أولاً: يحتفظ الأميركيون بقواعدهم في منطقة الخليج العربي، في دول مثل الكويت والبحرين وقطر والإمارات. وهم يوسعون قاعدة «موفق السلطي» الجوية في الأردن. وفي الوقت نفسه، تواصل البحرية الأميركية عملها في الخليج العربي وبالقرب من شبه الجزيرة العربية. ويتغير العدد الدقيق من يوم إلى آخر مع تناوب الوحدات العسكرية، ولكن في يونيو (حزيران) الماضي، كان هناك نحو 40 ألف جندي أميركي في منطقتي المشرق والخليج. وقد ذكر وزير الدفاع لويد أوستن في مؤتمر المنامة الأمني في نوفمبر بأن الولايات المتحدة «تمتلك قوة قتالية حقيقية في المنطقة، كما أننا سنحافظ عليها».
وقد بحث آخر ثلاثة رؤساء للولايات المتحدة الحرب في العراق وأفغانستان، وهم حذرون من شن حرب برية جديدة في غرب آسيا. ولا شك أن الحذر بشأن شن حرب جديدة ليس نفس ما قد يعنيه الأمر بخصوص الدفاع أو الانسحاب.
ثانيا، لم يسحب ترمب ولا بايدن كل القوات الأميركية من سوريا أو العراق. في الواقع، عدد الجنود لم يتغير منذ حوالي سنتين، ولن يتغير كثيراً خلال السنوات القليلة القادمة. لقد وعد الأميركيون بعدم القيام بمهام قتالية أحادية الجانب في العراق، وهذا أمر جديد. ومهمتهم الآن معنية بتحسين قدرة قوات مكافحة الإرهاب العراقية. وفي سوريا، يبقى الأميركيون بحاجة لبناء قوة قوات سوريا الديمقراطية لمكافحة «داعش». وبعد 5 سنوات من استعادة الموصل من «داعش»، وبعد 3 سنوات من استعادة الباغوز في شرق سوريا، لا يزال تنظيم «داعش» يمثل مشكلة قائمة. ومن المعقول القول بأن الجنود الأميركيين يستطيعون حل مشكلة «داعش» بشكل حاسم، لكن على أي حال، فإن القوات الأميركية لن تغادر سوريا والعراق في المستقبل القريب.
على نحو مماثل، فإن قرار واشنطن بإزالة بعض أنظمة «باتريوت» المضادة للصواريخ من السعودية في الصيف الماضي ليس دليلاً على خيار الولايات المتحدة بسحب جميع قواتها. أولاً، صواريخ «باتريوت» ليست مصممة لمنع الهجمات بالطائرات المسيّرة. ثانياً، الجيش السعودي أكثر قدرة على الدفاع ضد هجمات الطائرات المسيّرة والصواريخ، كما تبين من هجمات سبتمبر (أيلول) الماضي ثم في الشهر الماضي. ثالثاً، رغم الانتقادات التي وجهها الخصوم السياسيون في واشنطن، ضغط الرئيس بايدن والوزير أوستن الشهر الماضي على الكونغرس للموافقة على بيع صواريخ قادرة على اعتراض الطائرات المسيّرة إلى القوات الجوية السعودية. وكان أوستن قد أكد في خطابه في البحرين في نوفمبر أن الأميركيين يريدون تقاسم المسؤولية عن دفاع المنطقة مع دول المنطقة. وكان ذلك مثالاً شبيهاً بالمساعدة الأميركية لوحدات مكافحة الإرهاب العراقية و«قوات سوريا الديمقراطية».
ماذا عن المستقبل؟ جلبت إدارة بايدن الشهر الماضي إيلان غولدنبرغ كأحد كبار صنّاع السياسات إلى وزارة الدفاع. وكان غولدنبرغ محللاً سابقاً في مركز أبحاث بواشنطن على صلة بالحزب الديمقراطي. وفي وقت سابق من 2020 ساعد في صياغة مجموعة من التوصيات التي حثت إدارة بايدن على: (1) التركيز على مهمة مكافحة الإرهاب في المنطقة، وليس على حرب برية جديدة مثل عام 1991 أو 2003؛ (2) تقليل حجم القواعد الأميركية الكبيرة في الخليج، ونقل بعض القوات الأميركية إلى مواقع أخرى في المنطقة أبعد من مدى الصواريخ الإيرانية؛ (3) التفاوض مع الشركاء لضمان وصول الأميركيين إلى الموانئ والمطارات لإرسال المزيد من القوات الأميركية إلى المنطقة في الحالات الطارئة.
وجدير بالذكر أن أوستن قال في نوفمبر إن الأميركيين يستطيعون - إذا لزم الأمر - نقل المزيد من القوات القتالية إلى المنطقة «لأن هذا هو ما تفعله القوى العالمية».
ومما لا شك فيه أن الأحداث الجارية في آسيا وأوروبا وإيران سوف تؤثر على الموقف العسكري الأميركي في الشرق الأوسط في المستقبل.
هل تتمكن الصين وروسيا من فرض المزيد من النفوذ على المنطقة؟ بالطبع. من كان يعتقد أن روسيا سوف تظل في حالة من الفوضى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1990؟ والصين لديها أكبر عدد سكان في العالم واقتصاد ضخم. فبصرف النظر عن مشاكلها السياسية العديدة، لم تعد الولايات المتحدة تشكل القوة العظمى المنفردة. لكن أي زعيم أجنبي يتوقع أن تتخلى الطبقة السياسية الأميركية عن الشرق الأوسط فإنه لا يفهم السياسة الأميركية الداخلية أو سياسة بايدن الساعية إلى تقاسم المسؤولية بشأن الاستقرار في المنطقة مع شركاء الولايات المتحدة.
--------------
الشرق الأوسط