نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


باريس الأمازون...ماناواس البرازيلية تستعيد أمجادها وتستعد لمهرجان أوبرالي وسط الأحراش




ماناواس/البرازيل - ديانا رينيه - ماناواس بلدة صغيرة في قلب الأحراش البرازيلية الاستوائية ومع ذلك فقد كانت تعتبر باريس الأمازون، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، دخلتها الكهرباء وعرفت المسارح والأوبرا منذ أكثر من 100 عام قبل العاصمة –آنذاك- ساوباولو، وكانت تأتيها الفرق المسرحية والموسيقية من جميع أنحاء أوروبا، كل ذلك بفضل ثورة المطاط التي أدت إلى صعود نجم هذه المدينة نتيجة لازدهار صناعة السيارات الأمريكية، وعندما أدار الحظ ظهره للمدينة بعد تحول الأمريكان لاستيراد المطاط من جنوب شرق آسيا أفل نجمها.


أضواء مسرح دار أوبرا
أضواء مسرح دار أوبرا
كان أثرياء ماناواس يستوردون العطور الفرنسية، ويأكلون الجبن السويسرية، ويرسلون ثيابهم لتغسل في البرتغال، وبلغ الثراء ببعضهم حد إشعال سجائره بأوراق البنكنوت بدلا من الثقاب.
والآن وبعد قرن من الزمان استعادت المدينة الأمازونية الاستوائية مجدها الزائل لتعود مهرجانات الأوبرا إليها، ومعها الأجواء الباريسية الصاخبة عقب استضافتها هذا العام لعدد من نجوم الغناء الأوبرالي من إسبانيا وفرنسا، أحيوا طوال شهري نيسان/ أبريل وأيار/مايو 2009 مهرجان الأوبرا الثالث عشر.
خلال العصر الذهبي "لحمى المطاط" أقيم مسرح دار أوبرا "الأمازون" بوسط المدينة في أواخر القرن التاسع عشر، ولكن بعد أنحسار المد المطاطي، أهمل المسرح وأهملت المدينة بالكامل، ولكن خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي، بدأت أعمال الترميمات في المسرح، وتم الانتهاء منها في 1997، ومنذ ذلك التاريخ والمدينة تستضيف سنويا فيما يشبه تقليدا فنيا عالميا، مهرجانا أوبراليا، يشارك به فنانون من جميع أنحاء العالم.
واليوم تتلألأ أضواء مسرح دار أوبرا "الأمازون" في قلب الأحراش البرازيلية، بنفس العظمة والأبهة التي ميزت مسارح أوروبا في عصر "البيل إبيوك" أو "زمن الفن الجميل"، بعد أن كانت ماناواس منذ 100 عام تقريبا مجرد مدينة مهملة شمال البرازيل لا يتجاوز عدد سكانها 100 ألف نسمة.
عندما بدأ تشييد المسرح في تلك البقعة الاستوائية النائية، آنذاك لم تكن فقط مجرد فكرة عبثية ولكن ميزانية المشروع كانت ضربا من الخيال، ولكن مع تدفق أموال المطاط، أصبحت طموحات المليونيرات الجدد الثقافية بتحويل مدينتهم لقطعة من أوروبا حلما مشروعا، تضاءلت معه قيمة المال الذي أصبح متوفرا بغزارة.
تم استيراد الجرانيت من البرتغال، 36 ألف لوحا من أفخر الأنواع لتغطية قبة قاعة دار الأوبرا الأمازون بألوان العلم البرازيلي، وتم تصنيع ستائر المسرح في الألزاس من دار كوش فرير، الفرنسية الشهيرة، وافتتح المسرح عام 1894، واستمر نشاطه لمدة 12 عاما، استقبل خلالها أشهر فرق الأوبرا والمسرح الأوروبية الشهيرة آنذاك مثل فرق جيوفاني إيمانويل ورفائيل تومبا الإيطالية وفرقة توماس ديل نيجرو البرتغالية وغيرها.
كانت أحراش الأمارزون، وتحديدا مدينة ماناواس قطب تجارة المطاط في العالم، وكان هذا المنتج الضروري للغاية لصناعة السيارات الوليدة في الولايات المتحدة، يباع بسعر الذهب، ولكن مع ظهور آسيا كقطب جديد لتجارة المطاط، بعد نجاح البريطانيين في نقل عينات من أشجاره وزراعتها في فيتنام التي كان يطلق عليها الهند الصينية والفلبين وعدد من دول جنوب شرق آسيا، انتهت حمى المطاط في البرازيل وتراجعت معها مظاهر الحضارة في ماناواس.
اعتبارا من عام 1912، بدأت عجلة الاضمحلال تدور بقوة في ماناواس وأصبحت دول شرق آسيا منافسا قويا للبرازيل في تجارة المطاط، ومع إفلاس أغنياء ماناواس انتهت أحلام باريس الأمازون، أو تأجلت على مدار تسعة عقود، ولم يعد المسرح يفتح أبوابه إلا في القليل النادر، لاستضافة عرض أزياء مهم أو مسابقة ملكة جمال البلاد، أو لبعض الحفلات التي ينظمها كبار رجال السياسة.
ويعتبر عام 1997 عام البعث من تحت الرماد، بالنسبة لمسرح دار أوبرا "الأمازون"، حيث شهد لأول مرة إقامة مهرجان الأوبرا الأول، والذي أصبح بعد اثني عشر عاما أحد أهم المظاهر الثقافية في البرازيل. وتواكب المهرجان الثالث عشر الذي أقيم العام الحالي مع الاحتفال بعام فرنسا في البرازيل، ويبرز من أهم الأعمال التي شاركت في مهرجان العام الحالي أوبرا "شمشون ودليلة" و "الطرواديون" و "بلياس وميليساند".
وقد تمكنت الفنانة الأوبرالية الإسبانية نانسي فابيولا من إبهار جمهور الحضور بأدائها المتميز لدور دليلة، الذي أدته لأول مرة على مسرح دار أوبرا "الأمازون"، بمشاركة التينور الأمريكي الشهير مايكل هندريك، والباريتون الفرنسي جين فيليب لافون، وبمصاحبة عازف الكونترباص جيروم فارنييه، ومن إخراج الإسباني المعروف إيمليو ساجي.
وفي تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية أوضح أنطونيو كوستا أحد الرعاة الرسميين للمهرجان أن جميع الفنانين الأجانب الذين شاركوا في المهرجان أعربوا عن سعادتهم وإنبهارهم لإتاحة الفرصة أمامهم لتقديم أعمالهم على هذا المسرح التاريخي.
وأكد كوستا "الجميع يظنون في البداية أنه مجرد مسرح مقام وسط الأحراش، ولكن المدينة الكوزموبوليتانية التي تجاوز تعداد سكانها 2ر1 مليون نسمة الآن، تبهرهم بجوها الثقافي وعبقها التاريخي".
ويوضح كوستا بكل فخر "وهكذا مثل الأيام الخوالي امتلأت قاعة المسرح عن آخرها بالجمهور وعلى مدار أيام المهرجان كانت جميع مقاعد المسرح الـ700 مشغولة، بينما كان ضعف هذا العدد ينتظر في الهواء الطلق الحفل الاستثنائي الذي يقام بعد انتهاء العرض الرسمي.
ويرى كوستا أن حضارة الأمازون وأجواء هذه المنطقة الساحرة، أسهمت في تكوين وعي جمهور محب للثقافة كما ألهمت الفنانين الذي شاركوا في تقديم العروض لتقديم أعمالهم بشكل أكثر إبهارا، كما ساعدت على بزوغ فرق فنية محلية منها على سبيل المثال أوركسترا الأمازون الفيلهارومنيكا، التي كانت تضم في البداية موسيقيين أجانب فقط أما الآن فأصبحت تضم عددا من الفنانين البرازيليين ولدوا وترعرعوا في ماناواس.
جدير بالذكر أن النجاح منقطع النظير الذي حققه مهرجان الأوبرا على مسرح دار أوبرا "الأمازون"، شجع الكثير من المظاهر الفنية الأخرى على تنظيم فعاليات ثقافية أخرى، مثل مهرجانات سنوية لموسيقى الجاز، و المسرح والسينما والتي سوف تقام خلال الأشهر القادمة من العام الجاري حتى نوفمبر المقبل، وربما تشهد الأيام القادمة تنظيم مهرجان للرقص، كما يأمل كوستا.

ديانا رينيه
الثلاثاء 7 يوليوز 2009