لكن من غير المتفهم أبدا أن يسكت البعثيون بالوكالة من بقايا العروبيين تجاه كل جرائم النظام السوري التي خلفت مائة ألف قتيل وملايين المشردين وشعبا سيكون ناقما ليس فقط على الذين خذلوه، بل على المجتمع الدولي بأكمله الذي خذله وتركه يواجه الدمار والموت اعتراضا على وجود مجموعات جهادية استغلت الوضع على نحو طارئ ومسبوق في كل التوترات بدءا من أفغانستان ومرورا بالبوسنة والشيشان والعراق، وفي كل تلك التجارب كانت الأزمة في عودة المقاتلين أكبر بكثير من استثمارهم لمنطقة التوتر في الإقامة ومع كل السيناريوهات التي يطلقها اليوم من يستخدمون فزاعة «القاعدة» لخذلان الشعب السوري فإن أسوأ سيناريو هو أقل بشاعة ولا شك مما يجري على الأرض الآن. إدانة الضربة الإسرائيلية ليست عملا حربيا ولا تعبر عن موقف سياسي صلب، بل هو جزء من تكنيك «التطهر» الذي تمارسه الدول والمنظمات وحتى الأفراد كضريبة للشرخ النفسي العميق الذي يسكننا جميعا تجاه قضية «فلسطين»، لكنه في الحالة السورية يعتبر فضيحة أخلاقية تعبر عن نفاق سياسي يقاوم بالكلمات إذا كان مقتصرا على إدانة الضربة والسكوت عن جرائم النظام، وأعتقد جازما أن هذه الولولة السياسية التي نشاهدها ستنعكس على إيمان شرائح كثيرة من الشعوب العربية بالقضية الفلسطينية التي اختطفها خطاب البعث وحولها إلى عبث لم ينعكس على الفلسطينيين إلا بالسلب، وربما لأن ذاكرة «العروبيين» قصيرة جدا، فمن المهم التذكير بأن هذا النظام المقاوم هو الذي وقف على الضد تماما في كل مواقف التحرر والتحرير التي خاضتها شعوب خذلها البعث بمواقفه المتناقضة من أفغانستان والشيشان ووقوفه مع الروس إلى البوسنة وتأييده للصرب إلى حرب العراق وإيران وانحيازه لطهران، بل إن جرائم هذا النظام واضحة تجاه فصائل المقاومة الفلسطينية ذاتها، ومن يقرأ كتاب حازم صاغية المهمة «البعث السوري تاريخ موجز» فسيذهل من حجم ما سماه التذرع بالمقاومة للوصول للسلطة والقاطرة التي أسست لأكثر نظام استبدادي متناقض عرفته المنطقة وأثر ذلك النظام المدمر على سوريا والعراق ولبنان والقضية الفلسطينية ذاتها.
مرضى «العروبة» لم يلتفتوا حتى إلى رد فعل النظام وأنصاره على الفضائيات والتي لو قدر لمخرج أن يجمعها في سياق واحد لخرجنا بأحد أكثر نصوص الكوميديا ثراء كما أنهم يتجاهلون ببلادة أن العنف الموجه تجاه الشعب السوري ازداد بوتيرة مفجعة بعد الضربة الإسرائيلية التي رغم كل هذا العويل يمكن قراءتها سياسيا في محاولة إسرائيل الدؤوبة لقراءة حجم إدارة الولايات المتحدة لإيقاع الربيع العربي ورد فعل هذا الصعود للإسلام السياسي تجاه عنجهيتها وغطرستها، حيث لا تجد سوى الكثير من الكلام والاستنكار الذي يعبر في جوهره عن عجز «الفعل العربي» السياسي بشكل مخيف ومحبط.
والحال أن الواقع السوري الآن المتروك بيد نظام الأسد لن ينتج سوى المزيد من الفوضى في حال بقاء المجتمع الدولي متفرجا، فبإزاء تعاظم وتنامي حالة «العسكرة» وهي أشمل بكثير من عقدة «القاعدة» التي يتم اجترارها لأغراض سياسية، هناك كم من التيارات المقاتلة التي لا تنتظمها قيادة موحدة، كما أن تحول مناطق بأكملها تحت سيطرة فصيل جهوي كالأكراد أو عشائري كما يحدث في الأرياف سيطيل أمد الفوضى حتى بعد رحيل النظام، وهو أمر قادم لا محالة رغم كل محاولات الإنعاش السريري التي يتقاطر تجار المواقف السياسية الآن لاستغلالها ليس بغرض الدفاع عن الشعب المسحوق بنيران النظام، وإنما لكسب تحالفات إقليمية ودولية.
من جهة السياسة؛ فإن استنزاف الشعب السوري بهذه الطريقة ودخول إيران وبشكل سافر عبر حزب الله إلى الداخل السوري، وإرسال مقاتلين وأسلحة سينعكس سلبا على القضية الفلسطينية التي يتذرع بها النظام للبقاء وسحق شعبه؛ بل وعلى المستوى السياسي سيضغط على أوباما لتمرير مشروع يهودية الدولة عبر السكوت عن المشروع الاستيطاني والضغط لبدء مفاوضات تنازلية هشة في مقابل أن تقوم أميركا بالضغط على أنصارها الجدد وتحديدا «الإخوان» للبقاء في معسكر السلام لضمان بقائهم في السلطة.
هذه المقايضة بين أمن إسرائيل الذي يتم تأسيسه أميركيا الآن وبقاء «الإخوان» في السلطة رغم إخفاقاتهم الداخلية هو «العبث» المسكوت عنه والذي يتم تعويمه ببلاغات لفظية لا علاقة لها بالسياسة أو حتى قراءة منطق إسرائيل السياسي بشكل صحيح.
التسوية التي يعد لها الآن لن تكون دون تنازلات ضخمة من دول الربيع العربي وتحديدا «الإخوان» في مصر لضبط قطاع غزة وفصائل المقاومة كثمن مستحق على الدعم الأميركي اللامحدود لها تجاه كل القوى المدنية والمعارضة الداخلية وحتى الإخفاق المروع في الأداء السياسي، وحتى لا يبدو هذا تحاملا يمكن إعادة قراءة خط مسار حضور إسرائيل في خطاب الربيع العربي منذ التأكيدات بالحفاظ على المعاهدات الدولية مرورا بالدور الإقليمي لتركيا وقطر والإشارات المطمئنة التي أطلقها أولئك الذين يرمون إسرائيل في البحر في خطاباتهم لكنهم يرمون شعوبهم في أتون الفقر والانهيار الاقتصادي والتشرذم الطائفي والسياسي في تأكيد أننا ننتقل من البعث إلى العبث بكل ما تعنيه الكلمة من فوضى!
مرضى «العروبة» لم يلتفتوا حتى إلى رد فعل النظام وأنصاره على الفضائيات والتي لو قدر لمخرج أن يجمعها في سياق واحد لخرجنا بأحد أكثر نصوص الكوميديا ثراء كما أنهم يتجاهلون ببلادة أن العنف الموجه تجاه الشعب السوري ازداد بوتيرة مفجعة بعد الضربة الإسرائيلية التي رغم كل هذا العويل يمكن قراءتها سياسيا في محاولة إسرائيل الدؤوبة لقراءة حجم إدارة الولايات المتحدة لإيقاع الربيع العربي ورد فعل هذا الصعود للإسلام السياسي تجاه عنجهيتها وغطرستها، حيث لا تجد سوى الكثير من الكلام والاستنكار الذي يعبر في جوهره عن عجز «الفعل العربي» السياسي بشكل مخيف ومحبط.
والحال أن الواقع السوري الآن المتروك بيد نظام الأسد لن ينتج سوى المزيد من الفوضى في حال بقاء المجتمع الدولي متفرجا، فبإزاء تعاظم وتنامي حالة «العسكرة» وهي أشمل بكثير من عقدة «القاعدة» التي يتم اجترارها لأغراض سياسية، هناك كم من التيارات المقاتلة التي لا تنتظمها قيادة موحدة، كما أن تحول مناطق بأكملها تحت سيطرة فصيل جهوي كالأكراد أو عشائري كما يحدث في الأرياف سيطيل أمد الفوضى حتى بعد رحيل النظام، وهو أمر قادم لا محالة رغم كل محاولات الإنعاش السريري التي يتقاطر تجار المواقف السياسية الآن لاستغلالها ليس بغرض الدفاع عن الشعب المسحوق بنيران النظام، وإنما لكسب تحالفات إقليمية ودولية.
من جهة السياسة؛ فإن استنزاف الشعب السوري بهذه الطريقة ودخول إيران وبشكل سافر عبر حزب الله إلى الداخل السوري، وإرسال مقاتلين وأسلحة سينعكس سلبا على القضية الفلسطينية التي يتذرع بها النظام للبقاء وسحق شعبه؛ بل وعلى المستوى السياسي سيضغط على أوباما لتمرير مشروع يهودية الدولة عبر السكوت عن المشروع الاستيطاني والضغط لبدء مفاوضات تنازلية هشة في مقابل أن تقوم أميركا بالضغط على أنصارها الجدد وتحديدا «الإخوان» للبقاء في معسكر السلام لضمان بقائهم في السلطة.
هذه المقايضة بين أمن إسرائيل الذي يتم تأسيسه أميركيا الآن وبقاء «الإخوان» في السلطة رغم إخفاقاتهم الداخلية هو «العبث» المسكوت عنه والذي يتم تعويمه ببلاغات لفظية لا علاقة لها بالسياسة أو حتى قراءة منطق إسرائيل السياسي بشكل صحيح.
التسوية التي يعد لها الآن لن تكون دون تنازلات ضخمة من دول الربيع العربي وتحديدا «الإخوان» في مصر لضبط قطاع غزة وفصائل المقاومة كثمن مستحق على الدعم الأميركي اللامحدود لها تجاه كل القوى المدنية والمعارضة الداخلية وحتى الإخفاق المروع في الأداء السياسي، وحتى لا يبدو هذا تحاملا يمكن إعادة قراءة خط مسار حضور إسرائيل في خطاب الربيع العربي منذ التأكيدات بالحفاظ على المعاهدات الدولية مرورا بالدور الإقليمي لتركيا وقطر والإشارات المطمئنة التي أطلقها أولئك الذين يرمون إسرائيل في البحر في خطاباتهم لكنهم يرمون شعوبهم في أتون الفقر والانهيار الاقتصادي والتشرذم الطائفي والسياسي في تأكيد أننا ننتقل من البعث إلى العبث بكل ما تعنيه الكلمة من فوضى!