معظم هذه الحالات لا تحظى باهتمامٍ كافٍ، أو لا تظهر إلى العلن، لأن عمليات الحذف تجري بهدوء ومن دون "شوشرة"، خاصةً إذا كانت أخباراً، أو تقارير يومية تُنشر هنا أو هناك، ولم تُتداول على مواقع التواصل الاجتماعي، ويختار رؤساء التحرير ومديرو هذه الوسائل الصمت، لأن الحديث المعلن عن هذه القضايا قد يسبب لهم مشكلات إضافية مع من يديرون ملف الإعلام.
كيف بدأت قصة احتواء الصحافة الكردية في سوريا، وتقييدها من جديد، بعد أن تنفس الصحافيون والكتاب الصعداء، إثر انحسار سطوة النظام السوري وأجهزته الأمنية على العمل الإعلامي؟ وما هي التفاصيل التي يحاول البعض إخفاءها عن الجمهور؟ ولمصلحة من؟ ومن يدير ذلك كله؟ وكيف؟
خديعة الإعلام الحر
في الثالث عشر من تموز/ يوليو من العام 2012، تشكّل أول إطار صحافي في القامشلي، أُطلق عليه "اتحاد الإعلام الحر"، وعلى الرغم من أن الخطوة كانت في حينها بمثابة "فتح تاريخي" بالنسبة إلى الكثير من الصحافيين الكرد، إلا أنه تبين لاحقاً أنها جزء من عملية منظمة لمصادرة كل شيء لصالح أيديولوجيا حزبية، وبأيدي سلطةٍ وُلدت للتو.في منتصف شباط/ فبراير الماضي، حُذف مقال حمل عنوان "التراخيص الإعلامية: عصا الإدارة التي تلوّح بها"، نشره الصحافي داريوس الدرويش في الوسيلة نفسها"بعد فترة وجيزة، جرت أدلجة المؤسسة، على الرغم من أنها حصلت على ترخيصها من الهيئة الكردية العليا، التي تشكلت في العام التالي، بمشاركة معظم الأطراف السياسية، إلا أنها لم تدم طويلاً بسبب الخلافات العميقة التي عصفت بها"، حسب صحافي اشترط عدم ذكر اسمه.
يقول الصحافي الذي يعيش في القامشلي: "اللافت في الاتحاد، أنه منذ تأسيسه وحتى الآن، لم يسمح لمن هم خارج المنظومة الفكرية أو التنظيمية لحزب الاتحاد الديمقراطي بتولي رئاسته".
لكن الرئيس المشارك للاتحاد، بانكين سيدو، ينفي هذه الاتهامات، ويقول إن المجال مفتوح أمام الكل: "ما يجري هو أن معظم الصحافيين لا يرضون برواتب الاتحاد الضعيفة مقارنةً مع الرواتب التي يحصلون عليها في وسائل الإعلام، وخاصة الخارجية منها".
خلال السنوات الماضية، عمد هذا الإطار إلى تعبئة الصحافيين في الأزمات، "مستغلاً" القضايا المصيرية التي تهمّ الجميع، مثل الحملات الإعلامية المضادة التي رافقت كل هجمات تركيا وفصائل المعارضة السورية الموالية لها.
وما أن تضع الحرب أوزارها، حتى يعود الاتحاد إلى "سيرته الأولى، من غض الطرف عمّا يجري من إفساد ومحاولات لتعطيل العمل الصحافي الجاد بطرق شتى، باستثناء بعض البيانات الخجولة التي يصدرها حول انتهاكات يتعرض لها صحافيون في مناسبات وفترات مختلفة"، حسب الصحفي.
ويُصدر الاتحاد هذه البيانات غالباً، كرد فعل على انتقادات يوجهها صحافيون مستقلون لرئاسة الاتحاد، بحكم العلاقات الشخصية، ما يضعها في موقف تحاول فيه "حفظ ماء وجهها" أمامهم، كونها تُحاول تصدير نفسها كنقابة أو هيئة تمثل مصالح الصحافيين، وتدافع عنهم.
لا تستطيع رئاسة اتحاد الإعلام الحر اتخاذ أي قرار بمفردها، إذ ينبغي أن تمرّر القرارات والبيانات إلى مسؤولين في حركة المجتمع الديمقراطي، وحزب الاتحاد الديمقراطي، قبل نشرها، في ظل سياسة رقابية ترتضي أن تخضه لهاومنذ تأسيسه، نظّم الاتحاد خمسة مؤتمرات دورية آخرها كان عام 2020، وخلالها جميعها لم يقدّم القائمون عليه أي تقرير مالي، كما لم يكشفوا عن الجهة التي تموّله، على الرغم من مطالبة صحافيين كثر بذلك في أثناء عقد هذه المؤتمرات.
تقول معلومات رصيف22، إن "رئاسة الاتحاد لا تستطيع اتخاذ أي قرار بمفردها، إذ ينبغي أن تمرّر القرارات والبيانات إلى مسؤولين في حركة المجتمع الديمقراطي، وحزب الاتحاد الديمقراطي، قبل نشرها".
وفي اتصال مع الرئيس المشارك لاتحاد الإعلام الحر، بانكين سيدو، لم ينفِ عملية التنسيق بين الاتحاد، وبين من وصفها بـ"الجهات المعنية"، حول البيانات والمشكلات التي تطرأ بخصوص الصحافيين. ويضيف: "ثمة الكثير من المشكلات نقوم بحلها عبر الحوار مع هذه الجهات، ولا نصدر بياناتٍ في كل مرّة".
يقول سيدو، إن تمويل الاتحاد "يأتي عبر الرسوم التي يحصلون عليها من الصحافيين الأعضاء. نحن لا نتلقى التمويل من أي حزب أو جهة". ويضم الاتحاد ثلاثة موظفين أحدهم للأرشيف، وآخر يدير الموقع الإلكتروني، بالإضافة إلى سائقٍ خاص، إلى جانب الرئيسين المشتركين.
لم ينفِ عملية رئيس الاتحاد التنسيق بينه وبين من وصفها بـ"الجهات المعنية"، حول البيانات والمشكلات التي تطرأ بخصوص الصحافيينويحصل كل موظف على ما يتراوح بين 300 و350 ألف ليرة سورية، كراتب شهري، بينما يحصل الرئيسان المشتركان على مرتب 375 ألف ليرة، إلى جانب المصاريف اليومية. ويبلغ عدد أعضاء الاتحاد 300 صحافي يقومون بتجديد بطاقات عضويتهم بشكل سنوي، ويدفعون رسوماً تصل إلى 15 ألف ليرة.
على هذا الأساس، يصل المبلغ السنوي من الرسومات إلى أربعة ملايين ونصف مليون ليرة سورية، وبعملية حسابية بسيطة، يتبيّن أن هذا المبلغ بالكاد يسدد راتب أحد الرئيسَين، ما يثير التساؤل مجدداً حول مصدر سداد بقية التكاليف والرواتب!
التصويت للسلطة
جرت العادة في أثناء انعقاد مؤتمرات اتحاد الإعلام الحر، أن تتشكل كتل مختلفة. الصحافيون المستقلون يجلسون بالقرب من بعضهم البعض، وآخرون مستقلون أيضاً، لكنهم موالون للسلطات، يجلسون كذلك في مكان واحد، بينما الكتلة الكبرى، وتتشكل من صحافيي وسائل الإعلام الرسمي، والذين غالباً هم أعضاءٌ في تنظيمات حزبية مقربة من السلطات، فيجلسون في الصفوف الأمامية، ويقودهم مسؤول مباشر من حزب الاتحاد الديمقراطي.في أثناء عمليات التصويت، ينتظر هؤلاء أن يرفع هذا المسؤول يده للتصويت، فيرفعون أيديهم دفعةً واحدةً، أو العكس، وتالياً تأتي كل المقررات لصالح هذه الكتلة، فيما يحاول المستقلون الاعتراض، وتوجيه بعض الانتقادات، لكن دون جدوى.
والمفارقة المثيرة للجدل هنا، أن تصويت الكتلتين الموالية والرسمية، يكون أحياناً ضد قراراتٍ قد تكون لصالح الصحافيين والإعلام في هذه المنطقة.
في المؤتمر الرابع عام 2017، نوقش تفصيل حول هل يجوز للجهات الأمنية معاقبة الصحافي، إذا خالف مواثيق المهنة؟"، فاختلف الصحافيون المستقلون مع الموالين واللصيقين بالسلطات، فصوّت هؤلاء على أن المعاقبة يجب أن تكون عن طريق الجهات الأمنية، بينما صوت المستقلون على أن المعاقبة ينبغي أن تكون عن طريق "الاتحاد"، لأنه بمنزلة نقابة.
أثناء عمليات التصويت خلال مؤتمرات الاتحاد، ينتظر صحافيو "السلطة" أن يرفع المسؤول يده للتصويت، فيرفعون أيديهم دفعةً واحدةً، أو العكس، فتأتي كل المقررات لصالح هذه الكتلةمشهد مماثل جرى صيف العام الفائت، في أثناء حضوري جلسةً في القامشلي، في مقر منظمة مدنية محلية، ضمت نحو عشرة صحافيين لمناقشة مسودة قانون الإعلام.
بدأت القصة في أثناء شروع مدير الجلسة، وكان الرئيس المشارك لدائرة الإعلام، عامر مراد، في قراءة فقرة من القانون، وتقول بما معناه إن "الإدارة الذاتية تتكفل بتمويل أي وسيلة إعلامية مرخصة توقفت مصادر تمويلها لمدة ستة أشهر، حتى تستعيد الوسيلة عافيتها".
وبعد فراغه من القراءة، اعترض صحافي "مستقل" على الفقرة، من خلفية تعاطفه مع السلطات لعدّه أن هناك إمكانيةً أمام بعض الوسائل للاحتيال وإعلان إفلاسها في أي وقت، وفق ما برر به سبب اعتراضه حينها.
صحافيون "عملاء"
اعتاد مسؤولون في كلٍّ من حركة المجتمع الديمقراطي، وحزب الاتحاد الديمقراطي، على جمع الصحافيين بشكل متكرر، وبصورة استثنائية، قبل مراحل الأزمات، وبعدها، ليُناقشوا القضايا المهمة، والمستجدات التي تتزامن معها. كما يتم الاستماع إلى مشكلات الصحافيين، وتُقطع الوعود بحلها، لكن في الغالب لا يتغير شيء على أرض الواقع، وفقاً لصحافيين حضروا هذه الاجتماعات مراراً.قالت شبكة الصحافيين الكُرد السوريين، إنها وثّقت 36 انتهاكاً بحق الصحافيين والمؤسسات الإعلامية، خلال عام 2021 فحسب في مناطق الإدارة الذاتيةفي نهاية أيار/ مايو 2021، نظّم بدران جيا كرد، وهو مسؤول بارز في الإدارة الذاتية والحزب الحاكم، اجتماعاً مماثلاً ضم نحو ثلاثين صحافياً، في دائرة العلاقات الخارجية في القامشلي، بعد معارك جرت بين قوات الأسايش، ومجموعات الدفاع الوطني في حي الطي في المدينة.
جاء الاجتماع بسبب تعرض بعض الصحافيين في أثناء تغطية الاشتباكات، لشتائم وانتهاكات من قبل عناصر في "الأسايش". شهد الاجتماع الكثير من الشد والجذب بين الصحافيين، وبين جيا كرد، وبين صحافيين آخرين، وبدت الاصطفافات واضحةً من خلال انقسامهم بين موالٍ للسلطة، ولصيق بها، وبين مستقل.
في أثناء النقاشات، تملّكت الحماسة من أحد الصحافيين، فقال: "نحن أبواقكم... لكن دعونا نعمل". ثم بدأ بسرد تفاصيل حاول من خلالها التقرب من المسؤول والسلطة: "نحن لا نزعجكم. لا نكتب عن المواضيع الحساسة. لا نقترب من المواضيع العسكرية، ولا نكتب عن موضوع النفط وغيره".
في هذه الأثناء، قام آخر، وقال: "إذا كان العمل لصالح هذه السلطة عمالةً، فأنا أكبر عميل".
عسكرة "الاتحاد"
في عام 2018، استبشر صحافيون في مناطق الإدارة الذاتية خيراً، بعد إنشاء مؤسسة جديدة باسم دائرة الإعلام في شمال سوريا، وشرقها، برئاسة عامر مراد، وهو صحافي مستقل. اللافت في هذه المؤسسة، أنها بعد فترة وجيزة من انطلاقتها، ألغت معظم صلاحيات اتحاد الإعلام الحر، وتم عدّها نقابةً للصحافيين فحسب.وخلال نحو ثلاث سنوات من رئاسة مراد، بدت ملامح نوع من الانفتاح تظهر، لكن من دون أن يتغير أي شيء في الواقع.
تملّكت الحماسة من أحد الصحافيين خلال أحد المؤتمرات، فقال: "نحن أبواقكم... لكن دعونا نعمل". في هذه الأثناء، قام آخر، وقال: "إذا كان العمل لصالح هذه السلطة عمالةً، فأنا أكبر عميل".في هذه المدة، صيغ قانون للإعلام عبر تشكيل لجنة من صحافيين مستقلين، وعُقدت عشر ورشات شارك فيها عشرات الصحافيين في المنطقة، ناقشوا خلالها مسوّدة القانون. لكن بعد مصادقة المجلس التشريعي على القانون، في الثامن عشر من أيار/ مايو 2021، وطباعته وتوزيعه على مكاتب الإعلام في الإدارة الذاتية، تفاجأ الجميع بتغييرات طالت بعض بنوده.
وأُعلِن عن هذه التعديلات في سياق بيان نُشر في التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، من دون ذكر أي تفصيل أو معلومة حول التعديلات المفاجئة، وأسبابها، خاصةً بعد أن كان المجلس التشريعي قد صادق على القانون سابقاً.
ومن بين التعديلات، كان إلغاء البند المتعلق بهيكلية دائرة الإعلام، والذي كان ينص على أن الدائرة تتكون من تسعة أعضاء، هم الرئاسة المشتركة وسبعة أعضاء منتخبين من الوسائل الإعلامية المرخصة في المناطق كافة.
اعتاد مسؤولون في كلٍّ من حركة المجتمع الديمقراطي، وحزب الاتحاد الديمقراطي، على جمع الصحافيين بشكل متكرر، وبصورة استثنائية، قبل مراحل الأزمات، وبعدها، ليُناقشوا القضايا المهمةلكن التعديل اكتفى بوجود الرئاسة فحسب، ويقول صحافيون إنها "محاولة أخرى للاستحواذ على القرار، وعدم ضم أي صوت مستقل إلى الدائرة"، لا سيما أن عامر مراد أعلن استقالته من منصبه قبل هذا التعديل، وحل مكانه جوان ملا إبراهيم، وهو كادر بارز في حزب الاتحاد الديمقراطي.
وفي صور نشرت على حسابات الإدارة الذاتية واتحاد الإعلام الحر مؤخراً، تظهر جوانب من اجتماع جرى في مقر الاتحاد في القامشلي؛ الرئاسة المشتركة للاتحاد ممثلةً ببانكين سيدو، وأفين يوسف، والمسؤول الجديد لدائرة الإعلام، جوان إبراهيم، ومسؤول مكتب إعلام وحدات حماية الشعب، سيامند علي، إلى جانب الناطق باسم قوات سوريا الديمقراطية، فرهاد شامي، بالإضافة إلى مسؤول مكتب الإعلام في قوات الأمن "الأسايش"، عبد الله سعدون، ومسؤول مكتب إعلام منطقة الجزيرة، رياض يوسف.
وأثارت هذه الصور نقاشاً غير معلن في الوسط الصحافي، وتساءل البعض عن الهدف من تنظيم هكذا "اجتماع عسكري"، في مكتب الاتحاد.
وعن ذلك، يقول بانكين سيدو، إن "الاجتماع جرى بدعوة من الاتحاد، للتنسيق أكثر مع هذه الجهات، بهدف تنظيم العمل الإعلامي، والوقوف على المشكلات التي تعترض الصحافيين. خلال السنوات السابقة عقدنا عشرات الاجتماعات من هذا النوع".
لا صحافة... لا انتهاكات
منذ تموز/ يوليو 2012، عندما بدأت وحدات حماية الشعب بالانتشار في هذه المنطقة، وحتى الآن، لم تسجَّل انتهاكات كبيرة، كالقتل مثلاً، بحق الصحافيين مقارنةً مع بقية المناطق السورية.خلال هذه السنوات، ظهرت عشرات الانتهاكات، وتراوحت بين اعتقال لفترات وجيزة، أو عقوبات، كالحرمان من العمل لفترة، أو إغلاق مؤسسة، أو تهديد بعض الصحافيين، أو التشهير بهم من قِبل من باتوا يُعرفون بـ"الذباب الإلكتروني".
وفي تقرير صدر الأحد الفائت، قالت شبكة الصحافيين الكُرد السوريين، إنها وثّقت 36 انتهاكاً بحق الصحافيين والمؤسسات الإعلامية، خلال عام 2021 فحسب، في المناطق الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها.
يفضل غالبية من الصحافيين العمل في إطار مواضيع ثقافية أو اجتماعية، من دون أن يقتربوا من الأمور السياسية بسبب الخوف من رد فعل الحزب الحاكمولا يغامر معظم الصحافيين حتى الآن، بالعمل على قضايا تمس الحزب الحاكم، أو قياداته، في مواضيع تتعلق بالفساد مثلاً، عدا عن بعض التقارير التي ظهرت بين فترةٍ وأخرى.
يقول صحافي طلب عدم نشر اسمه أيضاً: "لم تقم غالبية الصحافيين هنا، بخوض تجارب يمكن من خلالها معرفة السقف المسموح به على الأقل، أو معرفة حجم الهامش المتاح". ويضيف: "يفضلون العمل في إطار مواضيع ثقافية أو اجتماعية، وحتى إن طرح بعضهم مواضيع سياسيةً، أو أمنيةً، أو عسكريةً، أو قضايا فساد، فيكون طرحاً سطحياً يدور حول نفسه، من دون أن يقدّم جديداً، أو يقترب من الحقائق".
من ناحية أخرى، وبسبب معرفتهم ببنية السلطة القائمة، واحتكارها للفضاء العام، يشكّل قسم كبير من الصحافيين رقابةً ذاتيةً على أنفسهم، فـ"يبتعدون عن الشر، ويغنّون له".
صحافيون يجيبون
يقول الصحافي داريوس الدرويش، المقيم في فرنسا: "ثمة إعلام حزبي مليء بالبروباغاندا، يأخذ حيزاً واسعاً في الساحة الإعلامية، ولكن على الجانب الآخر ثمة إعلام محلي مستقل يقدّم كماً لا بأس به من المعلومات للمواطنين، على الرغم مما يشوب هذا العمل من شوائب".ويضيف: "من جهة، لا يتم تقديم هذه المعلومات بالشكل الصحيح، وفق كتيّب المعايير المهنية، ومن جهة أخرى فإن أنواعاً كثيرةً من المعلومات لا تزال محجوبةً عن العموم نتيجة ما تفرضه الإدارة الذاتية من قيود قانونية، وغير قانونية".
لكنه يعود فيقول إنه "لا يمكن الادّعاء بوجود حرية صحافية كاملة، أو حتى قريبة من الكمال، في هذه المناطق، إلا أنه يمكننا الحديث عن هامش جيّد للصحافيين لممارسة عملهم، بالموازاة مع هامش جيد للسلطات المحلية، للتضييق على عمل هؤلاء".
في منتصف أيار/ مايو 2020، أوقفت السلطات المحلية مراسلة قناة رووداو، فيفيان فتاح، عن العمل لمدة شهرين، بسبب عدم ذكرها كلمة "الشهيد" في تقرير بثته القناة.يقول: "تعاقب السلطات الصحافيين على عدم استخدام مصطلحات معيّنة في خطابهم، كما جرى مع مراسلة قناة رووداو، على الرغم من عدم وجود أهمية كبيرة لهذه المصطلحات. في المقابل، فإنها سبق وتسامحت مع نشر أخبار وتحقيقات تطال السلطة نفسها، أو مسؤولين فيها، يُفترض بها استفزاز السلطة".
ففي منتصف أيار/ مايو 2020، أوقفت السلطات المحلية مراسلة قناة رووداو، فيفيان فتاح، عن العمل لمدة شهرين، بسبب عدم ذكرها كلمة "الشهيد" في تقرير بثته القناة.
وحول حذف مقالته بعد أن نشرتها نورث برس، يقول: "على الرغم من أن مقالتي كانت تتحدث عن فرض الإدارة الذاتية شرط الحصول على ترخيص من أجل السماح لوسائل الإعلام بالعمل في المنطقة، كشكل من أشكال تقييد حرية الإعلام والتعبير، إلا أنها قامت بالضغط على إدارة وكالة نورث برس، من أجل حذف المقال، وتالياً تأكيد الشكوى الأصلية فيها، وهي تقييد حرية الإعلام والتعبير".
ورفضت إدارة الوكالة توضيح أسباب حالات الحذف التي قامت بها، أو حتى التعليق على الموضوع.
ويقول صحافي يعيش في القامشلي، اشترط عدم نشر اسمه أيضاً، إنه ثمة "محاولة لتدجين وسائل الإعلام، واحتكار الفضاء العام". ويوضح: "للأسف، وعلى سبيل المثال، انهارت مصداقية الإدارة الذاتية عند أول تجربة، بعد فترة قصيرة من سنّ قانون إعلام جديد استمرت عمليات إعداده وحصوله على قبول من جانب شريحة واسعة من الصحافيين، نحو سنة، إذ تم التضحية بالقانون وبمصداقية الإدارة وصورتها، لصالح إلغاء رخصة فضائية كردستان24، نتيجة صراع سياسي كردي خارج حدود الإدارة الذاتية".
ويضيف الصحافي: "نحو 85 في المئة من وسائل الإعلام، تابعة للإدارة الذاتية والفكر السياسي المسيطر، بينما نسبة 15 في المئة تجمع وسائل إعلام حزبية مع وسائل إعلام مستقلة تتأرجح بين ممارسة العمل الإعلامي بمهنية إلى حد ما، وبين الحفاظ على الاستمرارية والبقاء، نتيجة ضعف التجربة، والخشية من التعرض للضغوط".
عرّاب الكيان الموازي
كان "خالو" يستحوذ على قرار حركة المجتمع الديمقراطي، قبل تقلص سلطاتها خلال الفترة القليلة الماضية، لكن الحركة التي تتّبع نهجاً يسارياً يوصف بالمُتزمت، ما تزال تتحكم بالكثير من المفاصل في الإدارة الذاتية التي تشكلت في شباط/ فبراير 2014.انهارت مصداقية الإدارة الذاتية عند أول تجربة، إذ تم التضحية بقانون الإعلام وبمصداقية الإدارة وصورتها، لصالح إلغاء رخصة فضائية كردستان24، نتيجة صراع سياسي كرديو"خالو"، لقب يُطلق على بعض القياديين البارزين الذين يتمتعون بسلطات واسعة في المنظومة التي تحكم شمال شرق سوريا، وهي هنا للقيادي البارز آلدار خليل، الذي انتقل إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، بعد الحل غير المعلن لحركة المجتمع الديمقراطي قبل نحو عامين، ويدير العديد من الملفات، منها الصحافة.
قبل ذلك بسنوات، وبعد إعلان الإدارة المدنية، وتشكيل المؤسسات، عمدت حركة المجتمع الديمقراطي، إلى تشكيل مؤسسات خاصة بها، بالتوازي مع مؤسسات الوليدة للإدارة الذاتية. ومع مرور الوقت، باتت المنطقة أمام نظامين للحكم، أحدهما معلَن باسم الإدارة الذاتية، وآخر مخفي بقيادة الحركة، بما يشبه الكيان الموازي.
وتبدأ معظم المؤسسات التي شكلتها الحركة بـ"اتحاد"، مثل اتحاد الفلاحين، واتحاد تجار المواشي، واتحاد المثقفين، واتحاد الإعلام الحر، وهكذا... فلكل شيء اتحاد، ما يشبه مبدأ قيادة الدولة والمجتمع في نظام البعث.
ولهذه الاتحادات صلاحيات واسعة، إلى درجة أنها غير ملزمة بتنفيذ قرارات الإدارة الذاتية إذا شاءت، وخاصةً إذا لم تكن في صالحها. وفي ملف الصحافة، يظهر أن "خالو" هو الذي يديره منذ نحو عقد. فكل المسائل المتعلقة بالصحافة والصحافيين تنتهي في مكتبه في القامشلي.
صحافي "روجآفا" الأكبر
يقول مصدر صحافي من الدائرة الضيقة المحيطة بـ"خالو"، إنه مهووس بتفاصيل الأمور، ولديه استعداد، وهو على هذا القدر من السلطة والمكانة ليبحث في ملف صحافي ما، ويضعه نصب عينيه حتى ينال منه، أو يحدّ من نشاطه.ولأجل ذلك، شكل الرجل الذي وصفه المصدر نفسه بـ"الذي لا ينام"، شبكةً من "الصحافيين"، مهمتهم رفع التقارير ضد وسائل الإعلام والصحافيين والوشاية بها وبهم.
وحسب معلومات من مصادر أخرى خاصة، فإن هذه الشبكة تتألف من مديرين لوسائل إعلام محلية، وصحافيين محترفين، وهواة، يتنافسون في ما بينهم للوصول إلى رضى "خالهم"، في وقت يحاول هؤلاء عبر مؤسساتهم الممولة من "خالو"، نشر أكبر قدر من الأخبار عن نشاطاته السياسية وتصريحاته.
ولا يوفر هؤلاء جهداً في متابعة حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، كي يصيغوا من منشوراته وتغريداته أخباراً للجمهور.
يدير "خالو" جميع المؤسسات الإعلامية الرسمية، ويموّل مواقع إلكترونية وإذاعات محلية، في حين يدير فريق خاص به حساباتٍ على موقع فيسبوك مهمتها التشهير بالصحافيين، وتلفيق الاتهامات بحقهممن جهة أخرى، يدير "خالو" جميع المؤسسات الإعلامية الرسمية، من دون أن تكون له صفة رسمية، كما أنه يموّل مواقع إلكترونية وإذاعات محلية، في حين يدير فريق خاص به حساباتٍ على موقع فيسبوك مهمتها التشهير بالصحافيين، وتلفيق الاتهامات بحقهم.
وحسب مصادر مطلعة، يحرص "خالو"، ضمن مقالات وأعمدة أسبوعية تفردها له الصحف والمواقع التابعة للحزب الحاكم، على تكرار فكرة وجود مشتغلين في الشأن العام، ومن بينهم إعلاميون ينزلقون إلى مصيدة دوائر "الحرب الخاصة"، وتجرّهم الشعارات والأكاذيب، حسب وصفه.
في حديثٍ عبر الهاتف، تحدث أحد المقربين من القيادي آلدار خليل، عن هذه المسائل، ونفى معظم الاتهامات الموجهة إليه، لكنه أكد أن "خليل كان يدير الملف في السنوات الأولى من تأسيس الإدارة".
لكن في مقابل ذلك، يكاد يجمع معظم من تحدثنا إليهم على أنه ما يزال يدير الملف، ويهيمن على خيوط لعبة الصحافة التي يبدو مصيرها مبهماً، وغير مبشر، في ظل ذهنية احتكارية لا تجد في من يوجهون النقد والرأي المختلف سوى متربصين ومنخرطين في "حرب خاصة" تُدار في الخفاء، وتستهدف النيل من تجربة الإدارة.
تنويه: تم اخفاء أسماء المصادر وصحافيين بناءً على طلبهم، خشية الملاحقة الأمنية.
-----------
رصيف ٢٢