نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


العلويون: شهوة السلطة وكوابيس الدم!





لم يأتِ شعار الأسد للأبد المرفوع زمن حافظ اعتباطياً، كان ثمرة جهد مكثف لعقلية شيطانية، تحكمها شهوة السلطة، أقام الأسد الأب إمبراطورتيه على أساس الأصولية العلوية تماماً كأي تنظيم متطرف مثل القاعدة أو حزب الله، أعاد تفكيك وتركيب الذهنية العلوية، حولها عبر عملية غسيل دماغ، وعلى مدار ثلاثة أجيال من طائفة مسالمة منفتحة، إلى مستعدة للقتل بأغلبيتها، مستنداً لمظلومية تاريخية انتقامية مُبالغ بها، أو ربما لم تحدث أساساً على أيدي سوريين لأسباب طائفية مذهبية.


 

 
 

 مظلومية الخيال الشعبي
يتغنى العلويون بالأمير حسن المكزون أحد أهم رموزهم، جاء القائد من جبال سنجار على رأس جيش لنصرتهم مرتين عامي 1213، 1221م في مواجهة خصومهم من الأكراد والأتراك والسلاجقة والاسماعيليين، لم يكن العلويون دائماً هم الطرف المستضعف المعتدى عليه، بل لم تندلع المواجهات بين الأطراف المختلفة على أساس ديني إنما لدوافع اقتصادية بحتة سببها الفقر ومحدودية الأرض الصالحة للزراعة وينابيع المياه حينذاك، وفقاُ لما يذكره المحامي محمد خوندة في كتابه [تاريخ العلويين وأنسابهم].

تحفُر المظلومية العلوية 13 قرناً في التاريخ بحسب ما كتبه الشيخ عبد الرحمن الخير في بحث نشره على حلقات سنة 1937 في مجلة اليقظة بعنوان [يقظة المسلمين العلويين]، يتحدث الخير عن اعتداءات متوالية على الطائفة، حرق بيوتها، نهب مواشيها ومقتنياتها، قتل علمائها ومشاهيرها، بالنتيجة ضياع أثارها الفكرية القديمة، إلا ما حفظته صدور رجالها، أو ما وعاه علماؤها، وما بقي حتى اليوم قليل من كثير.
إذاً، يعترف الشيخ الخير بشكل ما، أن المظلومية العلوية تقوم على الخيال الشعبي لا التوثيق العلمي، وللدقة تشوبها المتناقضات بين روايات كُتاب الطائفة ومؤرخيها أنفسهم.

يدعي محمد هواش مؤلف كتاب [العلويون ودولتهم المستقلةً] أن الحاكم التركي ضيا باشا أسرف في التنكيل بالعلويين وتصفيتهم إلى درجة وضعهم على الخوازيق لمجرد التلذذ برؤيتهم يعانون سكرات الموت البطيء، بينما يذكر سلمان محمد يوسف في كتابه ًحياة المجاهد الأول الشيخ صالح العلي، أن الشيخ علي سلمان والد الشيخ صالح التقى المتصرف العثماني ضيا باشا عام 1886 م، وشكى له ما يعانيه العلويون من اضطهاد بعض سكان المدن حين يقصدونها لقضاء حاجاتهم إضافة إلى افتقار مناطقهم للمدارس، استجاب المتصرف لطلبات الشيخ، استصدر أمراً من السلطان عبد الحميد ببناء خمسين جامعاً، وخمسين مدرسة في جبال العلويين، يؤيد الشيخ عبد الرحمن الخير الرواية الثانية مطالباً سكان المنطقة بتخليد ذكر ضيا باشا لعدله و جهوده في تعليمهم وتمدينهم.

على ذات الخيال الشعبي، ومبدأ قيل عن قال، تم بناء الأساس العاطفي لحكايات الخادمات العلويات اللواتي عملن حتى منتصف خمسينيات القرن الماضي في بيوت سنة المدن خاصة دمشق وحمص وحلب.
حكايات لا تنتهي عن آلام الفتيات العلويات، تبدأ بالاعتداء الجنسي لأصحاب العمل عليهن إلى بيعهن أو تزويجهن دون مشورة أو استئذان.
لا وجود لوقائع موثقة عن بشاعة الظاهرة بقدر ما تناولتها بعض الروايات والأعمال الأدبية لروائيين وكتاب علويين منها رواية سنديان الذاكرة لسليم عبود. الأدب عماده الخيال، وخيراً فعل كتابه حين أبقوه في اطاره الطبقي الاجتماعي الحقيقي. لا أحد ينكر أن ظلماً وقع على طائفة فقيرة، لكن لفقرها لا لمعتقدها، وما أصابها لحق بفقراء كثر من الأرياف في مختلف أنحاء سوريا، لا أعتقد أن الاقطاع العلوي، وعائلاته بالعشرات منهم آل الكنج، وآل مخلوف، كانوا أكثر شفقة على الطائفة من الاقطاعيين والبرجوازيين السنة.


 ثنائية السلطة والمال!
هذا المخزون العتيق من عمر مأساة سيدنا الحسين، كان جاهزاً لاستحضار مكوناته، وتحويله إلى سلاح مدمر أو غول يلتهم كل من يعترض سبيله في طريقه إلى السلطة. درس حافظ الأسد جيداً تجربة حسن الصباح الاسماعيلية، تمعن بمحاولة حسن البنا السنية وتنظيمه السري، مزج بين الاثنتين، استفاد من طائفة بلا كهنوت لينصب نفسه وكيلاً عن إله، أو مهدياً منتظراً، أو مرشداً عاماً لجماعة، أو ولياً علوياً للفقيه.

عمد الأسد ما قبل انقلابه على رفاقه سنة 1970، وما بعد إلى الاقصاء، وشراء الولاءات بآن معاً.
في إحدى مقالات مروان حبش الوزير ورفيق حافظ الأسد في القيادة القطرية للبعث ثم سجينه لمدة 23 عاماً، يذكر مقولة للأسد مفادها.. من طلب سلطة أعطيناه، ومن أراد مالاً وهبناه، والذي لا يريد تلك وذاك، له السجن أو القبر.
بالفعل، عمم الرجل ثقافة الإفساد، من لم يرضخ لثنائية السلطة والمال، انتحر كعبد الكريم الجندي، أو اُغتيل كاللواء محمد عمران، أو قضى في سجنه كاللواء صلاح جديد والرئيس نور الدين الأتاسي، أو عاش في المنافي كرئيس الوزراء يوسف زعين ووزير الخارجية الراحل منذ أيام ابراهيم ماخوس، أو خرج من السجن في خريف العمر ليبدأ حياته من جديد فقيراً كحبش نفسه وغيره.


 تجييش الطائفة!
ركز الأسد على الضباط العلويين، سرح البعض، سجن آخرين، أدبهم أو أعاد تأهيلهم، لا فرق، المهم أدخلهم مدجنة ثنائية السلطة والمال. مجموعة من الضباط المحسوبين على جناح جديد، نُفوا إلى مدينة الطبقة بعد نحو سنة من انقلاب الأسد، الثرثرة أعادتهم منها إلى سجن المزة، قضوا يحادثون بعضهم في المهجع خمس سنوات، خرجوا بعدها إلى وظائف تُدفء الجيب، ولا تُصدع رأس النظام، أحد هؤلاء غريب وقاف زوج مذيعة التلفزيون المعروفة ماريا ديب، وصل إلى رتبة آمر عام الجمارك في سوريا، منصب مهبر، لا غرابة أن يستبسل ابنه عمار وقاف عضو المنتدى الاجتماعي السوري بلندن في الدفاع عن بشار ابن حافظ.

حرك حافظ الأسد في نفوس أبناء الطائفة غريزة السيطرة، حاصرهم بآلام الماضي المفترضة، بالخوف من المستقبل، شتت الزعامات التقليدية لعشائرهم، قلب عالي الطائفة واطيها، دفع بمتنفذين وحماة جدد للهيكل، وزع عليهم الهبات والعطايا، لكلٍ حسب طاعته واخلاصه، ورمى بالفتات إلى غالبية فقيرة بسيطة، توهمت أنها بنجوم معدنية تلمع على الكتف، أو بمسدس ظاهر على الخصر أو بحرف القاف المميز، أو بمخالفة بناء لا تصلح لحياة البشر، امتلكت الأرض وما فوقها وتحتها.

شكل حافظ سرايا الدفاع برئاسة شقيقه رفعت الأسد [لاحقاً الفرقة الرابعة] كأول فصيل عسكري علوي خالص مع استثناءات بسيطة تؤكد القاعدة، مستقل تماماً عن أركان الجيش بل فوق سلطتها، استنسخ من الدفاع صورة مشابهة سميت سرايا الصراع أقل عدداً وعدة، يقودها ابن عمه عدنان الأسد، يبقى الحرس الجمهوري التابع مباشرة للرئاسة المثال الأسطع عن فرق النخبة الطائفية.


 ولادة الشبيحة!
عزز الأسد الأب ارهابه على المجتمع بعد قضائه على حركة الأخوان المسلمين في الثمانينيات بإعطاء الضوء الأخضر لتشكيل ميلشيا علوية غير عسكرية، حينئذ ولدت ظاهرة الشبيحة من رحم العائلة الأسدية، مؤسسها فواز الأسد ابن جميل الشقيق الأكبر، اشتغلت بكافة أنواع المهربات علناً خاصة السجائر ومواد البناء أيام الحصار الاقتصادي، سميت بالشبيحة لركوب أفرادها سيارات مرسيدس أس 500 المعروفة بين أوساط العامة بالشبح، وارتدائهم الزي الأسود حليقي الرؤوس، مطلقي اللحى، جنوا أمولاً طائلة، مارسوا عربدتهم على الأجهزة الحكومية المختلفة، شكلوا سلطة فوق جميع السلطات، أذلوا الناس العاديين خاصة في محافظتي اللاذقية وطرطوس، ارتكبوا جرائماً وصلت إلى حد الخطف والاغتصاب والقتل!

تجاوز الشبيحة الحدود المرسومة لهم، ضج العلويون والسنة والمسيحيون بتجاوزاتهم، حدثت اشتباكات اسُتخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين جماعة فواز وجماعة محمد الأسد الملقب بشيخ الجبل ابن توفيق وشقيق العميد زهير الأسد ربيب رفعت وقائد اللواء تسعين حالياً، حينئذ أصدر الرئيس أوامره لابنه باسل بطي الملف باعتبارها فرصة لتلميع الصورة، توجه الوريث المأمول على رأس حملة إلى اللاذقية، اعُتقل صغار الشبيحة غير الأسديين من الشوارع، ومن حاول الاعتراض وضُع في صناديق السيارات، اجتمع الرائد باسل بأمراء الشبيحة من أبناء عمومته، أفهمهم أن مهمتهم انتهت، انكفأت الظاهرة العلنية إلى الظل، تحول الزعماء إلى ما يشبه رجال الأعمال، استبدلوا لقب معلم بأستاذ، والتهريب بالسمسرة والوساطات، رغم ذلك لا تزال مقولة.. أهرب يا ولد هارون بالبلد، يتردد صداها في أرجاء الساحل، هارون هو الابن الأصغر لجميل الأسد.


 حافظ الأسد ملكاً!
ما سبق، لا يعني رضوخ جميع أبناء الطائفة لإرادة حافظ الأسد، تمرد الكثيرون خاصة الشيوعيين المنضوين في الأحزاب السرية أهمها حزب العمل، زج بالآلاف منهم في المعتقلات لسنوات طويلة أبرزهم الدكتور عبد العزيز الخير، خرج المعتقلون ليجدوا طائفتهم تغولت، استكمل الأسد توريطها حتى أنفها بالجيش وأجهزة الأمن، وبشبكة عنكبوتية من مصالح ووظائف مختلفة متدرجة في دوائر الدولة بالمدن الكبرى، غزوا العاصمة، احتكروا أكشاك البيع في الطرقات، هجروا أريافهم الجميلة ليسكنوا عشوائيات بائسة أو مساكن عسكرية أقرب إلى الكانتونات المغلقة، انكشفت مهمتها كألة تفقيس للشبيحة، موزعة في مناطق مدروسة تكاد تطبق على دمشق.
رضخ معظم المعارضين لقوة الأمر الواقع، أعادوا تأهيل أنفسهم في مجتمع توج حافظ الأسد ملكاً وممثلاً شرعياً وحيداً للعلويين، تماهوا مع المتسلط كأصحاب للسلطة.

بدءاً من منتصف الثمانينات، أحكم الديكتاتور قبضته على الجيش والأمن والاعلام والثقافة من خلال الطائفة، عسكر الاقتصاد والمجتمع، همش كل ما هو مدني، حول المؤسسات إلى ديكور، مجلس الشعب منزلاً للدمى، الحكومة رقعة شطرنج للحاكم بأمره، حزب البعث مشجباً لتعليق الجرائم ودريئة لتلقي اللعنات والشتائم، الجبهة الوطنية متحفاً لتحنيط أحزاب ميتة مشوهة، صار المجتمع المدني جريمة تمس بأمن إمبراطورية الأسد.


 تدمير مدنية الدولة!
أخطر ما فعله الأسد الأب محاولته القضاء على المدنية السورية، مدنية موغلة في القدم، تمتد إلى ما قبل الاسلام، وما بعده، وليست دولة معاوية الأموية بعيدة عنها، لعب على كل تناقضات المجتمع الدينية والأثنية والعرقية والعشائرية والمناطقية وصولاً للمصلحية التجارية.
ما من مذهب وطائفة مسلمة أم مسيحية إلا وتلاعب برجال دينها ورموزها، استبدل مشايخ وخوارنة بآخرين، ومن لم يستطع الانقلاب عليه، أرهبه أو اشتراه أو قربه.

شهدت سوريا في عهد الأب توسعاً لافتاً في بناء المساجد السنية تبرعاً وتمويلاً، نشر معاهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم، أوكل للمفتي الراحل أحمد كفتارو وأولاده مهمة تأسيس معاهد الفتح بهدف استقطاب طلاب العلوم الشرعية من الدول العربية والاسلامية، غض النظر عن انشاء مجموعات دينية نسائية مثل القبيسيات.
بالمقابل راقبت الأقليات الدينية ما اعتبرته تهديداً وجودياً مستقبلياً ينسف التوازنات القائمة على الاعتدال السني الشامي أساساَ.

من تحت الطاولة، عمد الأسد إلى محاولة كسر الأغلبية السنية بفتح ثغرة للتشييع، أعطى أمر العملية لشقيقه الأكبر جميل، سافر أبو فواز إلى إيران، عاد بطاقية حاج، وبشيكات دورية تكفي لتأسيس وتمويل جمعية الامام المرتضى، أخطأ الحاج بالتصويب، وجه سهام الدعوة للتشيع باتجاه جبال العلويين بدلاً من المناطق السنية، أثار تهجمه على المزارات العلوية غضب الطائفة، ارتج المخزون العسكري والبشري لتسلط الأسد، فاتخذ القرار بطي صفحة الجمعية بالتزامن مع الحاجة إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي بعد تفجر الصراع الشهير بين حافظ ورفعت على السلطة.
لم تُحدث انتكاسة التشييع خللاً يُذكر في خطط تدجين جميع السوريين، وتحويل سوريا إلى مزرعة للرعب، الكل يتربص ويخاف ويتوجس من الكل، والمجموع يخشى غضب القيصر وانتقامه.


 الوريث الغافل!
في حديث لوزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس إلى قناة "الجديد" قبل سنوات، أكد العماد أول أن النظام الذي أنشاؤه، يقصد الأسد الأب، يستحيل الانقلاب عليه، هذا شبه يقين قياساً إلى حوامل الطائفة، الجيش، الأمن، الخوف، وشبكة حماية اقليمية دولية عنوانها أمن إسرائيل، ومفتاح اعتلاء الأسد أصلاً لصهوة السلطة حين اعترف بوجودها بصماً على القرارين الأمميين 242، 338.

ورث الأسد الابن نظاماً ستالينياً عن أبيه، اطمأن إلى أبديته، يمزح جاداً بين أصدقائه اللبنانيين حين يُعرفهم على ابنه بالرئيس المقبل حافظ الثاني، عيبه في أنه لم يرث الدهاء المطلوب للاستمرار، ظن حكم سوريا لعبة يشاركه فيها شقيقه ماهر، شركة يديرها لهما ابن خالهما رامي مخلوف وثلة من محدثي النعمة دون حسابات حتى للبرجوازية التقليدية التي بدأت تخرج من المولد بلا حمص، بدل طرابيش المناصب على مقاس بذته الفضفاضة عليه، تجاوز كل الخطوط الحمراء والصفراء، وهو يلعب بأبُهة السلطة متأبطاً ذراع أسماء ماري انطوانيت، سحب من فم البسطاء لقمة العيش، افترشت الفوارق الطبقية شوارع المدن والريف المتمدن عمداً، داهمته حركة التاريخ وهو يقفز من أرجوحة الاصلاح الاداري إلى قلابة اقتصاد السوق الاجتماعي، لم ينتبه إلى خروج مارد الشعب من قمقم الخوف على أيدي أطفال درعا.


 الطائفية في مواجهة الثورة!
شيء وحيد في تلك اللحظة يحفظه الأسد الابن، وراثته لسلطة بلا دولة، السلطة تحتاج إلى عصبية تحميها، العصبية العلوية في أوج نشوتها بالسلطة، مستنفرة تتوهم أنها ثأرت لصفين وكربلاء ولتاريخ الحرمان، يطل الإمام علي عليه السلام عبر صورته وسيفه ذو الفقار من النوافذ الخلفية للسيارات العمومية والخاصة والأمنية، تحيط الخلعات الخضراء المأخوذة من مزارات مشايخ العلويين بالمعاصم، القبضات جاهزة لتنهال على خصم مطلوب الباسه العمامة السنية.. كانت جرعات التحريض جاهزة، وماكينة الاشاعات الأمنية السرية والدعاية الإعلامية حاضرة.

افتتح التلفزيون السوري المزاد بعرض لمسيرات ليلية بالسيارات، يرافقها على الشاشة شرح.. مسيرات تأييد للسيد الرئيس وللوحدة الوطنية. لكن، ما دخل الوحدة الوطنية، تهمُس السيدة بثينة شعبان في اليوم التالي 24/3/2011 بسر فضحته تصريحاتها الصحفية المتلفزة مؤكدة أن سوريا مستهدفة بالفتنة.
استخدم الأسد في خطابه الضاحك الشهير أمام مجلس الشعب يوم 30/3/2011 مصطلح الفتنة 14 مرة، وكلمة طائفي وطوائف 7 مرات، واللحمة الوطنية مرتين، عدا المؤامرة والتحدي، وما شابه.

رد المتظاهرون السلميون على الخطاب الإعلامي التحريضي بشعار واحد واحد واحد .. الشعب السوري واحد.
سربت أجهزة الأمن لقطات الاذلال الطائفية في البيضا ببانياس إلى الاعلام لتصب الزيت على النار، أطلقت من سجونها المتشددين لتعزز روايتها في مواجهتهم قبل أن يتسربوا من خارج الحدود الفالتة وينقلب السحر على الساحر.


 العلويون يعلنون النفير العام!
صدق العلويون، الأصح تظاهروا بتصديق رواية السلطة، ليبرروا لأنفسهم أخلاقياً ووطنياً وقوفهم خلف القتلة، وامدادهم بالذخيرة البشرية اللازمة، والشبيحة المتوحشة الفالتة من كل عقال إنساني.

السلطة كالعشق، مذاقها لا ينسى، صعب الفكاك من إدمانها، قلة من العلويين غردت خارج السرب، تمردت على غريزة القطيع، سرعان ما حاصرتها الطائفة اجتماعياً ودينياً، خونتها كما حدث مع وزير الاعلام الأسبق محمد سلمان وطريقه الثالث منخفض المطالب خافت الصوت.

من تظاهر في البدايات منتصراً للحرية والكرامة، انقلب تحت الضغط المُركز للطائفة والتهديد الأمني المباشر، البعض انسحب وانزوى مرتبكاً، معارضون وسجناء رأي سابقون ابتلعوا ألسنتهم واختفوا، ضحايا انحازوا لسجانهم السابق، آخرون مارسوا النفاق موزعين بيضهم بالتساوي بين سلتي الثورة والسلطة، قلة القلة استمرت، بقيت على إيمانها بسوريا الوطن فوق المذاهب والطوائف، وتدفع الثمن غالياً.


 الاحتماء بالأقليات!!
مضحك مبكٍ، أن ينمسخ النظام القومجي من التصدي لحماية العروبة إلى التلطي خلف الأقليات احتماءً بها، يتخذ من العلويين سلاحاً ودريئة للحرب، ومن المسيحيين وسيلة لتسويق نفسه، أداة لتسول المواقف الخارجية وتخويفها، مساحيق تجميل لصورته البشعة، المفارقة أن رجال الدين الرسميين من كل المذاهب والطوائف وقفوا مع النظام العلماني، ومن تفوه بكلمة حق، أُبعد مثل الأب باولو، أو خون مثل الأم بيلاجيا كبيرة راهبات دير معلولا آخر المتهمين بالتآمر مع الارهابيين ضد الجيش على ذمة المنحبكجية والشبيحة.

مستشارة العلمانية بثينة شعبان، طورت خطابها من فتنة بدايات الثورة إلى عصابات سنية تختطف 40 طفلاً علوياً من اللاذقية وتبيدهم بغاز السارين في غوطة دمشق، لفظتها بالإفرنجي على محطة سكاي نيوز الانكليزية، لم تفعل شيئاً سوى اطلالتها بالوجه القبيح لسلطتها الطائفية دون مكياج.


الوحش الطائفي والدولة!!
في مقال نشره موقع (كلنا شركاء)، يُعرف الدكتور أحمد برقاوي أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق الطائفية بأنها: (نزعة تعصبية للطائفة، حالة مرضية تصيب الفرد والجماعة، وكل نزعة تعصبية هي إقصائية للآخر سراً أوعلناً، وفي حال انتقال التعصب الطائفي إلى النظام السياسي الحاكم، يحفُر تحطيم العقل مجراه ببطء داخل جسد المجتمع وصولاُ إلى التدمير الشامل للحياة)..

أليس هذا ما أرساه الأسد الأب، وسار عليه الابن؟
الأول، ربى الوحش الطائفي، رعاه بالعتمة، لوح بأنيابه عند اللزوم جيشاً وأمناً وشبيحة، قاده بمهارة..
الثاني الوريث، يعرف أو لا يعرف، والمصيبة أفظع، أن الوحش صار أكبر منه، مع ذلك عند أول أزمة أطلقه، لا يفقه أن أنيابه ستُسخن سوريا بالجراح لكنها حتماً ستلتهمه..

سوريا، أكبر وأنبل من أن تحكمها طائفة أي كانت أو حزب ديني.
الدولة المدنية، المواطنة والعدالة الانتقالية هم ثالوث المستقبل السوري.
كارثة، أن يدرك الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني استحالة استمرار العلويين باغتصاب السلطة، وغالبية الطائفة لم تهضم الحقيقة بعد.
بيد العلويين إنقاذ سوريا ومستقبلهم فيها أو إطالة كوابيس الدم.. في الحالتين، سيسجل التاريخ ذلك

---------------------------------
ملف كتبه لأورينت نت: إياد عيسى

إياد عيسى
الثلاثاء 17 سبتمبر 2013