نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني

اليونيسيف ومافيا آل كابوني دمشق

12/11/2024 - عبد الناصر حوشان


المصابغ المصرفية





غسيل الأموال.. جريمة معقدة، يتوجب إيجاد آليات معقدة في الحرب عليها.....
النائبة العامة الأميركية السابقة جانيت رينو


كتبت الأسبوع الماضي عن "الجريمة المتوالدة" من "رحم" الأزمة الاقتصادية العالمية، و"المنبثقة" عن ظلامها. ومررت على الجريمة المُنظمَة ( بما في ذلك جرائم غسيل الأموال)، كصورة من صور الجريمة ككل، وكمنظر قبيح أطْر المجتمع الدولي ما قبل الأزمة، وصبغه بلون أسود بعدها، وضع العالم أجمع أمام استحالة العثور على "صبغة" مضادة، تقلل ( أو تخفف) السواد الإجرامي المشين. فجرائم غسيل الأموال، تحتاج إلى معجزة ( في زمننا هذا)، لا للقضاء عليها، بل للحد منها، بل.. وحتى لتحديد هوية مجرميها. ولأنها تأصلت بعد الأزمة، وأوجدت لنفسها مكانا أعمق في الهيكل ( والنظام المالي) الاقتصادي العالمي، فإن أسلحة "محاربيها" لا تزال أدنى بكثير من أدواتها العدوانية. فعندما تشح الأموال وتنضب، يصبح تتبع مصادر الأموال المطروحة على الساحة، أمرا غير مرغوب فيه، بل وتشطب الجملة الشهيرة " من أين لك هذا" من اللوائح والضوابط والقوانين المعمول بها!.

ليس صعبا تتبع مصادر الأموال القذرة، والأمر لا يحتاج إلى خبراء أمنيين وماليين ومحققين دوليين، لتحديد هذه المصادر، والوصول إلى أوكارها. هي خليط من "صناعة وتجارة" الدعارة، والاتجار بالبشر، والسلاح، وسرقة المال العام، والسمسرة المشينة، والإرهاب، والسرقة، والمخدرات. أو هي "صناعة وتجارة" لكل "قطاع" من هذه القطاعات على حدة. هي صناعة "المصيبة"، وتجارة بـ "المصير". هي أكثر من سرطان عدواني، وأكثر أيضا من دمار اقتصادي وأخلاقي. فلا يمكن أن تأتي أموال قذرة، من تجارة أو مصادر نظيفة. ولا تنتج المصادر القذرة، إلا أموال أشد قذارة منها، ولأنها كذلك.. يبحث أصحابها، عن أفضل "مساحيق التنظيف" وأفخر أنواع "الغسالات". لا يهم أن تكون صناعة إيطالية أو ألمانية أو فرنسية أو أميركية أو غيرها. المهم أن تكون قادرة على إزالة أدران وقذارة الأموال، بأسرع وقت ممكن، وبأعلى سرية ممكنة. أما لماذا السرية؟ فلأن هذا النوع من الغسيل، هو الوحيد الذي لا يمكن نشره لا على الأسطح ولا في الحدائق ولا على الشرفات "لتجفيفه"!.

بعد الأزمة الاقتصادية العالمية، تحولت بعض المصارف الكبرى والصغرى (المنكوبة) في العالم، إلى "مصابغ" لغسيل الأموال. وتظل المصارف – بشكل عام – أفضل "المصابغ" في هذا المجال، حيث توفر كل طرق الغسيل، بما في ذلك " الناشف" أو "المبتل"، وتوفر أيضا خدمات "الصباغة" بكل الألوان التي تفي بالغرض!. وتخصصت هذه المصارف في العامين 2008 و 2009 ، بغسيل أموال المخدرات، على وجه التحديد، ولكن لا بأس لو كانت هناك أموال قذرة من قطاعات قذرة أخرى. ولكي لا أُتهم بالتحامل على هذه المصارف، أنقل ما قاله رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة أنطونيو ماريا كوستا. ماذا قال ؟: "إن أموال المخدرات حافظت على بقاء النظام المالي قائماً إبان ذروة الأزمة الاقتصادية العالمية"!. مرة أخرى أموال ماذا؟.. المخدرات!!. ويتابع المسؤول الدولي كلامه الصادم فيقول: "إن معظم أرباح تجارة المخدرات، التي يصل حجمها سنويا إلى 352 مليار دولار أميركي، تم استيعابها في النظام الاقتصادي، وإن عائدات الجريمة المُنظمَة كانت (السيولة الاستثمارية) الوحيدة المتاحة لبعض المصارف التي كانت على حافة الانهيار في العام 2008 والعام الذي تلاه!!.
يا إلهي.. أُنقذت المصارف من أموال "التدمير"، بعد أن شاركت المصارف نفسها (بصورة رئيسية) في عملية تدمير المجتمع الدولي، عندما أغرقت البشر بالديون، وأغرقت نفسها معهم، من خلال أزمة مالية، استحقت – عن جدارة- توصيف الأزمة الاقتصادية الشاملة!. لقد منحت المصارف لنفسها "قروض داخلية" مولت من أموال مصادرها المخدرات، والتجارة السوداء المريعة. عمليات الإنقاذ المشينة هذه، طرحت مجموعة من الأسئلة على الساحة الدولية، في مقدمتها: ما هو نفوذ الجريمة على النظام الاقتصادي العالمي في أوقات الأزمات والمحن؟. وما هي الآليات الجديدة التي تعتزم الدول الكبرى على وضعها، من أجل بناء نظام مالي عالمي شرعي محصن من الأزمات والجرائم؟. وقبل هذا وذاك، كيف يستطيع القادة الكبار الفوز بنوم ليلة هانئة، وهم لا يعرفون ( أو يعرفون)، حجم تدفق الأموال القاتلة في "الجسم" المالي العالمي، وتحديدا في بعض مصارف بلادهم؟!. ولا شك في أن هؤلاء على دراية، بأن صاحب رأس المال، يمتلك الحق في إدارة أمواله، وتوجهيها بالشكل الذي يرغب، وبالتالي يحظى بنفوذ يوازي حجم ما يملك، داخل المؤسسات ( المصارف)، التي يضع فيها رأس ماله. وأمام هذه الحقيقة البديهية، سيكون رئيس العصابة "عضوا غير مُعلن" في مجلس إدارة هذا المصرف أو ذاك، وهذه المؤسسة أو تلك، وسيفرض بالضرورة معاييره الدنيئة!.
وعندما يصل حجم الديون المعدومة في القطاع المصرفي في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، إلى أكثر من 1000 مليار دولار أميركي بين يناير/ كانون الثاني من العام 2007، وسبتمبر/ أيلول من العام 2009، مع الخسائر الأخرى، وعندما يصل عدد المصارف الأميركية التي أُغلقت في عام ونصف العام إلى 140 مصرفا، وعندما لا تحقق عمليات الإنقاذ الحكومية الأهداف المرجوة .. تصبح أموال المخدرات والجريمة المنظمة، مطلوبة عند رؤساء المصارف، فاقدي السيولة ومعها الأخلاق والضمير. ولكن السؤال الكبير هنا هو: هل تعرف الحكومات بهذه الحقيقة.. أم لا تعرف؟. فإذا كانت لا تعرف، فتلك مصيبة وكارثة وطامة كبرى. أما إذا كانت تعرف، فالمصيبة والكارثة والطامة الكبرى أعظم، ولن تكون مختلفة أخلاقيا عن العصابات المنظمة نفسها، وسيكون رئيس الحكومة بمثابة رئيس العصابة!.
والذي يرجح معرفة بعض الحكومات، لتمويل مصارف بلادها بأموال المخدرات والجريمة المنظمة، أن مسؤول الأمم المتحدة ( كوستا)، الذي أعلن عن وجود أدلة على هذه العمليات المشينة، رفض تسمية مصارف بعينها. وهذا يعني تفجر فضائح لن تُنسى، إذا ما أعلن عن هوية هذه المصارف، لأنها سيورط الحكومات أيضا. ولهذا السبب تُرك العنان لـ " رابطة المصرفيين البريطانيين"، للدفاع عن المصارف الملوثة بالقول: "إن أموال الدعم تأتي من المصارف المركزية". وهذا صحيح بالفعل. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل هناك "قدسية" للمصارف المركزية؟. لقد أثبتت الأزمة الاقتصادية العالمية، تورط هذه المصارف في ارتكابها، وإن تحملت العبء الأكبر في عمليات الإنقاذ. هذا ليس تشكيكا في أخلاقيات المصارف المركزية، ولكنه مجرد تساؤل، على حكام هذه المصارف الإجابة عليه، لاسيما وأن الاتهامات لم تأت من عصابة "المافيا"، بل من مكتب تابع للأمم المتحدة، يُعنى بمكافحة المخدرات والجريمة المنظمة.
وأقدم هنا مثل واحد، يمكن أن يُوضح شيئا من غشاوة المشهد. ففي العام 2007 دفعت مؤسسة "أميركان إكسبريس" الشهيرة، غرامة بلغت قيمتها 65 مليون دولار أميركي، لماذا؟ لأنها فشلت في متابعة وملاحقة أموال المخدرات في عمليات التحويلات المالية التي تقوم بها على مدار الساعة!. وقد اعترفت المؤسسة المعروفة بـ "تقصيرها"، ولا نعرف، إن كانت تعرف، بحقيقة التحويلات المذكورة. ولنا أن نتخيل حجم الأموال القذرة، إذا كانت الغرامة بهذا الحجم!.

لقد تحول غسيل الأموال، في الأعوام الماضية، إلى ما يمكن وصفه بـ "الاقتصاد الخفي" أو "الاقتصاد الأسود" أو ما هو أسوأ من ذلك " اقتصاد الظل"!. ويقول جون وللكر في كتابه " ما هو حجم غسيل الأموال" الصادر في العام 1999، إن حجم الأموال التي "تُغسل" سنويا حول العالم، تصل إلى 2850 مليار دولار أميركي!، وهي مركزة بصورة كبيرة في كل من أوروبا وأميركا الشمالية ( الولايات المتحدة وكندا). وهذا يعني أن "المصابغ" المصرفية وغير المصرفية في العالم، تعمل على مدار الساعة، "لغسيل" ناصع البياض، "نُظف" بمساحيق تبدو أمامها منتجات "إريال " و"برسيل" ، مجرد "مُوسخات" لا منظفات. وهذا يعني أيضا، أن المؤسسات المالية وغيرها، ليست محصنة من تدفق هذه الأموال الهائلة إليها، خصوصا عندما تكون أدوات المقاومة ضعيفة في أزمنة الازدهار، ومفقودة في أوقات الأزمات.
وهل تركت الأزمة الاقتصادية العالمية شيئا منها على الساحة؟!.
------------------------------

m@karkouti.net

محمد كركوتــي
الاربعاء 13 يناير 2010