لا تكف النخب المصرية عن استخدام الأسماء الأجنبية والمصطلحات المعقدة في مقالاتهم ومؤلفاتهم. يتباهون بكثرة الاطلاع والتعقيد والغموض. لا يدركون أن الفكرة الأصيلة المبدعة سهلة الفهم والإدراك، بديهية، لأنها تنبع من العقل المبدع المتجدد والواقع المعيش. تتناقض هذه النخب في تحليلها ثورة يناير ٢٠١١ أو أي حركة شعبية، ومنها حركة تحرير المرأة المصرية. يرجع ذلك إلى أسباب متعددة، منها تخلف التعليم الجامعي كجزء من التخلف العام، وخضوعهم للفكر الطبقي الأبوي (الذكوري) في الدولة والأسرة، والفصل بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، وبين العلم والفن، والاعتماد على التخصصات الأكاديمية الجافة، وفقدان النظرة الكلية للإنسان والكون والفرد والمجتمع، والاعتماد على المناهج الأجنبية في التعليم والثقافة والأدب بمثل الاعتماد على القروض والمعونات الخارجية في الاقتصاد والتنمية، كما تلعب القيود السياسية والدينية المفروضة دوراً في مصادرة التفكير الحر والإبداع. وتميل هذه النخب إلى البعد من مخاطر المشاركة في الحركة الشعبية في الشارع، وتعتمد في تحليلاتها على النقل من الكتب. ويدور حوار طويل بين النخب حول أسئلة مثل: لماذا لم يعمل «المجلس العسكري» لصالح الثورة؟ كأنما لم يكن هذا المجلس جزءاً من النظام القديم، وجاء بقرار من حسني مبارك نفسه، أو كأنه لا يحصل كل عام على أكثر من بليون دولار أميركي من بؤرة الاستعمار في واشنطن؟ ويرى بعض النخب البارزة في مصر أن «المجلس العسكري» لم يكن مسؤولاً عن تحقيق مبادئ الثورة، وكان دوره قاصراً على وضع القواعد القانونية والدستورية في المرحلة الانتقالية التي ستقود في ما بعد لتحقيق مبادئ الثورة. يتجاهلون أن مراحل الثورة حلقات متصلة، وبالتالي تشمل المرحلة الانتقالية، وأن تحقيق مبادئ الثورة غير منفصل عن القواعد القانونية والدستورية التي تقود لتحقيق أهدافها.
ويقول بعضهم إن الشعب المصري عجز عن انتخاب ممثلي الثورة من خلال القواعد القانونية والدستورية العادلة التي وضعها «المجلس العسكري»، وهنا يتجاهلون أن هذه القواعد لم تكن عادلة، بل العكس هو الصحيح، إذ بعد ثلاثة أيام فقط من سقوط مبارك، أعلن «المجلس العسكري» تشكيل لجنة طارق البشري (غالبيتها من الإخوان المسلمين) التي فتحت الباب لإجهاض الثورة، بإجراء الانتخابات قبل وضع الدستور الجديد، ما أنتج برلماناً هزلياً تم حله بالضرورة، ومجلس شورى صدر الحكم ببطلانه بالقانون، ورئيس للدولة لم تكف التظاهرات الشعبية ضده، وتم تجميع ملايين التوقيعات لسحب الثقة منه في ٣٠ الجاري. شاركت النخب السياسية (مدنية ودينية ومعارضة وحكومة) في إجهاض الثورة بتعبئة الجماهير للذهاب إلى انتخابات غير صحيحة، قالوا عنها «عرس الديموقراطية». أصبح الإيمان بالصندوق عندهم كالإيمان بالله، رغم أنه كان واضحاً منذ البداية أن «المجلس العسكري»، و «الإخوان المسلمين» وحكومة أوباما، خططوا لهذه الانتخابات لتمكين «الإخوان» من الحكم. تضلل هذه النخب الرأي العام بإرجاع فشل الثورة إلى خيبة الثوار وضعف الشعب المصري المستعبد ثلاثين عاماً تحت حكم مبارك.
يتجاهلون أن هذا الشعب المستعبد استطاع بثورته العارمة أن يخلع مبارك في ١٨ يوماً فقط، وكان يمكن أن يسقط جسد النظام بعد سقوط رأسه، لولا تآمر القوى الخارجية الاستعمارية مع «المجلس العسكري»، و «الإخوان المسلمين» لسحق الثورة والثوار، وإعادة مصر إلى عصور الظلام والحروب الدينية. ولا تكف هذه النخب أيضاً عن الدفاع عن حقوق المرأة، ويقولون إنه منذ قاسم أمين لم يظهر أحد، وأننا في انتظار قاسم أمين آخر لينقذ المرأة من الردة، ثم يناقضون أنفسهم ويقولون لا بد أن تعلن النساء العصيان والتمرد، فلن يحرر المرأة إلا المرأة، ثم يصفون النساء المتمردات الثائرات بالاسترجال وعدم الأنوثة، ويتم إقصاؤهن وإبعادهن عن مراكز القرار. هذا التناقض يكشف محاولة استخدامهم قضية المرأة، مثل استخدامهم قضية الفقر أو العمال والفلاحين، لتحقيق مطامعهم في الحكم والثروة. لا تحترم هذه النخب إلا جهود الرجال وبعضَ النساء، مثل حرم الرئيس ومن يعينهن من الوزيرات أو المساعدات أو رئيسات المجالس القومية للمرأة، وتتجاهل النساء المناضلات اللائي تعرضن للموت أثناء الثورة ودخلن السجون وتحملن الاضطهاد من أجل تحرير النساء.
كان يمكن الثورة المصرية أن تسير قدماً نحو تحقيق أهدافها (الحرية، العدالة، الكرامة) لولا وجود هذه النخب وجذورها الراسخة في التربة المصرية. ولا يمكن الخلاص من هذه النخب إلا بثورة ثقافية وتعليمية وتربوية وأخلاقية تصاحب الثورات السياسية والاقتصادية وتفرز نخبة جديدة.
ويقول بعضهم إن الشعب المصري عجز عن انتخاب ممثلي الثورة من خلال القواعد القانونية والدستورية العادلة التي وضعها «المجلس العسكري»، وهنا يتجاهلون أن هذه القواعد لم تكن عادلة، بل العكس هو الصحيح، إذ بعد ثلاثة أيام فقط من سقوط مبارك، أعلن «المجلس العسكري» تشكيل لجنة طارق البشري (غالبيتها من الإخوان المسلمين) التي فتحت الباب لإجهاض الثورة، بإجراء الانتخابات قبل وضع الدستور الجديد، ما أنتج برلماناً هزلياً تم حله بالضرورة، ومجلس شورى صدر الحكم ببطلانه بالقانون، ورئيس للدولة لم تكف التظاهرات الشعبية ضده، وتم تجميع ملايين التوقيعات لسحب الثقة منه في ٣٠ الجاري. شاركت النخب السياسية (مدنية ودينية ومعارضة وحكومة) في إجهاض الثورة بتعبئة الجماهير للذهاب إلى انتخابات غير صحيحة، قالوا عنها «عرس الديموقراطية». أصبح الإيمان بالصندوق عندهم كالإيمان بالله، رغم أنه كان واضحاً منذ البداية أن «المجلس العسكري»، و «الإخوان المسلمين» وحكومة أوباما، خططوا لهذه الانتخابات لتمكين «الإخوان» من الحكم. تضلل هذه النخب الرأي العام بإرجاع فشل الثورة إلى خيبة الثوار وضعف الشعب المصري المستعبد ثلاثين عاماً تحت حكم مبارك.
يتجاهلون أن هذا الشعب المستعبد استطاع بثورته العارمة أن يخلع مبارك في ١٨ يوماً فقط، وكان يمكن أن يسقط جسد النظام بعد سقوط رأسه، لولا تآمر القوى الخارجية الاستعمارية مع «المجلس العسكري»، و «الإخوان المسلمين» لسحق الثورة والثوار، وإعادة مصر إلى عصور الظلام والحروب الدينية. ولا تكف هذه النخب أيضاً عن الدفاع عن حقوق المرأة، ويقولون إنه منذ قاسم أمين لم يظهر أحد، وأننا في انتظار قاسم أمين آخر لينقذ المرأة من الردة، ثم يناقضون أنفسهم ويقولون لا بد أن تعلن النساء العصيان والتمرد، فلن يحرر المرأة إلا المرأة، ثم يصفون النساء المتمردات الثائرات بالاسترجال وعدم الأنوثة، ويتم إقصاؤهن وإبعادهن عن مراكز القرار. هذا التناقض يكشف محاولة استخدامهم قضية المرأة، مثل استخدامهم قضية الفقر أو العمال والفلاحين، لتحقيق مطامعهم في الحكم والثروة. لا تحترم هذه النخب إلا جهود الرجال وبعضَ النساء، مثل حرم الرئيس ومن يعينهن من الوزيرات أو المساعدات أو رئيسات المجالس القومية للمرأة، وتتجاهل النساء المناضلات اللائي تعرضن للموت أثناء الثورة ودخلن السجون وتحملن الاضطهاد من أجل تحرير النساء.
كان يمكن الثورة المصرية أن تسير قدماً نحو تحقيق أهدافها (الحرية، العدالة، الكرامة) لولا وجود هذه النخب وجذورها الراسخة في التربة المصرية. ولا يمكن الخلاص من هذه النخب إلا بثورة ثقافية وتعليمية وتربوية وأخلاقية تصاحب الثورات السياسية والاقتصادية وتفرز نخبة جديدة.