صورهم في الصفحات الأولى والشاشة على حد سواء، حكومة أو معارضة يتشابهون، فيما عدا اليافطة المعلقة من فوقهم، اللون الأسود علامة الحداد على موتى الحرب أو المجاعات، الأحمر علامة اليسار ومن تبع الشيطان، الأبيض علامة اليمين ورجال الأعمال، الأخضر علامة التقوى والايمان، الأصفر علامة الحقد والبغض، الأزرق اعلان عن نظارات أمريكية جديدة لحجب ضوء الشمس.
التهبت أكفهم البضة الناعمة بالتصفيق الحاد، صفقوا ثلاثين مرة خلال كلمة استغرقت خمسين دقيقة، دفع الحماس بأحدهم فصاح بصوت جهوري: أحبك (آي لاف يو) توقف أوباما لحظة ليرد: أشكرك
هذه النخبة المختارة من 2500 شخص، لا تمثل 80 مليوناً أو الشعب المصري، لم ينتخبها الشعب بحرية دون تدخل البوليس، كان يحوط القاعة عشرة آلاف رجل بوليس مصري، وثلاثة آلاف رجل أمريكي من البوليس والمخابرات سي آي ايه.
يختلف أوباما كشخص عن سابقه جورج بوش، يبدو أوباما أكثر انسانية، لكن السياسة والاقتصاد والمصالح لا تعرف الانسانية، نحن نعيش في عالم واحد نظامه رأسمالي أبوي ديني، تحكمه القوة وليس العدل أو الحرية أو المبادىء العليا.
السياسة لعبة في ظل هذا النظام، يتدرب عليها الانسان: تغطية أقبح الأعمال بأجمل الكلمات، استخدام اسم الله للسيطرة على قلوب الناس، اختيار ما يناسب من الكتب المقدسة لاخفاء التناقضات وازدواجية المعايير، أن تقتل الناس وتنهب أرضهم ومواردهم ثم تعتذر لهم بالدموع في عينيك ‘دموع التماسيح ‘، لو كان أوباما امرأة لارتدى الحجاب كما فعلت وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، صفقوا لها طويلا بحماس منقطع النظير، وصفقوا أكثر لأوباما حين قال أن من حق المرأة المسلمة أن ترتدي الحجاب اذا كان ذلك اختيارها، كأنما ارتداء الحجاب شيء تختاره المرأة، كأنما ليس هناك ضغوط على النساء للتحجب (تحت اسم أمر الله) أو للتعري (تحت اسم السوق الحرة والاستهلاك)، وما رأيك يا سيد أوباما في هؤلاء الفتيات اللائي يخترن تغطية رؤوسهن (ارضاء لله) وتعرية بطونهن في الجينز الأمريكي (ارضاء للديمقراطية والحرية )، وما رأيك في البنات والأولاد الذين يختارون الختان أو قطع البظور أو غرلة الذكور (حتى لا يكون هناك اختلاف بينهم وبين الآخرين والأخريات)، كأنما القهر شيء يختاره الانسان أو الفقر أو الموت، وكم قرأنا عن أن الفقراء يختارون الفقر (بسبب الكسل أو الجهل) وأن الفلسطينيين يقتلون أنفسهم و أطفالهم ليصبحوا ضحايا وينالون عطف العالم! تحت اسم ‘حرية الاختيار’ يتجاهل أوباما الضغوط الواضحة بشتى أنواعها السياسية والدينية، والقهر المفروض من قوى الأرض والسماء على المقهورين من الرجال والنساء
متعددة امتزجت وانصهرت وتطورت لتصنع انسانا أكثر ذكاءا. أوباما ممثل بارع، أبرع الممثلين هو ما لا نظن أنه يمثل، يحفظ النص عن ظهر قلب حتى نظن أن لا نص لديه، تدرب أوباما طويلا على التلقائية، حتى اكتسب ما تسمى (الكاريزما)، هذا السر وراء جاذبية الشخصية، هي تدريب وفن في آن واحد، مثل عزف الموسيقى أو الرسم أو الكتابة أو أي ابداع آخر.
هذه القدرة الابداعية على مخاطبة الجماهير لا يدركها أغلب الجماهير في مصر أو أمريكا أو غيرهما من البلاد، خاصة هؤلاء الموظفين في الحكومات وان كانوا من نخبة الأدباء أو الصحافيين، لم يبلغوا من الذكاء ما يؤهلهم لفهم هذا النوع الآخر الأذكى.
أخطر القادة السياسيين هم أكثرهم (كاريزما)، يجعلك تغني: ‘ أقتلني برفق يا حبيبي ‘، تضحي بحياتك من أجلهم دون تردد، هذه هي لعبة السياسة وسحرها الخلاب؟
أشاد أوباما في كلمته بملك السعودية، جعله مثلا عظيما على حرية الحوار بين الأديان، تحوّلت الدولة العنصرية الدينية التي تُفرخ التيارات المتطرفة سياسيا ودينيا الى مثال للديموقراطية، المشيئة العليا للامبراطورية الأمريكية تجعل الديكتاتور الموالي لها بطلا ديمقراطيا، ألم يكن صدام حسين وبن لادن في يوم من الأيام من المكافحين الأبرار من أجل الحرية؟ أشاد أوباما بذكاء نتنياهو، لم يصف أوباما واحدا من الحكام العرب بالذكاء، حتى مبارك الذي فتح له أبواب مصر وفرش شوارعها بالسجاجيد العجمي والورود، وعزف له النشيد الامبراطوري، لم يذكر أوباما اسم مبارك مرة واحدة في خطابه الطويل بقاهرة المعّز.
ألم تصفق الجماهير في ألمانيا لهتلر؟ ألم يعشق الناس في روسيا ستالين؟ ألم ينتخب الأمريكيون جورج بوش أكثر من مرة، ألم ينجح السادات في جميع الانتخابات في مصر بما لا يقل عن 95′ ؟
أشاد أوباما في كلمته بملك السعودية، جعله مثلا عظيما على حرية الحوار بين الأديان، تحوّلت الدولة العنصرية الدينية التي تُفرخ التيارات المتطرفة سياسيا ودينيا الى مثال للديموقراطية، المشيئة العليا للامبراطورية الأمريكية تجعل الديكتاتور الموالي لها بطلا ديمقراطيا، ألم يكن صدام حسين وبن لادن في يوم من الأيام من المكافحين الأبرار من أجل الحرية؟ أشاد أوباما بذكاء نتنياهو، لم يصف أوباما واحدا من الحكام العرب بالذكاء، حتى مبارك الذي فتح له أبواب مصر وفرش شوارعها بالسجاجيد العجمي والورود، وعزف له النشيد الامبراطوري، لم يذكر أوباما اسم مبارك مرة واحدة في خطابه الطويل بقاهرة المعّز.
هل أراد أوباما أن يبعد نفسه عن الحكم في مصر أم أراد أن يبعد الحكم في أمريكا عن نفسه؟ أوباما ذكي مدرّب على ركوب اللحظة الحاضرة، يعرف كيف يركب الموجة دون أن تركبه،
يتقن أوباما لغة الجسد، تبدو حركته طبيعية، يقفز سلالم الطائرة ويداه أمام صدره تقفزان معه، يشبه تلميذا لم يبلغ العشرين من العمر يسرع الى لقاء حبيبته، هذا ليس رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، هذا باراك حسين أوباما.
شهدت خطابه على الشاشة وقرأته مرتين لعلني ألتقط تغييرا ما ايجابي في السياسة الأمريكية، وجدت الكلمات الجميلة العامة العائمة، وبعض آيات مأخوذة من الكتب السماوية الثلاثة، يشبه البابا في كلمته بالأردن منذ شهور قليلة.
يجيد أوباما استخدام اسمــــه الأوسط ‘حســــين’ حــــين يخاطب المسلمين، كما يعرف متى يخفيه عن الأعين كأنما عضـــو مشوه.
تكلم أوباما عن الهولوكوست ومحرقة اليهود في ألمانيا القرن الماضي، لم يتكلم عن الهولوكست الفلسطيني والمذابح في غزة التي حدثت بالأمس، طالب أوباما الفلسطينيين بايقاف العنف ضد أطفال اسرائيل، لم يطالب اسرائيل بايقاف العنف ضد الأطفال الفلسطينيين، كل ما طلبه من اسرائيل هو ايقاف بناء مستوطنات جديدة، وماذا عن المستوطنات القديمة التي سلبت آلاف الفلسطنيين من أراضيهم وديارهم، وماذا عن المستوطنات التي تواصل اسرائيل بنائها تحت اسم ‘النمو الطبيعي للمستعمرات القديمة’
ذكر أوباما عدد اليهود الذين عذبوا القرن الماضي في ألمانيا، لم يذكر عدد الفلسطينيين الذين قتلوا وشردوا ولا يزالون يقتلون ويشردون منذ نشوء دولة اسرائيل فوق أراضيهم منذ60 عاما وحتى اليوم،
طالب أوباما الشعب الفلسطيني أن ينسى آلام الماضي وينظر الى المستقبل، كما طالب الشعب الأمريكي منذ فترة قليلة أن ينسى جرائم التعذيب التي اقترفتها حكومة جورج بوش ضد السجناء داخل أمريكا وخارجها.
تحت اسم التسامح والانسانية يتجاهل أوباما الجرائم البشعة ضد جميع القوانين والقيم الأخلاقية والدينية التي يتلوها على الناس، تحت اسم نسيان الماضي والتطلع الى المستقبل يغض أوباما النظر عن تطبيق القوانين والقيم والشرعية الدولية وقرارات الأمم الأمم المتحدة ومواثيق حقوق الانسان وحقوق النساء وغيرها، ولماذا توضع هذه القوانين الدولية والمحلية اذا لم تطبق وتنفذ؟ ما جدوى القانون اذا لم يستخدم لمحاكمة مجرمي الحرب والتعذيب والاغتصاب وعقابهم، حتى لا تكرر هذه الجرائم في المستقبل، المفروض تطبيق القانون على الجميع دون تفرقة بين الدول أو الأفراد، لكن القوة هي التي تحكم العالم وليس القانون.
أوباما يطبق القانون على ايران وليس اسرائيل، يحذر أيران من العقاب القانوني لو امتلكت أسلحة نووية، ولا يعاقب اسرائيل أو يحذرها وهي تمتلك أكبر ترسانة نووية في المنطقة كلها !، يُغطي أوباما تناقضه بآيات الله، مثل كل رجال السياسة، خلط السياسة بالدين هي اللعبة التي يجيدها رجال الحكم ونساؤهم، ألم ترتدي هيلاري كلينتون الحجاب فوق رأسها تأكيدا لفكرة تحجيب النساء، كما ارتدى أوباما الحجاب فوق عقله تأكيدا لفكرة تحجيب العقول، أخطر الساسة في التاريخ من مزجوا بين الاله فوق الأرض واله السماء.
ألم يفعل ذلك كل الحكام من الفراعنة حتى اليوم؟
ينتقل أوباما ما بين الأرض والسماء في غمضة عين، بكلمة واحدة، ينتقل برقة ولباقة ونعومة من المصالح الاقتصادية الى القيم الانسانية والأخلاقية، كأنما لا تناقض ولا تعارض، دهشت حين سمعته يقول: ليس لأمريكا مصالح في العراق، ولا تطلب شيئا من موارد العراق، نسي أوباما أن الحكومة الأمريكية مارست الضغوط على الحكومة العراقية تحت الاحتلال العسكري لتوقيع ما سُمي: قانون البترول الجديد ‘ الذي يقرر احتكار الشركات الأمريكية لبترول العراق ثلاثين سنة كاملة ! كيف نسى والعالم كله يتذكر؟ كيف يصفقون له بحرارة في القاعة بالقاهرة ؟ أليس ذلك بعض ابداع الكاريزما الخطابية؟، وكم يعشق الناس الخطابة في بلادنا والعالم أجمع، الانسان حيوان ناطق للغة أكثر من أي شيء، لا تزال الظاهرة الصوتية والحنجرية سمة العصر الذكوري السائد، في الشرق والغرب، حين تكلم أوباما عن التنمية كشف عن أهدافه الأساسية من هذه الزيارة، ليس فقط حماية مصالح اسرائيل وأمريكا السياسية والأمنية، ليس فقط تعبئة مليار مسلم لابادة التيارات المتطرفة الاسلامية، ليس فقط مد حبال الوهم للشعب الفليسطيني بعض سنوات أخرى، بل أيضا المزيد من فتح الأسواق المسلمة للبضائع الأمريكية والاسرائيلية، تحت اسم التنمية والشراكة والصداقة والتعاون أصبح الاستعمار الجديد
يحقق أهداف الاستعمار القديم دون حاجة الى السلاح العسكري، بكلمات المدح للقرآن وملك السعودية تضمن أمريكا بترول الخليج العربي، فالكلمات الجميلة لا تكلف أمريكا الا نفقات زيارة خاطفة لقلب
لعالم العربي والاسلامي: ‘ مصر العزيزة ‘، تتكفل الحكومة المصرية بنفقات الاستقبال والبوليس، 500 مليون دولار دفعتها مصر العزيزة من خزانتها الصغيرة، 10000 عسكري وضابط مصري لحماية أمن أوباما، 20 مليون دولار خسرها المصريون بسبب الأوامر الصادرة بعدم الخروج الى العمل والبقاء في البيوت دون فتح النوافذ حتى يغادر السيد أوباما مصر في أمان الله.
واذا كان أمان الله أشد من أمان البشر فلماذا كل هذه الجحافل من قوات البوليس والعربات المصفحة والهراوات تطرد الأطفال من الرؤية عن بعد فما بال الاقتراب بالجسم.
وصدرت الأوامر أيضا باغلاق المدارس والجامعات حتى مدارس الأطفال في جميع المناطق التي يزورها أوباما من جامعة القاهرة الكبرى والأهرامات العظمى وحديقة الحيوان في محافظة الجيزة الى جامعة الأزهر الشريف والقلعة المبجلة وجامع السلطان الأكبر ومقابر الموتى على طول الطريق من المطار الى قلب المدينة، والقصر الجمهوري بالقبة، وكل ما حوله من شوارع وأحياء راقية للنخبة المختارة أو عشوائيات القاهرة حيث الفقراء والعاطلين والباعة الجائلين والزبالين وسكان،
الضواحي البعيدة مثل حلوان وعين شمس والدرب الأحمر والأخضر والأسود وجبل المقطم وقاع المدينة. تعطل آلاف التلاميذ والطلاب عن الدراسة والامتحانات التي تؤدى في هذا الوقت من كل عام،
السيدة ميشيل أوباما لم ترافق زوجها الى مصر، لتلازم ابنتيهما في وشنطن، فلا تتعطلان الطفلتين العظيمتين عن أداء الامتحانات في المدرسة.
خلت شوارع القاهرة من الناس، توقفت الحياة في المدينة، الا رجال الأمن والمخابرات، والبوليس المصري والأمريكي، انتشروا في كل مكان، حوطوا جامعة القاهرة، لم يسمحوا لأحد بالاقتراب الا ثلاثة عشر من الأمريكيين حصلوا على تصريح خاص بعمل مظاهرة أمام بوابة الجامعة، يهتفون بأصوات رقيقة، يا أوباما اذهب الى غزة في زيارة يا أوباما،ظهرت صورهم في أجهزة الاعلام الكبرى باعتبارهم المعارضة في مصر الديمقراطية،
أما المعارضة المصرية الحقيقية فكانت في المنفى خارج مصر، أو نزيلة السجون أو حبيسة في البيوت ممنوعة من الخروج الى المدرسة أو العمل أو مجرد فتح النوافذ المطلة على المواكب الفرعونية. بعد أن غادرت طائرة أوباما أجواء القاهرة بثلاثين دقيقة فقط انتشر في شوارع القاهرة العمال المساكين بوجوههم الضامرة الحزينة، وأياديهم المحروقة بالشمس المشققة، انكفأوا فوق الزهور والأشجار الصناعية يخلعونها من أماكنها على جانبي الطرق والميادين، مع الصور والأعلام المرفوعة فوق أقواس النصر، بما فيها صور الاله رع و باراك مبارك أوباما
----------------
القدس العربي
التهبت أكفهم البضة الناعمة بالتصفيق الحاد، صفقوا ثلاثين مرة خلال كلمة استغرقت خمسين دقيقة، دفع الحماس بأحدهم فصاح بصوت جهوري: أحبك (آي لاف يو) توقف أوباما لحظة ليرد: أشكرك
هذه النخبة المختارة من 2500 شخص، لا تمثل 80 مليوناً أو الشعب المصري، لم ينتخبها الشعب بحرية دون تدخل البوليس، كان يحوط القاعة عشرة آلاف رجل بوليس مصري، وثلاثة آلاف رجل أمريكي من البوليس والمخابرات سي آي ايه.
يختلف أوباما كشخص عن سابقه جورج بوش، يبدو أوباما أكثر انسانية، لكن السياسة والاقتصاد والمصالح لا تعرف الانسانية، نحن نعيش في عالم واحد نظامه رأسمالي أبوي ديني، تحكمه القوة وليس العدل أو الحرية أو المبادىء العليا.
السياسة لعبة في ظل هذا النظام، يتدرب عليها الانسان: تغطية أقبح الأعمال بأجمل الكلمات، استخدام اسم الله للسيطرة على قلوب الناس، اختيار ما يناسب من الكتب المقدسة لاخفاء التناقضات وازدواجية المعايير، أن تقتل الناس وتنهب أرضهم ومواردهم ثم تعتذر لهم بالدموع في عينيك ‘دموع التماسيح ‘، لو كان أوباما امرأة لارتدى الحجاب كما فعلت وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، صفقوا لها طويلا بحماس منقطع النظير، وصفقوا أكثر لأوباما حين قال أن من حق المرأة المسلمة أن ترتدي الحجاب اذا كان ذلك اختيارها، كأنما ارتداء الحجاب شيء تختاره المرأة، كأنما ليس هناك ضغوط على النساء للتحجب (تحت اسم أمر الله) أو للتعري (تحت اسم السوق الحرة والاستهلاك)، وما رأيك يا سيد أوباما في هؤلاء الفتيات اللائي يخترن تغطية رؤوسهن (ارضاء لله) وتعرية بطونهن في الجينز الأمريكي (ارضاء للديمقراطية والحرية )، وما رأيك في البنات والأولاد الذين يختارون الختان أو قطع البظور أو غرلة الذكور (حتى لا يكون هناك اختلاف بينهم وبين الآخرين والأخريات)، كأنما القهر شيء يختاره الانسان أو الفقر أو الموت، وكم قرأنا عن أن الفقراء يختارون الفقر (بسبب الكسل أو الجهل) وأن الفلسطينيين يقتلون أنفسهم و أطفالهم ليصبحوا ضحايا وينالون عطف العالم! تحت اسم ‘حرية الاختيار’ يتجاهل أوباما الضغوط الواضحة بشتى أنواعها السياسية والدينية، والقهر المفروض من قوى الأرض والسماء على المقهورين من الرجال والنساء
متعددة امتزجت وانصهرت وتطورت لتصنع انسانا أكثر ذكاءا. أوباما ممثل بارع، أبرع الممثلين هو ما لا نظن أنه يمثل، يحفظ النص عن ظهر قلب حتى نظن أن لا نص لديه، تدرب أوباما طويلا على التلقائية، حتى اكتسب ما تسمى (الكاريزما)، هذا السر وراء جاذبية الشخصية، هي تدريب وفن في آن واحد، مثل عزف الموسيقى أو الرسم أو الكتابة أو أي ابداع آخر.
هذه القدرة الابداعية على مخاطبة الجماهير لا يدركها أغلب الجماهير في مصر أو أمريكا أو غيرهما من البلاد، خاصة هؤلاء الموظفين في الحكومات وان كانوا من نخبة الأدباء أو الصحافيين، لم يبلغوا من الذكاء ما يؤهلهم لفهم هذا النوع الآخر الأذكى.
أخطر القادة السياسيين هم أكثرهم (كاريزما)، يجعلك تغني: ‘ أقتلني برفق يا حبيبي ‘، تضحي بحياتك من أجلهم دون تردد، هذه هي لعبة السياسة وسحرها الخلاب؟
أشاد أوباما في كلمته بملك السعودية، جعله مثلا عظيما على حرية الحوار بين الأديان، تحوّلت الدولة العنصرية الدينية التي تُفرخ التيارات المتطرفة سياسيا ودينيا الى مثال للديموقراطية، المشيئة العليا للامبراطورية الأمريكية تجعل الديكتاتور الموالي لها بطلا ديمقراطيا، ألم يكن صدام حسين وبن لادن في يوم من الأيام من المكافحين الأبرار من أجل الحرية؟ أشاد أوباما بذكاء نتنياهو، لم يصف أوباما واحدا من الحكام العرب بالذكاء، حتى مبارك الذي فتح له أبواب مصر وفرش شوارعها بالسجاجيد العجمي والورود، وعزف له النشيد الامبراطوري، لم يذكر أوباما اسم مبارك مرة واحدة في خطابه الطويل بقاهرة المعّز.
ألم تصفق الجماهير في ألمانيا لهتلر؟ ألم يعشق الناس في روسيا ستالين؟ ألم ينتخب الأمريكيون جورج بوش أكثر من مرة، ألم ينجح السادات في جميع الانتخابات في مصر بما لا يقل عن 95′ ؟
أشاد أوباما في كلمته بملك السعودية، جعله مثلا عظيما على حرية الحوار بين الأديان، تحوّلت الدولة العنصرية الدينية التي تُفرخ التيارات المتطرفة سياسيا ودينيا الى مثال للديموقراطية، المشيئة العليا للامبراطورية الأمريكية تجعل الديكتاتور الموالي لها بطلا ديمقراطيا، ألم يكن صدام حسين وبن لادن في يوم من الأيام من المكافحين الأبرار من أجل الحرية؟ أشاد أوباما بذكاء نتنياهو، لم يصف أوباما واحدا من الحكام العرب بالذكاء، حتى مبارك الذي فتح له أبواب مصر وفرش شوارعها بالسجاجيد العجمي والورود، وعزف له النشيد الامبراطوري، لم يذكر أوباما اسم مبارك مرة واحدة في خطابه الطويل بقاهرة المعّز.
هل أراد أوباما أن يبعد نفسه عن الحكم في مصر أم أراد أن يبعد الحكم في أمريكا عن نفسه؟ أوباما ذكي مدرّب على ركوب اللحظة الحاضرة، يعرف كيف يركب الموجة دون أن تركبه،
يتقن أوباما لغة الجسد، تبدو حركته طبيعية، يقفز سلالم الطائرة ويداه أمام صدره تقفزان معه، يشبه تلميذا لم يبلغ العشرين من العمر يسرع الى لقاء حبيبته، هذا ليس رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، هذا باراك حسين أوباما.
شهدت خطابه على الشاشة وقرأته مرتين لعلني ألتقط تغييرا ما ايجابي في السياسة الأمريكية، وجدت الكلمات الجميلة العامة العائمة، وبعض آيات مأخوذة من الكتب السماوية الثلاثة، يشبه البابا في كلمته بالأردن منذ شهور قليلة.
يجيد أوباما استخدام اسمــــه الأوسط ‘حســــين’ حــــين يخاطب المسلمين، كما يعرف متى يخفيه عن الأعين كأنما عضـــو مشوه.
تكلم أوباما عن الهولوكوست ومحرقة اليهود في ألمانيا القرن الماضي، لم يتكلم عن الهولوكست الفلسطيني والمذابح في غزة التي حدثت بالأمس، طالب أوباما الفلسطينيين بايقاف العنف ضد أطفال اسرائيل، لم يطالب اسرائيل بايقاف العنف ضد الأطفال الفلسطينيين، كل ما طلبه من اسرائيل هو ايقاف بناء مستوطنات جديدة، وماذا عن المستوطنات القديمة التي سلبت آلاف الفلسطنيين من أراضيهم وديارهم، وماذا عن المستوطنات التي تواصل اسرائيل بنائها تحت اسم ‘النمو الطبيعي للمستعمرات القديمة’
ذكر أوباما عدد اليهود الذين عذبوا القرن الماضي في ألمانيا، لم يذكر عدد الفلسطينيين الذين قتلوا وشردوا ولا يزالون يقتلون ويشردون منذ نشوء دولة اسرائيل فوق أراضيهم منذ60 عاما وحتى اليوم،
طالب أوباما الشعب الفلسطيني أن ينسى آلام الماضي وينظر الى المستقبل، كما طالب الشعب الأمريكي منذ فترة قليلة أن ينسى جرائم التعذيب التي اقترفتها حكومة جورج بوش ضد السجناء داخل أمريكا وخارجها.
تحت اسم التسامح والانسانية يتجاهل أوباما الجرائم البشعة ضد جميع القوانين والقيم الأخلاقية والدينية التي يتلوها على الناس، تحت اسم نسيان الماضي والتطلع الى المستقبل يغض أوباما النظر عن تطبيق القوانين والقيم والشرعية الدولية وقرارات الأمم الأمم المتحدة ومواثيق حقوق الانسان وحقوق النساء وغيرها، ولماذا توضع هذه القوانين الدولية والمحلية اذا لم تطبق وتنفذ؟ ما جدوى القانون اذا لم يستخدم لمحاكمة مجرمي الحرب والتعذيب والاغتصاب وعقابهم، حتى لا تكرر هذه الجرائم في المستقبل، المفروض تطبيق القانون على الجميع دون تفرقة بين الدول أو الأفراد، لكن القوة هي التي تحكم العالم وليس القانون.
أوباما يطبق القانون على ايران وليس اسرائيل، يحذر أيران من العقاب القانوني لو امتلكت أسلحة نووية، ولا يعاقب اسرائيل أو يحذرها وهي تمتلك أكبر ترسانة نووية في المنطقة كلها !، يُغطي أوباما تناقضه بآيات الله، مثل كل رجال السياسة، خلط السياسة بالدين هي اللعبة التي يجيدها رجال الحكم ونساؤهم، ألم ترتدي هيلاري كلينتون الحجاب فوق رأسها تأكيدا لفكرة تحجيب النساء، كما ارتدى أوباما الحجاب فوق عقله تأكيدا لفكرة تحجيب العقول، أخطر الساسة في التاريخ من مزجوا بين الاله فوق الأرض واله السماء.
ألم يفعل ذلك كل الحكام من الفراعنة حتى اليوم؟
ينتقل أوباما ما بين الأرض والسماء في غمضة عين، بكلمة واحدة، ينتقل برقة ولباقة ونعومة من المصالح الاقتصادية الى القيم الانسانية والأخلاقية، كأنما لا تناقض ولا تعارض، دهشت حين سمعته يقول: ليس لأمريكا مصالح في العراق، ولا تطلب شيئا من موارد العراق، نسي أوباما أن الحكومة الأمريكية مارست الضغوط على الحكومة العراقية تحت الاحتلال العسكري لتوقيع ما سُمي: قانون البترول الجديد ‘ الذي يقرر احتكار الشركات الأمريكية لبترول العراق ثلاثين سنة كاملة ! كيف نسى والعالم كله يتذكر؟ كيف يصفقون له بحرارة في القاعة بالقاهرة ؟ أليس ذلك بعض ابداع الكاريزما الخطابية؟، وكم يعشق الناس الخطابة في بلادنا والعالم أجمع، الانسان حيوان ناطق للغة أكثر من أي شيء، لا تزال الظاهرة الصوتية والحنجرية سمة العصر الذكوري السائد، في الشرق والغرب، حين تكلم أوباما عن التنمية كشف عن أهدافه الأساسية من هذه الزيارة، ليس فقط حماية مصالح اسرائيل وأمريكا السياسية والأمنية، ليس فقط تعبئة مليار مسلم لابادة التيارات المتطرفة الاسلامية، ليس فقط مد حبال الوهم للشعب الفليسطيني بعض سنوات أخرى، بل أيضا المزيد من فتح الأسواق المسلمة للبضائع الأمريكية والاسرائيلية، تحت اسم التنمية والشراكة والصداقة والتعاون أصبح الاستعمار الجديد
يحقق أهداف الاستعمار القديم دون حاجة الى السلاح العسكري، بكلمات المدح للقرآن وملك السعودية تضمن أمريكا بترول الخليج العربي، فالكلمات الجميلة لا تكلف أمريكا الا نفقات زيارة خاطفة لقلب
لعالم العربي والاسلامي: ‘ مصر العزيزة ‘، تتكفل الحكومة المصرية بنفقات الاستقبال والبوليس، 500 مليون دولار دفعتها مصر العزيزة من خزانتها الصغيرة، 10000 عسكري وضابط مصري لحماية أمن أوباما، 20 مليون دولار خسرها المصريون بسبب الأوامر الصادرة بعدم الخروج الى العمل والبقاء في البيوت دون فتح النوافذ حتى يغادر السيد أوباما مصر في أمان الله.
واذا كان أمان الله أشد من أمان البشر فلماذا كل هذه الجحافل من قوات البوليس والعربات المصفحة والهراوات تطرد الأطفال من الرؤية عن بعد فما بال الاقتراب بالجسم.
وصدرت الأوامر أيضا باغلاق المدارس والجامعات حتى مدارس الأطفال في جميع المناطق التي يزورها أوباما من جامعة القاهرة الكبرى والأهرامات العظمى وحديقة الحيوان في محافظة الجيزة الى جامعة الأزهر الشريف والقلعة المبجلة وجامع السلطان الأكبر ومقابر الموتى على طول الطريق من المطار الى قلب المدينة، والقصر الجمهوري بالقبة، وكل ما حوله من شوارع وأحياء راقية للنخبة المختارة أو عشوائيات القاهرة حيث الفقراء والعاطلين والباعة الجائلين والزبالين وسكان،
الضواحي البعيدة مثل حلوان وعين شمس والدرب الأحمر والأخضر والأسود وجبل المقطم وقاع المدينة. تعطل آلاف التلاميذ والطلاب عن الدراسة والامتحانات التي تؤدى في هذا الوقت من كل عام،
السيدة ميشيل أوباما لم ترافق زوجها الى مصر، لتلازم ابنتيهما في وشنطن، فلا تتعطلان الطفلتين العظيمتين عن أداء الامتحانات في المدرسة.
خلت شوارع القاهرة من الناس، توقفت الحياة في المدينة، الا رجال الأمن والمخابرات، والبوليس المصري والأمريكي، انتشروا في كل مكان، حوطوا جامعة القاهرة، لم يسمحوا لأحد بالاقتراب الا ثلاثة عشر من الأمريكيين حصلوا على تصريح خاص بعمل مظاهرة أمام بوابة الجامعة، يهتفون بأصوات رقيقة، يا أوباما اذهب الى غزة في زيارة يا أوباما،ظهرت صورهم في أجهزة الاعلام الكبرى باعتبارهم المعارضة في مصر الديمقراطية،
أما المعارضة المصرية الحقيقية فكانت في المنفى خارج مصر، أو نزيلة السجون أو حبيسة في البيوت ممنوعة من الخروج الى المدرسة أو العمل أو مجرد فتح النوافذ المطلة على المواكب الفرعونية. بعد أن غادرت طائرة أوباما أجواء القاهرة بثلاثين دقيقة فقط انتشر في شوارع القاهرة العمال المساكين بوجوههم الضامرة الحزينة، وأياديهم المحروقة بالشمس المشققة، انكفأوا فوق الزهور والأشجار الصناعية يخلعونها من أماكنها على جانبي الطرق والميادين، مع الصور والأعلام المرفوعة فوق أقواس النصر، بما فيها صور الاله رع و باراك مبارك أوباما
----------------
القدس العربي