قبل أيام حين عثر فريق بحث بريطاني على جثة الصحافي كوليت في قاعدة عسكرية سابقة لحركة فتح المجلس الثوري التابعة لـ"أبو نضال"، في منطقة عيتا الفخار في البقاع الغربي، فحوص الحمض النووي التي أجريت على الجثة أكدت تطابقها مع مواصفات الحمض النووي للصحافي كوليت. ولكن بالقرب من مدفن جثة كوليت وجد الباحثون قبراً لجثة أخرى لشاب في سن الثالثة والعشرين ، بقيت مدفونة في حفرتها وبالقرب منها أكثر من 16 حفرة توحي وكأنها قبور.
بعيداً حوالي الخمسين متراً عن الزنزانة، تقبع حفر حديثة، في واحدة منها كان مدفن كوليت، وبعيداً منه مدفن لشاب في الثالثة والعشرين من العمر، وجدته بعثة البحث البريطانية بثياب عسكرية وملفوفاً ببطانية، بعثة البحث أعادت دفنه في الحفرة نفسها التي وجدته فيها، فيما لم يقم أحد بفحص الحمض النووي لمعرفة صاحبها وظروف اختفائه ومقتله.
في المكان المشرف على السجن أيضاً يظهر عدد كبير من الحفر القديمة، عددها أكثر من 16 حفرة مبعثرة في المكان كأنها قبور مغلقة، وتنتظر تحركاً رسمياً لوضع حدّ لتساؤلات المواطنين الذي يرفضون التحدث إلى وسائل الإعلام خوفاً من التغيرات التي تطرأ على المنطقة، فحتى العام 1969 كانت المنطقة تحت سيطرة الجيش اللبناني بسبب وقوعها عند الحدود مع سوريا، وبعد ذلك جاء الوجود الفلسطيني، واحتلال "المجلس الثوري" الموقع منذ العام 1969 وصولاً إلى الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، حيث شهدت المنطقة معركة بيادر العدس - السلطان يعقوب واختفى فيها ثلاثة جنود إسرائيليين، لم تظهر أي معلومات عنهم حتى هذا الوقت. وبعد العام 1988، وما تلا إعدام كوليت من ضغوط تعرضت لها الدولة السورية من دول العالم، اضطرتها إلى إغلاق مراكز جماعة "أبو نضال" في منطقة البقاع، وتسلمت إدارتها أو سلمتها لحركة فتح الانتفاضة "أبو موسى".
في الزنزانة المعتمة والتي ينخفض سقفها عن بقية غرف الموقع العسكري، قضى الصحافي البريطاني كوليت أيامه الأخيرة قبل إعدامه من قبل فتح المجلس الثوري، عملية الإعدام ربطت يومها بعملية القصف الأميركي على موقع رئاسي في ليبيا أدى إلى مقتل ابنة الرئيس الليبي معمر القذافي.
كوليت الذي كان يعمل في تلك المرحلة مع الأمم المتحدة في متابعة ملفات المخيمات الفلسطينية في لبنان، تم خطفه ليعدم بعد فترة ويظهر في شريط فيديو يصور عملية القتل وينهي حياة الرجل الذي جرت تصفيته عام 1986 بعد نحو عام من خطفه في 25 آذار 1985 بينما كان عائداً من مخيم برج البراجنة في مهمة لـ"الأونروا"، وقد تبنت خطفه في حينها حركة فتح - المجلس الثوري التابعة لـ"أبو نضال".
زنزانة موقع جماعة "أبو نضال"، هي جزء من منطقة عسكرية كانت مغلقة وممنوعة على أهالي المنطقة والمدنيين، جدرانها فيها عدة ثقوب كأنها رصاص يوحي وكأن إحدى عمليات الإعدام تمت بداخلها، والنوافذ الصغيرة فيها لا يمكن منها إلا رؤية منطقة خلة الزيتي في خراج بلدة عيتا الفخار في قضاء راشيا، وهي منطقة صخرية عند أسفل الطريق المؤدية إلى مزار القديس جاورجيوس أعلى الجبل.
الأهالي يروون أن عناصر "المجلس الثوري" كانوا يقومون بعمليات إعدام للعناصر التي يشتبهون بعلاقتهم مع منظمات فلسطينية ثانية أو بعلاقتهم مع أجهزة مخابرات عربية أو دولية،أو مع العدو الإسرائيلي، حيث اختفى المئات من أعضاء التنظيم، ويقال إن خلافات داخلية كانت السبب الرئيسي لعمليات القتل التي سمت هذا التنظيم الأمني والسري، غاب الكثيرون من أعضاء "المجلس الثوري" من جنسيات عربية مختلفة، لبنانيين وعراقيين وفلسطينيين وسوريين، اختفوا منذ أعوام طويلة ولم يظهر منهم أحد.
الحفر المنتشرة بكثرة في المكان لا يمكن المرور بجانبها من دون الانتباه لها، ففي وسطها ينبت العشب بكثافة، وبعضها متقارب وبعضها الآخر بعيد جداً، فيما ترك الوفد البريطاني رايتين صغيرتين باللون الأحمر على قبر كوليت والقبر الآخر الذي تمت إعادة ردمه.
هل يمكن اعتبار هذه الحفر قبورا أخرى، أو هل يحتوي الموقع على مدافن لأشخاص اختفوا في الحرب، يعني هل يمكن القول إن مقبرة جماعية يحويها المكان ويمكن أن تكشف عن قصص كثيرة وحياة ناس ضاعت في غياهب الزنازين والحروب والاختطاف والموت وجدت طريقها للظهور، والإعلان عن مكانها؟. قصة اختفاء الصحافي البريطاني كوليت كُشفت من خلال خرائط كانت مع فرقة البحث البريطانية، خرائط دقيقة لم يكن بحاجة "الفريق للبحث طويلاً ليجد الجثة التي أتى يبحث عنها. ولكن في لبنان قصص اختفاء كثيرة، آلاف منها لم يجد حتى الآن سبيلاً إلى الظهور.
في العام 2003 وقبل دخول الجيش الأميركي إلى بغداد، دخلت مجموعة مسلحة وقتلت "أبو نضال" في بيته في العاصمة العراقية، مات الرجل واختفت معه قصص كثيرة عن مآسي الحرب اللبنانية، وغيرها من القصص.
قصة موت معلن للصحافي كوليت الذي كان يعمل مع الأمم المتحدة واختطف منذ 23 عاماً ومن ثم سيدفن أيضا في احتفال معلن أيضاً وبتكريم من الأمم المتحدة ومن دولة صاحبة العرش، فيما أعيد دفن الشاب الآخر في خلة الزيتي في عيتا الفخار القرية المختلطة مسيحياً وإسلامياً، لتظل هويته مجهولة كما سر موته غير المعلن. مقبرة جماعية في الحفر التي تظهر بوضوح، أم أرض غير مستوية، أمر يستدعي تحركاً قضائياً لبنانياً لتوضيح حقائق ما كان يجري هناك، في تلك الأرض الجرداء التي لا تزال إلى اليوم من دون ناسها أصحابها الذين منعوا من دخولها لأعوام طويلة، بسبب الحرب، كأنهم حرموا منها الآن بسبب قصص الخوف منها.
-------------------------
المستقبل
بعيداً حوالي الخمسين متراً عن الزنزانة، تقبع حفر حديثة، في واحدة منها كان مدفن كوليت، وبعيداً منه مدفن لشاب في الثالثة والعشرين من العمر، وجدته بعثة البحث البريطانية بثياب عسكرية وملفوفاً ببطانية، بعثة البحث أعادت دفنه في الحفرة نفسها التي وجدته فيها، فيما لم يقم أحد بفحص الحمض النووي لمعرفة صاحبها وظروف اختفائه ومقتله.
في المكان المشرف على السجن أيضاً يظهر عدد كبير من الحفر القديمة، عددها أكثر من 16 حفرة مبعثرة في المكان كأنها قبور مغلقة، وتنتظر تحركاً رسمياً لوضع حدّ لتساؤلات المواطنين الذي يرفضون التحدث إلى وسائل الإعلام خوفاً من التغيرات التي تطرأ على المنطقة، فحتى العام 1969 كانت المنطقة تحت سيطرة الجيش اللبناني بسبب وقوعها عند الحدود مع سوريا، وبعد ذلك جاء الوجود الفلسطيني، واحتلال "المجلس الثوري" الموقع منذ العام 1969 وصولاً إلى الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، حيث شهدت المنطقة معركة بيادر العدس - السلطان يعقوب واختفى فيها ثلاثة جنود إسرائيليين، لم تظهر أي معلومات عنهم حتى هذا الوقت. وبعد العام 1988، وما تلا إعدام كوليت من ضغوط تعرضت لها الدولة السورية من دول العالم، اضطرتها إلى إغلاق مراكز جماعة "أبو نضال" في منطقة البقاع، وتسلمت إدارتها أو سلمتها لحركة فتح الانتفاضة "أبو موسى".
في الزنزانة المعتمة والتي ينخفض سقفها عن بقية غرف الموقع العسكري، قضى الصحافي البريطاني كوليت أيامه الأخيرة قبل إعدامه من قبل فتح المجلس الثوري، عملية الإعدام ربطت يومها بعملية القصف الأميركي على موقع رئاسي في ليبيا أدى إلى مقتل ابنة الرئيس الليبي معمر القذافي.
كوليت الذي كان يعمل في تلك المرحلة مع الأمم المتحدة في متابعة ملفات المخيمات الفلسطينية في لبنان، تم خطفه ليعدم بعد فترة ويظهر في شريط فيديو يصور عملية القتل وينهي حياة الرجل الذي جرت تصفيته عام 1986 بعد نحو عام من خطفه في 25 آذار 1985 بينما كان عائداً من مخيم برج البراجنة في مهمة لـ"الأونروا"، وقد تبنت خطفه في حينها حركة فتح - المجلس الثوري التابعة لـ"أبو نضال".
زنزانة موقع جماعة "أبو نضال"، هي جزء من منطقة عسكرية كانت مغلقة وممنوعة على أهالي المنطقة والمدنيين، جدرانها فيها عدة ثقوب كأنها رصاص يوحي وكأن إحدى عمليات الإعدام تمت بداخلها، والنوافذ الصغيرة فيها لا يمكن منها إلا رؤية منطقة خلة الزيتي في خراج بلدة عيتا الفخار في قضاء راشيا، وهي منطقة صخرية عند أسفل الطريق المؤدية إلى مزار القديس جاورجيوس أعلى الجبل.
الأهالي يروون أن عناصر "المجلس الثوري" كانوا يقومون بعمليات إعدام للعناصر التي يشتبهون بعلاقتهم مع منظمات فلسطينية ثانية أو بعلاقتهم مع أجهزة مخابرات عربية أو دولية،أو مع العدو الإسرائيلي، حيث اختفى المئات من أعضاء التنظيم، ويقال إن خلافات داخلية كانت السبب الرئيسي لعمليات القتل التي سمت هذا التنظيم الأمني والسري، غاب الكثيرون من أعضاء "المجلس الثوري" من جنسيات عربية مختلفة، لبنانيين وعراقيين وفلسطينيين وسوريين، اختفوا منذ أعوام طويلة ولم يظهر منهم أحد.
الحفر المنتشرة بكثرة في المكان لا يمكن المرور بجانبها من دون الانتباه لها، ففي وسطها ينبت العشب بكثافة، وبعضها متقارب وبعضها الآخر بعيد جداً، فيما ترك الوفد البريطاني رايتين صغيرتين باللون الأحمر على قبر كوليت والقبر الآخر الذي تمت إعادة ردمه.
هل يمكن اعتبار هذه الحفر قبورا أخرى، أو هل يحتوي الموقع على مدافن لأشخاص اختفوا في الحرب، يعني هل يمكن القول إن مقبرة جماعية يحويها المكان ويمكن أن تكشف عن قصص كثيرة وحياة ناس ضاعت في غياهب الزنازين والحروب والاختطاف والموت وجدت طريقها للظهور، والإعلان عن مكانها؟. قصة اختفاء الصحافي البريطاني كوليت كُشفت من خلال خرائط كانت مع فرقة البحث البريطانية، خرائط دقيقة لم يكن بحاجة "الفريق للبحث طويلاً ليجد الجثة التي أتى يبحث عنها. ولكن في لبنان قصص اختفاء كثيرة، آلاف منها لم يجد حتى الآن سبيلاً إلى الظهور.
في العام 2003 وقبل دخول الجيش الأميركي إلى بغداد، دخلت مجموعة مسلحة وقتلت "أبو نضال" في بيته في العاصمة العراقية، مات الرجل واختفت معه قصص كثيرة عن مآسي الحرب اللبنانية، وغيرها من القصص.
قصة موت معلن للصحافي كوليت الذي كان يعمل مع الأمم المتحدة واختطف منذ 23 عاماً ومن ثم سيدفن أيضا في احتفال معلن أيضاً وبتكريم من الأمم المتحدة ومن دولة صاحبة العرش، فيما أعيد دفن الشاب الآخر في خلة الزيتي في عيتا الفخار القرية المختلطة مسيحياً وإسلامياً، لتظل هويته مجهولة كما سر موته غير المعلن. مقبرة جماعية في الحفر التي تظهر بوضوح، أم أرض غير مستوية، أمر يستدعي تحركاً قضائياً لبنانياً لتوضيح حقائق ما كان يجري هناك، في تلك الأرض الجرداء التي لا تزال إلى اليوم من دون ناسها أصحابها الذين منعوا من دخولها لأعوام طويلة، بسبب الحرب، كأنهم حرموا منها الآن بسبب قصص الخوف منها.
-------------------------
المستقبل