.
لا يأتي جورج صبرا الى قيادة المجلس الوطني بوصفه مسيحيا، بل يأتي بوصفه مواطنا سوريا ومناضلا ديموقراطيا، وكل الكلام الذي قرأناه حول هذا الموضوع لا يمت الى الحقيقة بصلة. هذا لا يعني ان الرجل يتنكّر لأصوله المسيحية، بل يعني انه يأتي من مكان آخر، حيث لا يلعب الانتماء الديني سوى دور اغناء ثقافي للوطنية السورية. اما المناورات الانتخابية فلم تكن سوى مناورات، لأن المجلس الوطني ليس هيئة تمثيلية منتخبة، بل هو تحالف سياسي، لعب اعلان دمشق وحزب الشعب الديموقراطي دورا رئيسيا في تأسيسه.
غير ان انتخاب صبرا لن يأتي معه بحل سحري لمشكلات تشكّل المعارضة السياسية السورية. فما درجت وسائل الاعلام على تسميته بالحاجة الى توحيد المعارضة السورية، كان رفضا او عجزا عن رؤية الواقع. المسألة ليست في توحيد المعارضة بل في تشكيلها، فدارت ولا تزال تدور سجالات عقيمة حول من يتولى القيادة، علما ان المطلوب هو تشكيل بنية سياسية متماسكة، قبل طرح مسألة قيادتها. وقد اتخذ هذا السجال شكلا عبثيا في البداية حين بدا وكأنه خلاف بين دعاة التدخل الخارجي ودعاة رفضه. كأن التدخل كان على الأبواب! وكأن العقول السياسية السورية تناست التحليل العقلاني الذي كان يقود بكل وضوح الى استنتاج مفاده ان لا تدخل، وان الطرف الغربي غير مستعد او قادر على اغضاب اسرائيل من ناحية والدخول في مواجهة مع المعسكر الروسي-الايراني الداعم للنظام، من ناحية ثانية.
واليوم يدور نقاش اكثر عقما حول الخيار بين دعاة الثورة السلمية ودعاة المقاومة المسلحة للنظام. وقد فات انصار الخيار السلمي حقيقة ان لا احد من القوى السياسية قاد او يقود العمل المسلح، بل ان هذا العمل جاء اولا كردة فعل عفوية على وحشية النظام، وانه يحتاج اليوم الى هياكل تنظيمية كي لا تتحول الثورة الى غابة من السلاح الذي لا ضوابط له ما يسمح للقوى الاقليمية بالتلاعب به وبمستقبل الشعب السوري.
مبادرة رياض سيف اعادت طرح السؤال حول كيفية تشكيل المعارضة. والمسألة برمتها لا تزال غير واضحة المعالم. لماذا الحماسة الامريكية للمبادرة، ولماذا اتحفتنا وزيرة الخارجية الامريكية بهجومها اللاذع على المجلس الوطني قبل الدوحة؟
اذا قرأنا نص مبادرة سيف فاننا لا نجد فيه اي شيء مختلف عن الوثائق السابقة للمعارضة السورية، كل ما هنالك هو محاولة ادخال منشقين عن النظام الاسدي وفي طليعتهم رياض حجاب الى معادلة المعارضة، مع وعد بالمساعدات، ورفع حظر ارسال الأسلحة عن الجيش الحر؟
اين المشكلة اذا؟
المشكلة هي اننا امام لوحة لم تتشكل بعد، وسبب عدم التشكل هو غياب الأحزاب السياسية المنظمة، باستثناءات قليلة. لذا فالثورة لا تزال كما في لحظة انفجارها من دون قيادة فعلية. انها انفجار اجتماعي وسياسي واخلاقي عفوي، فالشعب لم ينتظر قيادات المعارضة كي يثور، ولن ينتظرها كي يتابع ثورته، والسؤال هو متى وكيف تستطيع هذه القيادات ان تلتقي بالشعب في ميادين الثورة؟
كان الأمل هو ان يكون شلال الدم السوري الذي قدم نموذجا جديدا لقدرة الشعب على اجتراح معجزة الثورة حافزا للقوى السياسية للاسراع في تشكيل نفسها داخل بنية سياسية جبهوية تمنع التلاعب الاقليمي بمصير الثورة، وتشكل اطارا لحمل تطلعات السوريات والسوريين الى الحرية. لكن الأمل خاب حتى هذه اللحظة. فالمعارضات السورية من اعلان دمشق الى التيارات الاسلامية الى هيئة التنسيق هي اشكال هلامية زئبقية، ولدت في ظل قمع لا يرحم، ويصادر السياسة والمجتمع، بحيث لم تتمكن الاشكال الجبهوية التنظيمية من التبلور، وجاءت الثورة بالمخزون الشعبي الهائل الذي فجرته، وبتعقيداتها الاقليمية والدولية لتكشف هشاشة هذه البنى وعدم جاهزيتها. هنا يكمن الخلل الذي يقود الى واقع ان مؤتمرات توحيد المعارضة لا تجري الا تحت مظلات قوى عربية واقليمية ليس بعيدة عن الشبهات.
جورج صبرا ورفاقه يعلمون ان المسألة المركزية التي تواجههم هي التأكيد رغم كل ذلك، على ان الصراع هو في سورية وليس على سورية.
هنا تكمن المسألة، وهذا ما يجب بلورته سياسيا وتنظيمياً.
عندما نشأ المجلس الوطني السوري ركب بعض النخب وهم التدخل الخارجي الذي قاد الى احباطات كبيرة، ما لبثت حيوية الثورة ان تجاوزتها.
الخوف هو ان تقود التشكيلة السياسية الجديدة: 'الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية' الى وهم آخر لا يختلف كثيرا عن الوهم السابق، هو وهم الدعم الخارجي لمبادرة رياض سيف.
الاعتراف لن يكون حقيقيا الا اذا اعترف الشعب السوري بالقيادة الائتلافية الجديدة.
معاذ الخطيب ورياض سيف وسهير الأتاسي يجب ان لا يسقطوا في الاوهام، ما تطالب به قوى الثورة هو توقف المجتمع الدولي عن اللامبالاة بمصير الشعب السوري، وهذا يقتضي السماح بوصول الدعم الى الثورة لا اكثر.
اما الكلام عن تطمينات تعطى للأمريكيين فهو حديث خرافة، اذ لا يستطيع اي وطني سوري في وطن تحتل اسرائيل جزءا من ترابه الوطني تقديم تطمينات للمحتل، فتحرير الجولان لن يكون مؤجلا لأن لا احد قادرا على تأجيله سوى نظام الاستبداد الأسدي، اما الأفق الديموقراطي الذي تفتحه الثورة فهو مسار لتحرير الانسان والأرض.
ليس صراعا على سورية، ويجب الا تسمح الثورة له بأن يكون كذلك، انه صراع في سورية ومن اجل سورية.