نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

الفرصة التي صنعناها في بروكسل

26/11/2024 - موفق نيربية

المهمة الفاشلة لهوكستين

23/11/2024 - حازم الأمين

العالم والشرق الأوسط بعد فوز ترامب

17/11/2024 - العميد الركن مصطفى الشيخ

إنّه سلام ما بعده سلام!

17/11/2024 - سمير التقي

( ألم يحنِ الوقتُ لنفهم الدرس؟ )

13/11/2024 - عبد الباسط سيدا*

طرابلس "المضطهدة" بين زمنين

13/11/2024 - د.محيي الدين اللاذقاني


الخليجيون في مهب العواصف






كأن الوقت الضائع قد انتهى. وما يعتمل في النفوس منذ شهور، صار لزاماً أن يتم تظهيره بشكل واضح. انتهى الوقت الضائع، وحتى غزة، لم تعد تكفي لتتغطى خلفها الخلافات بين "الاخوة" الخليجيين.
شيء ما يدور في أروقة الحكم الخليجية. تتصادم العواصف الآتية من الشرق بتلك الآتية من الغرب. وأسئلة القلق والهواجس بين الخليجيين انفسهم، تتأجج. الجار الكبير على الضفة الشرقية للخليج، جرت شيطنته الى الدرجة التي ليس من السهل بعدها النزول عن الشجرة. والحليف الاميركي لا يكف عن توجيه رسائل طمأنة للخليجيين، لكنها من دون جدوى لأنه دائماً ما يرفقها بعبارات تشير بوضوح الى المضي قدماً في خيار التفاوض مع الايرانيين، حتى بعد انتهاء مهلة الـ20 من تموز الحالي. يروّج السعوديون الى الخشية من تقلص نفوذ المملكة ودورها في ما لو تقاربت طهران وواشنطن


 .
للمفارقة، تلتقي هواجس بعض الخليجيين مع هواجس اسرائيل وإن كانت بدوافع مختلفة، لكن الطرفين تجمعها رغبة شديدة في عرقلة تقدم التفاهم الايراني مع الغرب، مهما كان الثمن، او على الاقل، رفع مستوى الشروط الغربية المطروحة امام الايرانيين، ومنع طهران من تحقيق ما يعتبرونه مكاسب اقليمية، وذلك في لحظة انهماك الكرملين بالنار الاوكرانية في الحديقة الخلفية للنفوذ الروسي، وانشغال أطراف محور "الحلفاء"، سوريا والعراق و"حزب الله"، بالنيران الإقليمية. وفي هذه اللحظة الدقيقة، تذهب اسرائيل الى خيار المعركة ضد الفلسطينيين، تحت شعار ضرب "حماس"، لعوامل عدة بينها القناعة الاسرائيلية بأن الشعار قد يلقى الآن صدى رناناً في نفوس كثيرين.
ووسط هذه الاجواء، تقترب القمة الخليجية السنوية. تقترب ومعلومات "السفير" تشير الى مصيرها قد يكون في مهب هذه العواصف، وصراعات الاشقاء في خليج التجاذبات والاهواء التي صارت تفرق أكثر مما تجمع.
ولي ولي العهد السعودي الأمير مقرن بن عبد العزيز زار الكويت، بعد زيارتين مشابهتين الى المنامة وابوظبي. جولة الأمير مقرن وهو ايضاً المبعوث الخاص لملك السعودية، جاءت بعد الزيارة المفاجئة والمقتضبة التي قام بها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الى جدة حيث التقى الملك السعودي عبدالله. وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي زار قبل ايام قطر بالاضافة الى الكويت التي تتولى حالياً رئاسة القمة الخليجية. تميم كان قد زار الكويت للمفارقة في اليوم ذاته الذي كان الشارع الكويتي يشهد اضطراباً وصدامات بين قوات الامن والمتظاهرين الذين وجهت اليهم اتهامات إعلامية بولائهم لتيار "الاخوان" وقطر!
فهل جاءت جولة الامير مقرن على الكويت والامارات والبحرين، بعد ايام قليلة على لقاء تميم وعبدالله بن عبد العزيز، مجرد صدفة؟ أم أن قراراً قد اتخذ بإعادة تنشيط الحركة السعودية للتضييق على الشقيق القطري الاصغر بعد نحو أربعة شهور على قرار الرياض والمنامة وابوظبي، سحب السفراء من الدوحة، وبعد نحو تسعة شهور على اللقاء المفصلي الذي كان عقد في الرياض بين الملك السعودي وامير قطر وامير الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح في محاولة من الاخير لاحتواء شرارات الخلاف التي كانت تتصاعد بين السعودية وقطر، ولا يبدو أنها انطفأت؟
كانت الحرب على غزة، حاضرة في اللقاء القصير بين الملك عبدالله والأمير تميم. لكنها لم تكن محور اللقاء. وغالب الظن أن أمير قطر لن يذهب بنفسه الى جدة لمناقشة تفاصيل التهدئة في غزة، طالما أن صيغة جدية لوقف إطلاق النار لم يتم التفاهم عليها بعد، مع الأخذ بالاعتبار أيضاً ان اللقاء الاستثنائي، غاب عنه وزيرا خارجية البلدين السعودي سعود الفيصل والقطري خالد العطية، في حين حضر وزيرا الداخلية في البلدين السعودي الامير محمد بن نايف والقطري عبدالله بن ناصر آل ثاني الذي يتولى ايضاً رئاسة الحكومة.
من الصعب في تصور أن تكون الحرب على غزة طاغية الحضور في لقاء جدة، وغالب الظن ان المداولات ربما تكون اقتصرت على إعراب المملكة عن استيائها من المقترحات القطرية لوقف إطلاق النار والتي ظهرت كأنها تعبير عن تعارض مع الدور المصري الذي تفضله السعودية بالتأكيد.
ولم يصدر في البيانات الرسمية الصادرة عن الطرفين بعد لقاء عبدالله وتميم، ما يجزم بطبيعة المحادثات القصيرة. مصدر خليجي مطلع قال لـ"السفير" إن زيارة تميم "كانت بعيدة عن غزة. قطر تشعر بعزلة متزايدة من حولها، وغزة قدمت فرصة أمامها لطرق ابواب السعودية لعل وعسى".
تشعر السعودية، وغيرها، أن قطر لم تتلق الرسالة الخليجية اليها، بسحب السفراء في آذار الماضي، بالجدية المأمولة. خطوة سحب السفراء، تبعها لقاء لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي عقد، للمفارقة، في قاعدة عسكرية جوية في الرياض في 17 نيسان الماضي. توقع كثيرون انفراجاً ديبلوماسياً بعده، لكن شيئاً لم يحدث.
يذكر استاذ العلوم السياسية في جامعة فيرمونت الاميركية غريغوري غوس بأن السعوديين يطالبون القطريين بإدخال "تغييرات جذرية على سياساتهم الخارجية بشأن القضايا الإقليمية، بما في ذلك طريقة تعاملهم مع الوضع الإقليمي وتغطية قناة الجزيرة".
ومن جهته، يقول استاذ العلوم السياسية الاماراتي عبد الخالق عبدالله لـ"السفير" مشيراً الى الشهور العديدة التي مرت منذ سحب السفراء واللقاء الوزاري في القاعدة العسكرية، إن "قطر لعبت على ورقة الوقت على قاعدة نؤجل وربما نكسب وقتاً إضافياً ونكسب إذا تغيّرت الأوضاع لمصلحة الدوحة". وأضاف أن "قطر حاولت أيضاً لعب ورقة التفريق بين السعودية والإمارات، من خلال قيام الدوحة بمحاولة التقارب مع الرياض، والتصعيد إعلامياً مع ابوظبي، وهي حملة اعلامية تتم فيها كل اشكال التطاول الشخصي والاتهامات بين البلدين".

يعتبر غوس، الاستاذ الجامعي الاميركي، أن المطالب السعودية والإمارات والبحرين من قطر تشكل في واقع الأمر "تحدياً مباشراً" للامير السابق الاب حمد بن خليفة آل ثاني، والسياسات التي ارساها على الصعيد الخارجي، ما يمثل إحراجاً لتميم الابن، خصوصاً ان والده ما زال حياً. وتابع غوس "هذا أمر يصعب القيام به، وتقديري هو ان امير قطر سيحاول تجزئة الخلاف" ما بين مطالب الخليجيين واحتياجات قطر. لكن الاستاذ الاميركي يقول إن "السعوديين في مزاج صدامي يشجّعهم على ذلك موقف كل من الإماراتيين والمصريين بشأن الاخوان المسلمين".
وبينما يقول عبد الخالق عبدالله إنه يتوقع حدوث تصعيد بين الامارات وقطر إذا استمرت ازمة العلاقات على ما هي عليه، يقول غوس من جهته، إن السعوديين "قد يتخذون خطوات اضافية للضغط على قطر"، لكن طبيعة هذه الخطوات لا تزال محل تكهنات.
وبالإمكان متابعة ما ستتمخض عنه جولة ولي ولي العهد السعودي. وبحسب عبد الخالق عبدالله، الخبير بالشؤون الخليجية، فإن القمة الخليجية التي تعقد سنوياً، ربما تكون مهدّدة، وهو ما يمكن ان يفسر الحركة الديبلوماسية الخليجية الحالية.
وقال عبدالله لـ"السفير" إن ثلاث دول (السعودية والامارات والبحرين) قررت مقاطعة القمة المفترض عقدها في الدوحة. وهو ما سيعني فقدان النصاب وإلغاء القمة. ولو حدث ذلك، فإنها ستكون المرة الاولى منذ 30 سنة، عندما تأسس مجلس التعاون الخليجي".
واوضح عبدالله أن البديل عن سقوط القمة الخليجية في الدوحة، قد يكون الدعوة السعودية الى قمة بديلة في الرياض"، مشيراً في الوقت ذاته الى غياب الاميركيين عن ملف الازمة الخليجية، حيث سبق لهم أن عبروا بوضوح منذ بداية التأزم الخليجي - الخليجي، بأن واشنطن لن تتدخل ما لم يطلب منها ذلك. وقد سبق أن ألغى اوباما قمة كان يفترض أن تجمعه بالزعماء الخليجيين في الرياض عندما زارها في آذار الماضي واكتفى بلقاء الملك السعودي، في محاولة على ما يبدو لتجنب الانشغال بالخلافات بين الزعماء الخليجيين.
ومهما يكن، فإن السؤال الأبرز الآن، يتعلق بما اذا كانت زيارة تميم الى جدة وجولة الامير مقرن وغيرها من الحركة الديبلوماسية، ستتمخض عن انفراج شكلي ما، ينقذ القمة الخليجية؟ وهل ستظهر قطر أنها استمعت بشكل أكثر وضوحاً لمطالب الدول الثلاث بشأن الدور القطري إقليمياً واحتضان معارضين خليجيين ودعم تيار "الاخوان المسلمين" في الخليج والمنطقة؟ إذ بدا أن الرسائل الاولى لم تلقَ الصدى المأمول. فعلى سبيل المثال، في بداية ايار، عشية الانتخابات الرئاسية المصرية التي راهنت السعودية عليها بقوة وألقت بثقلها خلفها، خرج الشيخ يوسف القرضاوي ليفتي بتحريم المشاركة في عملية الاقتراع. وبطبيعة الحال لم يكن كلامه يعكس مبادئ "حرية التعبير" وهي تمارس في قطر، إذ كان من الواضح أن الفتوى لم تكن أكثر من رسالة قطرية مدوّية في وجه سياسة الضغط الخليجية الممارسة على الدوحة.

اذن، الاحتمالات الاساسية الآن امام طريق الاخوة الخليجية الشاقة:
- مراوحة الوضع على ما هو عليه.
- تهدئة سعودية – قطرية شكلية، لإنقاذ القمة الخليجية حصراً، ولا تمنع انفجار الموقف لاحقاً.
- انفراج مؤقت يتيح عودة السفراء المسحوبين من الدوحة، وهو ما قد يفسر التشاور المكثف الحاصل الآن على خط الرياض – المنامة – ابو ظبي – الكويت.
- تدهور العلاقات الى منحى جديد، ربما تكون جولة الأمير مقرن إيذاناً ببدايتها، وتتضمن اقله اعلان مقاطعة قمة مجلس التعاون الخليجي، أو حتى قطع العلاقات مع الدوحة، اللهم الا اذا تسنى لوزيري داخلية السعودية محمد بن نايف وقطر عبدالله بن ناصر آل ثاني اللذين تجمعهما علاقات متينة، من الحد من مظاهر الانهيار.
الا أن أسوأ ما يمكن تصوره في المرحلة المقبلة، ان يكون تطور الاحداث الخليجية ليس اكثر من محطة جديدة في مسار الحسابات الضيقة (مثلما فعلت قطر باللعب بورقة الوقت في خلافها مع إشقائها الخليجيين)، برهان الخليجيين عموماً على حدوث تبدلات في المشهد الإقليمي سواء ضد طهران او دمشق او بغداد.. وصولاً الى الحوثيين في اليمن.
وكما بدا خلال خلافات الخليج التي جرى ضبطها وتأجيلها في الربيع الماضي، فإن الانظمة الخليجية كانت تنتظر في تلك الأثناء تطورات المشهد في جبال القلمون وانتخابات الرئاسة في مصر وتطورات المسار التفاوضي بين طهران والغرب، والانتخابات البرلمانية في العراق. وها هي الآن، بعضها يحاول تشكيل تحالف حكومي عشائري حزبي ضد الحوثيين، ويتابع بشغف تمدّد "داعش" في العراق وسوريا ويدفع باتجاه إسقاط نوري المالكي، ولا يشعر في الوقت ذاته بالهلع من احتمال تقسيم العراق، وتهجير المسيحيين والشيعة والأكراد وغيرهم، ويأمل في إطار المنطق التكتيكي الضيق ذاته، الاستمرار في إضعاف الرئيس بشار الاسد، وسقوط السوريين تحت رحمة "جهاديي" الحول السياسي والديني.
سننتظر...ونرى.

-------------
السفير

خليل حرب
الثلاثاء 29 يوليوز 2014