تبدأ الدولة بالغلبة أو بما يشابهها، ولا تصير دولة بالمعنى الحقيقي إلا عندما تصبح عقداً اجتماعياً بين أفراد أحرار يختارون انتماءهم للدولة ويقررون مصيرهم ومصيرها. لا آخَر، «نحن» و«هم» في مجتمع الدولة، هناك فقط أفراد الى جانب أفراد يمارسون السياسة أو الحوار؛ منهم تتشكل الدولة. دولة «الرعايا» ليست دولة حقيقية؛ هي يمكن أن تكون احتمال دولة. لبنان ما زال مجرد احتمال. ما زال مختلف الأطراف في لبنان يدعون للعبور إلى الدولة؛ يعبرون بذلك عن عدم وجود الدولة أو عدم رغبتهم بوجودها. هناك الطوائف يحتمون بها ولا يريدون العبور بها إلى مرحلة الدولة. لا تتحقق الدولة إلا عندما تتفكك الطوائف ويتحول الناس، كل الناس، من الهوية الطائفية، إلى هوية الانتماء للدولة، كهوية سياسية وحيدة.
تأسست الطائفية على الدين، تستفيد من حالة يكون فيها الدين جماعياً لا ممارسة إيمانية فردية، وتعيد تشكيل نفسها في كل مرحلة بحسب الظروف. الطائفية هي الدين، أو ما يفترض انه الجماعة الدينية في المجال العام. تحل الطائفية مكان السياسة في المجال العام، تطرد السياسة، وتزاول حرفة الخوف والتخويف؛ «نحن» في مواجهة «هم»، هم يشكلون خطراً علينا، يجب أن ندافع عن أنفسنا؛ الدفاع عن النفس يستوجب العنف في المجال العام أيضاً. العنف أساس للحرب الأهلية.
الصراع بين الطوائف ليس هو السياسة بل نقيضها، هو إلغاء السياسة. محور الصراع بين الطوائف هو تقاسم السلطة ومغانمها، وليس المنافسة من أجل إدارة شؤون المجتمع. يخلو برنامج الطوائف وممثليها من برنامج عمل لإدارة شؤون المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية. يدور عملها حول الصراع على السلطة فقط. قانون الانتخابات مثلاً هو الشغل الشاغل للطبقة السياسية في لبنان. هذا ما نشهده في المجلس النيابي، بينما الأخطار المالية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى الأخطار الخارجية، وهي كثيرة، غائبة عن النقاش والصراع. مواضيعها ليست مدار بحث. يقتصر البحث على الدوائر الانتخابية وعلى الحصص في السلطة. الفوز بالسلطة ضروري لكل طائفة، لأن كل واحدة منها تخشى الأخريات. دافع الخوف هو الذي يقرر مسار الأمور، مسار العنف الذي يصير متبادلاً.
لا تلغي الدولة الصراع على السلطة، ولا الصراع بين الطوائف والاثنيات، لكن الدولة، حين تترسخ، تجعل الصراع في إطارها لا عليها. الصراع في الدولة هو غير الصراع على الدولة. توضع الدولة خارج الصراع، تصير كياناً موضوعياً. تصير شرطاً لما عداها. الطائفة أمر ذاتي، وان كان جماعياً. الدولة أمر موضوعي مهما اختلفت الظروف. الدولة الحديثة مرجع لما عداها، هي مجموع الأفراد في إطار ناظم؛ لكنه إطار موضوعي، واقعي، خارج الذات. من يخرج على الدولة يستوجب العقاب، والعقاب يمكن ان يكون ظالماً أو عادلاً، ونادراً ما تتحقق العدالة في دولة ذات نظام رأسمالي. نظامنا طائفي ورأسمالي. الخروج على هذه الدولة، أو على النظام، يستدعي الحرب الأهلية، لأن من يستوجب العقاب، يجد طائفة تدافع عنه. ما حققته رأسمالية المجتمع من تقدم في ناحية، تلغيه الطائفية في نواح أخرى. لبنان تاريخه مسرح لحروب أهلية متقطعة، أو نائمة، بسبب الطائفية وغياب الدولة. لدينا نظام، نظام طوائف؛ وليس لدينا دولة. رؤساء جمهورية ورؤساء وزارة بعد الطائف ما زالوا يتحدثون عن غياب الدولة. النظام مؤسسات؛ وهي قائمة، مؤسسات عسكرية وأمنية ومؤسسات مالية وضرائبية، ووزارات، وبيروقراطية.
الدولة ليست مؤسسات النظام. بل هي مؤسسة وحيدة قائمة في الوعي. عندما يعي الناس انها وجود موضوعي لا ذاتي (ولو كان جماعياً)، عندما يعي الناس أنها المرجع وانها شرط وجود النظام، أو عندما يتحول وعي الناس بهذا الاتجاه، فإن وجودها يتحقق. عندها يصير القانون مرجعاً، ويصير الدستور مصدراً ثابتاً للقانون. وعي الناس للدولة بأنها وجود شرعي قانون خارجي، خارج الذات، هو ما يجعل الدولة وجوداً حقيقياً. ليست الطائفة وجوداً إلا بمقدار مؤديات الصراع.
ليست الدولة وجهة نظر. الطائفة وجهة نظر؛ هي غلبة الذات والمعتقد والإيمان على الوقائع والموضوع. تستدعي الطائفية إعادة تشكيل الواقع كي يتناسب مع الذات (ذات الفرد أو الطائفة). تستدعي الدولة، أو وعي الناس بالدولة، التكيف مع الواقع والمعطيات الموضوعية. تستدعي الدولة الاعتراف بأن هناك معطيات موضوعية وبأن هذه المعطيات تفرض نفسها، وبأن التنازلات من أجل الآخرين هي في كل الأحيان اعتراف بالواقع. ليس في الطائفية واقع؛ هناك النفس المريضة بالأوهام وحسب. لا تستطيع الطائفية التنازل عما تعتبره حقاً لها أو حقيقة. ما يبنى على الإيمان في النظرية، تتأسس فيه الممارسة على مبدأ الحق وعدم التنازل. يزداد التوتر مع إضافة الخوف من «الآخر» إلى اعتبارات «الحق» والحقوق للذات. الآخر لا يسلبك حقوقك وحسب، بل يهددك أيضاً. إذاً، عليك واجب الدفاع عنه؛ عليك واجب استخدام العنف من أجل البقاء.
العنف في لبنان مسألة بنيوية تتعلق بالنظام، أكثر مما تتعلق بالفرد. يطغى النظام على الدولة، والطائفة على النظام، والعنف على الطائفة.
كل ذلك لأن الدولة وجهة نظر وليست كياناً موضوعياً في وعي اللبنانيين. ما يجعل الدولة وجهة نظر هو الطائفية. ومن يجدد الطائفية هم المستفيدون من الطائفية.
تأسست الطائفية على الدين، تستفيد من حالة يكون فيها الدين جماعياً لا ممارسة إيمانية فردية، وتعيد تشكيل نفسها في كل مرحلة بحسب الظروف. الطائفية هي الدين، أو ما يفترض انه الجماعة الدينية في المجال العام. تحل الطائفية مكان السياسة في المجال العام، تطرد السياسة، وتزاول حرفة الخوف والتخويف؛ «نحن» في مواجهة «هم»، هم يشكلون خطراً علينا، يجب أن ندافع عن أنفسنا؛ الدفاع عن النفس يستوجب العنف في المجال العام أيضاً. العنف أساس للحرب الأهلية.
الصراع بين الطوائف ليس هو السياسة بل نقيضها، هو إلغاء السياسة. محور الصراع بين الطوائف هو تقاسم السلطة ومغانمها، وليس المنافسة من أجل إدارة شؤون المجتمع. يخلو برنامج الطوائف وممثليها من برنامج عمل لإدارة شؤون المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية. يدور عملها حول الصراع على السلطة فقط. قانون الانتخابات مثلاً هو الشغل الشاغل للطبقة السياسية في لبنان. هذا ما نشهده في المجلس النيابي، بينما الأخطار المالية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى الأخطار الخارجية، وهي كثيرة، غائبة عن النقاش والصراع. مواضيعها ليست مدار بحث. يقتصر البحث على الدوائر الانتخابية وعلى الحصص في السلطة. الفوز بالسلطة ضروري لكل طائفة، لأن كل واحدة منها تخشى الأخريات. دافع الخوف هو الذي يقرر مسار الأمور، مسار العنف الذي يصير متبادلاً.
لا تلغي الدولة الصراع على السلطة، ولا الصراع بين الطوائف والاثنيات، لكن الدولة، حين تترسخ، تجعل الصراع في إطارها لا عليها. الصراع في الدولة هو غير الصراع على الدولة. توضع الدولة خارج الصراع، تصير كياناً موضوعياً. تصير شرطاً لما عداها. الطائفة أمر ذاتي، وان كان جماعياً. الدولة أمر موضوعي مهما اختلفت الظروف. الدولة الحديثة مرجع لما عداها، هي مجموع الأفراد في إطار ناظم؛ لكنه إطار موضوعي، واقعي، خارج الذات. من يخرج على الدولة يستوجب العقاب، والعقاب يمكن ان يكون ظالماً أو عادلاً، ونادراً ما تتحقق العدالة في دولة ذات نظام رأسمالي. نظامنا طائفي ورأسمالي. الخروج على هذه الدولة، أو على النظام، يستدعي الحرب الأهلية، لأن من يستوجب العقاب، يجد طائفة تدافع عنه. ما حققته رأسمالية المجتمع من تقدم في ناحية، تلغيه الطائفية في نواح أخرى. لبنان تاريخه مسرح لحروب أهلية متقطعة، أو نائمة، بسبب الطائفية وغياب الدولة. لدينا نظام، نظام طوائف؛ وليس لدينا دولة. رؤساء جمهورية ورؤساء وزارة بعد الطائف ما زالوا يتحدثون عن غياب الدولة. النظام مؤسسات؛ وهي قائمة، مؤسسات عسكرية وأمنية ومؤسسات مالية وضرائبية، ووزارات، وبيروقراطية.
الدولة ليست مؤسسات النظام. بل هي مؤسسة وحيدة قائمة في الوعي. عندما يعي الناس انها وجود موضوعي لا ذاتي (ولو كان جماعياً)، عندما يعي الناس أنها المرجع وانها شرط وجود النظام، أو عندما يتحول وعي الناس بهذا الاتجاه، فإن وجودها يتحقق. عندها يصير القانون مرجعاً، ويصير الدستور مصدراً ثابتاً للقانون. وعي الناس للدولة بأنها وجود شرعي قانون خارجي، خارج الذات، هو ما يجعل الدولة وجوداً حقيقياً. ليست الطائفة وجوداً إلا بمقدار مؤديات الصراع.
ليست الدولة وجهة نظر. الطائفة وجهة نظر؛ هي غلبة الذات والمعتقد والإيمان على الوقائع والموضوع. تستدعي الطائفية إعادة تشكيل الواقع كي يتناسب مع الذات (ذات الفرد أو الطائفة). تستدعي الدولة، أو وعي الناس بالدولة، التكيف مع الواقع والمعطيات الموضوعية. تستدعي الدولة الاعتراف بأن هناك معطيات موضوعية وبأن هذه المعطيات تفرض نفسها، وبأن التنازلات من أجل الآخرين هي في كل الأحيان اعتراف بالواقع. ليس في الطائفية واقع؛ هناك النفس المريضة بالأوهام وحسب. لا تستطيع الطائفية التنازل عما تعتبره حقاً لها أو حقيقة. ما يبنى على الإيمان في النظرية، تتأسس فيه الممارسة على مبدأ الحق وعدم التنازل. يزداد التوتر مع إضافة الخوف من «الآخر» إلى اعتبارات «الحق» والحقوق للذات. الآخر لا يسلبك حقوقك وحسب، بل يهددك أيضاً. إذاً، عليك واجب الدفاع عنه؛ عليك واجب استخدام العنف من أجل البقاء.
العنف في لبنان مسألة بنيوية تتعلق بالنظام، أكثر مما تتعلق بالفرد. يطغى النظام على الدولة، والطائفة على النظام، والعنف على الطائفة.
كل ذلك لأن الدولة وجهة نظر وليست كياناً موضوعياً في وعي اللبنانيين. ما يجعل الدولة وجهة نظر هو الطائفية. ومن يجدد الطائفية هم المستفيدون من الطائفية.