لا شك أن التنظيم حقق مكاسب عديدة تمثلت على سبيل المثال، أولاً، في الانطباع الذي خلفه اقتحام السجن عن إمكانية عودة التنظيم مجدداً، وهي صورة يحاول التنظيم إبقاءها في الأذهان، وثانياً، تحرير عدد من سجنائه من هذا السجن الذي اشتهر باحتوائه على قيادات من الصف الأول تابعة للتنظيم. هذا لا يمنع أن أطرافاً أخرى تعتبر مستفيدة من عملية اقتحام السجن من طرف التنظيم ربما أبرزها الولايات المتحدة وتنظيم PKK الإرهابي أو جناحه السوري PYDالسوري PYD الإرهابي.
فقبل نحو شهر من هروب محتجزين كانوا في مدرسة الصناعة بحي غويران في محافظة الحسكة، نشر تنظيم PKK الإرهابي على معرّفاته في مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوراً لما وصفه بقيادي في تنظيم داعش، يشرح فيه خطة الهجوم على المدرسة، وهو بالضبط ما حدث في الأحداث الأخيرة.
سيارة مفخخة اقتحمت السجن وشكّلت ثغرة خرج إثرها سجناء المهجع الثالث والرابع وجرى تسليحهم من خلال سيارة ثانية تحمل أسلحة وذخائر، ثم بدأت عملية فتح باقي المهاجع وانتشار عناصر التنظيم في الأحياء السكنية، وهنا لا يمكن القول إنّ تنظيم داعش حقّق عنصر المفاجأة، فالقوات الأمريكية وتنظيم PKK الإرهابي لديهما علم مسبق بما يخطط له، لكن المهم بالنسبة لهما لم يكن وقف هذه العملية، بل تحقيق أقصى فائدة منها.
لا شك أنّ كل الأطراف استثمرت في هذه العملية بنسب متفاوتة، إلا أنّ الفائدة الاستراتيجية مُني بها طرفان، الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى، وتنظيم PKK الإرهابي بالدرجة الثانية، فالإدارة الأمريكية وجدت الذريعة لبقاء قواتها في سوريا، ليس أمام المجتمع الدولي والدول الإقليمية أو العربية، فهي لا تحتاج إلى تبرير وجودها لهم، لكن من المعروف أنّ الإدارة الأمريكية تواجه ضغوطاً كبيرة من الحزب الديمقراطي بقيادة البروكسس من أجل سحب قواتها القتالية من سوريا مع الحفاظ على قوة صغيرة من المستشارين والمدربين، بذريعة أنّ برنامج مكافحة الإرهاب انتهى ولم تعد داعش تشكّل أي خطر محتمل. وعملية غويران هي الذريعة التي يمكن أن تستخدمها إدارة بايدن لمواجهة الضغوط وإقناع جميع الأطراف بأن الخطر لا يزال قائماً، وليس من مصلحة أحد انسحاب القوات القتالية الأمريكية.
المسألة الثانية، تريد الولايات المتحدة إقناع شركائها في التحالف الدولي بتمديد بقائهم بذريعة وجود تنظيم داعش واحتمالية استئناف نشاطه، مما يشكّل خطراً حقيقياً على دولهم، وما يمكن ملاحظته من أحداث حي غويران هو عدم تدخل القوات الأمريكية منذ اللحظة الأولى لهروب السجناء، وهذا يعني أنّهم منحوا داعش الوقت الكافي للانتشار والتمترس في الأحياء المحيطة بالسجن.
تنظيم PKK الإرهابي لم يكن بعيداً عن هذه المصالح، إلا أنّ مصلحته الكبرى كانت في الجانب الآخر، إذ تزامنت أحداث غويران مع عملية عسكرية واسعة شنّتها القوات العراقية على معاقلهم في جبل سنجار، ولا بد من توجيه رسالة إلى الحكومة العراقية مفادها أنّ قيادات داعش قد تدخل العراق في أي لحظة، وما أحداث غويران سوى جزء من هذه الرسالة.
الأمر الآخر هو سعي PKK الإرهابي لإحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة، وليس أفضل من استخدام داعش لإحداث هذا التغيير، فبعد أيام من فرض بطاقة الوافد على نازحي دير الزور جاءت أحداث غويران تتويجاً لهذا القرار، إذ تهجّر عشرات الآلاف من الحي الذي يقطنه العرب إلى مناطق أخرى، وعلى رأسها المربع الأمني الذي يسيطر عليه نظام الأسد، بالتزامن مع اعتقالات واسعة شنها تنظيم PKK على أبناء العرب بحجة اشتباه انتمائهم إلى داعش، وتلك الغاية الأهم التي حققتها التنظيم العابر للحدود.
إنّ المقطع المصوّر الذي نشرته مواقع متعددة حول الأسرى لدى داعش يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ PKK الإرهابي استخدمت العرب كرأس حربة في المعركة، فالأسرى جميعهم ينتمون إلى عشائر ومناطق عربية، وهذا يعني أنّه حافظ على كوادره الكردية ولم يزجّ بهم في أي معركة، أو أي عمليات تمشيط.
سعى تنظيم PKK الإرهابي أيضا لاستثمار ما جرى، في هجومه المتواصل على تركيا، إذ اتهم الحكومة التركية بالضلوع في تحريك داعش باتجاه غويران من خلال الجيش الوطني، متناسياً أنّ من يقطن في حي غويران هم أقارب مقاتلي الجيش الوطني وأبناء ذات العشائر، وبالتالي فلا مصلحة لهم بذلك، والواقع يقول إنّ تنظيم داعش هو صاحب المصلحة في إظهار قوته ووجوده في المنطقة، ويمكن القول إنّ التنظيم حقق هدفه بتوجيه ضربة موجعة إلى PKK لن تزول آثارها حتى بعد القضاء عليه، فالحقيقة المتجلية الآن أنّ PKK غير قادر على حماية المنطقة والحفاظ على استقرارها، وتحوّل إلى مشكلة تضاف إلى مشكلات الجزيرة السورية.
ينظر عرب المنطقة الشرقية إلى المشهد الآن بعين المراقب، لكنّ الفكرة المسيطرة عليهم أنّ الحل الوحيد هو إدارة مناطقهم بأنفسهم، ولا يمكن هذا إلا من خلال قرار أمريكي يمنحهم الصلاحية في إدارة مناطقهم، ودعم جيش العشائر الذي بدأت بذوره تتجلى في المنطقة، بعد منح الأمريكان صلاحيات له بدأت بحماية خطوط النفط وقد تمتد إلى صلاحيات أكبر من سلطة PKK الارهابي.
تي ار تي