نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


المقاتل «علي»




هذه العبارة هي عنوان طرفة يعرفها معظم السوريين واللبنانيين الذين عاصروا دخول الجيش السوري إلى لبنان في السبعينات من القرن الماضي، مفادها أن صحافية لبنانية أرادت إجراء حوار صحافي مع جندي سوري من الطائفة العلوية من لواء الوحدات الخاصة، الذي كان موجوداً في لبنان آنذاك، والمعروف عن أفراده أميتهم، وجهلهم، وولاؤهم الشديد للنظام السوري، فسألته: ما اسمك؟ أجابها: المقاتل علي، سألته: يا مقاتل علي، إذا جاءك العدو من أمامك فماذا تفعل؟ أجابها - بالتشديد على حرف القاف التي يتميز بها أهل الطائفة العلوية - والله بقوصُه، فسألته: إذا جاء من يمينك؟ أجاب: والله بقوصه، فسألته: إذا جاء من شمالك؟ أجاب: والله بقوصه، فسألته: إذا جاء من خلفك؟ فقال لها باللهجة العلوية: «قرد ولو، أبقا في غير المقاتل علي بالساحة؟


اسم العلويين أطلقه، للمرة الأولى، المحتلون الفرنسيون لسورية عام 1920، ومنحوهم دولة أطلق عليها دولة العلويين، ونصبوا السلطة الدينية في تلك الدولة لسليمان الأحمد؛ وجاء بعده سليمان المرشد، الذي ادعى الربوبية، هو وابناه من بعده، مجيب ومغيث، ومقابل منح الفرنسيين الطائفة العلوية دولتهم المزعومة كان لا بد أن يقدم زعماء هذه الطائفة تنازلات، تعدّ خيانة للوطن، فقد أرسل الجنرال غورو الذي قاد جيش الاحتلال الفرنسي برقية إلى رئيس وزراء فرنسا، نصها: «أفيدكم بهذا الصدد أن العلويين قد ساعدوني كثيراً في قمع الفتنة التي أثارها الشريف في منطقة تلكخ، وقد تلقيت برقية تفيد أن 73 زعيماً علوياً يطالبون بإنشاء اتحاد علوي مستقل تحت حمايتنا المطلقة».
وتكشف البرقيات المتبادلة بين رئيس الوزراء الفرنسي ميليران والجنرال غورو، أن ميليران ذكر في برقية مؤرخة 6 - 8 - 1920، تحمل عنوان «مخطط لتنظيم الانتداب في سورية»، استعرض الخطوط العريضة لتنظيم الجماعات التي تتشكل منها المنطقة، فيقول: «بالنسبة لهؤلاء المقيمين في المنطقة الساحلية، الذين يتكلمون اللغة العربية، يشكلون جماعة دينية، مرتبطة نظرياً بالإسلام، لكنها في الواقع منفصلة عنه تماماً، ويجب ألا تندمج بالمسلمين»، وذكر المفوض السامي هنري بونسو في خطاب بعث به إلى وزير الشؤون الخارجية الفرنسية بتاريخ 28 - 4 - 1933 أن وفداً من وجهاء الطائفة، يترأسه رئيس المجلس التمثيلي في اللاذقية، إبراهيم الكنج، وصل إلى بيروت ليعرض وجهة نظرهم بشأن وحدة البلاد السورية، وقد حدد الكنج موقف الطائفة بقوله: «إنا لا نريدها، بل على العكس، نحن نعارضها».
في بداية الستينات الميلادية من القرن الماضي استطاع العلويون، بأسلوب خبيث، التغلغل في الحكم السوري، عن طريق دفع أبنائهم إلى التطوع في الجيش السوري، إلى أن قام حافظ الأسد بانقلابه المشهور في 16 - 11 - 1970، إذ عمل على عسكرة الطائفة بامتياز، هذه العسكرة تأخذ جانبين أساسيين: الأول يتمثل في السيطرة على الطائفة، بتحويل معظم شبابها إلى جنود في الجيش، إذ يتوجب عليهم الخضوع للنظام ورموزه وحمايته بالدرجة الأولى، الآخر يتمثل في تكوين وحدات عسكرية خاصة مدجنة ومروضة تحمي النظام، ومما لا شك فيه أن النظام أعطى لنخبة من الضباط أبناء هذه الطائفة امتيازات في الجيش لضمان ولائهم، وهنا يمكن الحديث عن تمكين نخبة من الضباط العلويين في الجيش، إذ أخذوا مكان الهيمنة في المراكز الأمنية والقيادات.
لقد عمل حافظ الأسد على تجهيل أبناء الطائفة العلوية وتدمير ثقافتهم السياسية، وانخفض في عهده مستوى التعليم في أبناء الطائفة، بتأثير الدعوات المستمرة للشباب بالتطوع في الجيش، إذ كانت الإغراءات تقدم للشباب برواتب جيدة وامتيازات لا تقاوم، وعمد النظام إلى تحويل الشباب إلى عسكر يتراكمون في منطقة المزة 86، وعش الورور، وهؤلاء الآن هم من يسميهم كارل ماركس حثالة البروليتاريا.
جدير بالقول: إن أبناء الطائفة العلوية من الفلاحين الفقراء الذين تركوا مهنة الزراعة ليس لهم شأن بالصناعة والتجارة؛ لذلك أصبح التطوع بالجيش مصدر رزقهم الوحيد، فالعلويون لشدة فقرهم ينتسبون إلى الجيش ويعيشون من خلال الخدمة فيه، ومع مرور الزمن تحول الجيش بحكم العادة والفقر إلى مصدر حيوي من مصادر الرزق والتعيش والتطوع في الجيش، فأبناء الطائفة العلوية عندما كانوا يتطوعون في الجيش كانوا يتطوعون ليس من أجل حماية النظام، بل من أجل ضمان عيشهم، ولكن حافظ الأسد استغل هذه الظاهرة فجيشهم في وحدات عسكرية شديدة الولاء، والولاء هنا يعني عمليات غسل دماغ مستمرة تؤله الرئيس وأسرته.
ومع ذلك كله كان حافظ الأسد كثير الشك حتى في أهل طائفته، إذ أرسل، يوماً، إلى لبنان من اغتال صديقه العلوي محمد عمران؛ خشية أن ينقلب عليه، ومن المشهور عنه أنه كان يعتمد كثيراً خلال حكمه على الضباط العليين الثلاثة من طائفته: علي حيدر، وعلي دوبا، وعلي أصلان، ولكنه في الوقت نفسه كان يعين مساعدين لهم من الطائفة نفسها على اتصال مباشر به؛ خشية أن يغدروا به، فعلى سبيل المثال كان اللواء ماجد السعيد نائباً لرئيس المخابرات العسكرية علي دوبا على اتصال مباشر بحافظ الأسد، ويقدم له تقارير يومية بتحركات علي دوبا، ولكن بشكل عام إن أبناء الطائفة العلوية، الآن، يترأسون المناصب المهمة السيادية والعسكرية الحساسة، مثل: قيادة الفرق والألوية العسكرية، وأجهزة الأمن بأشكالها المختلفة كافة، ولا يخلو مرفق من المرافق في مناحي الحياة السياسية والاجتماعية إلا وتكون الكلمة الأخيرة لمن ينتسب إلى هذه الطائفة.
في العودة إلى مناسبة ذكر طرفة «المقاتل علي»، يمكن القول: إنه لم يبق من يقاتل مع النظام الآن إلا الطائفة العلوية؛ وبالإمكان الجزم أن مرد هذا الولاء له بُعد عقدي ووجودي بحت، أما ما يقال بأن هناك علويين وقفوا مع الثورة، فهم معدودون على أصابع اليد، حتى إن صاحب موقع «شرفاء الطائفة العلوية» على «فيسبوك» أغلق الصفحة بعد تعليقه عليها بقوله: «لم أجد الكثير من شرفاء الطائفة العلوية الذين يقفون مع الثورة، لذلك أغلقتها»، حتى أن تلك الأسماء من الطائفة العلوية، التي ذاع صيتها بأنها تقف مع الثورة فقد خبا صوتها؛ بل إن الممثلة العلوية فدوى سليمان، التي عدّها بعضهم، يوماً، بطلة، غيّرت بوصلة ثورتها بعد زواجها بالسر من حبيبها «المنحبكجي» في باريس.
--------------------------
الحياة اللندنية
 

عبد الرحمن الخطيب
الاثنين 15 أبريل 2013