـ PKK ووحدات YPK، إنه يعمل ضدّنا".
هذه السياسة، هي سياسة شيطنة للمصالح الأمريكية، في وقت تحتاج فيه الولايات المتحدة إلى خلق جدار صدٍ حقيقي أمام التهديدات الاقتصادية والسياسية الصينية المتحالفة مع روسيا.
فخسارة تركيا كحليف سيضّر بقوةٍ بمصداقية هذه الدولة الكبرى، فتركيا هي حليف تقليدي لأمريكا وعضو هام في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وأن ماكغورك الذي يشيطن ميليشيات كردية عابرة للوطنية السورية وللوطنية التركية، إنما يُضعف التحالف الأمريكي مع هذه الدولة الهامة، مما يغيّر من التوازنات السياسية والعسكرية في المنطقة لغير صالح الولايات المتحدة.
إن بريت ماكغورك وفق ما تقدّم، يلوث سمعة بلاده بالطين خارجياً، وإن خطورة بريت تأتي من تأثيره على بايدن الذي يثق به، وهذا يدفعنا للقول إن الرئيس بايدن وظّف الرجل الخطأ في إدارته، هذا الرجل سوف يسبب خسارة الولايات المتحدة لحلفائها.
الولايات المتحدة في ظروفها الحالية على الصعيد العالمي تستيقظ على حراك سياسي واقتصادي وعسكري دولي، يعمل على تبديل حالة الهيمنة الأمريكية عالمياً، أي يعمل على منع استمرار سياسة القطب الواحد دولياً، من أجل عالمٍ متعدد الأقطاب.
إن تمسك بايدن ببقاء بريت ماكغورك في منصبه، سيسبب له إرباكات كبرى على صعيد حلقات التحالف الأمريكي مع الأصدقاء في الشرق الأوسط، فبايدن الذي يقدّم مصلحة استرضاء إيران للتوقيع على اتفاق نووي جديد معها، يبدو أنه يأخذ بجدية استشارات ماكغورك التي سوف تُخسره، والتي تنطوي على تقديم حوافز لحكومة الملالي، لإنجاز اتفاق يضرّ بمصالح بلاده، ويهدّد حلفاءه التقليدين في دول الخليج العربي، وتحديداً المملكة العربية السعودية.
إن بقاء بريت ماكغورك في منصبه سيكلّف الولايات المتحدة أثماناً باهظة في المستقبل القريب، فسياسته تجلب الخطر على الأمن القومي الأمريكي على المدى البعيد، فالاعتماد على مخالب الميليشيات الصغيرة ذات الأهداف الكبيرة في المنطقة، لن يخدم المصالح الاستراتيجية الأمريكية، لا بل يدفع ببلدان المنطقة إلى البحث عن تحالفات أكثر استقراراً وأمناً لها.
إن بقاء بريت ماكغورك في منصبه يعني اعتماد سياسة مدمّرة لسمعة وأخلاق أمريكا، هذه السياسة التي تنشط في تفعيل المليشياوية الأقلوية، ضد شعوب ودول المنطقة، لن يُكتب لها النجاح، بل ستشكّل عبئاً حقيقياً على الولايات المتحدة، فهذا البلد الذي يطرح نفسه كبلدٍ داعمٍ للحريات والديمقراطية، يوظّف بمنصب خطير وهام رجلاً تراكم سياساته مزيداً من انفضاض الحلفاء لمصلحة ميليشيات تريد أن تلعب دوراً في ظلّ خلخلة أمن المنطقة
إن احتفاظ إدارة بايدن بماكغورك في ظل تسارع التدهور في أوكرانيا بين حكومتها والروس، لن يخدم سياسة البيت الأبيض حيال حشد حلفاء خلف قيادتهم لمواجهة التهديدات الروسية، فهؤلاء الحلفاء متضررون من دور بريت ماكغورك ضد بلدانهم، وبالتالي لن يسعه الحصول على تصديق هذه البلدان لسياسات أمريكية كيفية تقوم على تناقضات شديدة يقف خلفها ماكغورك، والذي لا يمكن القول إنه يسعى لانتصار الغرب الديمقراطي ضد الديكتاتوريتين الروسية والصينية.
إن إرسال ماكغورك إلى المملكة العربية السعودية لإقناعها بالانخراط عبر سلاح البترول بمعركة ضد الروس والصينيين، إنما هو إجراء سياسي ضعيف، لعدم قدرة المرسل على استحواذ ثقة المرسل إليهم.
إن رفض السعودية لطلب بايدن بزيادة إنتاجها من النفط، والذي حمله معه ماكغورك هو دليل حاسم على التناقضات التي تحدث في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، والتي يقف خلفها هذا الشخص الذي يحظى بثقة عمياء من بايدن.
ولكن هل يمكن لإدارة الرئيس الديمقراطي أن تعيد تصحيح مسار سياساتها من خلال إحالة ماكغورك على المعاش، وهل ستضع خطة تعيد الاعتبار لتحالفات الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها التقليديين مثل تركيا ودول الخليج العربي؟
عدم ذهاب إدارة بايدن إلى هذا الخيار، يعني مزيداً من مراكمة تناقضات سياسته الخارجية، والتي ستنعكس ولا بدّ خسارةً منتظرةً أمام الجمهوريين في انتخابات الكونغرس في شهر نوفمبر القادم.
وإن بقاء بريت ماكغورك في منصبه، وإدارته لدفة شؤون الشرق الأوسط، سيجعل الصعوبات أكبر أمام حشد الولايات المتحدة لحرب محتملة مع الروس في أوكرانيا. فهل سيقوم السيد جو بايدن بتقييم سياسات فريق عمله التي تستجرّ مزيداً من الخسائر والتحالفات؟ أم إن ثقته العمياء بصانع سياسات فاشلة يدعى ماكغورك هو من سيخرجه من البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية القادمة؟.
ويمكن القول إن ماكغورك الذي فاوض الإيرانيين بين أكتوبر / تشرين أول عام 2014 ويناير / كانون الثاني 2016 من أجل إطلاق أربعة سجناء أمريكيين محتجزين لدى حكومة الملالي، هو من يرسم سياسات معادية للعرب عموماً ولدولة مثل السعودية خصوصاً، وهذا من شأنه التعجيل بسقوط سياسات الاعتماد على مخالب الصغار في إزعاج الحلفاء الكبار.
-----------
اورينت