نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


المبادرة العربية وتكتيك النظام




حين خرجت "المبادرة العربية" بعد طول انتظار، وبعد أن بلغ سيل الدماء حداً لا يحتمل، كتبت مقالاً بعنوان " المبادرة العربية بين قراءتين" حيث حاولت تقليب وجهيها الظاهر منها المرفوض الذي يعطي مهلة للنظام بدت وكأنها ضوء أخضر جديد لمزيد من القتل، والدعوة للحوار بين النظام وكافة أطياف المعارضة في مقر، أو في إطار الجامعة العربية ..


كان طبيعياً من الثورة السورية ممثلة بشعبنا، وبالهيئة العامة للثورة، والمجلس الوطني، وشتى أطياف المعارضة الوطنية أن ترفضها للسببين، وأن تبلغ الجميع بإغلاق ملف الحوار مع الطغمة بعد أن أوغلت في القتل، وأنه لم يعد أمام الثورة سوى طريق واحد : المضي في شعار إسقاط الطغمة حتى النهاية، وقبول المفاوضات، وليس الحوار، في حالة واحدة : قبولها بتسليم السلطة للشعب وممثليه .
رغم ذلك حاولت البحث فيما خلف الأسطر، وما تحمله من دلالات، ووجدت أنها الإنذار الأخير للنظام كي تكون الجامعة بحلٍ من أية تطورات محتملة .
كثير من السوريين المعارضين راهنوا على رفض النظام المطلق لشروط المبادرة بالنظر لما يًظهره من عنتريات لفظية، وتكبّر مغلف بالخبث الغبي، وإطلاق فقاعات التهديد، ولم يطرح كثيرهم احتمال أن يوافق(بغض النظر عن خلفية الموافقة)، في خطوة يريد أن يتذاكى فيها فيقذف بالكرة إلى ملعب الجامعة والمعارضة.. وهو ما يحاوله اليوم بإعلان شكل من القبول الأولي ..
ـ نظام الطغمة يدرك اليوم جدّية القادم، وأنه على حافة الانهيار، وأن زمن القصاص اقترب، ولم يعد ممكناً لا في الجامعة العربية، ولا في الهيئة الدولية السكوت على نهجه الدموي.. لذلك " يتنازل" وبذهنه أن يصدّر أزمة للمعارضة، وأن يسعى لتقسيمها، وإحراج الجامعة العربية بإعلان القبول الشكلي بالشروط التي وضعتها ..
ـ إنه يريد أن يلعب على الوقت وبذهنه أنه بذلك يبرّد مواقف الجامعة العربية، ويمتصّ تصعيد الموقف الدولي، وهو يراوغ في الوضع الداخلي بطريقته الخبيثة كي يحاول خنق الثورة، وإحراج المعارضة بوضعها أمام حالة صعبة بين أن تقبل، بما يعنيه، أو يفهمه هو من أن القبول يستدعي حكماً التخلي عن شعار إسقاط النظام، وبما سيحدثه ذلك من شروخ بين الأطراف التي ستقبل، وبين الحراك الثوري الرافض قطعياً لأي نوع من أنواع الحوار مع الطغمة، أو أن ترفض لتتحمل تداعيات ذلك في مواجهة الجامعة العربية، وربما إحداث شروخ فيها، هي التي تتمايز مواقف عديد أطرافها أصلاً .
ـ ربما وقع المفاجأة يربك البعض، لكن نظرة فاحصة لهذه الحالة الدرامية المستجدة تساعدنا على رسم صورة الاحتمالات المتوقعة ..والتي يمكن اختصارها ب :
1 ـ الكل يعلم أن نظام الطغمة وصل حالة الاختناق، وضاقت دائرة المناورة لديه، وفشل في القضاء على الثورة رغم ما استخدمه من عنف قاتل، ومن اعتقالات مدججة بالتعذيب المريع، وأن حلفاءه يقلون وقد بات عبئاً عليهم، وعديدهم نصحه بتغيير نهجه، وإلا .. وهذه الوإلا تحمل تحولاً نوعياً في المواقف سيفتح الطريق أمام الهيئة الأممية لاتخاذ قرارات تجعله وحيداً في مواجهتها، ناهيك عن موقف الجامعة العربية الذي يقارب رفع الغطاء عنه وتجميد عضويته، والاعتراف بالمجلس الوطني السوري .
2 ـ بالوقت نفسه فنظام الطغمة بتركيبته الأقلوية، الأمنية، الفئوية، ونتاجها في النهج الأمني ـ الدموي لا يملك غير ذلك، ولا يمكنه أن يتحول إلى "شريك"، ومحاور، مثلما يستحيل عليه أن يطبق فعلاً الشروط الواردة في " المبادرة العربية"، ذلك أن سحب الجيش والقوات القمعية والشبيحة من المدن، وإيقاف العنف بحق الثائرين، وإطلاق كافة المعتقلين السياسيين.. يعني آلياً خروج ملايين المتظاهرين، وتصعيد أساليب الاحتجاج إلى الإضراب العام، والعصيان المدني، ويعني ذلك أن الكتلة الصامتة لن تبقى في مواقعها وستتحرك باتجاه المطالبة بالحرية والتغيير.. وهذا وضع يستحيل أ، يتحمله النظام .
3 ـ إن وجود مراقبين من الجامعة العربية لمراقبة مدى مصداقية النظام في تطبيق الشروط المقرة، وفحص الواقع السوري من داخله بحرية..سيتيح لثوارنا وشعبنا فرص التعبير الحر نسبياً عن مواقفهم، وبما يسهم في محاصر دعاوي النظام ودجله .
4 ـ إن الإصرار المسبق على سحب الجيش من المدن والمناطق، وأجهزة الأمن، والشبيحة، وإيقاف القتل، والإطلاق الفوري لكافة المعتقلين السياسيين، واعتبار المظاهرات التعبير الطبيعي عن رأي وإرادة المواطنين هي شروط مسبقة لتحديد أي موقف كامل من " المبادرة" . وإن أي خلل في تنفيذ أي بند فيها مباشرة، أو لاحقاً يتحمل النظام تبعاته .
في هذا المجال ونحن نعلم يقيناً استحالة قبول النظام بالتطبيق الحرفي لهذه الشروط، وأنه سيراوغ ويلتفّ عليها، وسيصطنع الذرائع الجاهزة منذ اليوم للتملص منها، وهي كثيرة، ويمكن تعدادها مسبقاً فإن الإمساك بالمبادرة من قبل الهيئة العامة للثورة، والمجلس الوطني السوري، وغيرهما من قوى الحراك الثوري والمعارضة، سيمكن الثورة من تصدير القذيفة التي أراد توجيهها للثورة إليه، ووضعه أمام حقيقته على مرأى ومسمع الجميع .
5 ـ إن المعارضة السورية بكل أطرافها الرئيس أمام الامتحان المباشر لإثبات مدى مصداقيتها بالالتزام بأهداف وإرادة الشعب، وبالتصميم على إنهاء نظام الاستبداد في هذه اللحظة الانعطافية الهامة، بعيداً عن تغليب الذاتي على العام، والأوهام على الحقائق، وبرفض الانجرار لألاعيب النظام وتكتيكاته في الخالوطة التي سيقدّمها على أنها هي المعارضة التي يقصد ويحاور .
إن الإصرار على أن يكون الحوار هو المفاوضة على تسليم السلطة سلمياً وفقاً لصيغ يجري الاتفاق عليها لمرحلة انتقالية محددة تقودها حكومة مؤقتة من المستقلين والتكنوقراط، وبعد تنحي الوريث من رئاسة الجمهورية.. هو الشرط الذي يجب أن تتمحور حوله أطراف المعارضة كافة، مدعومة بالحراك الثوري وهيئاته الشرعية .
وفي جميع الأحوال يجب على المعارضة وعي تكتيك النظام بمحاولة تقسيمها وشرخها على أساس داخل وخارج، ووطنية وغير وطنية، ومع الحوار وضده، برفض الدخول في لعبته القذرة المكشوفة والتمسك بثوابت المشتركات العامة، وأقلها الابتعاد عن افتعال المعارك البينية، والانشغال باستنزاف الجهود في معارك تخدمه .
6 ـ إن أية مبادرة.. مهما بدت الآن حارة، وراهنة.. لن يكتب لها النجاح والاستمرار لعدم توفر مقومات الحياة فيها والتي تعود أصلاً إلى بنية النظام وطبيعته ونهجه وممارساته، وإلى وضوح مناورته لكسب الوقت وتمرير" الأزمة" كما يخطط ويتوهم، ولذلك وبقدر ما تتحلى الثورة وممثليها بالحكمة والحنكة والوعي في التعامل مع مثل هذه التكتيكات المفضوحة، ورفض أسلوب التشنج والردود المباشرة غير المدروسة، أو الرفض الآلي الذي لا يحمل مضامين التوضيح، ومبررات الرفض المقنعة... بقدر ما تتمكن من الإمساك بزمام المبادرة وتصدير الأزمة للطغمة المأزومة وليس العكس .
7 ـ ولئن لم تأت المبادرة بذكر على شهداء الثورة، ومسؤولية النظام في إزهاق تلك الأرواح البريئة الشابة، وفي كمّ الجرائم الفظيعة التي اقترفتها الطغمة بحق شعبنا ومعتقلينا وجرحانا وحرائرنا.. فإن الثورة الأصيلة لا يمكن أن نساهم، أو تصفح عن مسؤولية القتلة، وهي المؤتمنة على أرواح شعبنا، الأمر الذي يستدعي منها وضعها ضمن صياغة شروطها في حالة حدوث مفاوضات مع الطغمة لتأمين الانتقال السلمي إلى الدولة التعددية، المدنية الديمقراطية .


عقاب يحيى
الخميس 3 نونبر 2011