والحقيقة أنه إذا كان من فضل لمثل هذه المعركة هو أنها صرفتنا ولو قليلا عن الحال المخزي الذي تعيشه البلد, هذه الأعداد من القتلي وانتهاكات والتجاوزات المكشوفة التي انتهت جميعها بحرق المجمع العلمي المصري في أسوأ كارثة في هذا العصر الحديث, وهي الأفعال المشينة التي خلفت في النفس أوجاعا لن تشفي.
طيب. ما يصدر عن البلد, كله, الآن, فيما أري, هو مجموعة من (الحالات) التي تنتمي إلي علم النفس أكثر مما تنتمي إلي أي شيء آخر, بدءا من العارض الذي مثلته نقطة البداية المحسوبة والتي أقدم عليها الرجل صاحب الوقار الموفور, أعني فضيلة المستشار طاق البشري, والتي تفاقمت علي مدي العام حتي انتهت بنا إلي هذا التردي وحالة السعار التي استولت علي أولئك كما انتابت هؤلاء.
في مثل هذه الأيام من الأسبوع الماضي رحت أسأل نفسي: هل يليق أن تكون البلد هكذا, وتروح أنت تحدث القارئ عن الكتب والانتقال من مسكن إلي آخر, هل هذا كلام؟ ألا يجوز أن البعض عول عليك أن تفسر له شيئا مما يدور. وعدت أقول لنفسي وأي قارئ هذا الذي ما زال يعول عليك أو علي غيرك؟ أليس كل شيء واضح أمام الناس والقوي كلها تلعب علي المكشوف بمنتهي الشراسة والفجاجة, هذا كله فضلا عن أنني لست معلقا سياسيا ولا محللا, أنا كاتب يكتب ما يريد والقارئ قارئ يقرأ ما يريد. وبين هذا الأخذ والرد اعتذرت الأسبوع الماضي عن الكتابة. كتابة القصص والحكايات, إذن, هي ما يشغلني, وهنا أرفع إصبعي منبها: أن تلك الحكايات الصغيرة العابرة التي نتبادلها طيلة الوقت, في كل مكان, هي ما يجمع بيننا, وما يبقينا علي قيد الحياة.
دعنا إذن نهرب باللجوء إلي بعض هذه اللحظات العابرة.
ما أن هبطت الطائرة في مطار استانبول باعتبار أن مصر كانت ضيف شرف معرضها الدولي للكتاب, حتي خاطبتني شركة المحمول برسالة مكتوبة علي الهاتف ترحب بي في موقعي الجديد وتتمني لي إقامة طيبة, ثم توقف الهاتف تماما عن الإرسال والاستقبال, وأنا استغربت جدا من هذه التحية, خصوصا أن بقية الهواتف من حولي كانت تعمل, وما أن جأرت بالشكوي حتي طالبني الصديق أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة للكتاب ونحن جلوس في بهو الفندق بأن أتعامل مع الشركة عند عودتي بمنتهي الحزم, وأكد لي أن هذه صفة مجربة. ما أن عدنا من استانبول حتي بادرت واتصلت بشركة المحمول وتحدثت بكل حزم ولكنهم أبدوا استغرابهم من مثل هذا الكلام وقالوا أن الشبكة كانت ومازالت موجودة وشرحوا لي الخطوات التي يجب علي أن أتخذها في مثل هذه الأحوال. علي أن أضغط علي زر القائمة, ثم الضبط, ثم التوصيل, حينئذ أجد شبكتهم, وما علي إلا تفعيلها, وقالوا إنها كانت موجودة طيلة الوقت. كتبت الخطوات في ورقة اختفظت بها, لأنني كنت في طريقي, بعد أيام إلي معرض الشارقة الدولي للكتاب. كانت هذه هي المرة الأولي التي أسافر فيها إلي أي من دول الخليج, باستثناء الكويت. وفي السابعة والنصف كنت أمام الشباك في المطار ووضعت الحقيبة لوزنها وأخبرته أنني متجه إلي الشارقة وهو تأمل التذكرة واعتذر بأن التذكرة إلي دبي وليس الشارقة وأعادها إلي. وأنا تراجعت. في طريقي للعودة إلي منزلي فكرت الاتصال بأحد الأصدقاء المستيقظين في ذلك الوقت والعارفين, وجاءني صوت صديقنا يوسف القعيد يقول إن الشارقة ودبي تقريبا, حاجة واحدة. عدت إلي موظف المطار وأخبرته أنني ذاهب إلي دبي وليس الشارقة, وهو تناولها وتتطلع إلي وسأل:
إنت قاطع درجة أولي, رايح جاي؟
كانت الدعوة وصلتني هكذا.
إلا أنني نظرت إليه مندهشا وقلت: طبعا. وقبل أن أنصرف أضفت: علي فكرة, الشارقة ودبي حاجة واحدة
ما أن وصلت مطار دبي حتي وصلتني رسالة الترحيب من شركة المحمول تتمني لي طيب الإقامة ثم توقف الهاتف تماما عن الإرسال والاستقبال, وأنا استغربت جدا من هذه التحية, خصوصا أن بقية الهواتف من حولي كانت تعمل, و أنا جأرت بالشكوي ولم يكن هناك من مجيب. مرت الأيام إذن ثم اكتشفت أن تبادل الرسائل الهاتفية من الأمور الممكنة, وما أن أرسلت واحدة حتي جاءني الرد من زوجتنا المشغولة بأمر العزال, قالت إنهم عثروا علي شقة مناسبة, بها تراس يمكنك أن تضع فيه كراتين كتبك المغلقة حتي تجد لها حلا. والشقة قريبة من شارع9 يمكنك أن تتمشي وتأخذ التاكسي (أنا طبعا توقفت عن القيادة بعد ما تركت الفولكس58 للولد هشام الذي عاملها بما لا تستحق, وهي مركونة الآن في حال يرثي لها من الإعياء, كأنها اعتلت معي, وأولاد البوابين لا يفعلون شيئا طيلة النهار إلا أن يدخلوا من الباب الذي هنا ويخرجوا من الباب الذي هناك).
أما الخبر الذي أثلج صدري فهو أن العمارة جنب أندريا علي طول. أنا أعجبتني هذه المسألة خصوصا وقد ترددت علي أندريا هذا قبل سنوات مع الصديق سعيد الكفراوي حيث تناولنا طيور السمان واحتسينا زجاجات من البيرة التي قيل أن لها صلة, من بعيد, بالمشروبات المسماة بالروحية
طيب. ما يصدر عن البلد, كله, الآن, فيما أري, هو مجموعة من (الحالات) التي تنتمي إلي علم النفس أكثر مما تنتمي إلي أي شيء آخر, بدءا من العارض الذي مثلته نقطة البداية المحسوبة والتي أقدم عليها الرجل صاحب الوقار الموفور, أعني فضيلة المستشار طاق البشري, والتي تفاقمت علي مدي العام حتي انتهت بنا إلي هذا التردي وحالة السعار التي استولت علي أولئك كما انتابت هؤلاء.
في مثل هذه الأيام من الأسبوع الماضي رحت أسأل نفسي: هل يليق أن تكون البلد هكذا, وتروح أنت تحدث القارئ عن الكتب والانتقال من مسكن إلي آخر, هل هذا كلام؟ ألا يجوز أن البعض عول عليك أن تفسر له شيئا مما يدور. وعدت أقول لنفسي وأي قارئ هذا الذي ما زال يعول عليك أو علي غيرك؟ أليس كل شيء واضح أمام الناس والقوي كلها تلعب علي المكشوف بمنتهي الشراسة والفجاجة, هذا كله فضلا عن أنني لست معلقا سياسيا ولا محللا, أنا كاتب يكتب ما يريد والقارئ قارئ يقرأ ما يريد. وبين هذا الأخذ والرد اعتذرت الأسبوع الماضي عن الكتابة. كتابة القصص والحكايات, إذن, هي ما يشغلني, وهنا أرفع إصبعي منبها: أن تلك الحكايات الصغيرة العابرة التي نتبادلها طيلة الوقت, في كل مكان, هي ما يجمع بيننا, وما يبقينا علي قيد الحياة.
دعنا إذن نهرب باللجوء إلي بعض هذه اللحظات العابرة.
ما أن هبطت الطائرة في مطار استانبول باعتبار أن مصر كانت ضيف شرف معرضها الدولي للكتاب, حتي خاطبتني شركة المحمول برسالة مكتوبة علي الهاتف ترحب بي في موقعي الجديد وتتمني لي إقامة طيبة, ثم توقف الهاتف تماما عن الإرسال والاستقبال, وأنا استغربت جدا من هذه التحية, خصوصا أن بقية الهواتف من حولي كانت تعمل, وما أن جأرت بالشكوي حتي طالبني الصديق أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة للكتاب ونحن جلوس في بهو الفندق بأن أتعامل مع الشركة عند عودتي بمنتهي الحزم, وأكد لي أن هذه صفة مجربة. ما أن عدنا من استانبول حتي بادرت واتصلت بشركة المحمول وتحدثت بكل حزم ولكنهم أبدوا استغرابهم من مثل هذا الكلام وقالوا أن الشبكة كانت ومازالت موجودة وشرحوا لي الخطوات التي يجب علي أن أتخذها في مثل هذه الأحوال. علي أن أضغط علي زر القائمة, ثم الضبط, ثم التوصيل, حينئذ أجد شبكتهم, وما علي إلا تفعيلها, وقالوا إنها كانت موجودة طيلة الوقت. كتبت الخطوات في ورقة اختفظت بها, لأنني كنت في طريقي, بعد أيام إلي معرض الشارقة الدولي للكتاب. كانت هذه هي المرة الأولي التي أسافر فيها إلي أي من دول الخليج, باستثناء الكويت. وفي السابعة والنصف كنت أمام الشباك في المطار ووضعت الحقيبة لوزنها وأخبرته أنني متجه إلي الشارقة وهو تأمل التذكرة واعتذر بأن التذكرة إلي دبي وليس الشارقة وأعادها إلي. وأنا تراجعت. في طريقي للعودة إلي منزلي فكرت الاتصال بأحد الأصدقاء المستيقظين في ذلك الوقت والعارفين, وجاءني صوت صديقنا يوسف القعيد يقول إن الشارقة ودبي تقريبا, حاجة واحدة. عدت إلي موظف المطار وأخبرته أنني ذاهب إلي دبي وليس الشارقة, وهو تناولها وتتطلع إلي وسأل:
إنت قاطع درجة أولي, رايح جاي؟
كانت الدعوة وصلتني هكذا.
إلا أنني نظرت إليه مندهشا وقلت: طبعا. وقبل أن أنصرف أضفت: علي فكرة, الشارقة ودبي حاجة واحدة
ما أن وصلت مطار دبي حتي وصلتني رسالة الترحيب من شركة المحمول تتمني لي طيب الإقامة ثم توقف الهاتف تماما عن الإرسال والاستقبال, وأنا استغربت جدا من هذه التحية, خصوصا أن بقية الهواتف من حولي كانت تعمل, و أنا جأرت بالشكوي ولم يكن هناك من مجيب. مرت الأيام إذن ثم اكتشفت أن تبادل الرسائل الهاتفية من الأمور الممكنة, وما أن أرسلت واحدة حتي جاءني الرد من زوجتنا المشغولة بأمر العزال, قالت إنهم عثروا علي شقة مناسبة, بها تراس يمكنك أن تضع فيه كراتين كتبك المغلقة حتي تجد لها حلا. والشقة قريبة من شارع9 يمكنك أن تتمشي وتأخذ التاكسي (أنا طبعا توقفت عن القيادة بعد ما تركت الفولكس58 للولد هشام الذي عاملها بما لا تستحق, وهي مركونة الآن في حال يرثي لها من الإعياء, كأنها اعتلت معي, وأولاد البوابين لا يفعلون شيئا طيلة النهار إلا أن يدخلوا من الباب الذي هنا ويخرجوا من الباب الذي هناك).
أما الخبر الذي أثلج صدري فهو أن العمارة جنب أندريا علي طول. أنا أعجبتني هذه المسألة خصوصا وقد ترددت علي أندريا هذا قبل سنوات مع الصديق سعيد الكفراوي حيث تناولنا طيور السمان واحتسينا زجاجات من البيرة التي قيل أن لها صلة, من بعيد, بالمشروبات المسماة بالروحية