جرت عادة الباعة وأصحاب المقاهي في المُدن أن يوظَفوا “صبيّاً” يقف أمام باب الدكّان أو المقهى وينادي على المارّة “تفضّلوا.. تفضّلوا” وكان هذا الصبي هو مفتاح الشرّ ودليل الشيطان للإيقاع بالبسطاء في براثن عصابات “القمار والدعارة” وذات يوم وقع في براثنه أحد البسطاء فاستجرّه إلى أحد أوكار الرذيلة ولمّا تورّط قام زعيمهم بحجز “بطاقته الشخصية” ما اضطرّه للعودة حتى أدمن القمار والرذيلة، وكان في كل مرّة يخسر يقوم ببيع قطعة من أرضه حتى نفذت ملكيته وفي إحدى المرّات حلف يميناً أن لن يغادر طاولة القمار حتى يسترجع خسائره ولكنه خسِرَ كل شيء ولم يعد لديه ما يقامر به، وطلب من رفاقه أن يُقرضوه فرفضوا جميعاً، وعرض عليه أخبثهم عرضاً بأنه مستعدٌّ للّعب معه بشرط أن تكون زوجته هي المقابل، فقبل بالمقامرة على زوجته وخسرها، وغادرا وكْرِهما إلى منزل الرجل وقام بتسليمه زوجته بعد أن شرح لها ما حصل معه وبدأت بالصراخ فاجتمع الجيران وعلموا بالقصة وذهب القمرجي بالزوجة.
وذهب أحد الجوار وأخبر أهل الزوجة الذين حضروا ومعهم أسلحتهم وأطلقوا النار على صهرهم فأصابوه ولظنهم موته غادروا دون التأكد من ذلك، وبدؤوا رحلة البحث عن ابنتهم، ولكن لم يفلحوا ولما أفاق “صِهرهم” المحترم ذهب إلى الشرطة وتقدّم بشكوى ضِدّهم وانتشرت الدوريات في أنحاء المدينة لتُلقيَ القبض عليهم وإيداعهم السجن، وبعد حوالي سنّة بدأت الوساطات والمفاوضات وتقديم عروض الحلّ لهذه المشكلة حتى استقرّ الحلّ على أن يرد القمرجي المرأة ويدفع أهل الزوجة بدلاً مالياً له ودفع تعويض عادل للصهر مقابل أن يصفح عنهم، مع نفيّهم من البلاد وكان ذلك.
“رُبّاط السالفة” على قول أهلنا في العراق: أنه كان فيمن قبلنا أقوامٌ غرّر بهم “صبيّ الانقلابات” وراهنوا على “البعث والبعثيين” في إعادة الوحدة بين مصر وسورية ولمّا تمكّنوا من الاستيلاء على السلطة بانقلاب 8 آذار 1963، قضوا على حلم الوحدة، ولما استقرّ لهم الأمر راهن شركاؤهم من الاشتراكيين وبقايا الوحدويين على الاشتراكية فكان مصيرهم الاندثار، ولما راهن شركاؤهم من أهل السُنّة على العدالة والمساواة كان الثمن تسريح 750 ضابطٍ من أهل السنة، ولمّا راهنوا على الوطنية كانت الثلاثية الطائفية الحاقدة “جديد – عمران – أسد” فقد قتلت ميليشيات الحرس القومي “170” شخصاً في يوم واحد وهو يوم 18 تموز 1963 بتهمة “الناصريّة”، عدا الإعدامات الميدانية في سجن المزّة والتي كانت تُرفع لها كؤوس الخمر عند سقوط رأس كل حرّ، وكان عدد البعثيين في سورية آنذاك لا يتجاوز “400” بعثياً، ومن ثم توسعت اللجنة العسكرية وبدأت تأكل بعضها بعضاً حيث أكل “جديد عِمرانَ وحاطومَ والجنديَ”، ثم أتى “حافظ الوحش” على ما تبقى منها ليتحوّل الحكم في سورية من “ثلاثة عساكر بحذائين “إلى” دكتاتور بدزينة أحذية ومفتي، ولما استقرّ له الأمر بعد القضاء على كل مصادر الخطر المتوقعة، طال به المقام حتى مات، لتعود روحه لتحلّ في البسطار العسكري ولتعود روحَا الحِذائَين لتحلّا في روح “طبيب العيون” فتوّحدت الأرواح الشريرة في هذا الكائن الشرير ليكون “الدكتاتور الحِذاء”، الذي تُقدّم له طقوس العبودية والتقديس من قبل أتباعه ومُريديه.
بيدرسون مدير الكازينو وعرّاب المقامرات، تراه يُرحِب بالمقامرين لمجرّد نجاحه بإقناعهم بالعودة إلى الطاولة غير آبهٍ بخسارةَ من خسِر ولا رِبحَ من رَبِح، وجلّ همِّه هو الحفاظ على إدارة الكازينو بيده، ويعاونه في ذلك “نسوان” المدير السابق “ديمستورا” والثُمْنُ العَفِن من الثلث الثالث، وبعض من أصحاب مبدأ “من لا مونيكا له فليتبَعنِي”.
فكانت عروض هذه الجولة كما سبقتها عروض الجولات السبع السابقة من المقامرة: “التدابير القسرية الانفرادية من وجهة نظر دستورية، والحفاظ على مؤسسات الدولة وتعزيزها، وسيادة الدستور وموقف المعاهدات الدولية، والعدالة الانتقالية”.
وبما أنّ المُسَلَّمات هي قواعد مُستقِرّة وعرف سار يُسلِّم بها الجميع ويبنى عليها الكلام لدفعه، سواء كانت مُسلّمة بين الخصوم، أو بين أهل العلم، كتسليم الفقهاء بمسائل أصول الفقه، ومن أصول الفقه الدستوري والعرف القانوني، أن مؤسسات العامة هي إحدى ركائز الدولة ومظهر من مظاهر سيادتها الداخليّة، وأن الدستور في الفقه الدستوري هو القانون الأسمى وهو المرجع في تحديد شرعية القوانين، وأن قواعد الاختصاص هي التي تُنظِّم العلاقة بين الدستور والمعاهدات الدولية، وأن قانون المعاهدات الدولية يُفصِّل ويُبيّن أحكام المعاهدات ومكانتها في القوانين الوطنية، وإن الهدف من وراء مناقشة العلاقة بين الدستور والاتفاقيات الدولية هو لتمرير اتفاقية “السيداو” كمصدر من مصادر التشريع بدلاً من الفقه الإسلامي فيما يخصّ قضايا المرأة والزواج والإرث والقوامة والنسب وغيرها من القضايا التي تعتبر من أصول العقيدة الإسلامية، لذا فإن الدخول في نقاش هذه “المُسلّمات” يعتبر تسفيهاً لها، وهو من قبيل إضاعة الوقت والاستهزاء بالمجتمع الدولي والمعارضة السورية.
وعلينا أن نكون منصفين فقد كان التقدّم الخارق في هذه الجولة والذي يُحسب للمفاوضين هو حسم الخلاف حول اسم سورية بين العرب والسريّان وبين الكرد والعرب ويتجلّى هذا الإنجاز من خلال كتابتها “سوريّة/ا” ولكن لا ندري إن عادت “سورية/ا” لكل السوريين أم بقيت سورية/ا الأسد؟!
وقد تقدّم “الثُمْنُ العَفِن من الثلث الثالث” بعرضه حول التدابير القسريّة بأن يتمّ إدراج نصّ دستوري يعتبر أن “العقوبات الدولية على النظام” هي إجراءات قسرية أحادية الجانب وهي ضربٌ من ضروبِ الإرهاب، وأن “المجرمين” الذين طالتهم هذه العقوبات هم أبرياء وهم مظلومون ويجب إنصافهم وتعويضهم عن مظلوميتهم وعلى المعارضة أن تُقرّ بأن هذا واجب وطني على كل سوري، وكان عرض المعارضة أن هذا ليس من صلاحياتها وإن كانت تقرّ بأحقيّة التعويض لكن أن بشرط أن يكون تعويضاً شاملاً لكل الأضرار والمتضررين وأن يكون ضمن مشروع إعادة الإعمار.
وطالما بدأت هذه الجولة بهكذا عروض فمن المؤكد أن تنتهي جلسة “العدالة الانتقالية ” إلى ما انتهى إليه الحل بين ذاك القُمرجي وشريكه وأهل زوجته.
إن المفاوضات مع هذا المجرم سليل الإجرام هي “مقامرة” مع أناس لا يهمّهم شرف ولا خُلق ولا دين، فشرفهم وخلقهم ودينهم هو حبّ السلطة التي لا يراهنون ولا يقامرون ولا يفاوضون ولا يتبازرون عليها، فسوريّة بالنسبة لهم هي “سورية/ا الأسد” من بابها لمحرابها وهي مزرعتهم ومؤسسات الدولة هي ملكهم الخاصّ والدستور ما هو إلا عقد “مزارعة أو مغارسة” بينهم وبين الشعب ولا يمكن أن يكون لغيرهم تملّك شبرٍ واحدٍ منها، والدليل على ذلك حظيرة “الجبهة الوطنية التقدميّة” والتي تضمّ عدة إسطبلات ورغم أنه أنشأها في عام 1972 فهي لم تتسع لأكثر من خمسة أحزاب والتي أنجبت بدورها خمسة أخرى من الأجراء لديه “الوقّافين”، هم عندما يفاوضون ويقامرون يفاوضون على حقوق ضحاياهم ويجعلونهم يدفعون الثمن من جيوبهم، وما استمرار المفاوضات والمفاوضين إلا حال ذاك المقامر الذي أدمّن القمار حتى خسر شرفه.
قال الله تعالى في الآية “9” من سورة المائدة: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” صدق الله العظيم
------------
نيناربرس